الأحد، 12 سبتمبر 2010

زى المرأة بين المنع والاباحة

                        صعد زى المرأة المسلمة - بوجه خاص النقاب - فى الآونة الاخيرة الى قضية شغلت اعلى مستويات السلطة فى بعض البلدان الاوروبية واخذت طريقها الى داخل مؤسساتها التشريعية  مصاحبة بزخم فاض على شبكات الميديا العالمية بذات القدر الذى تنتجه الحروب وذلك من اجل حظره فى الاماكن العامة متزرعة بأسباب امنية اما فى الدول الاسلامية فقد خاضت بعض المؤسسات بما فيها الازهر الشريف فى هذه القضية وابدت مواقفا مؤيدة للحظر ومؤسسات اخرى مدافعة عنه- النقاب- بأعتباره امرا مقطوعا فيه بنصوص قرآنية وهى مسألة فتحت ابوابا واسعة لجدل يحتاج الى آراء امينة و  شجاعة وجريئة تبين لنا موقف الدين من الزى عموما وزى المرأة بصفة خاصة وبصورة دقيقة بحيث لا تترك مجالا للبس او تأويل قد يؤدى بمجتمعاتنا الى فتن الله وحده يعلم ما يمكن ان تشعله من نيران ، فمعظم المجتمعات الاسلامية ان لم يكن جلها بنت عزتها وشرفها على سلوك المرأة واصبحت المرأة تبعا لذلك تحمل عبء المسئولية وحدها عن اخلاق مجتمع يبدو نصفه الآخر متحررا من اى مسئولية اخلاقية من كثرة المحظورات التى احاطت بها مثل قضية الزى التى اخذت تشكل فى الآونة الاخيرة قضية على درجة عالية من الخطورة خاصة حينما تصل بالمرأة الى مخافر الشرطة فى مشهد يضعها مع عتاة المجرمين فى مقعد واحد.

                     فمنذ واقعة الصحفية لبنى احمد حسين وتداعياتها المعروفة لم نشهد اى تحرك دينى او تشريعى او تنفيذى تناول هذه القضية للوصول بها الى حل محل رضا وتوافق يشيع الطمأنينة فى مجتمعنا وانما  تركت معلقة فى ايدى رجال الشرطة بموجب سلطة تقديرية تبدو فى احد وجوهها صورة فاضحة لهروب المشرع او لعجزه فى تحديد معايير واضحة وقاطعة لما يجب ان يكون عليه زى المرأة فى الاماكن العامة ، فبقاؤها معلقة فى ايدى رجال الشرطة بموجب سلطة تقديرية يحيلها الى آلية  لا تقف عند حدود انتهاك حقوق المرأة وانما تتعداه الى انتهاك عروض اسر كريمة من شأنه ان يخلف شروخا فى المجتمع وجروحا غائرة داخل هذه الاسر ، من هنا علينا تناول هذه القضية للبحث عن معالجة داخل اطارها القانونى القائم طالما تعذر تعديله وكى لا يلوح فى آفاق مجتمعنا سيفا مسلطا على رقاب النساء والاسر وذلك وفقا للنقاط الآتية :-
                  1- فى بلد متعدد الاعراق والثقافات والازياء كالسودان وحتى لا يقود القانون الى التمييز بين انسانه يحتاج القائمون على تطبيق هذا القانون الى تقييد السلطة التقديرية بتحديد معيار الحشمة فى الزى وهى مسألة فى غاية البساطة متى ما اتسع هذا المعيار للآخر الدينى والعرقى والثقافى فالبنطال او البنطلون مثلا يبدو  متسقا تماما من حيث الحشمة مع معايير كل الاديان والاعراق والثقافات وتبقى مسألة ال (تى شيرت) او (التونك) متوقفة على مادة القماش ومن السهل فى هذه الحالة حظر الشفاف منها ليصبح زيا آمنا للمرأة فى الاماكن العامة وعلى ذلك يمكن ان نقيس بقية الملابس.
                 2- تعريف المكان العام بشكل دقيق فثمة خيوط رفيعة تفصل بينه والامكنة الخاصة فمثلا داخل العربة فى الطريق العام يبدو مكانا خاصا والنظر اليه ياخذ شكل التلصص والتجسس والتحسس وعلى ذلك يمكن قياس الاماكن الاخرى كالاندية والقاعات التى تجرى فيها حفلات الاعراس واندية العضوية الخاصة ومثلها .
                 فالقضية فى تقديرى تتركز فى ضرورة وضع معايير واضحة لمسألة حشمة الزى وتعريف المكان العام فمتى تحدد هذا الامر بشكل واضح تنتفى كل اسباب هذه القضية فالمواطن بطبعه اكثر احتراما للقانون الذى يحترم حقوقه ويوضح واجباته بشكل لا لبس فيها وبعد ذلك تبقى مسألة فى غاية الاهمية وهى ان الشرطة فى معظم بلاد العالم شعارها انها فى خدمة الشعب وانها ملاذه الآمن فى الملمات بل حتى ان عتاة المجرمين حين يتم حصارهم من قبل آخرين يستنجدون بالشرطة ليحتموا بها فى انتظار القانون ومع تقديرى التام لجهودها المقدرة فى حماية المجتمع من الظواهر السالبة التى تهز امنه وسلامه وطمأنينيته الا ان قضية زى النساء مسألة حساسة تتطلب تدريبا خاصا يترفق بهن عند تطبيق القانون تمثلا لقول رسولنا الكريم ( رفقا بالقوارير) فشريط الفيديو المتداول هذه الايام على الفيسبوك يعكس مشهدا فاجعا لا يليق بمهنة وظيفتها الاسمى حماية المواطن وصون حقوقه .
               اما اكثر ما يدعو للغرابة فى هذه القضية هو ان الزى الذى يدفع ببنات الناس الى مخافر الشرطة يتم استيراده عبر القنوات الرسمية للدولة وتدفع مستحقاته الجمركية والضريبية ويعرض فى اسواقها المصدق بها ويصنع فى كثير من المشاغل المصرح لها.
               ان سلامة مجتمعاتنا مسئولية جماعية تهم المواطنين بذات القدر الذى يهم السلطات واستقرارها على الفضيلة ومكارم الاخلاق  منشد البشر على مر الازمان وشروط تحقيقها تبدو سهلة متى ما تحلت قوانينها المنظمة لحياة الناس بالرضا والقبول فأخطر مهددات المجتمع صدور قانون يهدف لحمايته  من فعل صغير لكنه ينتهك عند تطبيقه حقوقا من اهم ركائزه .
              
             
                

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...