الاثنين، 28 نوفمبر 2011

مع وليد المعلّم


                 يبدو ان الجامعة العربية فى تعاطيها مع النظام السورى حول الازمة القائمة بتداعياتها الخطيرة على الشعب السورى وعلى المنطقة ، فات عليها قدرات كوادر هذا النظام التفاوضية التى اكتسبها من خلال معاركه الدبلوماسية الطويلة فى صراعه مع اسرائيل ، والتى اقنعت منظر السياسة الخارجية الامريكية هنرى كيسنجر ابان توليه ملف ازمة الشرق الاوسط عقب حرب 1973 ، فقد كان الطرف السورى فى هذا الملف هو الاشد مراسا والأكثر يقظة تجاه الاجندة التى تتسلل من خلال المفاوضات وتتعارض مع مصالحه حسبما اشار الى ذلك فى مذكراته ، وهذا ما فات على كادر او اللجنة الوزارية للجامعة العربية التى تولّت اخراج قراراتها الأخيرة واتاحت بثغراتها لوليد المعلّم فسحة واسعة للشك فى النوايا التى وقفت خلف العقوبات بأعتبارها نوايا استهدفت النظام اكثر من استهدافها الوصول الى حل يجنّب الشعب السورى الدماء والدمار ويمكنه من طىّ هذه الصفحة السوداء فى تأريخ سوريا .

                 الآن ، اعاد النظام السورى الكرة الى ملعب الجامعة ، فقد اكد التزامه بخطة العمل العربية حسبما ابان وليد المعلم فى مؤتمره الصحفى عصر هذا اليوم ، ولكى تنأى الجامعة العربية من حالة الارتباك التى ادخلت نفسها فيها بمحاولتها لعب الدورين فى هذه الازمة ، دور الوسيط الساعى الى تقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام للألتقاء فى منطقة وسط ، تقود الى ترتيب الاوضاع السياسية فى سوريا بحيث تكفل للجميع حقوق متساوية فى العمل السياسى ، ودور المناصر للشعب السورى واطراف معارضاته المنادية بأسقاط النظام ، ولكى تنأى من هذه الحالة المرتبكة ، عليها ان تختار وبشكل واضح لا لبس فيه اى الدورين ستلعب فى هذه الازمة وتتحمل تبعات ذلك ؟

               من جانب آخر ، فأن النظام السورى لا يزال اسيرا لحالة من العمى لم تمكنه من رؤية المهاوى التى يقف على اعتابها ، فأطروحاته حول الاصلاح وان كانت ظاهريا تاتى ملبية لكثير من المطالب التى حملها الشارع السورى فى بداياته الثائرة ، الا ان عامل الوقت قد تجاوزها ، فضلا عن ان حصرية تصميمها بيد النظام يلغى دور الآخر السورى فى المشاركة ويكرّس مبدأ وصاية النظام على شعبه وهذا بالضبط احد الاسباب التى ادت الى ثورة الشارع السورى ، فهذا الجهد غير كاف لطمأنة اطياف المعارضة خاصة مع استمرار حالة العنف التى يتحمل النظام قسمها الاكبر بأعتباره البادىء بها وهيأ بذلك للكامنين وغيرهم الولوغ فيها ، فوقف حالة العنف هى التحدى الاكبر الذى يواجهه النظام الآن .

                عامل الوقت اصبح خصما جديدا ضمن صف طويل من الخصوم التى تتربص بسوريا الآن ،  قد يكون توجه الجامعة العربية بعقوباتها اخف هذه الخصوم ، وقد تستطيع سوريا بما تملكه من اوراق ان تبطل مفعولها او ان تعكس نتائجها لتطال آخرين حسب تلويحات وليد المعلم فى مؤتمره ، ولكن حين تبلغ هذه الازمة مطابخ المجتمع الدولى والذى يبدو قريبا ، فأن هذا المجتمع لن يجد فرصة افضل من هذه لحرق الاوراق التى تمسك بها سوريا والتى عطّلت كثيرا من مشاريعه فى المنطقة ، وعندها لن يجد النظام شيئا يقايض به ما ينتظره من مصير .

السبت، 26 نوفمبر 2011

شهادة ابن هشام


                 ابن هشام هو ابو محمد عبد الملك بن هشام بن ايوب الحميرى المعافرى ، والمعافر قبيل من اليمن كبير ، نشأ بالبصرة وتلقى العلم فيها وكان اشتغاله بالمغازى والسيّر ، ومن مؤلفاته ، كتاب التيجان فى ملوك حمير ، وتوفى فى مصر سنة 213 هجرية حسب ما ورد عند السهيلى وابن كثير .

                 وفى الطبعة الثالثة للسيرة النبوية لأبن هشام (1431 ه - 2010 م دار الفجر للتراث _ القاهرة ) جاء فى ص 8 ما يلى :
( قال ابن هشام : وانا ، انشاء الله مبتدىء هذا الكتاب بذكر اسماعيل بن ابراهيم من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولده ، واولادهم لأصلابهم ، الأول فالأول من اسماعيل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما يعرض من حديثهم ، وتارك بعض ما ذكره غيرهم من ولد اسماعيل من هذه الجهة للأختصار الى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتارك ما ذكره ابن اسحق فى هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ذكر ، ولا نزل فيه من القرآن شىء ، وليس سببا لشىء من هذا الكتاب ، ولا تفسيرا له ، ولا شاهدا عليه ، لما ذكرت من الأختصار ، واشعارا ذكرها لم ار احدا من اهل العلم بالشعر يعرفها ، واشياء بعضها يشنع الحديث به ، وبعض يسوء بعض الناس ذكره ، وبعض لم يقر لنا البكائى بروايته ، ومستقص انشاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية به والعلم به .) انتهى .

                   هذا هو المنهج الذى اعتمده الشيخ الجليل ابن هشام فى كتابته للسيرة النبوية نقلا عن ابن اسحق ، ولأن ابن هشام مجبول بالصدق والأمانة ، بدا حريصا من خلال تقديمه اعلاه ان يحيط القارىء علما ، بان الأختصار والتحقيق كمشروع رئيس فى اعادة كتابة السيرة النبوية ، لم يكن وحده الهدف القائم فى كتابتها وانما ايضا اسقاط بعض ما ورد بسيرة ابن اسحق بيّنها بكل جلاء فى الآتى :

                   1-اشياء بعضها يشنع الحديث به .
                   2- اشياء يسوء بعض الناس ذكرها .
                   3- اشياء لم يقر (البكائى) له بروايتها .
              
                  لاشك ان ثقافة ومعرفة ذلك الزمان التى شكّلت رؤية جماعة من الناس للسيرة النبوية ، هى التى املت على ابن هشام ان يسقط من السيرة الأشياء المشار اليها اعلاه ، ولا تثريب عليه اذ يكفى حرصه على ذكرها دلالة على تبرئة ساحته من اى غرض ، ولكن هذا النهج صار ثقافة راسخة فى تناول السيرة النبوية و تراثنا الاسلامى بحيث لم يسلم ابن هشام نفسه منه ، فثمة كتاب صادر بعنوان (تهذيب سيرة ابن هشام) لكاتبه عبد السلام هارون ، هذا بالاضافة الى سلسلة من كتب السيرة يعود بعض كتابها لعصرنا الراهن ، فما هو سر هذا الشغف الغريب  تجاه اعادة انتاج تراثنا الاسلامى ليتلاءم مع رؤى ورؤيات جماعة من الناس تفصل عصرهم عن وقائع ذلك التراث قرون طويلة ؟ وما مدى اتساع عمليات اعادة الانتاج هذه ؟.

                 يبدو لى ان تراثنا فى حاجة الى اجتهاد فرق من الباحثين لأخراجه على صورته الأولى التى خرج بها من قبل ، وفى حاجة الى علماء للوصول الى سر هذه العقلية التى لا ترى استقامة دينها على مر العصور الا اذا تمّ تحوير تراثه واعادة تشكيله لتتلاءم مع حدود ثقافتها ومعرفتها ، وسر احجامها عن طرح ارآئها فيه بدلا من التستر وراء هذا النهج  ، ولأبن هشام الشكر والأجلال على هذه الشهادة الناصعة .

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

لا تقبروا هذا الخيار


                  لقد طالت الأزمة فى السودان وتطاولت الى حد بدت فيه تداعيات ملفاتها المرئية بكامل تفاصيلها الخطرة ، اقرب الى ان تعصف بالوطن او ما تبقى منه قبل ان تعصف بالنظام القائم ، وان يطرح فى هذا الوقت العصيب مشروع حكومة واسعة او قومية او سمها ما شئت ، يبدو طرحا عقلانيا ومسئولا وحريصا على سلامة ما تبقى من هذا الوطن وامنه ، ويبدو هذا المشروع افضل الخيارات المتاحة لقطع الطريق امام الشياطين الممسكة بملفات هذه الازمة والمتأهبة للأمساك بشوارعنا لتحيلها الى (قيامة) يصطلى بجحيمها الجميع .
                 والقوى السياسية على مستوى القادة حاكمة ومحكومة ، واعية ومدركة بأن الخلاص من هذه الازمة يكمن فى مشروع حكومة تمكّن جميع القوى بالبلاد من الاسهام فى صنع حاضرها ومستقبلها ، ولكن الاستجابة لهذا المشروع بدت متباطئة ومترددة ومراوغة ، ولا ندرى حقيقة اسبابها فى ظل التصريحات المتضاربة من اطراف الحكومة والمعارضة القائمة بعملية التفاوض ، ولكننا ندرى ان بقاء الوضع الحالى على ماهو عليه نتيجة لفشل هذا الخيار من شأنه ان يهيىء المناخ لذات الاجندة التى نجحت فى فصل الجنوب فى سهولة ويسر ان تمضى فى انجاز ما تبقى لها من مهام ، لنصحو قريبا ونجد ان حدود الوطن الجديدة لا تسمح لك بعبور احد انهاره او سهوله او جباله او بحره ، فضلا عن ان الاحتمالات المرعبة.التى ستترتب على انفجار الاوضاع قد تصبح حقيقية ويصعب تداركها حينذاك .

                 لاشك عندى فى ان رؤية قادة هذا الوطن الذين قبلوا بهذا الخيار ، سواء فى النظام او المعارضة ، تختلف من حيث اتساعها وشمولها لحجم المخاطر المحيطة بنا ، عن رؤية بعض القيادات من الطرفين ، وعن رؤية قواعدهم المحكومة بتأثيرات التنافس والمصالح وتصفية الحسابات والغبن المتراكم على مدى اكثر من عقدين ، وما يدعو للقلق والمخاوف هنا ، ان تنجح هذه القيادات والقواعد فى قبر هذا الخيار ، وجر البلاد الى مواجهات يصعب التكهن بمآلاتها ، وامامنا تجارب سوريا واليمن ، فلا قوة هذه الانظمة بتأريخها الطويل فى البطش والاستبداد استطاعت ان تملى ارادتها على ثورة الشارع ، ولا ثورة الشارع استطاعت ان تحقق الاستقرار وتعيد الحياة الى طبيعتها كما فى حالة ليبيا ، وتكفى الحالة المصرية عبرة عن مدى الصعوبة التى تواجهها الآن القوى السياسية فى عملية انتقال واستقرار السلطة وفى استكمال بنيات التحوّل الديمقراطى واعادة الحياة الى مجراها الطبيعى فضلا عن الخسائر الفادحة التى لحقت بالاقتصاد المصرى ، فالتعلّق بالقوة لفرض شروط مرفوضة من القوى السياسية المعارضة يعنى ان النظام قد اعلن بصريح العبارة بداية مواجهة لا تستطيع القوة مهما عظمت ان تحسمها ، والتعلّق بتجاربنا السابقة فى ثورتى اكتوبر 1964 وابريل 1985 لأسقاط النظام ، فكرة يعوزها ان تستوعب التغييرات التى طرأت على مكامن القوى بالبلاد والتى لعبت فى الثورتين دورا رئيسا فى حسم الامور لصالح الشارع ، وان تستوعب تأثير مواقف واتجاهات القوى الاقليمية والدولية من النظام القائم , ,والتعلق بالسلاح حلا للأزمة القائمة ، يعنى خلق ازمات بلا نهاية فى ظل الاستقطاب العرقى والاثنى والجهوى الذى صعد اخيرا على الساحة السياسية بشكل بارز .

                من جانب آخر فأن تشكيل حكومة واسعة او قومية او ايا كان اسمها ، لا يعنى قفل ملفات القضايا والمطالب القائمة وانما يعنى دخول قوى جديدة متفهمة لهذه القضايا والمطالب وقادرة على ايجاد حلول لها ، من هنا فأن على القوى الوطنية المؤمنة بالمصالح العليا لهذا الوطن ، والحريصة على مصالح هذا الشعب وحقوقه الضائعة والمنتهكة على مدى عقدين من الزمان ، ان تعمل بجد لتكون جزءا من مصادر القرار ليأتى ملبيا ومستجيبا لها ، ويستعيد لهذا الوطن وجهه العادل .

                  
                  

السبت، 19 نوفمبر 2011

جسد علياء العارى


                علياء المهدى مدونة مصرية يافعة ، انحصر اهتمامها على تشجيع الحملات المكافحة للأنتهاكات الواقعة على الاطفال ، ومكافحة القمع الواقع على المرأة من قبل منظومة ثلاثية الابعاد رأتها قائمة فى البيت وفى المؤسسات التعليمية وفى الشارع ، ولها مواقف مناهضة لظاهرة التحرش بالمرأة التى شهدتها مصر قبل الثورة وكادت ان تصبح ثقافة راسخة فى الشارع المصرى ، وكانت ضمن المؤآزرين للدكتور سيّد القمنى فى سجالاته الدينية التى دارت بينه وبين التيارات المحافظة ، ومن ضمن المنادين بأطلاق المدون المصرى كريم عامر المحاكم بعدة سنوات لأزدرائه للأديان .

                  هذه خلفية موجزة عن القاعدة الفكرية للمدونة علياء المهدى والتى قادتها لتجرد جسدها من اى غطاء عدا حذاء احمر اللون ، والصدمة التى خلّفها هذا المشهد حرّك فى الفكر غابة متشابكة من الأسئلة عن فحوى الرسالة التى ارادتها ان تصل الينا من خلال هذا الفعل الموغل فى جرأته .

                    فالتبرير الذى ساقته فى تقديمها لصورتها العارية يبدو فى نظرى مجرد غطاء يخفى تحته الحقيقة التى لم تقو على التصريح بها ، فالتعويل على عرى الفتيات (الموديلز) فى مشاغل كليات الفنون ، وعلى عرى المرأة فى كثير من اللوحات الفنية وفى التماثيل ، بأعتبار ان للعرى قيمة جمالية ومادية عالية فى ثقافات كثير من الشعوب ، ليس كافيا ليصبح التعرى فعلا جماليا ذا قيمة مادية عالية فى كل الثقافات ، فهى من واقع كتاباتها تدرك وبشكل كاف ان مجتمعاتنا لازالت تحتفظ بأقسام داخلها ترى فى اللوحة العادية وفى الصورة العادية وفى التمثال كفرا صريحا ، فما بالك بأمرأة من لحم ودم ولها اسم وعائلة ، تتعرى وتعرض عريها على موقع متاح للجميع ولا تحده حدود ، فأين توجد مداخل هذه الرسالة ؟

                   الاحصائيات تشير الى ان زيارات المدونة قد تجاوزت المليون فى يوم واحد ، فما الذى حمل هذه الحشود من المسلمين لزيارة مدونة كتب على مدخلها تحذير صريح بأحتوائها على مواد جائزة مطالعتها للراشدين ؟ولماذا تسابقوا لمشاهدة فتاة عارية مع سبق الاصرار والترصد وتسابق كثير منهم على شتمها لاحقا ببذاءة تكفى وحدها تأكيدا لخطيئتهم دع عنك تحديهم لنواهى الدين التى تحض على غض البصر عن امرأة محتشمة درءا للتحرش وتقيدا باداب الطريق فى ثقافتنا ، ليس هذا فحسب بل زادوا خطاياهم بخطيئة الامتناع عن ستر فعل فاضح منهىّ عنه فى ديننا .

                    الاهتمام تركّز على صورتها العارية واغفل صورة الرجل الذى يجلس عاريا منكسرا تحيط به هالات من الخدر الثقيل ، كأنما عريه فعل مباح ، فلماذا يلاحق المرأة التمييز حتى فى فضيحة مشتركة بينها والرجل ؟ تبدو الصورة العارية هنا تعرية لعقلية (التيوس) التى تحرّك كثيرا من رجال مجتمعاتنا المسلمة لتجريد المرأة من انسانيتها وتحويلها الى مجرد اداة للمتعة دون اى اعتبار لكون هذه الاداة يمكن ان تكون أما او اختا او بنتا او زوجة حفظت لهن تعاليم ديننا من الكرامة والحقوق اعظمها ، ويملؤنى هنا فخرا واعزازا ومحبة جهاد رسولنا العظيم فى عصر جاهلى دفاعا عن حقوق المرأة وحماية لها من الوأد ومن خبث الملتفعين بمخازى القيل والقال ويملؤنى قرفا وغثيانا ونحن فى الألفية الثالثة ألا تجد المرأة وسيلة للأحتجاج على فساد مجتمعاتنا المتسترة بالدين مظهرا ، سوى ان تعرض جسدها عاريا مستفزة اولئك الذين لا يرون فى الدين سوى قائمة من الممنوعات تحيط بحياة المرأة .

                    الدكتور سيّد القمنى قال عنها - اذا صح هذا - ( علياء المهدى تعانى من خلل نفسى واجتماعى ، فين ابوها ؟ ) تصوّروا الدكتور سيّد القمنى صاحب الانتقاءات الدينية فى التأريخ الاسلامى التى اثارت عليه عواصف المحافظين ، والتى صادفت استجابة بين عامة الناس ، وتاييدا حماسيا له من بين الشباب ، دفعت الكثيرين ان يتبنوا حملة مؤازرة له ، وظفوا لها حتى مجالاتهم الخاصة دفاعا عنه امام موجة الغضب التى قادها المحافظون ، وكان من بينهم علياء المهدى التى لم تخش تبعات تبنيها لهذه الحملة التى افردت لها مساحة مقدرة فى مدونتها ، ومع ذلك يصفها الآن بخلل نفسى واجتماعى ، فهل يا ترى كانت مواقفها الداعمة لأفكاره ناتجة من خلل نفسى واجتماعى ؟ ام كانت مواقفها مجرد انجذاب من مختل نفسى واجتماعى لأفكار مختلة نفسيا واجتماعيا ؟ ليس هذا فحسب ولكنه تمادى فألغى عقل المفكر فيه بجرأة تبعث على الشفقة حين القى بتبعات فعلها هذا على والدها ، واغفل عن عمد دور مؤسسات المجتمع وعلى رأسها لفيف مفكريها من الذين عجزوا عن استنباط صيغة دينية من تراثنا الزاخر بسمو القيم والاخلاق ، تنشل شبابنا من حالة الضياع التى خلقتها عملية الطعن الانتقائية المستمرة فى ديننا وجعلت هؤلاء الشباب عرضة للأستلاب الثقافى ، كان الاجدى به ان يسأل اين هو من هذا الفعل الفاضح ؟ وكم تبلغ مسافة قربه منه ؟ بدلا من هذا الهروب التجريمى لرب اسرة لا حول له ولا قوة فى مواجهة مجتمع ينخر الفساد فى عظامه . وعلينا ان نسأل انفسنا جميعا ، اين نحن من هذا الفعل الفاضح ؟ وكم تبلغ مسافة قربنا منه ؟

                   جسد علياء العارى ، هو فضيحة عرينا الكبرى من مبادىء ديننا الحق وقيمنا وثقافتنا وارثنا الرفيع ، وهى فضيحة تخصنا رجالا ونساءا .

                   

                    

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

وجه العملة الآخر


                 المخاوف من ثورات الشارع العربى كانت ولازالت قائمة من ان تنتج فى خاتمة المطاف الوجه الآخر من عملة ذات  النظام الذى اسقطته ، لتعيش المنطقة دورة خبيثة قوامها لعبة اقصائية لطالما غذّت فضاءاتها بالحقد والكراهية والقمع الى آخر منتجات انظمة الاستبداد المعلومة جيدا فى تاريخنا ، وفى هذا السياق ، فقد مضت الثورة فى مصر بهذه المخاوف الى قاعات المحاكم مطالبة بحظر الحذب الوطنى ومنسوبيه من العمل السياسي ، حتى تكسب عملية اقصائه شرعية قانونية تبعدها من الظنون وحتى يحل ناشطوه لاحقا محل الجماعات المعارضة التى سئمت سجون مصر استضافتها المتكررة ابان حكم الرئيس حسنى مبارك رئيس الحذب الوطنى آنذاك .

                وفى ليبيا ، وللمفارقة ، كانت تصريحات قادة المجلس الانتقالى ، تقطع بقوة بعدم السماح لأى من كوادر نظام القذافى المشاركة فى مستقبل العمل السياسى بليبيا ، فى حين ان قادة ذات المجلس وعلى رأسهم المستشار مصطفى عبد الجليل وابرز معاونيه ، كانوا من كبار قيادات نظام القذافى ، وبعضهم لم يمض على انسلاخه سوى اسابيع معدودة قبل انتصار الثورة ، ومع ذلك يمنون انفسهم والناس ، بأنهم متجهون لبناء نظام ديمقراطى ، وحكم رشيد قوامه الشفافية والنزاهة والعدل .

                ولأن العبر والمواعظ آخر ما تطرأ على عقل الثورة ساعات انتصارها ، فأن الضرورة تقتضى استعادة شيئا من الذكرى علّها تنفع وتخفف ولو قليلا من غلواء عقلية الاقصاء المسيطرة على كثير من النخب السياسية من الخليج الى المحيط .

                 الحكومات العراقية عقب الغزو ، قامت بحظر نشاط حذب البعث وملاحقة اعضائه من المتورطين مع قيادة صدام حسين فى الجرائم التى وقعت ابان فترة حكمه وملاحقة غير المتورطين ايضا ، وكرّست جهودا ملحوظة لعزلهم واقصائهم من الحياة السياسية ومن الخدمة العامة ايضا بشقيها المدنى والعسكرى ، دون اى اعتبار لحق الابرياء منهم فى الاستمتاع بكامل حقوق المواطنة ، والنتيجة التى ترتبت على هذا الفعل الاقصائى والتى لازال القابضون على الامور هناك يتعامون عن رؤيتها ، انهم وسّعوا دائرة اعدائهم ورفدوها بقوة متمرسة فى العمل السياسى وفى العنف ايضا ، وتعود جذورها فى هذا النشاط لأكثر من ثلاثين عاما ولها فروعها على امتداد الوطن العربى ، وهى الآن تبدو اللاعب الاساسى وراء مظاهر العنف الجارية فى العراق والمهددة لأستقراره ولأستدامة الديمقراطية فيه ،و بدأت صورة الحكومه القائمة فى مواجهتها للعنف الجارى هناك ، شبيهة بصورة نظام صدام حسين فى مواجهته لمظاهر معارضاته القائمة آنذاك ، اى ذات الدورة الخبيثة التى ظلت شعوب المنطقة ترزح تحت نيرانها عهودا طويلة .

                  خلاصة القول ، ان الديمقراطية لا تتحمل اى شكل من اشكال الاقصاء ، ومن الافضل لقوى الثورة العربية التى انتصرت على انظمة الطغاة ان تنأى عن اساليبهم فى التعامل مع الآخر ، وان تحفظ لبقاياهم حق التنافس فى العمل السياسى طالما ارتضوا بشروطه فى ظل الديمقراطية ، وهى افضل وسيلة لتجريدهم من نزعة اللجوء الى العنف ، خاصة وان العنف فى مثل هذه الحالات يتخذ مناحى يائسة شديدة الخطر ليس على الديمقراطية كنظام حافظ للحريات وكافل للحقوق فحسب وانما على استقرار وامن الوطن بحاله .

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

جامعة ام حلف عربى ؟


                  جامعة الدول العربية ومنذ تأسيسها اتسمت بمواقف حيادية تجاه قضايا الشعوب العربية القائمة فى مواجهة عسف وبطش حكوماتها ، وهذه السمة ضمن اسباب اخرى ، دفعت تلك الشعوب وبعض مكوناتها وافرادا منها ، ان تتجه يقضاياها الى المنظمات الدولية بحثا عن نصرة ، ونتيجة لذلك صارت العديد من المنظمات والدول الاجنبية ، حاضنة امينة وحامية قوية ، لأفراد وجماعات داخل الشعوب العربية ، ظلّت تعانى من انتهاكات مريعة فى حقوقها وحرياتها وصلت الى حد تهديد حقها فى الحياة ، ومن هنا اكتسب البعد الاجنبى حضورا بارزا فى معظم صراعات المنطقة ، واصبح بديلا مرغوبا عن الدور العربى الذى غاب عن خدمة تلك القضايا .

                   والجامعة العربية الآن بدأت تلعب دورا جديدا فى الازمات العربية مثلما حدث مع ليبيا وكما يحدث الآن مع سوريا ، وبالرغم من انه دور مطلوب بشدة ، الا ان معايير منطلقاته تبدو لدى البعض اقرب الى تحالف طارئى اكثر منها سياسة ثابتة ومبدئية فى مواجهة طغيان الحكام ، فأذا تعذر توطين مبدأ التدخل فى ميثاق الجامعة وفقا لأسس واضحة وصارمة ، فما الذى يمنع استدامة هذا التحالف الذى نقل مواقف الجامعة العربية من حياديتها السابقة الى مواقف ايجابية داعمة لقضايا شعوبها ؟

                    فالصراع حول السلطة والثروة ليس امرا طارئا فى الحياة العربية ، فهو قائم منذ القدم ولكن النخوة والحكمة العربية كانت قد ابتدعت طرقا ومعاييرا عادلة ونزيهة للجمه ، وأرثنا التأريخى يزخر بأكثرها كمالا فى (حلف المطيبين) الذى تأسس لدعم بنى عبد الدار بعد ان قررت جماعة من قريش سحب شرف خدمة الكعبة (الحجابة) وشرف سقى الماء للحجيج (السقاية) , وشرف حمل اللواء فى الحروب (اللواء) ،  فأجتمع انصار عبد الدار من قريش واخرج بنو عبد مناف وعاءا مملوءا بالطيب (العطر) ثم غمس الحضور ايديهم فيه وتعاهدوا على نصرة بنى عبد الدار والمظلومين من بعدهم ، ثم مسحو الكعبة بأيديهم توكيدا على انفسهم ، ومن هنا جاءت التسمية بالمطيبين .

                    فقصة هذا الحلف على بساطتها تحكى فصلا عظيما عن اخلاق وقيم ومبادىء العرب فى نظرتهم لحقوق السلطة ، فسحب شرف الحجابة والسقاية واللواء من بنى عبد الدار بالشكل التآمرى الذى اعدت له تلك الجماعة من قريش دون ان يكون قد صدر من بنى عبد الدار ما يسىء استخدامها ، عد ظلما وقع من ظالمين على مظلومين ، وهو فى واقع الحال يبدو اول انقلاب على السلطة موثق فى تاريخ قريش قبل الاسلام ، وعلى هذا الحلف تأسس فى تقديرى اول معيار عربى حول حقوق السلطة حدد بموجبه شروط نزعها واعادتها .

                     اما حلف (الفضول) الذى قال فيه رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة (لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا ما احب ان لى به حمر النعم ، ولو ادعى به فى الاسلام لأجبت) هو الثانى فى هذه المنظومة المبدعة ، وقد قام على نصرة المظلومين سواء اكانوا من قريش او من غيرها وقد طغى عليه الاهتمام بالقضايا المتعلقة بحقوق الاموال وما اكثرها فى عالمنا اليوم ، وقد ظل نابضا فى العقل العربى حتى بعد الاسلام ، اذ ان مجرد التصريح بالمناداة به كفيل بأعادة الحقوق من غاصبيها ولو كانوا حكاما من اصحاب الشوكة كما فى قصة الحسين بن على بن ايى طالب والوليد بن عتبة والى معاوية على المدينة ، (راجع سيرة ابن هشام ووكيبيديا على قوقل ) .

                    وما يهم هنا ، ان اخلاق العرب وتراثهم من قديم الزمان ، وما جاء به الاسلام من اعظم المبادىء على صعيد الحريات والحقوق والعدالة ، تتيح للجامعة العربية مجتمعة او بتحالف منفرد من داخلها ، العمل على نصرة شعوبها المظلومة من بطش حكامها .

السبت، 12 نوفمبر 2011

ثلاث ملفات عاصفة


                 يبدو ان العالم العربى على موعد مع عواصف جديدة ، فقد اصطفت فى سمائه اخطر الملفات ، وفتحت اغلفتها معا فى وقت واحد ، تزامن مع ثورات الشارع العربى المستعرة فى سوريا واليمن ، والمنذرة بأنفجارات مماثلة بالبحرين ، واخرى كامنة خلف صبر العديد من مدنه وبلداته الواقفة على حدود الفقر والظلم والمذلّة .

                 فملف الدولة الفلسطينية اخذت رياح الفيتو الامريكى المنتظر تبعثر فى اوراقه على طاولة مجلس الامن المحكومة بموازنات سياسية لا علاقة لها بالحقوق وانما سيّدتها المصالح ، وهى رياح واعدة ومتوعدة بأستحالة جمع اوراق هذا الملف الا على طاولة المفاوضات ، وطاولة المفاوضات بالرغم من الدعم الامريكى والاوروبى والدولى ، لم تستطع ان تضيف الى الجهود المبذولة لحل هذه القضية المزمنة سوى مزيدا من القضايا الشائكة التى صنعتها عقلية السياسة الاسرائيلية المتخصصة فى انتاج العقبات الكؤود امام فرص الحل ، وتوجيه الصفعات يمينا ويسارا للأطراف المجتهدة فى سعيها للوصول الى حل نهائى بقيام الدولة الفلسطينية يحقق للمنطقة سلاما دائما ، ونتيجة لهذه المراوغات اخشى ان يخرج هذا الملف قريبا جدا من ايدى السلطة الفلسطينية لتتلقفه اياد ليس لديها ما تخسره اذا اشتعلت سماء المنطقة بالنيران او تزلزلت ارضها بالانفجارات .

                  اما الملف النووى الايرانى ، فالغموض يلف خطوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفتحه فى هذا التوقيت مرددة ذات الاتهامات حول البعد العسكرى لبرنامج ايران النووى ، ويدعو للتسآؤل عن مغزى تزامن فتحه مع العواصف التى تواجهها المنطقة والتى لم تهدأ وتيرتها بعد ولا ينتظر هدؤها قريبا ، ورغم قناعات الكثيرين بأن امتلاك ايران للتقنية اللازمة والجاهزة لصنع قنبلة نووية ، بات امرا مرجحا ، الا ان حجة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن يوافقها الرأى ،تبدو ضعيفة اذا تمت مقاربتها مع مشروع باكستان النووى ببعده العسكرى ، فباكستان بما تعتمل من صراعات داخلية هزّت كثيرا من استقرارها ، ومع دوامات عنف المتطرفين الجارية داخلها والمحيطة بها ، الا ان المخاطر من مشروعها النووى بترسانته العسكرية فى ظل اوضاعها المضطربة هذه لم يحظ بذات المخاوف التى حظى بها الملف النووى الايرانى الذى لا يزال فى اطواره الابتدائية ، كما ان المهتمين بهذا الملف اغفلوا البعد المذهبى الذى يلعب فيه دورا رئيسا ، فطالما حظيت باكستان بغالبيتها السنية بمشروع نووى ذا ابعاد عسكرية ، فأن ايران الشيعية لا بد لها من مشروع مماثل ، فالسباق بين المذهبين لم يهدأ عبر التاريخ ولن يهدأ فى هذا الملف مالم يتم تفكيك المشروع النووى الباكستانى فى أبعاده العسكرية ، عدا ذلك فالعالم موعود بعضو جديد فى النادى النووى ، لذا فأن التهديدات التى اعلنتها القيادة الايرانية هى تهديدات حقيقية اكثر مما يتصور الكثيرون .

                  ويبدو ملف المحكمة الجنائية الخاص بأغتيال رفيق الحريرى والذى شرعت المحكمة فى مباشرة اجراءاته فى هذا الوقت المحتشد بالعواصف فى سماء المنطقة ، الضلع الثالث المكمّل لمثلث الرعب الذى تنتظره المنطقة ، فموقف حذب الله المعلن منه ، وموقف سوريا المحاصرة الآن بثورة شعبها منه ، يجعل من الحضور الايرانى فى تداعياته امرا حتميا بحكم ارتباطاتها مع سوريا وحذب الله ، وبحكم التهديدات الاسرائيلية المستهدفة لبرنامجها النووى ، مما يجعل اجراءات المحكمة فى هذا الوقت مدخلا لهذه الاطراف لتحيل عبره لبنان الى قاعدة رئيسة لصدامهم ، ومخرجا للجناة للأفلات من العقوبة .

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

المشهد السورى


                    الازمة فى سوريا رغم تكاليفها الباهظة على صعيد الارواح والدماء والدمار الذى طال العديد من مدنها واحدث شروخا عميقة فى وجدان الشعب السورى والشعوب العربية ، الا ان القوى النافذة داخل النظام السورى ، لا تزال تتعاطى معها بذات النهج الذى صعد بحراك الشارع السورى بمطالبه المحدودة التى نادت بأصلاحات محدودة ، الى ازمة فتحت الأبواب على مصراعيها للتدخل الاجنبى وجردت النظام من الشرعية التى كان يحظى بها الى وقت قريب .

                     وفى هذا الوقت الذى بدت فيه كل فرص الحل الداخلى مجرد امانى مستحيلة ، جاءت مبادرة الجامعة العربية مثل ( يد مدت من خلال الموج لغريق ) وسعد الكثيرون الحريصون على استقرار سوريا وسلامتها بهذه الخطوة التى فتحت نوافذا للأمل مبشرة بأنتقال الاوضاع فى سوريا من هذا الواقع المنذر بأيام مظلمة الى انفراجة من شأنها ان تحفظ ارواح وتحقن دماء هذا الشعب العزيز ، وترتب لمستقبل آمن ، الا ان استمرار النظام على ذات النهج الذى صنع هذه الازمة رغم توقيعه بالموافقة على المبادرة العربية ، بقدر ما احدث من صدمة فى وجدان الشعب السورى حتى باتت القطيعة نتيجة حتمية ونهائية ، و طالت الصدمة  الشعوب العربية والضمير العالمى الحر ، وهيأت المجتمع الدولى للتحرك ثانية تجاه هذه الازمة ، بقدر ما ادى الى التسآؤل عن سر هذا العمى الذى حجب عن القيادة السورية رؤية هذه النتائج المروّعة التى احدثها هذا النهج المختل على حاضر ومستقبل سوريا .

                     واكثر ما يدعو للتسآؤل هنا ، ما هذه العقيدة التى اباحت للجيش السورى ان يقاتل شعبه ويهدم مساكنه حتى ألحقته بما خلّفه من ضحايا وخراب بأكثر جيوش الغزاة توحشا وهمجية عبر التاريخ ؟ وعلى ماذا يراهن النظام باصراره على التمسك بهذا النهج القاتل والمدمر ؟ اخشى ان يكون رهانه على (الفيتو) الروسى والصينى قد عمى بصره عن رؤية حقيقة ان (الفيتو) وان استطاع ان يعطّل  عملية التدخل الدولى الى حين ، فأنه لم يستطع ان يعطّل انتفاضة الشارع السورى التى اخذت تتصاعد يوما بعد يوم ، ولم يستطع ان يعطّل الأنشقاقات فى صفوف الجيش السورى المتزايدة حتى صار جيشا يقاتل بعضه بعضا ، ولم يستطع ان يحجب عن الانظار حقيقة ان المشهد برمته يعكس اخطر الصدوع التى يمكنها ان تهدم الدولة وتحيلها سريعا الى ارض تعمّها الفوضى ، فهذا رهان خاسر .. خاسر ، فورقة (الفيتو) بين الكبار قابلة للمقايضة فى سوق السياسة الدولية المحتشد بالقضايا المتشابكة بينهم .

                       ان كان لا يزال داخل النظام السورى من عقلاء ، وان كان لا يزال داخل الجيش السورى من عقلاء ، فليس هنالك افضل من هذا الوقت للتحرك بخطوات شجاعة للحيلولة دون ان تنزلق سوريا الى اوضاع يصعب انتشالها منها .

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

توثيق الصحافة السودانية


                     السمنار الذى اقامته منظمة (طيبة برس) فى 22 سبتمبر 2011 تحت عنوان (توثيق الصحافة السودانية) ، كان حدثا هاما لم يحظ بما يستحقه من اهتمام ، خاصة من قبل الصحافة السودانية المعنية بهذا الامر ، اذ اقتصرت تغطيتها للسمنار على رصد محدود افردت له مساحة محدودة ، فالجهد الذى بذلته لجنة توثيق الصحافة بمجلس الصحافة ، ورغم الصعوبات التى واجهتها ، اثمرت عن اكتشافات لا تقل فى تقديرى من ناحية قيمتها وتأثيراتها على تأريخ الصحافة السودانية عن الزخم الذى تحدثه الاكتشافات الأثرية .

                    فالبروفيسور عبد الله حمدنا الله رئيس لجنة توثيق الصحافة بمجلس الصحافة ، ومن خلال استعراضه لعمل اللجنة ، ابان ان متابعات اللجنة للنشاط الصحفى السودانى خارج السودان اسفر عن اكتشاف ان صحيفة سودانية كانت تصدر (بطنجة) فى المغرب ، وان مجلة سودانية ظهرت بأندونيسيا قبل 80 عاما ، وان اقدم صحيفة سودانية هى جريدة (السودان) التى صدرت فى مصر عام 1898 قبل موقعة (كررى) ويوجد منها 19 عددا بحوزة اللجنة .

                     وبالرغم من ان هذه المعلومات الجديدة على قيمتها العالية لا تزال مجرد عناوين رئيسية وتحتاج الى تسليط الاضواء على توجهات تلك الصحف الفكرية مما يعنى ضرورة طرح محتوياتها على الجمهور ، وهى عملية قد تضطلع بها لجنة توثيق الصحافة او جهات اختصاص اخرى ، فأن الامانة تقنضى ان تنال هذه اللجنة صوت شكر وثناء وتقدير وامتنان وعرفان على هذا الجهد الذى اضاف كثيرا لتراث وتأريخ الصحافة السودانية .

                      ومن جانب آخر فقد افاد البروفيسور عبد الله حمدنا الله ، ان سليمان كشة من اوائل الذين وثقوا للصحافة السودانية ، وهى بلا شك شهادة قيّمة صادرة من جهة اختصاص ظلّت فى حالة بحث دوؤب منذ العام 2006 وحتى لحظة انعقاد السمنار ، ومن المؤكد انها شهادة معضّدة بمؤلفات وكتابات سليمان كشة المنشورة والتى اصبحت مرجعا ومصدرا مهما للباحثين السودانيين وغيرهم من الباحثين الاجانب ، الا انه كصحفى فأن تجربته تعد مصدرا غنيا من شأنه ان يسهم اسهاما مقدرا فى عمل اللجنة ، فبجانب كونه ناشرا لجريدة (مرآة السودان) التى اسسها فى عام 1933 فقد كانت له اسهامات فى مجلة الخرطوم التى كانت تصدر عن وزارة الاستعلامات والعمل فى الستينات من القرن الماضى ، حيث ظلّ يكتب فيها تحت عنوان (بين الماضى والحاضر) وكذلك بمجلة (هنا امدرمان) الخاصة بالاذاعة السودانية تحت عنوان (صفحات قديمة) وفى جريدة (الثورة) منذ تأريخ صدورها تحت عنوان (سوق الذكريات) .

                      ومن اهم المصادر التى يمكن ان ترفد لجنة توثيق الصحافة السودانية والمتعلقة بسليمان كشة ، هى انشطته بالاذاعة والتلفزيون ، فقد ظلّ يقدم برنامجا راتبا بالاذاعة تحت عنوان (بين الامس واليوم) ، ولقاءات تلفزيونية غنية بمعلومات ووقائع للصحافة نصيب وافر منها ، وكان الاديب والروائى العالمى الطيب صالح ابان فترة عمله مذيعا بأذاعة امدرمان، كان قد اجرى معه مقابلة مطوّلة غنيّة بمعلومات من شأنها ان تفيد مجرى التوثيق للصحافة السودانية اذا تمكنت اللجنة من الوصول لهذه المواد .

                       التحية والتقدير للجنة توثيق الصحافة السودانية ولمنظمة (طيبة برس) ولكل الذين اسهموا فى هذا السمنار وعلى رأسهم الاستاذ محجوب محمد صالح الذى كشف ان عالمنا الجليل التيجانى الماحى كان قد تكرم عليه بالاضطلاع على صحيفتين اصدرهما الجيش البريطانى بالسودان هما (حلفا تايمز) و (دنقلا تايمز) مما يؤكد ان ثمة وثائق متعلقة بالصحافة السودانية يمكن بقليل من الجهد وحسن النوايا الحصول عليها من كثير من البيوتات السودانية .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...