الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

يسعد صباحك يا وطن


                    تسعة وخمسون عاما قد مرّت منذ ان ارتفع لك علم ، وصار لك شعار وسلام جمهورى ، وتعاقبت عليك حكومات مثل تعاقب الفصول ، بعضها خريفية العطاء تملأك بالشبع والامان والامتنان ، وبعضها ربيعية الهوى تحلّق بك فنا وابداعا ورضا ، وبعضها صيفية فى طقسها وطقوسها ، تغلى حرارتها دماءك وتسكبها على الارض ثم تصبغك بالحزن والحداد ، وبعضها شتوية غارقة فى ظلمة لا يعتادها ولا يرتادها الا اعمى ، تحتاج معها الى لغة قديمة كى تفهم وتتواصل وتتعايش مع حزنها وحدادها ، وانت ايها الوطن العزيز كما انت ، جميل فى لحظات كمالك وجميل اذا انتقصت ، و لاينقصك الكثير ، انها بضع جسور فى انتظارنا لنعبرها معا ، بضع جسور ستأخذنا اليك وتأخذك الينا وتأخذنا معا الى رفعة مستحقة .

               جسور ستأخذنا الى صبح 1\1\1956 ، الصبح الذى بلغت فيه فرحتنا ذروة كمالها ،  الصبح الذى حلّقت فيه آمالنا بأجنحة عراض ، الصبح الذى ابتعد عنا تسعة وخمسين سنة ، وما زلنا نلاحقه عاما اثر عام كى نلتقيه ثانية ونستعيد ذات الفرحة وذات الأمل .

                      ُطهر هذا الصبح يقتضى ان تغتسل ايها الوطن وتتعطّر لملاقاته ، طهر هذا الصبح يقتضى ان نتطّهر من كل اخطائنا وخطايانا ونستغفر لملاقاته ، فتطّهر ايها الوطن  ثم اعتدل وقم الى لقائنا ، نريد ان نحيا بك ونقوى بك ونكبر بك ، نريد ان يكون نشيدنا .. اغنيتنا .. هتافنا  دائما وابدا ( انا بك وانا لك ) فقف واسترح ايها الوطن العزيز ، استرح واعبر جسرك الينا ، يسعد صباحك يا وطن .

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

رقص حبشى


                روى البخارى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت ( وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فأما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم واما قال " تشتهين تنظرين ؟ " فقلت نعم . فأقامنى وراءه وخدى على خده وهو يقول " دونكم يا بنى أرفدة " حتى اذا مللت قال " حسبك ؟ " قلت نعم . قال " فأذهبى " ) اخرجه البخارى فى صحيحه كتاب العيدين ، باب الحراب والدرق يوم العيد ، رقم الحديث 907 .

                 هذه الرواية اخذت حظا كبيرا جدا لدى العديد من الباحثين فى حياة الرسول مع اهل بيته ، عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام ، وايضا فى حياة السيدة عائشة رضى الله عنها  ، واتخذ منها البعض سندا قويا فى جواز الرقص وجواز الفرجة عليه رجالا ونساءا ، مع تشديد البعض على طبيعة حركيّة الرقص ، الى آخر ما خرج به الباحثون من رؤى وافكار ، وليس هذا ما يهمنى هنا .

                   فى هذه الرواية ،  ثمة غموض فى متنها لا يسعفنا فى بناء رؤية واضحة عن طبيعة علاقات واشكال تعايش الاثنيات  بجزيرة العرب فى حياة الرسول (ص) ، اذ تأتى كلمة (عيد) فى متن الحديث مبهمة وعارية من اى تعريف يحدد هوية اصحابه ، ومصدر الغموض هنا ، ان السيدة عائشة (رض) كانت راجحة العقل والحديث ويكفى ان الرسول (ص) قال (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء) ، فلا يعقل ان يكون نصف الدين مودعا عندها ويأتى حديثها فى رواية البخارى بهذا الغموض والابهام الذى احاط بكلمة (عيد) ، هل هو عيد خاص بأولئك السودان ام هو احد عيدى المسلمين الفطر والاضحى ؟ .

                  ما يهمنى فى هذا الحديث ، ان ميدان الرقص كان مسجد رسول الله (ص) فايّا كانت هويّة العيد ، فأن وجود هذه الاثنية بمسجده وهى تؤدى رقصا طقوسيا غريبا على مجتمع الجزيرة ، استدعى لغرابته هوى السيّدة عائشة للفرجة عليه ، امر له دلالات عظيمة تدعونا الى البحث  ، سواء أكانت هذه المجموعة من السودان مسلمة او على دينها ، واعظم هذه الدلالات فى تقديرى ، هذه الرحابة وهذه السماحة التى اتسم بها فضاء المجتمع النبوى بحيث اتسع لحق الآخر الذى يساكنهم ذات الارض وربما يشاطرهم ذات الدين فى ممارسة احدى تقاليده وعاداته فى ارفع واسمى مكان يبجله العرب والمسلمون الى يومنا هذا ، وهو مسجد رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام ، فما اعظمه من دين تسع رحابته كل شىء .

                  

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

هنا حرب فأنت محارب


                   الحرب اسوأ ما فى تأريخ البشرية ، ولا يظنن احد انها بعيدة منه مهما ابتعد ميدانها مئات الاميال ، ستجدها حاضرة حتى فى كوب الماء الذى تشربه ، وحاضرة فى احلامك وكوابيسك ، وحاضرة فى كل فعل اعتدت عليه من بداية يومك الى نهايته ،
  اسوأ ما فى الحرب انها اذا قرعت طبولها فأنت محارب سواء اكنت معها او ضدها ، انها ساحة فى اتساع مستمر ولا تقبل الحياد ، لا منأى منها الا بوأدها فى حينها ، واجمل ما قيل فيها ( الحرب مجزرة بين اناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض ) .
                   
                  فكلما انهارت مفاوضات لوقف الحرب او ابعاد شبحها ، لا تبحث عن اى الاطراف تسبب فى انهيارها ، بل اى الافكار تسببت فى انهيارها ، واى افكار تهرب الى اجندة بعيدة عن اسباب الحرب مهما احتمت بالجغرافيا والتأريخ والعرق واستبداد القوة ، تتراءى لى افكارا صادرة من سحالى قادمة من مجرّة بعيدة لا تحيا الا على دماء البشر - هذا القول قياسا على قول احد علماء الفضاء الذى وصف حكام عالمنا بأنهم سحالى فضائية - فالمفاوضون من اى طرف كانوا هم فى الواقع رسل سلام ، ويجب الا ينهوا هذه المهمة بتحريض يقود الى الحرب وانما اذا تعذّر عليهم الاستمرار فى التفاوض ،  ان يختموا جولتهم بتصريح متواضع يقول (هذا اقصى ما وصل اليه عصفنا الذهنى لأنهاء هذه الحرب ، فأبحثوا عن آخرين اعلى قدرة منا) .

                     كل مرة تذهبون فيها الى الحرب ، تعودون الى ذات المائدة بجراحات اثقل من سابقاتها ، فأى جنون هذا الذى يجعل من ارواح البشر ودمائهم وقودا للعقل كى يرعوى ؟

                     علينا ان نواجه حقيقة ان للسلام ملايين الطرق ، وان اغلاق العقل على فكرة او مشروع او اى هوى آخر ، هو طريق الحرب الوحيد ، افتحوا عقولكم وقلوبكم على مصراعيها لتتسع لكم هذه الارض او ليصعد كل الى جبله بدلا من هذه المجازر المؤلمة .
                  

                    

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

القلب سيّد الغواية


                  شرس هو القلب ،  يرى ويسمع ويحس ، ولديه ذاكرة لا تنسى ولا تخرب وثرثرة لا تنتهى ، وليس هذا ما يرعب فيه ، ما يرعب فيه حقا ، هذه الغواية التى يمسك بكل حبال الاعيبها بتهور محترف مغرور ، ثم يفتلها حول عنق احاسيسك ومشاعرك واشواقك وامانيك ، مشنقة معلّقة على وجه امرأة تراها لأول مرة فترى فيها الأسر الجميل ان لم يكن الجنون الأعظم او الرعب الكبير ، ثم ينهر كل مفردات اللغة المخزّنة فيك لتصرخ بحالك وانت معلّق امام هذا العالم البديع .

                   فتصرخ قصائدا ، وتصرخ اغنيات ، وتصرخ حكايات ، وتصرخ سيلا من توسّل ومناداة ، وحين يشتد الوجع بصراخك ، تصرخ يائسا ، ليت الامر كان بيدى ، انه القلب سيّد الغواية ، فلا تعزريه ، خذيه وافعلى به ما شئت ، امضغى هذا الشرس مضغ كلب شرس ، هو لك .

الأحد، 30 نوفمبر 2014

تطبيق القرار 181


                  من المؤسف حقا ان تسعى جامعة الدول العربية لتقديم قرار لمجلس الأمن بشأن دولة فلسطينية ، والمؤسف فى الأمر ان تطالب الجامعة الموقرة بما تبقى من الدولة الفلسطينية التى قام ذات المجلس بتقسيمها فى العام 1947 لتكون دولة فلسطينية .

                  الكرامة العربية تستوجب ان تطالبوا بتطبيق القرار رفم (181) الصادر فى 1947 طالما اصبح وجود اسرائيل امرا مسلما به كدولة قائمة فى هذه الارض ، فهو على الاقل سيبحث فى مسائل ترسيم الحدود بين الدولة الأم فلسطين والدولة المنشأة اسرائيل ، بدلا عن مشروع سيشعل جدلا جديدا تطول مساجلاته عقودا مماثلة لما طالته هذه القضية منذ قرار التقسيم .

                  فبعد اكثر من ستة عقود تقريبا ، انخفض سقف مطالبنا بحيث اصبحنا نلهث خلف الضفة والقطاع اللتين كانتا تحت ايدينا لنقيم عليهما الدولة الفلسطينية ، وحتى الآن لم ننجح فى تحقيقه ، واخشى ان يدخلنا مشروع الجامعة الجديد فى متاهة جديدة لنخرج منها بعد ستة عقود مطالبين (برام الله) فقط دولة فلسطينية ، فلعبة الزمن ظلّت فى مسار هذه القضية ، اداة فعّالة فى التوسع الاسرائيلى .

                  دعونا من هذه المشاريع التى ظلّت طوال تأريخ هذه القضية المسنة تكلفنا الكثير الكثير ، وليكن مشروعنا الوحيد فى منعرج الضعف الذى نعيش فيه هو تطبيق القرار 181 لسنة 1947 .
                

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

مشانق من مصارين


                الثورات اصبحت ترعبنى اكثر من الحروب ، على الآقل فالحرب يمكن السيطرة عليها من قبل النخب الحاكمة التى تخوضها بعد ان تهدأ موجة الجنون والجشع التى انتجتها ، اما الثورات وان كانت حلم البشرية الأعظم فى الخلاص من الظلم والطغيان ، الا ان ثمة تأريخ مسكوت عنه ينجح دائما فى حجب اكثر وقائعها جنونا وتوحشا .

                فى الثورة الفرنسية كان شعار (اشنق آخر ملك بأمعاء آخر رجل دين) يرتقى الى درجة نشيد مقدس ، تردد صداه الشوارع المحتشدة بالغبن المتراكم جراء الظلم المتراكم ، ولا اخالنى اجانب الحقيقة ان قلت أنه لا يزال يدغدغ اوتارا عميقة فى وجدان العديد من الشعوب ، ويدعوها للخروج ، ولكن الشعار فى حد ذاته عبارة عن عنف فوضوى مظلم او بتعبير ارقى للمفكر الجزائرى الكبير محمد اركون ( لم اكن اقبل بشكل خاص ربط حركة معطاءة وجميلة كالثورة الفرنسية بالعنف الدموى والارهاب الاعمى ، هى التى انفجرت ضد الظلم والطغيان ) . من كتاب التشكيل البشرى للأسلام الطبعة الاولى 2013 -الناشر المركز الثقافى العربى -الدار البيضاء المغرب ص 30 .

                  وفى الدول التى اندلعت فيها الثورة او بدت فيها الثورة امرا حتميا ، لم يغب عن بصر الناظر اليها حضور هذا العنف الدموى والارهاب الاعمى ، ليس كخطر كبير على النظم الحاكمة وحسب ، وانما خطرا اكبرعلى تطلعات واحلام وامانى قادة وجماهير الثورة ، وعلى حياة الذين هم خارج دائرة الصراع ، وقد فاق فى فظاعاته شعار الثورة الفرنسية اعلاه بحيث شهدنا رؤوس البشر صارت كرة تركل بالاقدام .

                  فكرة الثورة تبدو لدى كثير من المكونات المنخرطة فيها او المتأهبة لها ، اقرب الى فكرة الانتقام ، او دورة جديدة من الظلم والطغيان ، فكرة الثورة فى ابسط معانيها هى بناء حياة كريمة لكل الناس وليس نصب مشانق من مصارين على الطرقات .

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

سقوط فكرة اللجوء


فتيات كرديات يحملن السلاح (الصورة من موقع درر العراق)
                 ثمة فتيات كرديات وقفن تحت الشمس وعلى اكتافهن السلاح ، تركن منازلهن من خلفهن لتصير مخازنا للذخيرة والعتاد ، مواجهة الموت فى الارض التى رأين فيها النور لأول مرة ، وتنفسن هواءها لأول مرة ، افضل الف مرة من الملاجىء ، الملاجىء لا تحمى عرضا ولا ارضا ، الملاجىء تجرّد المرء من صلاته اليومية مع البيوت والشوارع والحدائق التى تغذيه بالألفة ذهابا وايابا ، وتحيلها الى مجرد ذكريات مبللة بالدموع والدم ، وتحبسه فى الواقع داخل مخيّم اشبه بزرائب الرقيق فى القرون الفائتة ، ثمة قيصر يريد ان يعيد لعبة الحرب القديمة الى راهن عالمنا ، يريد ان يعيد لعبة الغزو والسبايا ، وحدهن الفتيات الكرديات علمن نوايا هذا التيس العفن فأستعددن له ، علمن ذلك بعد ان رأين ما حلّ بالسوريات ومن قبلهن العراقيات فى الملاجىء العربية والاسلامية ، او فى ملاجىء العهر القسرى ،  ، كل حروب المنطقة تبدو فى احد وجوهها استهداف مريع لأفخاذ المرأة فيها ، حتى وان كان الغازى ممن يعلّق الصليب على رقبته او ممن يحمل راية (لا اله الا الله محمد رسول الله) او من اولئك الذين تقودهم فكرة مجنونة الى نهر من الدماء لم يحسبوا له حسابا فى لياليهم المزدانه بطموح مكابر .

                   ان تستعصم الفتيات الكرديات ببندقية لتحمى التراب الذى مشين عليه اوّل مرة ، يعنى سقوط فكرة اللجوء ، يعنى تقديسا للوطن مهما كان صغيرا ، يعنى ، الوطن يستحقه من يحميه بروحه ودمه ، ثمة وطن قادم على اكتاف الكرديات المثقلة بالسلاح ، شاء من شاء وتآمر من تآمر وابى من أبى .

الجمعة، 3 أكتوبر 2014

جبل للخطايا


                    كل المسلمين يرجون ان يلقوا الله كما ولدتهم امهاتهم ، يرجون ملاقاته بلا خطايا ، ولكن بعضهم يرجىء هذا الرجاء استجابة للنفس الأمارة بالسوء ، ومتى شبعوا من المعاصى ، يبدأون بنقاء طفل غرير ، فى فعل الخير من لحظة توبتهم وحتى لحظة يؤذن للناس بالحج ، لو كان لجبل عرفات ان يتكلم فى حاضرنا عن تلك الاثقال التى يرميها الصاعدون عليه من هؤلاء البعض ، لأنشقت الأرض من هولها ، ولكن الله غفور رحيم يغفر الذنوب كلها .

                    منذ الصغر تعلّمنا ان من يحج البيت يعود اشبه بملاك ، يعود بلا خطايا ، وكانت الطاقية والمسبحة وشربة من ماء زمزم تضعك ضمن زمرة الحجاج ، تذهب بهما للصلاة فرحا مزهوا بهذه الايقونات القادمة من ارض المغفرة والقادرة على مسح كل خطاياك الصغيرة التى لا تسوى شيئا فى موازين الذنوب ، فهمنا ان الحج مغفرة الذنوب ، وهو كذلك ولكننا فهمناه بعقل تلميذ فى الاساس ينظر الى الحج نظرته الى استيكته التى تنجده كلما اخطأ فى مسح اخطائه ، فبعض الصاعدين الى عرفة يعودون كما ولدتهم امهاتهم ولكنهم يعودون سريعا الى احضان النفس الأمارة بالسوء حتى موسم الحج القادم .

                     قبل سنوات قليلة فى مصر اثارت دعوى قدمها ابن ضد ابيه متهما اباه بالسفه ومطالبا بحجز امواله لعزم الوالد الحج بالدرجة الفاخرة حسب التصانيف التى حددها المتاجرون بشعائر الدين ، اثارت جدلا فقهيا واجتماعيا كبيرا ، ولا يهم هنا ما انتجه هذا الجدل بقدر ما يهم الاجابة على اسئلة مقلقة وتثير المخاوف :

                      كيف تمكن اعداء هذا الدين ان يجعلوا من احد اركانه محلا للأتهام بالسفه للدرجة التى يقاضى فيها ابن اباه ؟
                      كيف تمكنوا من افراغه من معانيه ومقاصده وحوّلوه الى مجرد برنامج سياحى ؟
                      هل هنالك مشروع خبيث يمضى حثيثا فى احتكار شعائر هذا الدين لتكون وقفا على الاغنياء ليعزله عن قاعدته ؟
                      هل سيأتى علينا يوم نجد فيه ان مناسك الحج اصبحت محتكرة لدى شركة لا يمكنك معها ان تؤدي هذه المناسك الا على طريقة قناة الجزيرة مع مباريات كأس العالم ؟

                       لكل المسلمين الذين يشتاقون الى بيت الله الحرام ، لا خوف عليكم ولا تحزنون ( لا يكلّف الله نفسا الا ما أتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا)
                      وكل عام وانتم بخير

الأربعاء، 27 أغسطس 2014

شعب يحب السلام


                  لحظة خروج اهل غزة عقب توقيع الوفد الفلسطينى لأتفاقية هدنة طويلة بتفاصيلها المعلنة فى القاهرة ، شبيهة بلحظة الانعتاق من اسر طويل ، فالشعور العارم بالفرحة غمر آلاف الاميال ليلامس ويطيّب وجدان الناس فى اقاصى الارض ، الناس الذين تضرروا من مشاهد الحرب الصادمة التى عاشتها غزة قرابة الشهرين ، وعاشتها من قبل مرات ومرات ، ما اجمل الفرح حين يخرج الى الشوارع محمولا على اكتاف خلق الله المحبة للسلام ، لقد قالت غزة والفلسطينيون : نحن شعب يحب السلام .

                   كم ادهشتنى قدرة السلام  فى تلك اللحظة على مداراة كل الآلام التى راكمتها الحروب البشعة التى شنتها اسرائيل على الفلسطينيين طوال العقود الفائتة ، انه السلام ، فما اعظمه حين يفيض على البلاد بالفرح ، وما اعظمه بدءا حين تنادى به رب العزة والجلالة اسما من اسمائه الحسنى ، وما اعظمه حينما يظل ابدا طريقا مقدسا للصالحين من الناس وامنية عزيزة للأبرياء منهم .

                   لأبن عربى قول جميل فى وصفه ومعانيه ودلالاته ، قال ( الناس نفوس الديار ) ، فهاهم ناس ديار فلسطين يعلنون فى تلك اللحظة عن مكامن نفوسهم المحبة للسلام ، نفوس كم جرّحتها الحروب وازهقت ارواحها وخرّبت بيوتها ومع ذلك نهضت من وسط هذا الجحيم نشيدا طويلا يتغنى بالسلام ، فمتى يكف هذا العالم عن بلادته ويعى ان هذا الشعب اجدر الشعوب بدولة حرة ، يعيش داخلها حرا ؟

الاثنين، 18 أغسطس 2014

ادوات النظام الدولى


                      داعش والدولة الاسلامية اللتان تصدرتا الميديا العالمية هذه الايام ، مولود شرعى لأزمة دول التعدد الأثنى والعرقى والدينى ، لفشل هذه الدول المريع فى خلق ارضية عادلة للتعايش بين مكوناتها ، وفشلها المريع فى ايجاد صيغة آمنة تمكنها من التعاطى مع مبادىء ومواثيق وعهود واتفاقيات المجتمع الدولى او النظام العالمى القائم ، فأصبحت ازماتها باوضاعها المضطربة عقبة كؤود امام مشاريع النظام العالمى ويراها مهددا لرفاهية شعوبه ، وقد كان صمويل هنتجتون صادقا فى مؤلفه (صراع الحضارات - الطبعة الاولى 2006 - طبعة دار الامل للنشر والتوزيع ص 169 ) حين اوضح نوايا المجتمع الدولى فى كيفية معالجة هذا التحدى حيث قال :

                     ( ان السياسات العالمية بعد ان حفزتها حركة التعصير يجرى اعادة تركيبها الآن لتكون منسجمة مع الخطوط الثقافية ، فتتقرب الشعوب والدول ذات الثقافات المتشابهة لتجتمع معا ، بينما تتباعد الشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة فتفترق .... الخ ) والآن حين يتابع المرء ما يجرى فى العراق من نزوح وتهجير لليزيديين والمسيحيين ، ويرى قيام التكتل الكردى فى الشمال والذى الغى الجغرافيا السياسية لأماكن تواجده المعروفة بكل من سوريا وتركيا لمواجهة الخطر الناشىء من عمليات الدولة الاسلامية وداعش ، لا يجانب المرء الصواب حين يرى ان كلا التنظيمين يلعبان بوعى منهما او بغير وعى ، دور الاداة الماضية فى اعادة بناء النظام العالمى ، فثمة خريطة جديدة اخذت تتشكل فى افق العراق ،  والمتابع لجراحات هذا الوطن الشقيق منذ حرب الخليج الاولى ، لا يغيب عن ناظريه خطا النار اللذان فصلا الشيعة فى الجنوب والاكراد فى الشمال ، واشعلا الوسط السنى بأحلام الدولة الاسلامية بكل ما صاحبها من عنف ودماء ومحاولات مستميتة لاحياء تواريخ استترت خجلا فى كتب التراث .

                     ما يجرى الآن فى العراق هو نموزج لما سيؤول اليه الحال فى دول التعدد التى عجزت عن ادارة تعددها بما يلبى الحد الادنى من متطلبات المجتمع الدولى الضاغطة خلف الكواليس ، وعجزت ان تلبى الحد الادنى من متطلبات مكوناتها ، وعجزت ان تتيح لهذه المكونات فرصة ان تدير شئونها منفصلة عن سطوة الدولة المركزية ، ما يجرى فى العراق الآن رسالة واضحة لدول التعدد بأنها تقف الآن على مهب الريح ( فالتكتلات التى حددتها العلاقات بالايديولوجيا وبالقوة العظمى تنهار وتخلى السبيل لقيام تكتلات تحددها الثقافة والحضارة . ويجرى اعادة رسم الحدود السياسية على نحو يزداد يوما بعد يوم لتتلاءم مع الحدود الثقافية (العرقية والدينية والحضاراتية) وتحل محل كتل الحرب الباردة وتصير خطوط الصدع بين الحضارات اكثر فأكثر هى الخطوط المحورية للصراع فى السياسات العالمية . صمويل هنتجتون المرجع السابق ) .

الاثنين، 11 أغسطس 2014

المقاومة ووكر الافاعى


                         قيادة كتائب الفسّام اشترطت على اسرائيل مدها بقوائم عملائها فى غزة والضفة مقابل كشف مصير الاسرى الاسرائليين طرف المقاومة ، هذا الخبر حين بثته قناة الجزيرة ، اصابنى بالذهول وبالحيرة فى طريقة تفكير العقل الذى يدير المقاومة بغزة ، وأكّد بما لا يدع مجالا للشك ، ان المقاومة فى حاجة ماسة وعاجلة للمساعدة من عقول مستنيرة خبيرة بالتفاوض مع الدهاء الأسرائيلى ، لتنقذ ما يمكن انقاذه من التضحيات الغالية التى قدمها ابناء غزة طيلة هذه الحروب البشعة التى شنتها اسرائيل ، مساعدة عاجلة قبل ان ترتد مفاوضات القاهرة خنجراعلى صدر المقاومة اولا واهل غزة ثانية والقضية الفلسطينية اخيرا .

                         كيف بالله ارتقت مصداقية اسرائيل لدى المقاومة للدرجة التى تطالبها مطمئنة ان تمدها بقوائم للعملاء فى الضفة والقطاع ؟!

                         لا اشك لحظة ان مخابرات اسرائيل تشحذ فى هذه الاثناء كل خناجرها المسمومة لتحملها على ظهر هذا الطلب لطعن ظهر المقاومة ، وستمدكم بأسماء بعيدة عن الظن لأنها بعيدة عن الخيانة والغدر ، ستثير دهشتكم وتفتح شهيّة صرعى الحقد والكراهية لقتلهم ، ليفتحوا بذلك الباب على مصراعيه لأوكار الافاعى لتدخل الضفة والقطاع مختالة تبث سمومها فى كل اتجاه .

                        اتفهم مقدار الألم والحرقة التى عانتها المقاومة من هؤلا العملاء الخونة ، واتفهم بشاعة الجرم الذى ارتكبوه بمدهم اسرائيل معلومات راح ضحيتها نفر كريم وصادق من المقاومين ، وفقدت جراءها المقاومة بنيات واسلحة وعتاد تحصّلت عليه بشق الانفس ، ولكن ان تقودكم فكرة الانتقام لدخول وكر الافاعى طوعا واختيارا ، امر يستوجب التحفّظ على موقفكم التفاوضى .

                        دعوا مسألة مفاوضات القاهرة لعناصر السلطة ، فقد اثبتت طوال السنوات التى اعقبت اوسلوا قدراتها على حشر اسرائيل فى زوايا ضيّقة ، فضحت نواياها تجاه عملية السلام ومراوغاتها المكشوفة للتنصل من المواثيق والعهود .

                        اما اولئك العملاء الخونة فالزمن كفيل بكشفهم ، فتجارة المعلومات اصبحت فى ايامنا هذه اكثر تجارة رابحة ورائجة ، ويمكن الحصول عليها من خزنتها الاصليين امثال سنودن وغيرهم كثر .

الأربعاء، 30 يوليو 2014

غزة تستحق الحياة


               
                      غزة مدينة مأهولة ببشر وليس بشياطين حتى تغلق عليها كل النوافذ ، مدينة مثلها مثل كل المدن تستحق ان تعيش كما تعيش رصيفاتها ، بميناء جوى وبرى وبحرى ، وتستحق ان تنشىء حدائقها ومنتزهاتها ومسارحها بدلا من الخنادق والانفاق ، ويستحق اطفالها حين ينظرون الى السماء ، ان يتغزلوا فى قمرها ونجومها بدلا من الترقب الوجل لصاروخ او قذيفة تطبق على منزلهم فجأة ، غزة مدينة تستحق الحياة .

                      مطالب المقاومة تلخّصت فى مطلبين ، وقف العدوان ورفع الحصار ، فهل يعقل ان يرفض اكثر الناس جنونا هذين المطلبين لوقف البشاعة التى تجرى بغزة الآن ؟

                       المصالحة الفلسطينية التى تمّت ووحدت الضفة والقطاع ، ازالت تعقيدات الوضع السياسى الذى اعقب انفراد حركة حماس بالسلطة فى غزة ، وتستطيع السلطة الفلسطينية بحكومة وحدة وطنية ادارة شئون القطاع بما يحفظ لجميع سكانه كافة حقوقهم وبما يطمئن المجتمع الدولى والاقليمى على سلامة الحركة على المعابر والموانىء ، بشرية كانت او خلافها .

                      كل الذى ينتظره الفلسطينيون الآن ، هو الضمانة الكافية لأشاعة حياة حرة كريمة فى الضفة والقطاع ، والضمانة الكافية ضد اى عدوان الى حين اقامة الدولة الفلسطينية ، فما الذى ينتظره العالم ليوقف هذه البشاعة التى تجرى بغزة الآن ؟
















الثلاثاء، 29 يوليو 2014

الشرطة تسترد اعتبارا



                        القرار الجمهورى القاضى بترقية السيّد اللواء شرطة معاش احمد المرتضى البكرى ابو حراز لرتبة الفريق شرطة ، والتكريم الذى صاحبه بالحضور الرفيع لرموز السلطة ، اتخذ شكلا احتفاليا لرد الاعتبار لأحد رموز الشرطة من الذين طالتهم ظلما سياسة الفصل ، السياسة التى لا يزال يتجرّع مرارتها الكثيرون ، وبدا ايضا موقفا جديدا وقويا من خطل تلك السياسة التى اساءت بشدة لتأريخ الخدمة العامة فى السودان واضرّت بمؤسسات الدولة وشرائح عديدة بالمجتمع السودانى .

                       تأريخ السيّد الفريق شرطة احمد المرتضى البكرى ابو حراز بقوة الشرطة يفيض على هذه الرتبة التى تحلّت به ، وان يجد هذا التأريخ التقدير والاعتبار من اعلى سلطة فى البلاد ويأتى محمولا بقرار جمهورى ، امر يبعث على الشكر والامتنان ، ويثبّت يقين المظاليم بأن الحق دائما يعلو ولا يعلى عليه ، وأنه عائد لأصحابه مهما طال الزمن .

                       التهنئة الحارة لسعادة الفريق شرطة احمد المرتضى البكرى ابو حراز ، والتهنئة موصولة لضباط الشرطة المفصولين ، فثمة ضوء فى نفق الظلم الطويل قد بدأ يشع بالعدل والانصاف ، والأمل قائم ان تتسع دائرته لتشمل كل صاحب حق .

                        والتهنئة موصولة لجهاز الشرطة الذى استرد اعتبارا مستحقا اضاف كثيرا لثبات هذه المهنة .



 ، 

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

خيار مر


                        ضاقت على ابى مازن الخيارات امام صلف وغطرسة اسرائيل فى الضفة ووحشيتها فى القطاع ، فلم يجد بدا من طلب الحماية الدولية للفسطينيين ، وفى تقديرى ان المجتمع الدولى الذى صنع اسرائيل ، لن يتوانى فى الاستجابة لهذا الطلب ، بل سيبذل جهده لأعداد مشروع مفخخ سنكتشف فى آخره انه صمم خصيصا لحماية اسرائيل .

                         فوراء كل حرب تشنها اسرائيل ، يأتى فى نهايتها مشروع حماية تحت مسميات مختلفة ، آخرها اليونيفيل فى جنوب لبنان ، وعندما يخرج الى الوجود مشروع حماية الفلسطينيين تكون اسرائيل قد اكملت حماية حدودها بقوات وعتاد وتمويل دولى ، لم يكلفها سوى ثمن الهجمات العنيفة التى شنتها على العزّل فى الضفة والقطاع .

                          ماذا عن الفلسطينيين فى المخيمات ؟ هل سيشملهم هذا المشروع ام سيظلون هدفا للمغامرات والمؤامرات الدولية الموسوسة بالتوطين واعادة التوطين ؟

                           انه خيار مر ، انتجته ببراعة العراقيل والعقبات الاسرائيلية التى وضعت بدقة فى طريق السلام ، وفشلت معها كل الجهود الدولية والامريكية من تخطيها لأنهاء هذا النزاع الطويل ، انه خيار لا يعنى سوى ان فكرة الحرب المسيطرة على العقل الاسرائيلى لم تدع خيارا آخرا للفلسطينيين المقتنعين بجدوى السلام ، ويعنى ان ثمة تطور جديد على مسار هذا الصراع سيبزغ الى الوجود فى ظل مشروع الحماية اذا تمّ .

                           احسنت ابا مازن ، آن الاوان ان يتحمّل المجتمع الدولى مسئولياته عن صناعته .

السبت، 12 يوليو 2014

قافلة من الوعى الى غزة


                       تستعد الآن اكثر من حكومة عربية واسلامية لتقديم المساعدات الطبية والغذائية لقطاع غزة ، ذات السيناريو المتكرر والمتزامن مع الهجمات الاسرائيلية على القطاع ، اى تستعد هذه الحكومات لتقديم اضعف الايمان لأنسان غزة المحاصر فى الداخل والخارج ، او تفعل ذلك لتبييض وجهها امام شعوبها الغاضبة من وحشية الحرب التى تشنها اسرائيل ، غاضبة من وحشية الحرب هنالك ومن صمت السلاح الخامل هنا ، و الذى لا ينشط الا على صدور من دفعوا ثمنه جوعا ومرضا وجهلا ، حتى بدا السلاح فى يد حكوماتنا متماهيا مع السلاح فى يد اسرائيل ، كأنما هذا الشعور الثقيل بالهزيمة المتكررة من اسرائيل احدى آليات السيطرة على الشعوب العربية ، تحرص عليها نظم الحكم كحرصها على كراسى الحكم .

                        قوافل الاغاثة تبدو فى احسن الاحوال اقرب الى حمولات علف متجهة الى زريبة خراف معدة للذبح قريبا ، فقد تكرر مشهد الحرب اكثر من مرة بذات الوحشية وذات النتائج مع ذات القوافل ، فذات الفكرة المسيطرة على اللاعبين فى القطاع تسيطر على اسرائيل ايضا ، وكذلك على بقية الدول التى تشارك فى اخراج المشهد بأشكال مشاركاتها المختلفة ، كأننا امام مقرر كريه ، علينا ان نصطلى بآلامه بين الحين والحين .

                      غزة ليست فى حاجة الى قوافل اغاثة ، غزة فى حاجة الى قوافل وعى واستنارة ، فى حاجة الى ان تتعلّم كيفية المحافظة على هذه الشجاعة النادرة التى تتحلى بها فصائلها ، وتدخرها للظرف المناسب والمكان والوقت المناسبين ، لا ان تهدرهما فى دورة عبثية تتجدد بين الفينة والاخرى ، غزة فى حاجة الى تنوير مستمر ليعلم الممسكون بأمورها انها جزء من فلسطين وليست جزءا من مشروع آخر يفرق بين الاشقاء ليفرق بينهم الارض ايضا ، عليها ان تكون فلسطينية فى كل ما تفعله وما تقوله وما تعيشه على الارض ، ليكون كل العرب والمسلمين بمختلف توجهاتهم فلسطينيين يقفون معها فى وجه الموت صفا واحدا .

                       اعلم ان غزة عظمة عربية عصيّة على الكسر ، وهى اقوى بأبنائها ، وستكون اكثر قوة بأشقائها .

الخميس، 10 يوليو 2014

ارض الموت بالصواريخ


                     يبدو لى مع هذه المجازر المتتالية على ارض فلسطين ، ان كل طفل صغير هنالك اخذ يحلم بصاروخ فى يده ، بصاروخ حقيقى وليس لعبة ، بصاروخ ينطلق من ذات المكان الذى شهد فيه مقتل ابيه او اخيه او قريبه ، ذات المكان الذى شهد فيه اذلال اهله وتدمير بيته واقتلاع زيتونته ، ثم يطلقه فى الاتجاه الذى اتى منه القتلة ، هذا ما صنعته اسرائيل بوجدان اجيال الفلسطينيين ، فقط الحلم بصاروخ ايّا كان نوع الرأس الذى يحمله الصاروخ .

                       الصاروخ صار يعنى ثأره وقصاصه ، صار يعنى وجوده ، وقريبا ستمطر سماء اسرائيل صواريخا بألف رأس ورأس ، فالعلم والتقنية لم تعد احتكارا لأحد ، فضاء الانترنت الممتد مع هذا الكون الفسيح يفيض بكل جديد وحديث ، وانسان فلسطين لا تنقصه العزيمة ولا المثابرة ولا الاجتهاد فى الوصول الى ايسرها صناعة واكثرها اذى ، وحينها لا عاصم من ويلاتها الا الرجوع الى الحق والعدل ، لا المخابىء ولا الملاجىء المحصّنة ولا باطن الارض ستحمى احدا ، لا قبة حديدية ولا غيرها ، ستنهمر الصواريخ طيرا ابابيلا تطلق موتا بألف لون والف شكل .

                        انهم الآن يطلقونها على بوابة القيامة ، ليطلقوا رعبا لا ندرى اين تقف حدود ضحاياه ، لقد استوى فى ناظرهم الموت مع الحياة ، لم تتركوا لهم فسحة من أمل ، لقد ماتوا كثيرا وبكثرة وبكوا كثيرا ، وهم الآن على وشك ان يقيموا مأتما جماعيا ستمتد احزانه وآلامه ودموعه الى اقصى مدى يمكن ان تحمله الريح او تسبقها اليه الأشعة .

                        يبدو ان عقل العالم الشره قد غرق فى آبار النفط وهم حماية اسرائيل ، فلم يعد يرى المجازر والدمار الذى تلحقه اسرائيل ببشر هنا انتظروا اجيالا واجيالا عدل هذا العالم ورحمته ، حتى بلغ بهم اليأس حدا ، كل مؤشراته تقول ان المنطقة برمتها وما جاورها موعودة بطقس جماعى لموت لم تشهده من قبل ، نحسه من على البعد ولا احد يدرى كنهه سوى اؤلئك الذين يواجهونه الآن فى غزة .

                       

                     

                     

                       

الثلاثاء، 24 يونيو 2014

تصفية الاستعمار فى يد الاحتلال


                      فازت اسرائيل بمنصب نائب رئيس اللجنة الدولية لتصفية الاستعمار ، وتولى سفيرها السابق فى تركيا مردخاى اميحاى مهام هذا المنصب .

                      سأقطع قنبورا من رأسى لأرى ان مهام هذه اللجنة ، هى تصفية الاستعمار من الشوائب الوطنية التى تدعو لتحرير كافة اشكال الحياة فى بلادها من آثار الاستعمار والاحتلال الذى جثم على صدورهم عقودا عدة واكثر فى بعضها ، واعلن انه فى هذه الحالة فقد صادف المنصب اهله .

                       سأقطع قنبورا ثانيا من رأسى لأتعرّف على وفاء المنظمة الدولية وارى كيف انها كافأت الدولة الآكثر انتهاكا لمبادىء القانون الدولى والأكثر استخفافا ورفضا لقراراتها بهذا المنصب .

                       سأحلق صلعة واتقدم بالتهنئة الحارة للولايات المتحدة الامريكية التى لا تربطها بأعباء هذه اللجنة اى علاقة بأعتبارها خارج مجموعة المستعمرين السابقين لمنطقتنا ، واقول لها : تعجبنى اللعبة الحلوة .

                       سأضع اصبعى  يدىّ على اذنىّ وامد لسانى للأتحاد الاوروبى واقول لهم : الجاتك فى مالك سامحتك .

                        سأرفع كفىّ واقرأ الفاتحة على روح المفاوضات والحوار وحلم الدولة مع الاخوة الفلسطينيين فقد اصبح للأحتلال شرعية دولية .
                     ايها العرب ، كل حراكاتكم حول القضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم فى 1947 وحتى الامس القريب ، اصبحت الآن تراثا مسليّا يحكى عن سذاجة الشعوب ، وحالكم الآن مع فتنة السلطة القائمة فى كل عاصمة ، اسوأ من حالكم طوال العقود الفائتة ، واخشى عليكم العواء فى الصحراء بلا مأوى او كما قال الشاعر .     

الاثنين، 16 يونيو 2014

رشد القلب


                       متى يبلغ القلب رشده ؟

          مولانا جلال الدين الرومى يقول (انا لم آت لهذا العالم الا لأجد طريق العودة للحبيب مرة اخرى) ، أيكون طريقك ايها الحبيب البعيد القريب ، هو المكان الذى يبلغ فيه القلب رشده ؟ .

                        وهل يكفى الطريق وحده كى يهدأ قلب المحبين من تعب العشق الذى لا ينام ؟ محمود درويش يبكى القلوب بعذب الكلام و يبكى حاجته الحارقة للكفاية من الحبيب  (فخذينى كى اصبك خمرا نهائيا لأشفى منك فيك .. وهاتى قلبك انى ولدت كى احبك). و هى ذات الكفاية التى قال بها ابن عربى (لا تصدق المحبة بين اثنين حتى ينادى احدهما الآخر : يا انا) .

                          الشعر اعذبه الكذوب وان صدق ، هو لا يبلغنا رشد القلب وانما يطفىء كثيرا من نيرانه ، او يشعلها نيرانا جديدة اكثر ضراوة (اهديك حب عقول من بعده قلبى خلاص عقر) ترى هل بلغ شاعرنا الغنائى الرقيق عثمان خالد رشد القلب وهو يبدى كل هذه الصرامة فى الحب ؟ لست ادرى ، وان كنت ادرى ان مثل هذا الكلام يلم مخيلتك ويحملها على بساط الريح ثم يرسلها (الى مسافرة) الى رحيق كل الحدائق ، الى وطن الجمال ، الى حيث يبلغ القلب كفايته من الرشد والسكينة والسلام .

                          القلب معجزة من معجزات الخلق ، هذه العضلة المندسة بين عظام هشة ، لا يعرف رحابتها الا من ملأ عقله بالحديث القدسى (لم تسعنى السموات والارض ووسعنى قلب عبدى)  .

                         

                            

الثلاثاء، 13 مايو 2014

ردة مريم


                      مريم يحى ابراهيم فتاة سودانية مسلمة ، اعتنقت الديانة المسيحية  وتزوجت من رجل مسيحى وحبلت منه ، ادانتها محكمة جنايات مدينة الحاج يوسف بالردة والزنا ، وحكمت عليها بالاستتابة او مواجهة حكم الاعدام وفقا لأحكام المادة 126 من القانون الجنائى (الردة) والمادة 146 (الزنا) .

                       اول ردود الفعل على هذه الاخكام جاءت من السفارة البريطانية التى حضر ممثلها جلسة المحاكمة وقال فى بيان تناقلته بعض المواقع على الانترنت : (كنا نتابع سير المحكمة عن كثب وذلك من وجهة نظر حقوق الانسان ، والمملكة المتحدة تقدر حقوق الانسان والحق فى حرية التفكير والمعتقدات ويتضمن ذلك الحق فى تغيير المعتقد والدين كأحد الحقوق الجوهرية التى يكفلها القانون الدولى) .

                     نصوص القانون الجنائى السودانى واضحة بحيث لم تدع مجالا للمحكمة سوى اصدار هذا الجكم ، ولا اشك لحظة فى ان هذه النصوص كانت معلومة لدى المملكة المتحدة وسفارتها بالخرطوم وممثلها الذى حضر المحاكمة ربما من قبل ان يفتح البلاغ فى مواجهة مريم يحى ابراهيم ، وربما من قبل ان ترتد وتغير دينها الى المسيحية ، ومعلومة بالضرورة لدى القائمين على امر القانون الدولى والحقوق التى كفلها ، ومع ذلك فالدولة السودانية وحكوماتها ظلّت منذ سبتمبر 1983 ولازالت تحظى بشرعية دولية وعلاقات قائمة مع كافة مؤسسات الامم المتحدة ، هذا مع تقديرى التام لموقف السفارة البريطانية وممثلها بالخرطوم ، ومع تقديرى التام واحترامى الكامل للحقوق التى كفلها القانون الدولى والتى ارى انها ليست فى حاجة الى مواقف انتقائية للتذكير بها ، فمعظم المسلمين فى مشارق الارض ومغاربها يعلمون ان جوهر دينهم هو اعلاء لكرامة الانسان وحقوقه وحرياته ولا يختلفون مع كل من نادى بذلك .

                       والمسلمون السودانيون فى غالبيتهم ، ظلوا طوال تأريخهم هم الارفع سماحة فى الدين ، ويكفى اسم مريم يحى ابراهيم دلالة على ذلك ، ولكنها السياسة تغيّر طعم الماء ولونه ورائحته حينما تتدخل ، وليس ببعيد ان تدفع هذه القضية الى مواجهات خارجية وداخلية تبدو شروط قيامها متوفرة بكثرة على الصعيدين .

                         قضيتا الردة والزنا هما قضيتا المسلمين فى هذا العصر ، والتراث الاسلامى على غزارة انتاجه لا يسعفنا بشىء فى مواجهتهما ، والنذر القليل ان وجد من نتاج العلماء والفقهاء والمفكرين الذين تصدوا لهما يبدو نتاجا صفويا ذا نطاق ضيّق للتداول ، والقلة التى دأبت على تناول هذه القضايا بجرأة ، تقف السياسة امامها مانعا قويا عند المحك ، وتبقى هذه الاحكام هى المجمع عليها ايا كانت طبيعة هذا الاجماع ولا عزاء للجمهوريين .

                         
                         

الخميس، 8 مايو 2014

لست وحدك


                        ونجيب محفوظ ايضا عاشق ملىء بالاسرار ، ولا يتوانى عن كشف الحقيقة بذات السلاسة التى يسرد بها رواياته وقصصه ، هكذا قالها بكل بساطة : (لايشعر بالوحدة من يذكرك) يا للروعة ، بمجرد ان تذكره يملأ دنياك بكل حدائق هذا الكون الفسيح ، سبحانك ربى ، اذكرك فتقول لى ومضة جمال من اصغر كائناتك بأننى لست وحدى ، بل يقول لى جمال اصغر جزء فى خلقك بأنى لست وحدى ، ومتى كنت وحدى وانت فى كل مكان ؟! سبحانك ما خلقت كل هذا باطلا .

                         ليس للذكرى مكان او زمان ، انها تاتى هكذا بغتة بلا استئذان ، تصاحبك احيانا كل ساعات اليوم ، واحيانا تتخيّر اكثر لحظاتك صفاءا وسكينة ، ثم تهجم عليك بعشق عاصف يستنفر كل حواسك حتى تصاب بالاعياء ، هو نفسه الاعياء الذى قال فيه الملا الجزيرى (اذا اردت ان تدعو على احد اعدائك فأطلب من الله ان يبتليه بالعشق) ، والعشق لم يكن فى يوم ابتلاءا ، كان نافذة مفتوحة على سماء ملأى بأكوان مدهشة ، او على فضاء مزدحم بالحدائق ، او عليها ، نافذة مفتوحة على طريق وحيد يقودك الى الجمال الخالد ، الى نور السموات والارض ، الى الله رب العالمين ، طريق وقوده العشق لا غير .

                          لا مفر (دع عشقك يجذبك حيث شاء الى النهاية فلن يضيعك) انه جلال الدين الرومى يعرف تماما خاتمة هذا الطريق ، خاتمته روح تلتقى رفيقتها تحت ظل الله وبصره ، وحين يتم اللقاء تتم سكينتك ، انه قول من رب رحيم (ومن آياته ان جعل لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، فكمال العاشقين سكينة ، وكمال السكينة كمال الايمان ، قال جلال الدين الرومى (وحينما اكون معك يصبح كل شىء صلاة) .

                          ان تكون وحدك فى هذا الليل هو ان تنسى ذكر الله ، ان تكون وحدك هو ان تنسى عشقك لخلق الله ، ان تكون وحدك هو ان تفلت تلك اللحظة التى جمعتك عفوا برفيق الروح ، ان تكون وحدك هو ان تستخف بحالة العشق التى اعترتك حينها ثم تقضى يومك تقمع فيها ، دعها تأخذك حيث شاءت ، لن تضيعك ، فقط امسك بها بقوة وهدهدها بما تشاء ، قل لها كما قالت طوق الياسمين (لازال فى جيوب الليل امنيات تفك ازرار القميص عنك) .

ملحوظة : طوق الياسمين صديقتى على الفيسبوك .

                           

السبت، 3 مايو 2014

بنت ملوك الزمان


                      ارجو الا تحتسب هذه التهنئة الخاصة تدخلا فيما دار حول الامانة العامة لحذب الامة القومى 

                      تزاملى مع الاميرة سارة نقد الله بديوان شئون الخدمة يملى علىّ هذه التهنئة ، فقد عرفتها مثالا للأستقامة وتأهيلا عاليا وكفاءة واداءا رفيعا ، وحضورها كان يضفى على القلب طمأنينة بأن بنات السودان بألف خير ، ولا عجب فهى بنت ملوك الزمان سليلة الكنداكات اللائى حكمن هذا الوطن ، فلا غرابة ان يجىء اختيارها لهذا المنصب تتويجا موضوعيا لقدرات امرأة لا ينقصها شىء سوى ان يتحلى هذا الموقع بها .

                      التهنئة الحارة للأميرة سارة نقد الله ، والتهنئة موصولة للأرادة التى صعدت بها لهذا الموقع لتحرز شرف السبق فى ان تكون اول من اكمل نصفه السياسى وازال العرج من خطاه .

الاثنين، 28 أبريل 2014

فقط العن المال


                         اذا صادفت اى مشكلات كبيرة فى حياتك ، واخذتك الحيرة الى آخر حدودها وردتك خائبا الى حالتك الاولى ، وضاقت بك الحياة حتى بلغ حجمك سم الخياط ، انظر الى القائمة ادناه واختر منها ما شئت :

                         امريكا
                         الاتحاد الاوروبى
                         الصين وروسيا
                         البنك الدولى وصندوق النقد ومؤسسات التمويل العالمية
                         حكومات العالم الثالث الهاربة من حقوق وحاجات شعوبها
                         السياسيون الفاسدون المفسدون فى وطنك
                         رجال الدين الزائفون
                         رجال المجتمع الصامتون عن الحق
                         رجال المال الملتحمون بالجريمة
                         المرتشون المرتشون المرتشون المرتشون
                         النجوم المصنوعة زيفا من قبل غيلان الاحتكار
                         الوشاة الكاذبون المندسون فى محيطك
                         المغنون المهرجون المفروضون على الاسماع
                         الكتاب المضللون
                         التنظيمات الارهابية

ويمكنك ان تضيف لهذه القائمة ما تشاء من الاجسام البارزة فى مجتمعك والتى ترى انها تلعب دورا بارزا فى ضنك الحياة ، ثم اصرخ بملء فيك (لعنة الله على المال) فكل دورة يدور بها هذا الكابوس ، ترقص القائمة اعلاه على ترسه وهو يدهس حاجاتك واحلامك وامانيك ويأخذ فى الاخر حياتك نفسها .

                          فقط العن المال .

السبت، 26 أبريل 2014

الفساد اشد من القتل


                         ينسب لأبن خلدون القول المأثور (اذا عمّ الفساد فى الدولة فان اولى مراحل الاصلاح هى الفوضى)
                       
                                     والفوضى هى فى ابسط تعريف لها ، انعدام النظام والقانون والقيم والاخلاق التى تحكم حياة البشر ونشاطهم ، ويبدو قانون الغابة اكثر رقيا وتهذيبا من حالتها ، لا احد يستطيع ان يرى داخلها موضعا آمنا ، ولا احد داخلها يستطيع ان ينال حقا او يحمى حقا ، فكل شىء بفعل قوة همجية جماعية منفلتة ، مباح و مستباح من الاموال الى الارواح ، هذه هى الفوضى التى ينتجها الفساد ، ولو اتينا بزرقاء اليمامة لتقول لنا ما ترى فيها ، لن تستطيع ان تقول سوى :

                         انى ارى شوارعا قد استحالت انهرا من نيران
                        وبنايات استطالت قناديلا من لهب
                        وساحات تبدو حقولا من جحيم تستسقى بالحقد وبالغضب
                         اما المدينة فقد صارت مدخنة كبيرة
                         لا ارى شيئا وهذا الدخان

         ولكن لللأصلاح اساليب اخرى لا تحوّج الدول الى هذه المشاهد المفزعة  ، انه ببساطة لا ينظر الى القانون كتابا منزلا من السماء اذا عجز عن كبح الفساد ، وانما يبتدع قوانينه الخاصة لردع الفساد وتجريده من كل ما انتجه من مصالح ، فالفساد هو خطر البشرية الاعظم (اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فقد قدمته الملائكة على القتل ،  ، فهو اشد من القتل لا يعترف بسلطة او نظام ، ولا ينتمى لسلطة او نظام ، انه غول مستقل عبر العصور ، يعرف كيف يخترق النظم والقوانين والبشر من نقاط ضعفها ليكون هو الدولة والنظام والسلطة ومالك كل شىء ، فألجموه الآن قبل ان يأكل الوطن .

الأربعاء، 23 أبريل 2014

قانون للحماية من القانون


                       السجال القانونى حول قضية شركة الاقطان بين وزير العدل الحالى ووزير العدل والنائب العام السابق يبدو مناحة على احتضار فكرة القانون عند عامة الناس ، ويبدو من جانب آخر جرد مخز لحصيلة تشريعات ربع قرن من الزمان اهم سماتها العجز  فى مواجهة الفساد وردعه ، والعجز فى حماية المال العام ، والعجز فى حماية حقوق الناس وممتلكاتهم واموالهم ، والامثلة (على قفا من يشيل) .

                        النواحى الفنية التى يدفع بها الاستاذ عبد الباسط سبدرات ، قد تكون ثغرة قانونية كافية لنجاة من افسد من عقاب رادع ، وثغرة قانونية كافية للأفلات بحصيلة وافرة من المال المنهوب ، لكنها تجرح فى الأجراءات الشكلية التى اختتمت بها القضية برمتها وبأطرافها ايضا ، فهذه قضية مال عام ، حتى الاستاذ عبد الباسط سبدرات نفسه صاحب حق فيه ، وفى تقديرى ان هذ الحق العام يقتضى موقفا اخلاقيا مغايرا يكون مصاحبا لكل خطوة فى كافة اجراءات القضية لتخرج بيضاء من غير سوء .

                         كيف للمواطن السودانى ان يحس بالامان فى ماله ومال الدولة وهو يشاهد ختام هذا الفصل السريالى من مسرحية على هذا القدر من الفساد ؟  كيف يطمئن الى القانون والقائمين عليه حينما يكتشف فى آخر المشهد طبيعة صياغاته بمروناتها الاخلاقية العالية ؟ اى عقل داهية ذاك الذى استطاع ان يشيع فى تأريخ القضاء السودانى هذه الثقافة القانونية الجديدة التى جعلت القانون فى فكر الناس يفقد مفهومه الراسخ كميزان للحق والعدل والانصاف وينحى ليكون اداة مثلى لتطبيق المثل القائل (المال تلتو ولا كتلتو) ؟

                         بالطبع لا استطيع ان الوم الاستاذ عبد الباسط سبدرات فى مرافعاته فى قضية الاقطان ، فهذا واجبه المهنى وحق الاطراف المتهمة فى القضية ، بل اجده بموقفه المتشبث والمتمسك بما وصلت اليه الاحكام النهائية وبالشكل المتحدى الذى تناقلته الصحف صباح اليوم ، كمن يلفت انظار الناس فى هذا البلد الى ما تحتويه القوانين التى تحكم نشاطهم من ثغرات من شأنها ان تنتج ذات الخاتمة التى انتجتها فى قضية الاقطان اذا تواصل تقديم قضايا الفساد النائمة والمستترة الى القضاء .

                          وبالطبع لن استطيع ان الوم كل من اتخذ منه موقفا اخلاقيا لدوره فى هذه القضية ، فهو استحقاق مماثل لأستحقاقه منها ، ولكن كل هذه المواقف التى افرزتها قضية الاقطان لن تجدى نفعا الا بقانون خاص يحمى المال العام من القانون السائد .

الخميس، 10 أبريل 2014

ان اعرفك وحسب


                       من اين جاء سوء الظن هذا ؟ يقينى ثابت لايهتز ولا يتزحزح ، فأنت لا زلت فى عقلى وفى قلبى سيّد تلك اللحظة التى امتلكتنى كلى ، امتلكتنى ولا اريد التحرر منها ، فاحب شىء الىّ ان اكون بين يديك ، ان اكون ملك يديك ، ان انسى نفسى فيك فلا اعد افكر فيك او فىّ او فى اى شىء ، هل انا الآن فيك ام انت وحدك الذى فىّ ؟ ماذا افعل كى اكون كما تريد ان اكون ؟ 

                         انا اعرف ماذا اريد ، اريد ان اكون لك وبك وفيك ولا اريد منك شيئا ، فأنت الآن منى كما قال سيّدى الحلاج (فلا تنفست الا كنت فى نفسى تجرى .. بل الروح فى مجاريها) ما اجملها رفقة .. رفقة سادتى العشاق ، تحررك من ظنك وتحررنى من عجز لسانى ، فهاهو مولاى جلال الدين الرومى يقول لك :
 
                       (ذات يوم كان لى الف رغبة ، لكنهم تلاشوا جميعا فى رغبتى الاكبر ان اعرفك .. اعرفك وحسب)

الثلاثاء، 8 أبريل 2014

الشيطان يكمن فى الآلية


                        الحوار صار مطلبا عاما ، حكومة ومعارضة وحركات مسلحة وشعبا فاض به القهر والشقاء ، وثمة امل كبير بدأ يلوح فى الافق بأن الوطن خطى اولى خطواته فى الطريق الصحيح ، وهذا القدر من الثقة الذى تحقق فى اولى جلساته التشاورية ، والسعى المنشود لأتساعها لتشمل بقية القوى المتحفظة والمعارضة والممانعة ، يبشر بأن قدرتنا على حل ازماتنا كافية دون الحاجة لعون من الخارج ، فقط كل الذى نحتاجه فى هذه المرحلة ان يظل تمسكنا بالحوار قائما مهما كان قدر التدخلات المحلية والخارجية ، فهذه المائدة المستديرة التى جمعت هذا الشمل ويأمل المرء ان تجمع كافة قوى السودان قريبا ، من الافضل ان تظل قائمة بثقل الجراح الحالية والتأريخية والتى طالت معظم بيوتات هذا الوطن فى جميع اتجاهاته ، بدلا من ان نسعى اليها لاحقا بجراحات اكثر ثقلا ، فكل حرب وكل صراعات آخرها مائدة للتفاوض والحوار .

                         وقد يبدو واضحا للمراقبين السودانيين من اهل الوجعة الذين ليس لهم لا فى عير او نفير الصراع السياسى ، ان البداية وان كانت مبشرة الا ان الوقوف المتحفز عند الآلية والاقتراحات التى قدمت حولها ، امر يدعو للمخاوف ويقود الى الاحباط من ان تكون فكرة المحاصصة هى دليل هذا الحوار الذى تنعقد عليه آمال كبيرة ، كما تبدو متكأ مريحا للشيطان ليمارس لعبته المفضلة فى الفركشة والعبث بدماء السودانيين .

                          اتركوا مسألة الآلية لجامعة الخرطوم ، فهى الاقدر والاجدر فى ادارة مؤتمرات الحوار ، ولتتفرغ كافة قوى المجتمع السودانى لطرح رؤاها ورؤياتها للخروج من ازمات هذا الوطن المزمنة ، فهذه فرصة قد لا تتكرر فى القريب العاجل ، خاصة وان هذا الشعب الصابر الصبور والذى لم يحظ فى خضم هذا الحراك بما يعزز ثقته فى الحكومة او المعارضة لا يزال يعشم بأن يخرج هذا المؤتمر بما يضمّد جراحاته ويعوّضه عن سنوات العسف العجاف .

                           تمنيت ان تمتلك الحكومة القدرة على معالجة قضيتين مع بداية هذا الحوار وان تجد هذه المعالجة الدعم القوى من المشاركين فيه من  قوى المعارضة ، وهما الاراضى والمفصولون ، فهاتان القضيتان تجلّت فيهما الدولة خصما مستبدا تجاه ممتلكات ومعايش مواطنيها المفترض ان تكون تحت حماية الدولة ورعايتها ، فمعالجتهما من شأنها ان تعزز ثقة المواطن فى الدولة والحكومات القائمة على امرها ، وستزيل فكرة ان القانون صار اداة للأحتيال اكثر منه ميزانا للعدل والانصاف بعد ان عايشوا عسف صياغاته التى اطاحت بآمال عشرات الآلاف  .

الأربعاء، 2 أبريل 2014

نهر الاحزان


                      نهر الاحزان لا يرتوى فها هو شاعر الشعب ايضا يعبر نهر الاحزان ويعلّم الموجات كيف تغنى ، شاهدت وسمعت ، وبيوت غفيرة اصطفت على ضفتى شارع الثورة ، شاهدت وسمعت امواجا بشرية مبللة بالحزن تغنى (ماك الوليد العاق لاخنت لا سراق) ، و (بابا مع السلامة) ، هكذا كان يغنى لأبناء الشعب وما كان يدرى وهو ابنه الللصيق انه كان يغنى لنفسه ، فكلهم فى هم الوطن واحد .

محجوب شريف
                       ومثلما غنى الخليل ، ومثلما غنّت مهيرة ، ومثلما غنى محبو هذا الوطن ، غنى محجوب (الشعب حبيبى وشريانى) انه الشعب لا حق الا حقه ولا هم الا همه ، انه الشعب ، يعرف من عدوه ومن صليحه ومن حبيبه الذى يحبه ، هكذا يحتشد عند وداعهم ويغنى ، فيا شريان محجوب لا تحزن انه وامثاله احياء عند شعبهم يذكرون .

                        رحم الله محجوب شريف رحمة واسعة ولأسرته ورفاقه وجماهيره حسن العزاء .

الخميس، 27 مارس 2014

خيال وطنى


                       خريطة المستثمرين فى السودان خاصة اولئك الذين يمتلكون وسائل تقنية عالية قادرة على كشف كنوز هذا الوطن المخبأة فى باطنه وتلك المجهولة على ظهر الارض ، هذه الخريطة لا تستطيع معرفة اهدافها الخفية من حركة استثمارها بالبلاد الا بمجاراتها بخيال وطنى جامح .

                        فمثلا ان تتقدم شركة متخصصة فى تعبيد الطرق والجسور ، وتعرض عليك مشروع طريق يربط بين مدينتين ويتخذ مسارا يستوجب شق احد الجبال او نسفها ، ولأن هذا الجبل الكائن منذ زمان بعيد فى موضعه هذا لا يعنى لنا طيلة هذا الزمان سوى انه جبل وحسب ، فعلينا اذا عجزت قدراتنا فى التخطيط الاقتصادى عن تحليل عرض الشركة الذى يبدو مع تكلفة مثل هذا الطريق اقرب الى الهدية ، وعجزنا للوصول الى هدفها الخفى الكامن وراء هذا العرض ، وحالت معرفتنا الجيلوجية التى تعوزها التقنية الحديثة عن تحليل مواد هذا الجبل ، وان حاجتنا للطريق حاجة ماسة وملحة ، فعلينا ان نطلق لخيالنا العنان ونتعامل مع عرض الشركة بذات الاسلوب الذى تعامل به مواطن امدرمان البسيط مع صائد الثعابين .

                         والقصة بأختصار ان محتالا بارعا فى تربية الثعابين كان يجوب احياء امدرمان القديمة التى تكثر فى بيوتها الثعابين ، مناديا بقدرته على اصطيادها بمبالغ زهيدة ، وكل اشتراطه ان يترك لوحده فى الجزء المشتبه وجود الثعابين فيه ، وعندها يخرج احد ثعابينه من جرابه ويعرضه على صاحب البيت ويطالبه بالاجر ثم يعيد الثعبان الى جرابه ثانية دون اعتراض فلا حاجة لأحد بهذا الزاحف السام ، الا ان احد المواطنين اصرّ على ان يأخذ الثعبان بأعتباره من ضمن املاكه ، ولم يستطع المحتال استعادة ثعبانه الا بعد ان دفع له اضعاف اضعاف ما تقاضاه .

                           فشركة تأتى من اقاصى الدنيا لتطرح مشروع طريق وهدفها الخفى اصطياد جبل ، علينا ان نتعامل معها بذات الاسلوب ونقول لها ، شكرا على الطريق اخذت حقك كاملا ، الجبل جبلنا ونحن اسياده وكل انقاضه لنا ، هذا هو القرار الوطنى اللّهم الا اذا كانت هنالك صفقة خفيّة عقدها غيلان الاستثمار من وراء جهلنا .

                           تمنيت لو قامت فرق الجبايات المنصوبة على الطرق السريعة بأيقاف احدى الشاحنات الكبيرة التى تنقل تلك الحجارة الغامضة وتتسآءل عن اوراقها ، او تقوم مواصفات الموانىء بأجراءات فحصها وفقا للمعايير الدولية لنعرف قدر الثروة التى هربت من بلادنا بأسم مشاريع استثمارية زائفة . 

السبت، 22 مارس 2014

تسلم عيونك يا شيرين


                         شيرين جميلة الجميلات اللائى احبتهنّ آلهة تلك الازمنة القديمة ، واختطف قلبها اقدمهم واطولهم ، انه فارسها نهر النيل ، زفت اليه من قبل الميلاد وربطت به حبلها السرى لتخرج علينا فى برنامج ( the voice ) عنقودا من عنب ، نديّا وريّانا ويتدفق حبا لأبناء وبنات النيل ، سلام عليك يا بنت يا نيل .

                         المفكر المصرى الكبير مصطفى الفقى قال ان السلطات المصرية تعاملت مع السودان بعقلية امنية ، يعنى ان سفيرها فى الخرطوم هو مجرد اسم حركى لضابط مخابرات كبير ، وحمّل هذا النهج فى السياسة المصرية مسئولية تهتك حبال الوصل بين البلدين ، لقد صدق فما يربط بينهما اقوى وصال شهدته حياة البشر ، انه الماء ، هذا النهر الذى اشعل اولى شرارات الحضارة البشرية  .

                         وفى الثمانينات نقلت الينا مجلة اكتوبر المصرية بعضا من وقائع عن امن مصر القومى قال فيها محمد حسنين هيكل ، ان الخطر على امن مصر يأتى دائما وعبر التأريخ من الشرق وتكفى الجنوب دبلوماسية هادئة لدرء اى مخاطر .

                          استمعت الى صيحات شيرين فى هذا البرنامج وهى مزهوة تتباهى بأبن النيل ، فأستمعت حينها الى اهتزاز وجدان كثير من السودانيين ، هى فى الواقع صيحات كانت تنادى فى تلك اللحظات مصر التى كنا نعرفها ، بلدا تحيطك بالألفة والامان ولا تحس فيها ابدا بغربة ، صيحات مسحت كل التفاهات التى استفرغتها بعض حثالات مصر فى ازمنة سوء الفهم بين الحكومات كتوفيق عكاشة وألجمت آخرين مثله كأسكراب المغنية اللبنانية مادونا الذى يجلس بالقرب منها حينما تطاول بعنصرية بغيضة تشبهه على نايل .
                           شيرين الآن سفارة مصرية قائمة فى قلوب ملايين السودانيين ، ويكفى انها فى لحظة الاختيار بين وهم ونايل ، قالتها بكل صدق انه اختيار بين عينها اليسرى وعينها اليمنى ، لقد بلّغت رسالتها للشعبين واستقرت فى عقلهما وقلبهما ، فهل تعى الحكومتان .

                                                      تسلم عيونك يا شيرين 

الأربعاء، 12 مارس 2014

من يختبر من ؟


                       فكرة نقل الحرب الى الخرطوم رغم فشلها فى عملية الذراع الطويلة لحركة العدل والمساواة ، ظلّت  فكرة حيّة لدى الحركات المسلّحة ، وتوجّت اخيرا بتوجه الجبهة الثورية العملى بأجتياحاتها لبغض مناطق شمال كردفان القريبة من العاصمة ، وما لم تفطن له قيادات هذه الحركات ، انها بتبنيها لهذه الفكرة ، اخضعت بطريق غير مباشر ابناء وبنات دارفور بالعاصمة ايا كانت مواقعهم للمراقبة والاعتقالات والملاحقة ، خاصة الناشطين منهم .

                       ودون الخوض فى ظلمات هذا الصراع الطويل التى امتدت لأكثر من عقد من الزمان ، فأن ما حدث بالامس القريب بجامعة الخرطوم ، يدعو للتسآؤل عن مغزى قيام فعالية ابناء دارفور عما يجرى هنالك من بشاعات لم تتوقف منذ عقد ونيف ، وان يتزامن قيام هذه الفعالية مع تغييرات على مستوى القيادات فى اجهزة الشرطة لم يمض عليها يوم واحد ، وكان قد سبقتها تغييرات فى اجهزة الامن والمخابرات فى وقت قريب ؟  .

                       ومع تقديرى التام لحق ابناء دارفور بالعاصمة فى الاحتجاج السلمى على ما يجرى بولاياتهم من بشاعات تدمى الضمائر ، ومع احترامى الكامل لمواقفهم هذه ، الا ان تزامن قيام مثل هذه الفعالية مع هذه التغييرات يبدو اقرب الى اختبار لمدى قوة الاجهزة الشرطية والامنية فى ظل قياداتها الجديدة منه الى احتجاج على واقع دارفور المظلم ، وهو توقيت يبدو بكل المقاييس سيئا وظالما فى حق هؤلاء الشباب وذويهم الذين يعلّقون عليهم آمالا عراضا ، فليس من العدل ان يصير ابناء دارفور فى الجامعات قرابينا لهوس هذا الصراع الدائر الذى من شأنه ان يلحق دارفور قريبا بمصير الجنوب .

                        يحزننى جدا قدر الدماء التى تراق هنا وهناك ، والارواح التى تهدر ، وما يخلّفه ذلك من خراب كبير فى النسيج الاجتماعى لهذا الوطن الذى ظلّت دارفور تشكل فيه خيوطا رئيسية  ، ويحزننى اكثر ان ارى ذات الاجندة التى اخرجت الجنوب تقدل مختالة فى ساحة هذا الصراع  .

                        العزاء لنا ولاسر جميع شهداء هذا الصراع ، واسأل الله ان يلهمنا الحكمة ويجعل العقل دليلنا فى الحياة لا المشاريع الكذوبة من اى موطن خرجت ، وان يجعل هذا الوطن آمنا ويرزق اهله من الثمرات .

الثلاثاء، 11 مارس 2014

كل الرجاء


                      صوت المؤذن فى الفجر ، اجش مثل عادم عربة مشروخ يتساقط النعاس من جانبيه ، اتبخلون على الله بصوت جميل ؟!، ليت صوت فيروز صار رفيقا للمؤذنين ، اذن لما بقى الطير فى وكناته ، ولأزدحمت المساجد بالخلائق كلها ، هذا نداء لله وليس للخلق ، والله جميل يحب الجمال ، يضخ فى كل ثانية جمالا جديدا على هذا الكون الفسيح ، الكون كله لوحة من الجمال الالهى ونحن من نضيف له القبح بقولنا وفعلنا ، يا بحار الدنيا اغسلينا من هذا القبح ، فنحن نريد الوقوف امام من جعل من الماء كل شىء حى .

                        هنا فى هذا الجزء من الكون  الفسيح حيث توجد دنيتى ، يبهرنى خلق الله فيها ، انظر اليها واراها كأنها خلقت من اجلى فقط ، يا لهذا الكرم الالهى الفيّاض ، كرم لا استطيع حمله ، خلق واحد من خلقك فيها حين تجلى لى جمال خلقك فيه ، (لا كنت ان كنت ادرى كيف كنت ولا كنت ان كنت ادرى كيف لم اكن) هكذا عبّر عنى الحلاّج لحظتها ، وحين افقت اشعرنى بأنى احتاج الى اكثر من عمر كى اكتشف آخر حدائقك فيه ، خلق واحد من جمال خلقك ، يعادل دنيا بأكملها ، فكيف اعمل مع الدنيا الواسعة ؟

                        لحظات التيه هذه لن يخرجنى منها الا اقرب الناس اليك ، واقربهم اليك ربى اولئك الذين يذوبون فيك عشقا ، مولانا جلال الدين الرومى قال لى - فكل قول يقوله احسه لى- (مهما يكن ما تعرف ، مهما يكن ما لاتعرف سيبقى العشق هو الحقيقة الاسمى)

                         وللعشق لغة لا يفهمها الا عاشقان ، هى نفس الحروف ونفس الكلمات ، ولكنها لغة لها زمان ومكان وبوصلة تتوجه بها الى صاحبها اينما كان ، فأينما كان يكون التناجى بينهما ، واينما كانا يتناجيان يكوت التلاقى بينهما ، انه لقاء سرى تحت السمع والبصر دون ان يراهما الحاضرون او يسمعون مناجاتهما .

                           اقول كما قال مولاى جلال الدين الرومى :

                 (ممتلىء بك جلدا ، دما ، عظاما ، عقلا وروحا ، لا مكان لنقص الرجاء او للرجاء ، ليس فى هذا الوجود الاّك )

الأحد، 9 مارس 2014

السر فى المغالق


                       شىء ما يجرى بشارع الثورة بالنص ،  شىء غامض ومحيّر ، اذ لا يمض شهر حتى ترتفع على جانبيه البنايات العالية ، البنايات ذات الجدران المكسوة بالبورسلين والسراميك ، ويؤلمك السؤال ، من اين اتى هؤلاء الملاّك الجدد ؟ ومن اين اتوا بهذه الاموال ؟ لا يهم ، ففوضى المال فى هذا البلد بلغت قول سيدى رسول الله (... وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان ) .

                        قبل اشهر قليلة احصيت من مدخل الثورة بالنص عند الحارتين الاولى والثانية وحتى نهاية الحارتين الرابعة والخامسة حوالى الثمانية محلات فول و(بوش) ، واعلى طلب فيها لا يتجاوز سعره الستة او السبعة جنيهات ، هذا اعلى حد للقوة الشرائية فى هذه المحلات المكتظة على مدار اليوم بسكانها وبالسائقين العاملين على وسائل مواصلات الشارع ، فما الذى جذب رؤوس الاموال الكبيرة الى هذا الشارع فى هذه الحارات الشعبية التى بالكاد تستطيع ان توفر وجبة او وجبتين من محلات البوش هذه لأحد افرادها فى اليوم ؟

                         وما يدعو للغرابة ان عدد الصيدليات مساو تقريبا لعدد محلات البوش ، ثمانية صيدليات وجميعها مكتظة بالمرضى و بطالبى الدواء ، وتبدو الاكثر حداثة فى مظهرها ولكن عليك الا تثق كثيرا فيما تبيعه من دواء ، القول الشائع فى هذه المدينة منذ زمان بعيد (لااحد يموت بالجوع) ولكن المؤكد ان الكثيرين يمرضون هذه الايام الى حدود الموت بسبب اكل البوش ، يا حسرة عليهم ، فهم يستطيعون ان يخدعوا المعدة وجوعها ولكن لايستطيعون ان يمنعوا سوء التغذية من ان تصيبهم بالمرض ، ربما تختفى هذه الصيدليات عندما يكتمل غزو هذا الجراد المالى وتحل محلها بوتيكات راقية او كوافير او الذى منه .

                           والظاهرة الاقدم ، هى ظاهرة بائعى الفول السودانى والنبق والقنقليز والبلح والترمس والكبكبيه والدوم ، الذين يتجولون فى ساعات معينة من اليوم بهذه الثمار الغنية بالمواد والزهيدة الثمن فاعلى سعر للعبوة خمسة قروش ، تشاهدهم يجرون (درداقاتهم) ساعة الافطار متجهين نحو المدارس ، وفى العصريات نحو ميادين كرة القدم ، وقبيل المغرب فى نواصى الاحياء لينتهى يومهم العملى مع اذان المغرب ، هذه التجارة المتجولة بحجمها الصغير عرضة للأنقراض قريبا .

                             اما اكثر ما يلفت النظر هو عدد المغالق المنتشرة على جانبى الطريق والبالغ عددها 12 مغلقا لمواد البناء والادوات الكهربائية ، وكان غريبا جدا وجود هذا العدد من المغالق فى احياء اكتمل بناؤها منذ اكثر من ستين عاما .

                              السر يكمن فى المغالق ، اصحابها يعلمون سر الغزاة الجدد  ومصادر تمويلهم ، ويعلمون القوة النافذة التى خططت لأبعاد سكان هذه الاحياء الذين صبروا طويلا حتى اكتملت بنياتها من طرق وشبكات مياه وكهرباء واتصالات ، والآن ضيق الحياة يدفعهم للأستجابة سريعا لأغراءات غيلان المال الجدد بترك منازلهم وذكرياتهم ومدارس وملاعب ابنائهم والرحيل الى منطقة تشبه حاراتهم قبل ستين عاما او اكثر ، ليبدأوا مشوارا جديدا مع تعب الاحياء الطرفية الذى ذاقوا مرارته من قبل ، ضيق الحياة صناعة تعود الى اصحابها بالمزايا ومن ضمنها مزايا السكن فى قلب المدينة  .

                               كلما كثرت المغالق فى الاحياء الشعبية فأعلموا انها باتت عرضة للبيع .

الجمعة، 7 مارس 2014

زحام فى الطريق


                      من ينظم الحركة فى هذا الطريق ؟ بل من اين يتدفق هذا الزحام المتزايد فى كل لحظة ويغرى الخلق بالتيه فيه ؟ كيف اسير اليك وسط هذه الحشود التى تدعونى لمباراتها الى مجاهيل لا اعرفها ولا ارغبها ؟ كيف الوصول اليك يا غاية الغايات ؟ كيف الوصول اليك نظيفا من هذا الغبار البشرى العالق فىّ بكل خطاياه ؟

                       قال الشاعر حسن العبد الله ( الطريق الى الله ضيّقة بحيث لا يستطيع ان يسلكها الانسان الا بمفرده ) ، اين اجد ذلك الانسان لكى اصطفيه رفيقا قى الطريق ليفسح لى وافسح له حتى نصل ؟ هى ضيّقة بالفعل ، ضيّقة للدرجة التى دفعت اسياد الطريق ان يقولوا فيه مالم يقله احد او جماعة فى الحب او الخمر او الحرب ، سلام عليك سيدى البسطامى وانت تقول ( ان غبت عن الطريق تصل الى الله ) .

                      اين اغيب وكيف اغيب ؟ من يرشدنى الى معاقل الغياب ؟ الاسئلة جمرات فى النفس وعقبات فى الطريق ، الم يقل سيدى الحلاّج ( حقيقة الحق قد تجلّت فطلب من رامها عسير ) ، ورب العزة والجلالة يقول ( ان مع العسر يسرا ) سأدع كل اسئلتى تمضى مع الريح ، وسأرخى سمعى لصوت رحيلها علّنى ارتاح من نكزاتها ، وفعلت وتحررت فاتانى صوت نسائى رقيق يغنى ( انا قلبى دليلى ) وعلمت :
                                          قلوب العاشقين لها عيون        ترى ما لايراه الناظرونا
                                          وألسنة بأسرار تناجى            تغيب عن الكرام الكاتبينا
                                          واجنحة تطبر بغير ريش        الى ملكوت رب العالمينا

                        شكرا سيدى الحلاّج ، سأكون طوع هذا المندس بين ضلوعى واعرف اننى متى كنت طوعه ستكون الطرق طوع خطواتى ، وكلها تقودنى اليها ، وهى من تقودنى اليك .

                         عشقك يا امرأة سكينة فى الحياة وطريق الى الله .

الثلاثاء، 4 مارس 2014

فى جنح الدجى


                        فى جنح الدجى تستيقظ عصافير المصارين فى الاحياء الشعبية والطرفية ، بعد ان دوّخها التعب والانهاك واسلمها الى نوم او الى اغماء لا ادرى ،  ثم تطلق اجراسها رنينا يهز الشغاف الغليظة ، الجوع هنا هو المنبه الاقوى لهذه الجموع التى تصحو عليه كل صباح .  

                       وكل صباح قبل ان تلامس ارجل هؤلاء الخلق الارض ، تكون دعواتهم قد بلغت عنان السماء ، بعضها صادر من انفس تقية تواصل دعواتهم انطلاقتها الى عرش الرحمن ، وبعضها يرتد على رؤوس اصحابها ليزيد سخونتها سخانة على ما هى عليه ، وكل الدعوات تحمل ذات الهم وذات الرجاء ، سلام عليك عمر الطيب الدوش (الساقية لسه مدوّرة) .

                         فى جنح الدجى ، تمارس ملايين الخلائق فى هذا البلد وفى بلاد العذاب طقسها اليومى هذا آملة وساخطة ، حتى وسم  وجوهها على اختلاف اعراقهم واديانهم والوانهم واوطانهم ، بسمة وحيدة يعرفون بها اينما كانوا ، تعنى ببساطة شديدة مواطنون خارج قسمة الثروة والسلطة او على هامشها ، انهم اولئك الناس الذين حينما يقفون بأحد الابواب طلبا لمصلحة او حق او اعانة يقال لهم (يلا اتكلوا على الله) لعنة الله على مصطلح قسمة السلطة والثروة ، انه فى اكثر معانيه سفورا اسوأ انواع الاقصاء والأستعلاء بفعل معايير القوة والكثرة ، و لا علاقة له بمعايير الحق ولا بالانسانية ، انه مصطلح الغابة المفضّل .

                         ان كان لله شعب مختار ، فلن يكون سوى هؤلاء المستيقظون فى جنح الدجى يناجون احكم الحاكمين ، لأنهم علموا ألا حاكم لهم فى الارض ولا فى السماء سواه ، والحكومات والحاكمون يؤكدون هذه الحقيقة ليس ايمانا بها كحقيقة ثابتة منذ الازل ، وانما بسياساتهم المهملة لحاجات وتطلعات هؤلاء المساكين ، وبنهجها الفظ الغليظ تجاههم حتى كادت ان تضعهم فى مصاف الاعداء ان لم تكن قد وضعتهم فعلا ، فتوجسها من ردود افعالهم على الظلم الممنهج الواقع عليهم ، جعل من أحيائهم اكثر الاحياء حشدا بالقوة الكابحة ، واكثرها حشدا بالمصادر ، واقلها امدادا بالخدمات ، ورغم كل هذا الحرص والحذر والاستعدادات الجارية على مدار الساعة ، رأينا كيف امتلأت الشوارع بغضبتهم فى بلاد العذاب من المغرب العربى الى اوكرانيا وكيف زلزلت العروش ودكتها.

                         الفكرة السياسية فى هذه الاحياء تبدو ترفا لا يعنيهم كثيرا ، كل الذى يعنيهم ، عيش كريم يتيح لهم ولأبنائهم حياة حرة يتمتعون فيها بكامل الحقوق الواجبة على الدولة كفالتها من تعليم وعلاج وعمل ، والحوارات التى تجرى عند المنعطفات الحرجة بين الحكومات والمعارضات اذا خرجت اطروحاتها من دائرة هذه الحقوق ، يتراءى المشاركون فيها اشبه بتجار من القرن التاسع عشر يتصارعون على زريبة رقيق ، عندها يمارس هؤلاء الخلق حريتهم المفضلة فى التعبير عند كل المجالس التى تجمعهم وبالصوت العالى ، يتغلغلون بتحليلاتهم متجاوزين المناطق الحمراء التى تخشى الصحف والاذاعات والقنوات الفضائية الاقتراب منها .

                          وفى جنح الدجى اذا هبّت هذه الجموع لن تستطيع قوة ايقافها ، لن يستطيع ايقافها الا تحالف اللحظة الاخيرة بين قيادات المعارضة والسلطة الحاكمة او لنقل بين المعارضة و قيادات مؤسسات الدولة السيادية ، تحالف كذلك الذى تمّ عندنا فى اكتوبر 1964 وفى ابريل 1985 والا فأن الفوضى ستضع الوطن بأكمله فى كف عفاريت مختلة .

                           فان كان لابد من التحالف او الاتفاق او التوافق او ايا كان المصطلح ، فالآفضل ان يتم الآن فى ظل هذا القدر من الاستقرار الذى لا يزال الوطن يحظى به ، فالجراح مثخنة والغبن ثقيل والكره بلا حدود .

الاثنين، 24 فبراير 2014

لا ترجعنى الىّ


                    صوت قال لى (هذا الاحمر القانى هو دمك) .

                   متى يكف هذا الصوت عن الوسوسة ويتركنى اغافل نفسى قليلا ، فأنا قد عرفت هذا اللون منذ ان رأيته يغطى مستحيلاتى ، عرفت انه دمى ، فقد اعتاد ان يقف دائما بينى وبين مفاتن الدنيا ، واعتدت حين تتجلى لى مفاتنها ، ألا ارى منها غير دمى وشهقة الخلق التى حاكت جبلك يا موسى ، احتجبى حتى اراك كما كنت اراك ، فلا قدرة لى على احتمالك والتجلى ، وجهك المعتاد يكفى ان يهيم به اكثر الخلق وان اعشقه وحدى ، وعشقى له هو الذى يسقى دمى لكى احيا .

                    هذه الليلة لن تنقذها من عذاب القلب آلاف الصلوات ، هذه الليلة لن تنقذنى منها آلاف الاغنيات ، هذه الليلة اقسى اختباراتى .. اقصى احتمالاتى  .. اوحش ممراتى الى مسكنى فى فجرك البعيد ، لست صدفة كى ابكى خروجك عارية الا من دمى ، اريد لبريقك ان يغطى ارجاء كل العوالم لترى عظمة ما رأيته فيك ، ويضىئها شروقك كل صباح لتخرج من عتمتها المزمنة ، وترى فيك طريقها الى الله .

                      اذا تجليّتى ثانية ، تجلى برفق ، فأخشى ما اخشاه ان يحيلنى تجليك الى كائن صغير .. صغير لا يستطيع حتى النظر اليك ، اذا تجليّتى ثانية ضعينى فى الاعتبار و تذكرى قول مولانا جلال الدين الرومى :

                                             ( انا لك فلا ترجعنى الىّ )

الأربعاء، 19 فبراير 2014

حريق بادية الشام


                       يستعصى الموقف السعودى والقطرى المتشدد تجاه الحرب الدائرة فى سوريا على الفهم ، مالم نستصحب التأريخ فى قراءتنا لهذا الموقف ، وافضل قراءة للتأريخ العربى والاسلامى ، نجدها بجلاء عند الباحث العلاّمة حسين مروة فى سفره العظيم (النزعات المادية فى الفلسفة العربية الاسلامية - الجاهلية - نشأة وصدر الاسلام) طبعة الفارابى 2008 المجلد الاول ص 225 حيث اورد ما يلى :
                      (فى الوضع الجغرافى لشبه الجزيرة العربية يستوقفنا خلاف لدى الجغرافيين العرب الاوائل فى تعيين حدودها الشمالية قبل الاسلام ، كما يفهم من ياقوت ، ولكن الهمدانى - وهو من مؤلفى القرن الرابع الهجرى اى انه متقدم على ياقوت - يقرر ان مجرى الفرات الأسفل حدها الشمالى الشرقى ، وشواطىء فلسطين على البحر الابيض المتوسط حدها الشمالى الغربى . غير ان بلياييف ، من المؤلفين المحدثين ، رغم شكه فى صحة تحديد الهمذانى ، لا يشك فى ان بادية الشام كانت فى ما قبل الاسلام جزءا من شبه الجزيرة ، وان الحدود السياسية بين الامبراطوريتين : الفارسية والبيزنطية ، فى القرنين الخامس والسادس ، كانت مرسومة على نحو يبقى الصحراء السورية (بادية الشام) فى حوزة سكانها الاصليين : العرب .

                      ولدى ابن حوقل ما يؤيد هذا الرأى . وربما نجد ايضا لدى ابن خلدون تأييدا للرأى نفسه كما نفهم من قوله : (.... وفى ما بين بحر فارس والقلزم جزيرة العرب كأنها داخلة من البر فى البحر ، يحيط بها البحر الحبشى من الجنوب ، وبحر القلزم من الغرب ، وبحر فارس من الشرق ، فيما تفضى الى العراق فى ما بين الشام والبصرة على الف وخمسمائة ميل بينهما) .ولا خلاف - بالبداهة - على الحدود الاخرى لشبه الجزيرة ، فهى محددة طبيعيا بالبحار الثلاثة المعروفة (المحيط الهندى او البحر العربى حنوبا ، والخليج العربى- الفارسى شرقا ، والبحر الاحمر "القلزم قديما" غربا . انتهى )

                       والمعروف ان حذب البحث الحاكم فى سوريا يعتبر اى عربى مواطنا سوريا لا يطالب بتأشيرة دخول ولا بشروط الاقامة المطبقة على الاجانب ، وفيما يبدو ان المدن التى تشكل بادية الشام فى راهننا ، كانت قد اكتظت طوال سنوات ما قبل الحرب بجاليات كبيرة من المملكة والامارة ، وهى التى تكبدت اكبر اعداد من الضحايا وافدح الاضرار منذ اندلاع العنف فى ايامه الاولى ، ومن هنا نشأ الموقف المتشدد لكل من السعودية وقطر من النظام السورى  .

                         ويبدو ان موقف المملكة والامارة  لم يأت نتيجة لما حلّ ببادية الشام من ضحايا وخراب ، وانما جاء ايضا خوفا لخروج هذه البادية من تأريخ وجغرافية الجزيرة العربية فى ظل التمدد الايرانى الذى ايقظ فى روع المنطقة والعالم ، خروج شبح الامبراطورية الفارسية القادم بقوة الى مضاربه القديمة وما تلاها ، ومن هنا وعلى ضوء الخريطة المشار اليها فى بحث حسين مروة ، يمكننا ان نحد تفسيرا للموقف السعودى والقطرى من الصراع الدائر فى سوريا وكذلك موقف ممثلى الامبراطورية البيزنطية المتجسّدة فى بعض الكتل الغربية ، وموقف ايران التى شكل غيابها عن حراكات الحل فشلا زريعا لكل المساعى .  

الاثنين، 17 فبراير 2014

حضور طاغى


                       لا يستطيع ان ينسى ، فحضورك داخله طغيان ، ولا يريد ان ينسى فقدرته اضعف من ان تتحمل الفراغ العريض الذى سيخلفه غيابك المستحيل ، النسيان فى ذهنه وهم ، وهم كبير كالمسافة الطويلة التى تفصل بينكما ، قال لى يوما ان النظرية التى تقول ان الخط المستقيم هو اقصر مسافة بين نقطتين ، انتجها عقل جاهل بقوانين العشق وبخصائص الانسان ، فالدرويش الذى تراه يتسكع مبتسما بين الحين والحين وهو ينظر الى السماء ، هو فى تلك اللحظة يكون فى اقرب نقطة الى الله ، هو فى تلك اللحظة يلّم كل هذا الكون الفسيح فى مرمى نظره ، وحين ادخل الى لحظته تلك ، اراها بكل تلك العوالم الساحرة التى تغلغلت داخلى حينما رأيتها اول مرة ، اراها رغما عن المسافة بكل بلدانها وغاباتها و سهولها وجبالها وذلك البحر الذى يقف حارسا مهيبا بين يابستنا وحيث تقيم ، ان اقرب مسافة بين عاشقين ، نظرة متجردة من لباس الدنيا ، نظرة عارية من هوى النفس ، ان اقرب مسافة بين عاشقين تلك التى بينى وبينها .

                       قلت له ان عالمنا ومنذ قديم الزمان ، كان فى حالة سباق محموم مع المسافة ، شق الطرق فى قلب الجبال ، وابدع فى الابحار على سطح الانهر او فى اعماق البحار والمحيطات ، وابدع فى الطيران حتى خرج من حدود كوكبنا الى كواكب اخرى ، وكل ذلك دليل على وجود هذه المسافة ، فالمسافة حقيقة ، وهى التى دفعت اولئك المبدعين لبناء تلك الوسائل لتمكنهم من الانتقال سريعا الى رؤية الكامن خلفها ، او ذلك الذى اشتاقوا لرؤيته ، ألا تشتاق ان تراها امامك بلحمها ودمها وتلك الابتسامة التى تضىء الاكوان من حولك ؟

                         ابتسم ثم ارسل بصره فجأة الى .. ليس امامنا سوى بنايات السوق المزدحمة بخلق ترتبط عقولهم طوال ساعات اليوم بحركة المال ، لا يهمها من اين يأتى ، المهم ان يأتى سواء من جيب عامل بسيط او من اولئك البلهاء الذين تخدعهم اعلانات التلفزيون والصحف ، نظرته كانت من العذوبة بحيث تظن من الوهلة الاولى انها نظرة طفل غرير ، فى تلك اللحظة بدا لى ان المكان قد اختفى امام تلك النظرة والزمان ايضا ، اين ذهب هذا الرجل ؟ تسآلت فى سرى ، التفت الىّ ضاحكا وقال : كنت فى  حضرتها ، هل تعلم ان داخلك ملىء بخصائص احدث من خصائص الsmart phone ، ولكنك لا تستطيع تفعيلها مالم تملأ بطاريتك الفارغة هذه بالعشق ، ووضع اصبعه فى مكان القلب منى ومضى .

                         

                       
                          

الخميس، 13 فبراير 2014

الشعبى ثعلب سياسة


                         الحديث عن المؤتمر الشعبى هو حديث عن الدكتور حسن الترابى ، فهو رجل يعرف كيف يحرّك البرك الساكنة ، اما بفتاوى جديدة تشعل عمائم الفقه هنا وخارج هنا بنيران لا تهدأ ، واما بمواقف سياسية تثير غبارا كثيفا بحيث لا تستطيع ان ترى اين يقف الرجل بالضبط ، بالامس القريب فاجا الدكتور الترابى الساحة السياسية للمرة الثانية بقبوله الدخول فى حوار مع حذب المؤتمر الوطنى بعد خصومة وقطيعة امتدت لأكثر من عقد من الزمان ، المرة الاولى كانت عند حضوره لخطاب السيد رئيس الجمهورية والذى عد فرزا صريحا لموقفه من التحالفات التى كانت قائمة حتى ذلك التاريخ ، ففى ظل الغبار الذى اثارته هذه المواقف اين ترى يقف الدكتور الترابى او حذب المؤتمر الشعبى من القضايا المطروحة على الساحة الآن وعلى رأسها قضية التحوّل الديمقراطى ؟.

                         لا اشك ابدا فى قدرة الدكتور الترابى على قراءة الواقع السودانى قراءة دقيقة عندما يكون معارضا للنظام ، فمعظم مواقفه ان لم تكن كلها خلال معاركه مع النظام منذ المفاصلة ، حظيت بقبول واسع وسط النخب المعارضة فى الداخل ، ولم يكن غريبا ان تمكنه قراءته للواقع السودانى من ان يتخذ موقعه بكل بساطة فى التجمع الوطنى الذى تحوّل مؤخرا الى قوى الاجماع ، وهو الجسم الذى ظلّت من خلاله تحاربه به القوى السياسية المعارضة طوال عقد التسعينات بأعتباره عرّاب النظام ، فليس وحده البراغماتى فى الصراع السياسى فى السودان ، ولكنه الأكثر حنكة ودهاءا فى هذه اللعبة ، والأكثر قدرة على فهم ما تعنيه مثل هذه الدعوة للحوار عندما تأتى من نظام يعلم الدكتور تماما مكامن قوته العسكرية والامنية ، ويعلم تماما ما تعنيه هذه الدعوة على الصعيد السياسى لذات النظام .

                         فى العام 1977 حينما اطلق الرئيس الاسبق جعفر نميرى نداء المصالحة ، كأنى بالدكتور الترابى قد لمس الفراغ السياسى الذى عانى منه النظام آنذاك ، وجاءت تلبيته للنداء بروح براغماتية عالية عكس الآخرين ، سرعان ما قادته ليكون البديل البارز فى السلطة آنذاك ، ومن هناك بدأ عهد التمكين للحركة الاسلامية ، والآن وبعد خروج ابرز قيادات الجناح المنشق عنه من النظام ، وبما ان القوى السياسية المعارضة لا زال معظمها متمترسا فى خنادق شروطها القديمة ، وثمة فراغ سياسى داخل النظام يحتاج لمن يملأه ، تشكّلت فى عينيه الفرصة الذهبية للعودة ثانية الى دست الحكم ، على امل ان تنجح كراهية بعض قيادات الاحذاب لنظام الحكم فى اثناء احذابها عن المشاركة ويخلو له الجو السياسى لنكون ثانية على موعد مع حكم الجناح الاول من الاسلاميين .

                          قادة الحذب الاتحادى الديمقراطى وحذب الامة القومى مدركون تماما لهذه اللعبة ، ووجودهم فى دائرة الحوار الجارى مع المؤتمر الوطنى مع الآخرين وان بدا فى النظر العام حلفا يمينيا بالمصطلح المحبب لأهل اليسار ، الا انه وجود مهم جدا حتى لا تنزلق السلطة مرة ثانية لتجريب اسلامى لن نجنى منه فى الختام سوى مزيدا من غيلان الفساد التى تقف الآن عقبة كأداء امام علاج معظم قضايا الوطن .

                       
                         
                         

الأحد، 2 فبراير 2014

اين التقيك

                   
                      الضحى سر الهى عزيز يقسم به ، شجر يفتح اذرعه استراحة للطير ، طير يغنى فى الظل حصاد يوم جديد ، ظل يتلفح نسيما عليلا ويتخذ اقصى مداه ، الضحى مدى ملتصق بالسماء ، هنا اصدق اماكن اللقيا ، هنا اللقيا صلاة سرية ، صلاة  تسقى الروح من نهر يتدلى طمأنينة و رضا ، هنا نرتوى من ماء لا ينضب ، هنا انت ملاكى الأخير ،  اتأتى ام تنسربىن مع هجير لا ينتهى ؟ .

                      اين التقيك يا ترى ؟ فى رقصة ملتحمة اوّل المساء ، رقصة تستنفر كل خيول الجسد الجامحة ، تستنفرها لتجتاح براريك الخصبة وتحيلها ملاعبا لوقع حوافرها النهمة ، حتى اذا بلغ الحفز الشديد ذروة منتهاه ، ولا ميس يلوح فى الافق لتستريح ، ووجدت نفسى وحدى  معلّقا بين الجنة والنار ، وانت هنالك التفاحة نفسها ، سأقضمك ثانية وانزل بك سابع ارض ، لنخوض معا ظلمة الارض للمرة الاولى ووحشتها ونضيئها بالصلاة  ، هنا اللقيا صلاة السر والجهر ، هنا الصلاة خلاص والخلاص توحد ، هنا مكان آخر للقاء ، فأين التقيك ؟

                        أالتقيك فى اغنية عذبة آخر الليل تبحث عن تاجك الضائع فى عمى الناس ، فالاغنيات حدائق العشاق ، ظلالها تتسلل الى خلايا الجسد والى حنايا الروح وتبنى تعريشة للهوى ، هنالك يلتقى العشاق اول مرة ولا ادرى كيف اهتديت الى نورك الملكى ونارك الملكية وسط حشد من الالحان الزاهية ، ولا ادرى كيف التقيك لأغنى لتاجك المفقود فى عمى الناس حتى يرونك كما اراك ملكة تحبو اليها القصائد والاغنيات ، وتسمو بها القصائد والاغنيات ، سأغنيك فتعالى أسمعينى لنصل معا الى ذلك الطريق الفاصل بين الليل وبين الشمس ، ويكون لقاؤنا هنالك صلاة فجرية للخلاص .

                         الوقت فى عشقك هو المكان والمكان هو الوقت ، وانت  وقتى ومكانى حاضرة كنت ام غائبة .
                   

الخميس، 30 يناير 2014

لا انا هناك ولا نحن


                        ألا يحن الطين ابدا لما خلّفه من فراغ ؟! كم مرة ناغمت طينتك الغائبة ان تأتى لترتق فتق الروح فيك ؟ كم مرة اعيّاك السؤال ؟ قال الصوت القادم من قعر القلب ، لا تهرب ، هى بقربك لم تزل وردة يسبقها اليك عطرها ولم تمش اليها يوما ، اردت ان تراها نجمة فى سموات بعيدة ، لتبك فراغ الطين فيك ، تهرب الى ماء مالح والعطر جنبك بحيرة تزيّنها العصافير ، لا تهرب ، العشق هو ان تمشى اليها حافيا بلا وجل وبلا خجل ، العشق هو ان تمشى اليها عاريا من جسدك فالجسد مفسدة الطريق والعشق هو اول الطريق الى الله .

                        دع هذا الجسد يتمرغ فى ملاحمه الميتة ، هنالك حياة تنتظرك فى شغف ان تطلق سراح القلب ليمشى مختالا فى طريق العشق اليها ، فاطلق سراح قلبك وامشى اليها ، امشى وامشى ، ففى آخر الطريق حدائق وجنان وانهر تغتسل الارواح فيها جزلة ، هنالك سيتمدد طينك فرحا ليملآ كل فراغاتك ، وستسكن داخلك تلك التى ارهقت مشاوير عشقك من شروق الشمس الى شروقها ، امشى ..  امشى واذا داهمك شىء من التعب قل كما قال مولانا جلال الدين الرومى :

                            ( فلتصمت ايها الجسد فأن قلبى يتحدث ، وفى حديث القلب لا انا هناك ولا نحن )

الثلاثاء، 28 يناير 2014

صدمة المشروع البديل


                          مكونات الشعب السودانى فى تأريخنا السياسى المعاصر اعتادت فى صراعها مع الانظمة التى تصنع تحت مظلة المؤسسة العسكرية ، ان ينتهى وجود هذه الانظمة بأسقاط النظام ، او ان ينتهى المكوّن الذى يقود النظام وفقا لعقيدته وبرامجه التى تتصادم مع بقية مكونات الشعب ، بضربة من رأس النظام الممثل دائما للمؤسسة العسكرية ، وبالامس انتظر اغلب الناس فى هذا البلد سيناريو الضربة المعتادة لتخرجهم من نفق الازمات الطويل الممتد قرابة ربع قرن من الزمان ، الا ان الصدمة كانت حصيلتهم بفعل تعبئة مباشرة وغير مباشرة قادتهم لأنتظار الضربة المعتادة .

                            ما اريد الخوض فيه هنا ، ليس تحليلا للخطاب او المشروع المطروح فيه ، وانما لفت النظر الى نقطة هامة تستوجب الوقوف عندها بتجرد لأنها تنبه الى مآل الحال عند استعصاء الاستجابة للمشروع الوارد فى الخطاب والذى وصف بالفرصة الحقيقية او بالفرصة فى اكثر من موضع ، بمعنى آخر ان النظام الحاكم الآن يدرك تماما ما يواجهه من ازمات ، ويدرك تماما سبل الخروج منها ، وما يتطلبه هذا الخروج من مستحقات ، ولكنه يريده خروجا تشاركيا دون اقصاء لأحد ، وقد بيّن ذلك فى خطابه فى اكثر من موضع  .

                             قد يبدو للبعض ان مصدر هذه الدعوة هو ضعف حلّ بالنظام نتيجة لما احدثته انتفاضة سبتمبر الماضية ، وما احدثه الاخفاق فى معالجة  قضايا الفساد والمظالم فى بنية النظام نفسه بخروج اقوى رموزه بتلك البساطة التى شهدناها ، وقد يبدو للبعض ان مصدر هذه الدعوة تحالفات قد تمت (تحت التربيزة) واحتاجت الى اخراج يسوقها فى الشارع السودانى ، وقد يبدو للبعض ان مصدرها ضغوطات خارجية جاءت محمولة مع زيارة الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر ، وقد يبدو للبعض غير ذلك ، ولكن الحقيقة الماثلة امامنا ان هذا المشروع هو البديل المطروح الآن امام قوى المجتمع السودانى بكافة مكوناته ، للحيلولة دون الصدام فيما بينها .

                              بمعنى آخر ان هذا المشروع هو فرصة ما قبل الصدام ، او بمعنى اكثر دقة ان هذا المشروع هو فرصة ما قبل الحرب ، فأولى المرتكزات التى طرحها للخروج من الازمات التى نواجهها هى السلام حيث جاء فيه ما يلى (هذا تحد يبدأ فيه المؤتمر الوطنى بنفسه ويطرحه للآخرين جميعا من الفعلة السياسيين ، اذ ان الشعب فى حياته العريضة لا يتصوّر هذه الاولوية مجل جدل بل يتطلع اليها كغاية ويريدها واقعا وليست هناك من حاجة لتبيان ان هذه الدعوة الى التعاقد على الوثوب الى الامام تكون ناقضة لنجاعتها ان هى لم تضع السلام اولوية مطلقة ، فى هذا يقول المؤتمر الوطنى ان القتال حصن لحماية الحق والكرامة وسيظل ، لا يحتاج السودانيون ولم يحتاجوا قط الى كثير شحذ عند تعيينه) ويضيف (ان هذه الوسيلة الفاعلة الضرورية لا يجوز تعطيلها ما دعا داع اما الغاية فلا تجوز الغفلة عنها ابدا لأن الغفلة عنها تحويل للعراك عن تعينه بغايته النبيلة الى كونه رياضة او ادمانا او وسيلة لغايات اخرى تتعلق بالمصالح الخاصة حزبية او فئوية او قبلية) ويؤكد (ان السلام لن يستفيض او يثبت اذا جاء نتيجة تفريط فى حق الشعب) ويختم (فأذ يتبنى كل السودانيين السلام اساسا يكون قرار هذه المعارك قرارا موحدا لأنها يستوجبها السلام لا لأنها خروج على السلام وفى هذا تحرير لمفهوم الحرب العادلة يجب ان يتناوله بالنظر الملىء كل ناسنا لا فقط فلاسفتنا او مثقفونا او سياسيونا ، السلام ايجاب ولن يتحقق كنتيجة الا اذا كان كذلك السعى اليه قصد لا اضطرار وهذا يخرج اية صفقة ضعف او طمع من كونهما سلاما) .

                         فهذه الفقرات رغم اجتزائها الا انه لا يغيّر شيئا من المعنى المقصود ، بل تقف هذه الفقرات عقيدة ثابتة فى النظر الى السلام ، ولأنه الركيزة الاولى فى هذا المشروع فأن كل القضايا فى الركائز الثلاثة الباقية لن تحظى بوضعها الطبيعى الذى يجب ان تكون عليه فى ظل افتقادنا للسلام ، بمعنى آخر ان قيام نظام سياسى ديمقراطى يكفل الحريات بالمعايير الدولية المتفق عليها ونظام اقتصادى حر بلا تدخلات ونظام اجتماعى خالى من الفقر والانحلال رهين بأصطفاف جميع مكونات الشعب السودانى حول غاية تحقيق سلام عادل لا يمس حقوق وثوابت الآخرين ، وان يستمر الاصطفاف حتى فى حالة الحرب اذا اخفقت الجهود فى تحقيقه مع الخارجين عليه .

السبت، 25 يناير 2014

فيم انتظارك


                         الانتظار رفيق ممل ، لازمنى ومعى كثيرين لأكثر من عقدين من الزمان ، بدأ مع تلك اللحظة التى استطاعت فيها فكرة بليدة ان تمسك بتلابيب مفاصل الدولة وتشرد عشرات الآلاف من العاملين تحت زريعة التمكين لمشروع حضارى ، ثبت بعد مضى ربع قرن من الزمان ، انه لم يكن سوى ثقب اسود فى قلب جسم الخدمة العامة فى السودان ، عطّل مصالح الوطن وحوّلها نهارا جهارا الى مصالح خاصة ، منذ تلك اللحظة ، اصبح الانتظار رفيقا مملا لعشرات الآلاف من المفصولين ولملايين آخرين تضررت حياتهم بنسب متفاوتة جراء هذه الفكرة البليدة ، ينتظرون جميعهم ان تتخذ العدالة مجراها وان يتخذ الانصاف موقعه فى مؤسسات الدولة التى كانت (توزع كلحم الضان بجيش الردة) .

                        يتململ الآن الكثيرون فى انتظار ما سيسفر عنه مشروع السيد رئيس الجمهورية لأصلاح الحال بالبلاد ، يتململ كثيرون متطلعين ان تجد آمالهم وتطلعاتهم مقاعدا وثيرة فى المشروع المنتظر ، بينما المفصولين الذين احترقت سنوات عمرهم انتظارا لا يرغبون شيئا سوى ان يعود العدل والانصاف فيصلا فى حياة الدولة وحياة الناس ، حتى يستعيدون حقوقهم المهضومة لأكثر من عقدين من الزمان .

                        قضيتان هما أم القضايا التى ينتظر اصحابهما على حق  مشروع الرئيس ، القضية الاولى هى الاستيلاء على الوظائف والقضية الثانية هى الاستيلاء على الاراضى ، وكلتاهما تم الاستيلاء فيهما بأرادة رسمية تحت زرائع وان تلفعت بأشكال قانونية كالفصل والنزع الا انها لا تنفى اختراقها الفظ للثابت من الحقوق ، ولا اختراقها الفظ للثابت من الملكية ، انهما القضيتان اللتان يتمحور فيهما صراع السلطة والثروة فى اكثر اشكاله جلاءا ، واى اصلاح لكى يصل غاياته لابد له ان يصحبهما فى مقدمة مشروعه .

                       
                       
                            

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...