الأحد، 31 يناير 2016

تأريخ حالة موت


فى طفولته احب معلمته التى كان يحبها كل اطفال الروضة التى احتضنت طفولته الباكرة .فى صباه احب سبعة فتيات بذات الوله الذى احسه تجاه كل واحدة منهن .
فى مراهقته الاولى احب خمسة فتيات اتعبن مخيلته الى درجة الجنون .
فى شبابه احب ثلاثة فتيات تمنى ان يقضى معهن بقية عمره .
فى منتصف الثلاثينات بلغت حكمته سن النضج الذى عادة ما يصلها الآخرون فى الاربعينات ، فتشابه عليه البقر ، هكذا قال .
فى هذه الفترة صار ابا يحمل على كاهله هموما ميتة حسب وصفه .
فى فترة مراهقته الثانية والتى جاءت متأخرة ، احب امرأة واحدة بعنف ثورى ، وهى التى ستعلق به حتى القبر او كما قال .
فى هذه الفترة لم يكن للموت حضور فى تفكيره او مخاوفه ، خرج من حياته ولم يترك خلفه اى ملامح تدل عليه .
يقول ان الموت هو عدم القدرة على الحب ، لذا يؤرخ للفترة التى تشابه فيها البقر امام ناظريه بفترة موته الطبيعى .
ملحوظة :
  الكلام اعلاه قراءة اخرى مستوحاة من قصيدة للشاعر اللبنانى الرائع حسن العبد الله

الثلاثاء، 19 يناير 2016

كابوس مزمن


                    لا اذكر تأريخ بداية هذا الحلم بالضبط ، ولكنه تقريبا ابتدأ فى الفترة التى اعقبت خروجى من السجن ، والسجن  ليس كما يشاهده العابرون ، مجرد مبنى بأسوار عالية تمد اصبعها محذرة الناس ، او بالاحرى تقول لهم لستم احرارا كما تعتقدون ، فأنا هنا قيدكم الثابت ، او انا هنا اقصى مسافة يمكن ان تصلها حريّتكم ، وبعدها ستكونون مساجينا داخلى .

                    والسجن عموما ليس رمزا للبطولة ولا عقابا للجريمة ، ولا كما قال محمود درويش (معلمى الاول فى فقه الحرية) ، انه عالم آخر غارق بكلياته فى الحرمان ، مخاض قاس لولادة الآخر المختبىء فيك ، بأدنى نقطة ضعف فيه واعلى نقطة غضب ، هو مطاردة حامية مع الحنين ، الحنين الى الاهل ، والى  احبة ، الى اماكن ، الى اوقات يحظى وجودك فيها بمعنى جمال الحياة ، وهو ايضا مطاردة حامية بين الرغبة فى الانتقام من منتجى هذا الظلم العريض الذى يمشى بين هذه الجدران العالية ، وبين الجنوح الى التسامح عطفا على ضمور عقل الممسكين بالتشريع والاحكام والسلطة ، واملا فى ان يتيح التسامح مساحات اوسع للوعى ليحد ولو قليلا من الظلم .

                     ما اذكره عن سجن كوبر ، انه حاضنة  لأسوأ مستعمرة للباعوض عرفتها الطبيعة يوما ، ولا تستطيع مهما عانيت من الحمى ان تتخيّل  الحمى التى تسببها منتجاتها من الملاريا ، ملاريا تساكنها وتلازمها آخر سلالة (لايووقة) للجرب ، وكل هذه البلاءات يمكن ان تصادفها فى بيئة متخلفة وغارقة فى توحشها ، ولكنها فى سجن كوبر تبدو غيلانا تمسك أذنيك بغلظة ، وتفتح عينيك على نوافذ ترى من خلالها ، وطنا  غريبا لم تعرفه من قبل ، يساكنك فيه بشر اغراب لم تعرفهم من قبل ، وتسمع بانشطة غريبة ، قادت معظمهم الى هذا الداخل الغريب ، لم تكن تعرفها من قبل .

                    وفى الحقيقة ، كل ما ذكرته اعلاه كان واقعا معروفا بوعى كبير لدى الكثيرين ، وحدى الذى لم اكن اعرف نفسى فى هذا الوطن ، ولم اكن اعرف كذلك هذا الوطن ولا اهله كما يجب ، كل الذى كنت اعرفه عنه ، انه مراتع جميلة فى الصبا وفى الشباب ، ومن هنا بدأ كابوسى المزمن ، من الليلة التى قضيتها خارج اسوار هذا العدو اللدود للأنسانية ، لعنة الله على (كوبر) ذلك الانجليزى اللئيم ، فقد اختار من بين كل المساحات الخالية آنذاك ، هذا الموقع ليبنى عليه السجن ، فى خط واحد مع مدرج مطار الخرطوم ، فكل اقلاع او هبوط للطائرات كأنما يتم على رأسك .

                    والحلم او الكابوس كما لازمنى طوال هذه المدة ولا يزال ، و كما اعيشه كل ليلة ، عبارة عن  فضاء اخضر جميل ، تتوسطه شجرة ممتلئة وفارعة كفتاة رائعة الحسن ومعتدة بقوامها ، وبينما انا فى غمرة استمتاعى بهذا المشهد البديع ، تهب عاصفة عاتية ، تنحنى الشجرة لها فى صبر جميل حتى تمر ، ثم تتوالى العواصف ويتوالى الانحناء ، الى ان صارت الشجرة محدودبة الظهر ، وصوت مخيف يأتى من فراغ غامض  يقول ، ياله من مهبط مريح للنازلات ، ثم يلوح لى من بعيد ، مشهد انفجار سيارة مفخخة فى بلدة عربية ، واذا بشظاياه تتناثر على ظهر الشجرة ، ثم يلوح لى من جديد مشهد بناية تتهدم من قصف جوى فى بلدة اخرى ، واذا بغبارها واتربتها ودخاخينها يغطيان الشجرة ، ثم يلوح لى من جديد مشهد ومشهد من عدة نواحى الارض ، وكلها تنتهى اثارها على ظهر الشجرة ، حتى اذا ساد السكون وتجلّت الرؤية ، اذا بهذه النازلات تنهض وحشا قبيحا بستة اذرع ، يحمل بكل ذراع رمحا بستة رؤؤس ، ويرفعها ليهوى بها فى  قلب الشجرة ، ثم اكتشف فى اللحظة التى تسبق طعنتها ، ان قلب الشجرة هو قلبى ، فأستيقظ مذعورا مرددا ليرحمك ويرحمنى الله ايها الوطن .
                  

السبت، 16 يناير 2016

وسيم كأمنياتنا


                  حوت خرج الى الشارع من عمق الشارع
                 خرج ليسق الناس عذب الاغنيات
                 الحنجرة بحيرة من انغام ، نبعت منها مئات الانهار ، وحمل عليها الملايين منا
                 تصب الدفء والسكينة والراحة على الأفئدة المتعبة .
                وسيم كأغانيه ، وسيم كأمنياتنا ، ووسيم كاحتشادنا حوله بحرا هائجا.
                كنا له بحرا وضفافا ، لم نخش عليه الغرق ، ولكنّا غفلنا شر الاحتراق
                فأى نار خبيثة تلك التى تسللت ولوّثت عليه هذا الفيضان من المشاعر وأجبرته ان يسبح الى السماء ؟
                ايها الحوت السابح فى السماء
                بحرك يبكى عليك ويدعو
                الف رحمة والف نور تنزل عليك وتصعد بك الى جنات النعيم
               
                 
                  

                  

                 
                   

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...