شىء ما يجرى بشارع الثورة بالنص ، شىء غامض ومحيّر ، اذ لا يمض شهر حتى ترتفع على جانبيه البنايات العالية ، البنايات ذات الجدران المكسوة بالبورسلين والسراميك ، ويؤلمك السؤال ، من اين اتى هؤلاء الملاّك الجدد ؟ ومن اين اتوا بهذه الاموال ؟ لا يهم ، ففوضى المال فى هذا البلد بلغت قول سيدى رسول الله (... وان ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فى البنيان ) .
قبل اشهر قليلة احصيت من مدخل الثورة بالنص عند الحارتين الاولى والثانية وحتى نهاية الحارتين الرابعة والخامسة حوالى الثمانية محلات فول و(بوش) ، واعلى طلب فيها لا يتجاوز سعره الستة او السبعة جنيهات ، هذا اعلى حد للقوة الشرائية فى هذه المحلات المكتظة على مدار اليوم بسكانها وبالسائقين العاملين على وسائل مواصلات الشارع ، فما الذى جذب رؤوس الاموال الكبيرة الى هذا الشارع فى هذه الحارات الشعبية التى بالكاد تستطيع ان توفر وجبة او وجبتين من محلات البوش هذه لأحد افرادها فى اليوم ؟
وما يدعو للغرابة ان عدد الصيدليات مساو تقريبا لعدد محلات البوش ، ثمانية صيدليات وجميعها مكتظة بالمرضى و بطالبى الدواء ، وتبدو الاكثر حداثة فى مظهرها ولكن عليك الا تثق كثيرا فيما تبيعه من دواء ، القول الشائع فى هذه المدينة منذ زمان بعيد (لااحد يموت بالجوع) ولكن المؤكد ان الكثيرين يمرضون هذه الايام الى حدود الموت بسبب اكل البوش ، يا حسرة عليهم ، فهم يستطيعون ان يخدعوا المعدة وجوعها ولكن لايستطيعون ان يمنعوا سوء التغذية من ان تصيبهم بالمرض ، ربما تختفى هذه الصيدليات عندما يكتمل غزو هذا الجراد المالى وتحل محلها بوتيكات راقية او كوافير او الذى منه .
والظاهرة الاقدم ، هى ظاهرة بائعى الفول السودانى والنبق والقنقليز والبلح والترمس والكبكبيه والدوم ، الذين يتجولون فى ساعات معينة من اليوم بهذه الثمار الغنية بالمواد والزهيدة الثمن فاعلى سعر للعبوة خمسة قروش ، تشاهدهم يجرون (درداقاتهم) ساعة الافطار متجهين نحو المدارس ، وفى العصريات نحو ميادين كرة القدم ، وقبيل المغرب فى نواصى الاحياء لينتهى يومهم العملى مع اذان المغرب ، هذه التجارة المتجولة بحجمها الصغير عرضة للأنقراض قريبا .
اما اكثر ما يلفت النظر هو عدد المغالق المنتشرة على جانبى الطريق والبالغ عددها 12 مغلقا لمواد البناء والادوات الكهربائية ، وكان غريبا جدا وجود هذا العدد من المغالق فى احياء اكتمل بناؤها منذ اكثر من ستين عاما .
السر يكمن فى المغالق ، اصحابها يعلمون سر الغزاة الجدد ومصادر تمويلهم ، ويعلمون القوة النافذة التى خططت لأبعاد سكان هذه الاحياء الذين صبروا طويلا حتى اكتملت بنياتها من طرق وشبكات مياه وكهرباء واتصالات ، والآن ضيق الحياة يدفعهم للأستجابة سريعا لأغراءات غيلان المال الجدد بترك منازلهم وذكرياتهم ومدارس وملاعب ابنائهم والرحيل الى منطقة تشبه حاراتهم قبل ستين عاما او اكثر ، ليبدأوا مشوارا جديدا مع تعب الاحياء الطرفية الذى ذاقوا مرارته من قبل ، ضيق الحياة صناعة تعود الى اصحابها بالمزايا ومن ضمنها مزايا السكن فى قلب المدينة .
كلما كثرت المغالق فى الاحياء الشعبية فأعلموا انها باتت عرضة للبيع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق