الاثنين، 22 أغسطس 2011

نهاية حكم الطغاة


                   اجتياح الثوار الليبيين للعاصمة طرابلس يوم امس بتلك القفزة المفاجئة التى ادهشت العالم ، يعد حدثا تأريخيا ليس فى حياة الشعب الليبى وحده الذى احتفت جموعه الغفيرة به ، وانما فى حياة كل الشعوب التى ترزح تحت حكم الطغاة ، ويعد من جانب آخر احدث سيناريو تشهده الساحة الدولية فى كيفية التعامل مع الانظمة المتحدية لأرادة الداخل الوطنى والمحيط الاقليمى والاسرة الدولية ، ولأن معظم انظمة بلدان المنطقة لا تخلو من شبهة التحدى لواحدة من هذه الارادات او لمجملها ، فأن تكرار هذا السناريو يبدو قريبا منها  .

                  فالداخل الوطنى لم يعد كما فى السابق خاضعا بكامله لسيادة الدولة ، فثمة قضايا كقضايا الحقوق والحريات التى اقرتها المواثيق الدولية اخذت فى الآونة الاخيرة تشكل مطلبا ملحا لتطبيقها على الارض ، مطلبا ظلّت تنادى به المنظمات الاممية و المعنية بحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدنى وشخصيات عالمية بارزة ، وهذا المطلب اصبح ظاهرة بارزة فى السياسة الدولية ، ظاهرة تسعى جاهدة لتجريد الشأن الداخلى من سطوته على هذه  القضايا ، بحجة ان اشتطاط حكومات الانظمة فى انتهاكها لحقوق وحريات شعوبها فعل يؤثر على مجمل الحالة الاقليمية والدولية بالقدر الذى يصبح معه الشأن الداخلى مهددا للأستقرار والمصالح ، وبالتالى فأن مطالب الشعوب الخاصة بقضايا الحريات والحقوق لم تعد مطالبا خاصة بالشعوب و انظمتها وانما مطالبا دولية سيطال تحديها تحدى المجتمع الدولى وبالتالى تصبح تلك الانظمة عرضة لسلسلة من الاجراءات نهايتها لم يعد غزوا كما كان فى الحالة العراقية وانما نهايتها هو السيناريو الليبى بعينه خاصة وان معظم دول المنطقة تزخر بذات البنيات التى شكّلت كتلة الثوار الليبيين ومستعدة للعب ذات الدور .

                وبما  أن سياسة حسن الجوار تبدو معيارا دقيقا لحسن نوايا النظام القائم مع محيطه الاقليمى ، فان التدخل فى الشأن الداخلى لدول الجوار يعد  انتهاكا صارخا لحق الدولة وشعبها  فى انتهاج السياسات التى تلبى حاجاتها وحاجات شعبها ،  سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادى او الاجتماعى  ، وعلى مر التأريخ ظل التدخل فى شئون دول الجوار ومبادلتها العداء ، احدى سمات انظمة الطغاة ، والزريعة المفضلة لهؤلاء الطغاة لقهر شعوبهم ونشر ثقافة الحرب والقتل والدمار على اوسع نطاق ، وهذه السمة ظلت علامة مميزة لعدد من الانظمة العربية والاسلامية ، بعضها كان مدفوعا فى تدخله بحكم امانى المشروع الوحدوى بتعقيداته فى شقيه العروبى والاسلامى ، وبعضها كان تدخله فعلا استباقيا لأتقاء تداعياته ، ولم يكترث اى منهم الى حقيقة ان هنالك واقع موضوعى داخل كل دولة مرتبط بقوة مع مصالح اقليمية ودولية يستحق ان يحظى بالاحترام وعدم المساس به ، والا فأن الصدام مع القوى الاقليمية والدولية المرتبطة مصالحها مع تلك الدولة يصبح امرا محتوما ، وتاريخ المنطقة القريب والراهن يشير بأصابعه العشرة الى ورطة تلك الانظمة وطغاتها داخل بؤر النزاع المنذرة بأنهيارات قادمة لأنظمة تظن نفسها عصية على رياح التغيير .

                  وما يدعو للغرابة ، ان الانظمة العربية جميعها بلا استثناء تعرف بدقة متناهية ما تعنيه (الشرعية الدولية) ، وتعرف اكثر ما يعنيه اصطدامها بها ، وتتعاطى سرا مع كثير من مطلوباتها وتسعى جاهدة لتكون جزءا منها دون ان تستوف لشروط التحاقها لا فى بنياتها السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية ، ومع ذلك تغرق شعوبها فى جهل تام بحقيقة ما ظل يدور بينها وهذه الشرعية خلال فترة حكمها الطويل ، حتى اذا جاءت ساعة اصطدامها معها خرجت علينا بخطاب ملتبس ، يصنفها حينا ضمن دائرة الحرب الصليبية وحينا ضمن دائرة الحرب الاستعمارية وحينا تحت دائرة الغزو الثقافى الى آخر ما تجود به قرائح الهاربين من فضيحة التستر على خداع الشعوب ، وكل ما يهمها من خطابها الملتبس هذا ، ان ينجح فى تعبئة شعبها بالحق او بالباطل ليصبح لها ترسا تتقى به ضربا كانت تعلم علم اليقين انه واقع عليها لا محالة ، كأنما لسان حالها يقول (علىّ وعلى شعبى يارب ) ولكن الشعوب قد ادركت ان مثل هذا الخطاب لا يعنى سوى ان ثمة طاغية فى ( حاجة لمزيد من الظلام ليسفك مزيدا من الدم ) .

السبت، 20 أغسطس 2011

جلابة


                    للمدن الرئيسة فى جنوب السودان سحر خاص ، تتشارك جميعها فى الخضرة والماء ووجوه متعددة الحسن وحى يدعى (الجلابة) تجده فى ملكال و واو و جوبا ، والجلابة هم ابناء الشمال النيلى ، من الذين ضاقت بهم الحياة بعد ان ضاقت عليهم مواعين العمل فى الشمال فلجأوا جنوبا بحثا عن عمل يوفر لهم حياة كريمة ، والقاسم المشترك الاعظم بينهم سواء اكانوا تجارا او حرفيين او موظفين حكوميين او حتى عسكريين ، ان الجنوب كان فى تفكيرهم ملاذهم الوحيد من البطالة والفقر والذلة ، وتأريخهم هناك يكفى  تقاسمهم مع اهل الجنوب الدم واللغة والمعرفة شاهدا على نصاعته ، ويندر ان تجد بينهم من لا يجيد احدى لغات الجنوب ، دينكاوية كانت او نويرية او شلكاوية او لغة الباريا التى تنتمى مع لغات الشمال النوبى لأم واحدة او غيرها ، وظلّت احياء الجلابة عقودا طويلة من الزمن رمزا قويا على قدرة السودانيين بمختلف اعراقهم واديانهم وثقافاتهم على التعايش ، بل بدت احدى ركائز وحدة السودان البارزة ، لذا لم يكن غريبا ان يتجه دعاة الانفصال والعنصريون بخبث شديد الى الزج (بالجلابى) فى صياغات تقف به رمزا كريها للعنصرية والاستغلال والاستعلاء العرقى متحدية بذلك واقعا مغايرا يمشى على الارض شاهدا على عظم التجربة التى انتجها هذا (الجلابى) والمتمثلة فى انجازات اعظمها ولادة اجيال من السودانيين النابهين لا يستطيع الجنوب ان ينكر انتماءها له ولا الشمال .

                     وما يدعو للأسف حقا ، ان ينجرف خطاب بعض المثقفين السودانيين الذين يدّعون مناهضة العنصرية والاستعلاء العرقى ، الى تبنى موقفا يحض على العنصرية والكراهية والحقد والاستعلاء على (الجلابى) كرمز لأبناء الشمال وعلى وجه الخصوص ابناء الوسط والشمال النيلى  ، وهو موقف يدعو للتسآؤل عن سر تماهى هذا الخطاب مع الثقافة التى انتجتها صراعات بعض الاسلاميين على السلطة واستقطبت دائرتها اطرافا سودانية تمت استثارتها عرقيا بمهارة عالية ، تجلت فى اصدارة (الكتاب الاسود) المدعومة بتصريحات مؤججة لصراعات عرقية وقبلية ، ومع تقديرى الكامل لعدالة قضايا هذه الاطراف الا ان الزج بالعرق فى مثل هذه القضايا خاتمته حتما الى المجازر ومن ثم بسط ثقافة التقسيم على اساس عرقى وجهوى ، فلماذا يتناغم هؤلاء المثقفون بمواقفهم من احد مكونات هذا الشعب مع  هذه المشاريع ؟

                      انه لأمر محزن حقا ان تصبح اصوات بعض الاسلاميين المشروخة التى تختزل صراعات السودانيين حول قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى العرق ، هادية لمثقفين مدركين تماما حقيقة العلّة المنتجة لهذه القضايا وطرق علاجها ، ومحزن جدا الا يدركوا ان صوتهم مهما تضاد مع تلك الاصوات فانه يكمّل فى خاتمة المطاف ذات النغمة النشاذ التى استهدفوها ويؤلف معهم ذلك النشيد الشيطانى الذى يناجى مخيلات كثيرة بمقطع وحيد ينادى بوجوب صعود كل قرد الى جبله ليصير الوطن غابة موغلة فى توحشها .

الاثنين، 15 أغسطس 2011

من اجل شمال متماسك


                  من بين كل العناصر التى تحدد الانسجام الثقافى لمجموعة ما ، اذا استثنيت اللغة والدين ، يبدو عنصر القانون والممارسة الادارية وملكية الاراضى ، من اكثر العناصر اثارة للصراعات والنزاعات القاتلة ، وما تراكم على هذه الاصعدة من قضايا نتيجة لسياسة التمكين التى اتبعتها حكومات الاسلاميين على مدى عقدين من الزمان ، تشكل اكبر التهديدات لوحدة وتماسك وانسجام الشمال ، بما فى ذلك الشمال المفترض فى مخيلة الاسلاميين والمعرّف ب(مثلث حمدى) .

                    فعلى صعيد القانون ، فأن الجدل حول القوانين لم يتوقف يوما منذ استقلال السودان ، وزاد حدة عقب قوانين سبتمبر 1983 التى توطدت دعائمها بعد الثلاثين من يونيو 1989 ، والجدل الدائر حولها لم يتوقف على دائرة حقوق غير المسلمين وانما امتد الى داخل دائرة المسلمين انفسهم ، وكشفت اختلافاتهم الفقهية والاجتهادية قدرا من التباين لا ادرى كيف يمكن الوصول معه مستقبلا الى صيغ قانونية اسلامية تحظى بالقبول والرضا من كافة مسلمى السودان ، وحكومات الانقاذ المتعاقبة ادرى بما خلّفته القوانين التى حكمت بها من قضايا عالقة ، فأولى التحديات التى تواجه وحدة وتماسك الشمال هى كيفية الاتفاق على قوانين تحظى بالرضا والقبول لغالبية اهل الشمال وتصفية القضايا العالقة وما انتجته من غبن .

                    اما على صعيد الممارسة الادارية التى عاشتها مؤسسات الدولة ، فتكفى قضية المفصولين تعبيرا عن فظاعة الانتهاكات التى الحقتها هذه الممارسة بتأريخ الاداء بهذه المؤسسات ، والذى اتسم فى غالبه ومنذ تأسيسها فى مطلع القرن العشرين بالكفاءة والنزاهة والجودة ، والوقوف بحزم فى مواجهة السياسات التى تسعى لأستغلاله خدمة لأغراض اخرى غير التى انشىء من اجلها ، ويكفى وقوفه عاجزا عن تنفيذ توجيهات وقرارات اعلى سلطة تنفيذية وهو رئيس الجمهورية ، سواء تلك المتعلقة بالمفصولين او بالجبايات او بغيرها ، دليلا على فساد الممارسة الادارية ، وهذا يعنى ان اى تشكيل حكومى مهما استوفت عناصره اعلى معايير الكفاءة والنزاهة والجودة ومهما جاء ممثلا لأوسع قطاعات الشعب السودانى ، فأن عطاءه سيصطدم بعقبة جهاز ادارى فى حاجة الى مراجعة دقيقة ومنصفة ، وهذا هو المهدد الثانى لوحدة وتماسك الشمال .

                   اما ملكية الاراضى ، فهى حربنا القادمة التى ستمتد السنتها تلقائيا مستنفرة كل بيت ، فأذا ارجأنا النزع الذى ظلّت تمارسه بعض سلطات الاراضى لملكيات صدّقت عليها سلطات حكومية مخوّلة قانونا وقامت بمنحها لآخرين ، فأذا ارجأنا هذا الجانب ، فأن مشاريع الخطط الاسكانية التى نفذّت خلال الفترة الماضية ، وما صاحبها من تجاوزات قادت البعض الى السجون والبعض الى الهروب ، فأن الخريطة السكانية التى افرزتها ، تدعونا الى اخذ النبؤات التى تناولت وطننا لدى بعض شعوب القارة كأرض للميعاد مأخذا جديّا قبل ان يصير وطننا كما تناولته نبؤآت اخرى ارضا للأجداد ، هذا فى الجانب المعلوم لدى السلطات والمثبت فى وثائق رسمية ، اما ما خفى فهو اعظم ويحتاج لجهد ابناء هذا الوطن قبل جهاته الرسمية حتى لا يصحوا يوما ويجدوا انفسهم غرباء فى بلادهم ، ولأن الأرض هى الوطن فأنها اكبر التحديات ، وتقتضى ان تحظى بمراجعات دقيقة وشاملة وبأصدار قانون واضح وغاية فى الحزم والحسم مع المتعاملين فى الاراضى والمتلاعبين فيها ، .

                  ثمة قضية اخرى تتعلق بالوجود الاجنبى المتعدد الاوجه والمسارب والذى اخذ يتعاظم فى الآونة الاخيرة بأعداد تدعو للريبة بأن يدا خفية ترتب لعمليات توطين ناعمة ، وان هذا الوجود يتخذ فى احد وجوهه شكل هجرات متنافسة اخشى ان تثير على ارضنا رياح الهوتو والتوتسى ، فالسجل المدنى اصبح ضرورتنا القصوى للحفاظ على هويتنا وامننا وسلامنا وعلى اراضينا وعلى فرص تعليم وعمل وعلاج لأبنائنا ويجب ان يسهم كل السودانيين فى انجازه بالدقة والتدقيق والمتابعة اللصيقة لأجراءاته .

                   

الثلاثاء، 9 أغسطس 2011

محمود درويش


الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش
محمود درويش



                        
رحل الشاعر ام رحلت لغتنا عن وطن القصيدة
                             يا لغة تدفق نهرها الجامح فى مصبات العدم
ظمئت مفردات العشق فيك لأغنية جديدة
والكلمات للأناشيد المجيدة
                             والحروف لنبض ونغم
       يا لغة ترجل فارس نظمها وعكاظ قد خلت مقاعدها عقودا
       من يعتلى الآن اعلى خيولك للقضية
       ويرد الدم المسفوك ثانية للشرايين الفتية
                             وارواحك الزاكيات رفرفة للعلم


         من يمسك الآن الأمل المعلّق فى متاهات الانتظار
         ويمده قنديلا يضىء كل دار
                              ومنديلا يجفف دمعا ودم

                                  ،،،،،،،،
             
                     الكلمات اعلاه ولا اسمها شعرا فالمقام هنا مقام سيّد الشعراء ، الكلمات اعلاه  كانت كل ما استطعت تنفسه عبر الصدمة التى اصابتنى عند سماع  نبأ رحيله ، فكنت اظنه  سيظل حيا الى ان يرفرف علم فلسطين فى سماء ارضها ، الارض التى لم يكف يوما عن مناغمتها بأعذب الكلمات واكثرها صلابة ، فقد كان كل العالم سواها منفى ، بل كانت عنده ( كل ارض اتمناها سريرا تتدلى مشنقة ) ،  وتمر اليوم ذكرى رحيله الثالثة ، وفلسطين مازالت كما تركها ، تغالب فى عالم يزداد توحشا يوما بعد يوم ، وقضية الحرية فيه ( تتحول الى وجهة نظر قابلة للحياد ) عالم اجمل ما ظلّ صامدا فيه ، شعره ونثره الذى ( يتسع لقارات من الخيام ) وسيمتد به العمر لقرون من الزمان ، فما اسعد جيله وجيلنا واجيالنا القادمات بهذا الكنز الذى لا يفنى .

                    لقد رحل الى وطن الشعراء الخالدين ، حيث يصير الشعر عفّوا وشفيعا تماما مثلما صار مع (كعب بن زهير) ففيه من (كعب) ومن (زهير) الكثير ، وفيه من كل من سبقوه اجمل ما فيهم واجمل ما فاتهم فيه ، اسأل الله له الرحمة بقدر ما اعطى للغة القرآن من جمال الصور والمعانى ، وما زال امامنا وقت طويل لأكتشاف عالمه الرائع .

الاثنين، 8 أغسطس 2011

ضباط تحت الاهانة والانتهاك


                   مؤسفة هى العقلية التى تدير شئون ضباط الشرطة المتقاعدين ، ففى الوقت الذى تعانى فيه اغلب قطاعات الشعب السودانى من تصاعد اعباء المعيشة ، وفى الوقت الذى ادركت فيه على غير العادة حكومة المؤتمر الوطنى حجم هذه المعاناة وقامت تبعا لذلك بمنح العاملين والمتقاعدين منحة المائة جنيها لمقابلة جزء من تكاليف اعباء المعيشة ، وفى الوقت الذى تسعى فيه الاتحادات والنقابات الاخرى بأجتهاد فوق العادة للبحث عن مصادر تمويل مختلفة لدعم عضويتها ، فى هذا الوقت يقدم اتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين بلا خجل او حياء وبجرأة يحسد عليها ، على استقطاع مبلغ خمسة جنيهات من جارى معاش الضباط المتقاعدين عبر ادارة معاشات الشرطة .

                  والبحث عن دافع او مبرر او عزر لأجراء هذا الاستقطاع يصطدم فى اوله بأسئلة مقلقة عن مصير الاموال المستقطعة من زملائنا فى الخدمة والتى بلغت مليارات الجنيهات ( بالقديم) حسب ما تم تأكيده فى جمعيات عمومية سابقة ، واسئلة مقلقة عن مصير المشاريع الاستثمارية التى سبق ان تم التداول عنها فى ذات لجمعيات العمومية وعن مصير عائداتها ؟
إنجازات الإتحاد دورة (2007م - 2009م )
                   ونظرا لأن الضباط المتقاعدين وطوال فترة عمل الاتحاد لم يحظوا بأنجاز ملموس على ايديهم

 فأن الاجابة على هذه التسآؤلات سواء أكانت ايجابية ام سلبية ، ستهدم فكرة الاستقطاع من اساسها لعدم جدواها اما لنجاح ما سبقها من استقطاعات احرزت عائدات لا تحوّج الاتحاد الى الاستقطاع الأخير واما لغياب عامل الفائدة منه فى حالة فشل المشاريع التى انبنت عليه سابقا ، وفى الحالتين فأن الصواب ان يلجأ الاتحاد الى مصادر تمويل اخرى قادرة على تحمل الفشل والمحاسبة عليه كالبنوك  دون ان يخشى شيئا طالما قد امتلك الخبرة والكفاءة اللازمة لنجاح مشاريعه الاستثمارية .

                     لا اجد عزرا للاتحاد فى خطوته هذه ، ولكن ما هو اقبح من الذنب هنا يقع على عاتق المسئولين برئاسة الشرطة ، الذين وافقوا على هذا الاجراء المخالف للقانون ، فالسلطة الوحيدة المخوّلة بالحجز والاستقطاع من جارى المعاش هى السلطة القضائية او كما هو مبين فى القانون ، فلا الجمعيات العمومية ولا غيرها يحق لها ان تخترق القانون ، فسلامة الاجراءات الشكلية فى حالة الاستقطاعات محكومة بأجراءات اهمها فى مثل هذه الحالة الحصول على اقرار كتابى من الضابط شخصيا بموافقته على الاستقطاع ، واى اجراء غير ذلك يعتبر انتهاكا واضحا للقانون وانتهاكا لحق الضابط المالى .

                    قد يبدو مبلغ الاستقطاع قليلا فى نظر الكثيرين ولكنه فى مجمله يعتبر مبلغا كبيرا يستحق ان تفرز له ميزانيات خاصة ، ومع ذلك فهو فى نظر كثير من المتقاعدين يعتبر مبلغا كبيرا ، ولأن الاتحاد تعوزه الاحصاءات والدراسات الدقيقة بالحالة الاجتماعية للضباط المتقاعدين ، فهو يجب ان يدرك ان اعدادا من هؤلاء الضباط ظل مصدر دخلهم الوحيد منذ تأريخ تقاعدهم هو مبلغ جارى المعاش ، ولا يتحمل هذا الدخل على علاته اى نقص .

                   لست هنا فى محل تشكيك فى نزاهة او كفاءة اتحاد ضباط الشرطة المتقاعدين وانما فى محل تسآؤل عن المدى الذى نحتاج ان نصبر فيه على انتهاك مالنا بهذه البساطة وان نصبر فيه على الاهانة التى تطالعنا كلما حضرنا للحصول على احتياجاتنا كما حدث هذا العام للمتقاعدين فى رتبة المقدم عند صرف (كيس الصائم) الذى ظلّت محتوياته تتناقص عاما بعد عام .

                   بموجب حكم القانون فأن الاجراء الذى تم بأستقطاع مبلغ خمسة جنيهات من جارى معاش الضباط المتقاعدين ، هو اجراء باطل ، ويجب الغاءه فورا ورد المبالغ المستقطعة لأصحابها ، ومن اراد بعد ذلك ان يموّل الاتحاد من جارى معاشه فليذهب الى مكاتبه ويوقع اقرارا بذلك .

الجمعة، 5 أغسطس 2011

نيفاشا خريطة لم تكتمل بعد


                  (نيفاشا) هى مشروع (الايقاد) وشركائها المحكم الذى افضى الى دولة الجنوب ، اوافضى الى الخريطة الاولى من جملة الخرائط الجديدة المستهدفة لما عرف سابقا بجمهورية السودان ، وقد نجح مصمموها فى تسويق بنودها لمعظم ان لم يكن كل الوان الطيف السياسي فى الشمال الذين جذبتهم اليها قضايا الحريات والتحول الديمقراطى ، ونجحوا فى تسويقها بكثافة فى اوساط الحركات القومية التى فتح شهيتها اليها بند تقرير المصير الوارد فى مبادىء الايقاد والذى اطلق العنان لحنين الكثيرين منهم الى ماضيهم السابق للغزو التركى الى السودان ، واصبحت تبعا لذلك اتفاقية السلام الشامل .

                   ولكن هذه الاتفاقية وبمعطيات الواقع الذى انتجته ، جاءت متناغمة مع مشروع الاسلاميين السودانيين الذى عرف (بمثلث حمدى) بل بدت فرصة ذهبية لأنزال هذا المشروع على ارض الواقع ، وفى اعتقادى ، لولا انتباهة قيادات قبيلة المسيرية للفخ الذى نصب داخل برتوكول (ابيى) وكاد ان يقضى على وجودهم الجغرافى هناك ولولا وقفتهم القوية التى حالت دون تطبيقه على ارض الواقع لقادت المشورة الشعبية بجنوب كردفان الى خريطة جديدة متزامنة مع ميلاد دولة الجنوب ، لتتبعها بعد ذلك سلسلة من الخرائط التى ستنتهى عند حدود (مثلث حمدى) .

                   وما يدعو للأسف ، ان القتال الدائر الآن فى جنوب كردفان وفى شبحه الذى يحوم فى سماء جنوب النيل الازرق ، يبدو فى احد وجوهه استجابة تلقائية ليس لتطبيق أهداف اتفاقية (نيفاشا) وحسب وانما لمتطلبات مشروع (مثلث حمدى) ايضا ، اذ اصبح هذا المشروع كما يتراءى لى ، قلب اتفاقية (نيفاشا) النابض الذى ابقى على حياتها وسيظل يضخ فيها وعلى الارض الدماء ليستوى خريطة خالصة للشمال السودانى حتى ولو تراجعت قوى الاسلاميين عن مصادر القرار ، اذ ان ما بذره الصراع الدامى الطويل فى نفوس الجهات القومية على نطاق الوطن ، انتج من الكراهية والحقد ما يكفى كى يصبح وقودا لهذه الجهات يدفعها للسعى حثيثا لتكون خارج اطار هذا المثلث .

                     وما يدعو للأسف اكثر ، ان مشروع (مثلث حمدى) يبدو فى احد وجوهه استباقا لمشروع تتبناه منذ امد بعيد دوائر غربية نافذة  ، نجحت اخيرا فى تأسيس اولى بنياته داخل السودان والمتمثلة فى قوات حفظ السلام المتزايدة حينا بعد حين والتى غيّر مجلس الامن الدولى قبل ايام طبيعة مهامها لتكون تحت البند السابع ، فى اشارة لا تخفى على احد عن سيناريو قادم لا ندرى اين ستقف حدود نهاياته .

                     فى تقديرى ان الازمة فى السودان قد انتقلت الى مرحلة خطرة تتطلب من الجميع ان يدركوا ان السلاح لم يعد يجدى بديلا لمعالجتها ، فهناك سلاح اقوى مما فى يد الجميع ينتظر ان تبدأ معارك الداخل ليبدا معاركه التى سيفصّلها وفقا لمصالحه والتى حتما ستكون خصما على طرف هنا وطرف هناك ، فالأولى ان يتجه الجميع الى اتفاق عقلانى واقعى يلبى تطلعات ابناء هذا الوطن فى العيش بسلام ايا كان شكل الخريطة التى ستحتويهم .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...