( يقضى الانسان السودانى نصف عمره للحصول على قطعة ارض سكنية ويمضى النصف الآخر فى اكمال بنائها ) هذا القول الذى بالكاد يغطى سطرا فى صفحة كراسة تلميذ فى مرحلة الاساس ، يحكى قصة طويلة تسع مجلدات بحالها ، قصة شعب كم تغنى بمساحة ارضه التى كانت تبلغ مليون ميل مربع ومع ذلك يعجز اى من ابنائه ان يحصل على مساحة 300 م م ليقيم عليها سكنا ويعجز ثانية اذا وجدها ان يشيّدها .
عام 1970 عندما كافأ الرئيس الراحل جعفر نميرى لاعبى الفريق القومى بقطع اراض سكنية فى مواقع فاخرة لفوزهم بكأس الامم الافريقية ، استنكر منظرو غيلان الاحتكار هذا الاجراء وتعالى همسهم احتجاجا بأعتباره اجراءا سيقضى على هواية اللعبة ويثقل ادارات الاندية بطلبات هؤلاء اللاعبين لمقابلة تشييد تلك القطع السكنية وسيفتح شهيّة اللاعبين للأحتراف فى خاتمة الامر ، يعنى بأختصار مهما حققوا من انتصارات ترفع اسم الوطن عاليا ، ومهما قدموا من فن وابداع امتع هذا الشعب الصبور ، تريدهم هذه العقلية مجرد اراجوزات مسخّرة فى الميادين مهمتها ان تشغل جمهور الكرة العريض عن قضايا الحياة فى هذا الوطن وتحدد لها نصيبا من ايرادات ابداعها وجهدها وفوزها عبارة عن عطية مزين .
عقلية غيلان الاحتكار هذه التى ترى فى امتلاك مواطن لسكن يأويه واسرته رغم ابداعه وتفانيه واخلاصه لوطنه ، تكلفة عالية ستخل بموازين امتيازاتها ، هذه العقلية المؤثرة على كثير من نواحى الحياة فى هذا البلد هى التى قادت المع العقول للهجرة والاغتراب فى نواحى المعمورة وقادت لاحقا موجات الهجرة والاغتراب لعامة الناس وقادت آخرين الى ما يخشى عقباه ، ولم تكتف بهذا الطرد الجماعى الممنهج بأحتكارها لحق العمل والسكن والتعليم والعلاج ، بل اخذت فى الآونة الاخيرة تضع يدها بقوة السلطة على اراضيهم لعرضها فى سوق الاستثمار العالمى بأسم الصالح العام تماما كما فعلت مع العاملين بالدولة حتى لا تجد اجيالهم القادمة شبرا تقيم عليه قبرا .
القول الوارد بين القوسين اعلاه - بتصرف قليل - بقدر ما يثير جدلا واسعا عن تعقيدات السلطة فى هذا البلد وطموحات بعض مكوناتها النافذة والمتصادمة بشدة مع الحد الادنى لامانى وتطلعات الانسان السودانى تلك الامانى التى تواطأت عليها البشرية شرقا وغربا وصاغتها فى مواثيق ومعاهدات وقوانين واتفاقيات دولية ، بقدر ما يثير فى النفس شيئا من العرفان كونه صادر من اعلى سلطة فى البلاد ، رئيس الجمهورية .
فمن اين اتى هؤلاء بهذا المال الوفير ليمتلكوا هذه المدن الفاخرة المتكاثرة خلال عقدين من الزمان بينما عجزت حكومات الادارة البريطانية والعهد الوطنى انجاز مثيلاتها قرابة القرن من الزمان ؟!
.