الأربعاء، 15 مايو 2013

بقرات الحى الراقى


                         لا شىء يضايق المرء سوى الحاح صديق عزيز لتلبية دعوة فرح كنت قد اتخذت منها موقفا صارما منذ تسلمك (كرت) الدعوة ، اما لظروف خاصة او لظروف عامة او لأن (كرت) الدعوة وحده كان كافيا ليحضك على تجنب قضاء ساعتين تحت وقع سياط مهرجان زائف ، تنضح تكلفته بعرق الغلابة ، (كرت) الدعوة كان مصمما من عدة طوابق على نسق خارطة المنزل وفستان العروس ، وجملة تكلفته فى تقديرى تعادل تكلفة عرس فى احد الاحياء الطرفية لهذه المدينة التى لم تدرك بعد طبيعة الانقلاب الذى يجرى فيها ويتخذ زمن الاقطاع هويته المثلى ، فحضور مثل هذه الدعوات يحتاج تمارينا اضافية لدعم المعنويات حتى لا تقع فريسة لحقد طبقى يجرفك الى الجحود بنعمة الله التى فضّل بها البعض ، فالرزق درجات ، وان كان بعض الرزق هنا سرقات لا غير .

                         فى مثل هذه المناسبات افضل ما يفعله المرء ان يشغل نفسه بأكتشاف اسرار مهرجان الزيف هذا ، فالصيوان عبارة عن خيمة عربية مأخوذة من ليالى الف ليلة وليلة ، يحتاج الى شاعر من صعاليك عرب الجاهلية لوصفه ، الحضور .. يا الهى اعلم ان السودانيين فى نظرى هم اجمل الشعوب سواء اكان نظرى هذا قائم على المثل القائل (القرد فى عين امه غزال) او (الجمل ما بشوف عوجة رقبته) ولكن متى بلغ السودانيون هذا القدر العالى من الجمال ؟! اى يد ماهرة تلك التى اضافت لمسات على تقاطيع هذه الوجوه واخفت بلمساتها بعض التقاطيع لتخرج لنا رجالا اشبه بنجوم السينما ونساءا مثل نجمات غلاف المجلات الشهيرة ؟! هذا الحضور اعرف معظمه واعرف مواطنه السابقة وتاريخه ايضا ، ولو عرضت على احدهم صوره هذه الليلة مع صوره قبل سنوات قريبة لأستغرق وقتا طويلا ليعرف ايهما شخصه الحقيقى فى الصورتين ، اما الازياء النسائية فجولات (قوقل) فى بيوت الازياء العالمية تقيك شر الدهشة شريطة ألا تفتح احداهن فمها بكلمة ، ولكن ان تشع الجلابية السودانية والعمامة والملفحة بالأضواء كأنها موصولة (بكابلات) الزينة المتناثرة على الصيوان ، هذا ما يثير الدهشة والحنق معا .

                         الموائد المميزة فى هذه الخيمة الساحرة ، تلتف حولها كوكبة متنوعة من متنفذين سياسيين فى الحذب الحاكم وتوابعه وكوكبة من احذاب اخرى ، تليها موائد المتنفذين فى الخدمة العامة بشقيها المدنى والعسكرى ، تليها موائد نجوم المجتمع الموهوبة والمصنوعة  من مختلف الفئات ، ثم مساحات من فراغ خططت بعناية فائقة كخطوط الطول والعرض ، لتليها موائد يلتف حولها عامة تلك الصفوة المميزة ، تراتبية مبدعة تثير طموحات وتطلعات ومكامنا اكثرها شراسة ، سخرية لاذعة ، تنظر الى موقع تلك الموائد المميزة نظرتها الى زريبة فى قلب السافنا الغنية ، وتغنى لها بخبث ( اعلف بقراتك من عرقى .. واشرق حسادك بالعرقى ) وتغنى ( يا بقرات الحى الراقى .. الدسم الطافح فى الاطباق .. مستقطع من حقك واستحقاقى ) .

                          لا حرارة فى قلب احد هنا ليتفاعل مع هذا الغناء الحاقد ( لا حرارة سوى حرارة الشراء والبيع ولا صوت سوى صدى ارتطام المال بالرجال والرجال بالمال . ح .ع) اللّهم لا نسألك رد القضاء ولا اللطف فيه ، فقط قوى ظهورنا لأحتماله .
    
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...