الخميس، 30 يناير 2014

لا انا هناك ولا نحن


                        ألا يحن الطين ابدا لما خلّفه من فراغ ؟! كم مرة ناغمت طينتك الغائبة ان تأتى لترتق فتق الروح فيك ؟ كم مرة اعيّاك السؤال ؟ قال الصوت القادم من قعر القلب ، لا تهرب ، هى بقربك لم تزل وردة يسبقها اليك عطرها ولم تمش اليها يوما ، اردت ان تراها نجمة فى سموات بعيدة ، لتبك فراغ الطين فيك ، تهرب الى ماء مالح والعطر جنبك بحيرة تزيّنها العصافير ، لا تهرب ، العشق هو ان تمشى اليها حافيا بلا وجل وبلا خجل ، العشق هو ان تمشى اليها عاريا من جسدك فالجسد مفسدة الطريق والعشق هو اول الطريق الى الله .

                        دع هذا الجسد يتمرغ فى ملاحمه الميتة ، هنالك حياة تنتظرك فى شغف ان تطلق سراح القلب ليمشى مختالا فى طريق العشق اليها ، فاطلق سراح قلبك وامشى اليها ، امشى وامشى ، ففى آخر الطريق حدائق وجنان وانهر تغتسل الارواح فيها جزلة ، هنالك سيتمدد طينك فرحا ليملآ كل فراغاتك ، وستسكن داخلك تلك التى ارهقت مشاوير عشقك من شروق الشمس الى شروقها ، امشى ..  امشى واذا داهمك شىء من التعب قل كما قال مولانا جلال الدين الرومى :

                            ( فلتصمت ايها الجسد فأن قلبى يتحدث ، وفى حديث القلب لا انا هناك ولا نحن )

الثلاثاء، 28 يناير 2014

صدمة المشروع البديل


                          مكونات الشعب السودانى فى تأريخنا السياسى المعاصر اعتادت فى صراعها مع الانظمة التى تصنع تحت مظلة المؤسسة العسكرية ، ان ينتهى وجود هذه الانظمة بأسقاط النظام ، او ان ينتهى المكوّن الذى يقود النظام وفقا لعقيدته وبرامجه التى تتصادم مع بقية مكونات الشعب ، بضربة من رأس النظام الممثل دائما للمؤسسة العسكرية ، وبالامس انتظر اغلب الناس فى هذا البلد سيناريو الضربة المعتادة لتخرجهم من نفق الازمات الطويل الممتد قرابة ربع قرن من الزمان ، الا ان الصدمة كانت حصيلتهم بفعل تعبئة مباشرة وغير مباشرة قادتهم لأنتظار الضربة المعتادة .

                            ما اريد الخوض فيه هنا ، ليس تحليلا للخطاب او المشروع المطروح فيه ، وانما لفت النظر الى نقطة هامة تستوجب الوقوف عندها بتجرد لأنها تنبه الى مآل الحال عند استعصاء الاستجابة للمشروع الوارد فى الخطاب والذى وصف بالفرصة الحقيقية او بالفرصة فى اكثر من موضع ، بمعنى آخر ان النظام الحاكم الآن يدرك تماما ما يواجهه من ازمات ، ويدرك تماما سبل الخروج منها ، وما يتطلبه هذا الخروج من مستحقات ، ولكنه يريده خروجا تشاركيا دون اقصاء لأحد ، وقد بيّن ذلك فى خطابه فى اكثر من موضع  .

                             قد يبدو للبعض ان مصدر هذه الدعوة هو ضعف حلّ بالنظام نتيجة لما احدثته انتفاضة سبتمبر الماضية ، وما احدثه الاخفاق فى معالجة  قضايا الفساد والمظالم فى بنية النظام نفسه بخروج اقوى رموزه بتلك البساطة التى شهدناها ، وقد يبدو للبعض ان مصدر هذه الدعوة تحالفات قد تمت (تحت التربيزة) واحتاجت الى اخراج يسوقها فى الشارع السودانى ، وقد يبدو للبعض ان مصدرها ضغوطات خارجية جاءت محمولة مع زيارة الرئيس الامريكى الاسبق جيمى كارتر ، وقد يبدو للبعض غير ذلك ، ولكن الحقيقة الماثلة امامنا ان هذا المشروع هو البديل المطروح الآن امام قوى المجتمع السودانى بكافة مكوناته ، للحيلولة دون الصدام فيما بينها .

                              بمعنى آخر ان هذا المشروع هو فرصة ما قبل الصدام ، او بمعنى اكثر دقة ان هذا المشروع هو فرصة ما قبل الحرب ، فأولى المرتكزات التى طرحها للخروج من الازمات التى نواجهها هى السلام حيث جاء فيه ما يلى (هذا تحد يبدأ فيه المؤتمر الوطنى بنفسه ويطرحه للآخرين جميعا من الفعلة السياسيين ، اذ ان الشعب فى حياته العريضة لا يتصوّر هذه الاولوية مجل جدل بل يتطلع اليها كغاية ويريدها واقعا وليست هناك من حاجة لتبيان ان هذه الدعوة الى التعاقد على الوثوب الى الامام تكون ناقضة لنجاعتها ان هى لم تضع السلام اولوية مطلقة ، فى هذا يقول المؤتمر الوطنى ان القتال حصن لحماية الحق والكرامة وسيظل ، لا يحتاج السودانيون ولم يحتاجوا قط الى كثير شحذ عند تعيينه) ويضيف (ان هذه الوسيلة الفاعلة الضرورية لا يجوز تعطيلها ما دعا داع اما الغاية فلا تجوز الغفلة عنها ابدا لأن الغفلة عنها تحويل للعراك عن تعينه بغايته النبيلة الى كونه رياضة او ادمانا او وسيلة لغايات اخرى تتعلق بالمصالح الخاصة حزبية او فئوية او قبلية) ويؤكد (ان السلام لن يستفيض او يثبت اذا جاء نتيجة تفريط فى حق الشعب) ويختم (فأذ يتبنى كل السودانيين السلام اساسا يكون قرار هذه المعارك قرارا موحدا لأنها يستوجبها السلام لا لأنها خروج على السلام وفى هذا تحرير لمفهوم الحرب العادلة يجب ان يتناوله بالنظر الملىء كل ناسنا لا فقط فلاسفتنا او مثقفونا او سياسيونا ، السلام ايجاب ولن يتحقق كنتيجة الا اذا كان كذلك السعى اليه قصد لا اضطرار وهذا يخرج اية صفقة ضعف او طمع من كونهما سلاما) .

                         فهذه الفقرات رغم اجتزائها الا انه لا يغيّر شيئا من المعنى المقصود ، بل تقف هذه الفقرات عقيدة ثابتة فى النظر الى السلام ، ولأنه الركيزة الاولى فى هذا المشروع فأن كل القضايا فى الركائز الثلاثة الباقية لن تحظى بوضعها الطبيعى الذى يجب ان تكون عليه فى ظل افتقادنا للسلام ، بمعنى آخر ان قيام نظام سياسى ديمقراطى يكفل الحريات بالمعايير الدولية المتفق عليها ونظام اقتصادى حر بلا تدخلات ونظام اجتماعى خالى من الفقر والانحلال رهين بأصطفاف جميع مكونات الشعب السودانى حول غاية تحقيق سلام عادل لا يمس حقوق وثوابت الآخرين ، وان يستمر الاصطفاف حتى فى حالة الحرب اذا اخفقت الجهود فى تحقيقه مع الخارجين عليه .

السبت، 25 يناير 2014

فيم انتظارك


                         الانتظار رفيق ممل ، لازمنى ومعى كثيرين لأكثر من عقدين من الزمان ، بدأ مع تلك اللحظة التى استطاعت فيها فكرة بليدة ان تمسك بتلابيب مفاصل الدولة وتشرد عشرات الآلاف من العاملين تحت زريعة التمكين لمشروع حضارى ، ثبت بعد مضى ربع قرن من الزمان ، انه لم يكن سوى ثقب اسود فى قلب جسم الخدمة العامة فى السودان ، عطّل مصالح الوطن وحوّلها نهارا جهارا الى مصالح خاصة ، منذ تلك اللحظة ، اصبح الانتظار رفيقا مملا لعشرات الآلاف من المفصولين ولملايين آخرين تضررت حياتهم بنسب متفاوتة جراء هذه الفكرة البليدة ، ينتظرون جميعهم ان تتخذ العدالة مجراها وان يتخذ الانصاف موقعه فى مؤسسات الدولة التى كانت (توزع كلحم الضان بجيش الردة) .

                        يتململ الآن الكثيرون فى انتظار ما سيسفر عنه مشروع السيد رئيس الجمهورية لأصلاح الحال بالبلاد ، يتململ كثيرون متطلعين ان تجد آمالهم وتطلعاتهم مقاعدا وثيرة فى المشروع المنتظر ، بينما المفصولين الذين احترقت سنوات عمرهم انتظارا لا يرغبون شيئا سوى ان يعود العدل والانصاف فيصلا فى حياة الدولة وحياة الناس ، حتى يستعيدون حقوقهم المهضومة لأكثر من عقدين من الزمان .

                        قضيتان هما أم القضايا التى ينتظر اصحابهما على حق  مشروع الرئيس ، القضية الاولى هى الاستيلاء على الوظائف والقضية الثانية هى الاستيلاء على الاراضى ، وكلتاهما تم الاستيلاء فيهما بأرادة رسمية تحت زرائع وان تلفعت بأشكال قانونية كالفصل والنزع الا انها لا تنفى اختراقها الفظ للثابت من الحقوق ، ولا اختراقها الفظ للثابت من الملكية ، انهما القضيتان اللتان يتمحور فيهما صراع السلطة والثروة فى اكثر اشكاله جلاءا ، واى اصلاح لكى يصل غاياته لابد له ان يصحبهما فى مقدمة مشروعه .

                       
                       
                            

الخميس، 23 يناير 2014

اختر قفصك


                        الحياة فتنة وحشد من الاغراء ، تغريك بالشىء ونقيضه ، وتأريخ البشر ابرز وقائعه الحرب والسلام ، الحب والكراهية ، الكفر والايمان ، وبين كل منهما هدر مهول للأرواح والدماء ، هذا تأريخ مؤكد بوقائع حقيقية ، لكن الحقيقة الكبرى هى ان الشمس ظلّت تشرق وتغرب منذ ازل بعيد بعيد ، منذ ان وجد البشر على هذه الارض دون ان تتأثر بهذا التضاد الذى يعيشونه ، الحقيقة هى ان الحياة محايدة ، تمنحك يوميا صباحات ونهارات واصائلا ومساءات كل منها مزدانة ببريقها الخاص ، وانت اصغر من ان تستوعب كل هذا العطاء الجزيل ، اصغر من ان تحرر نفسك من حاجاتها .. من خوفها .. من خبثها ومن كل ما يبثه فيك فجورها ، اصغر من ان تتحرر حتى من اسر حداثة الحياة ( كم احن الى تلك الازمنة الهادئة النظيفة ، ازمنة ما قبل الاشياء التى تشع ، والاشياء التى تهدر ، والاشياء التى ترسل الدخان ، تلك الازمنة الصغيرة كحدائق حيث الانسان البسيط ، فيها الالهة المتعددة الوظائف تصدح كطيور الوروار فى سماء العالم ) هذه كلمات الشاعر اللبنانى حسن العبد الله ، هى توق مرعب للحرية حوّلته الى عصفور يغرد داخل قفص محكم الاغلاق ، قفص كبير لم يختره وانما هكذا وجد نفسه فيه ، فأخذ يحن الى ازمنة انطوت ، تبدو احلامها واشواقها التى يشكل حاضرنا جزءا منها توقا للخلاص والتحرر ، فتلك الازمنة لن تحررنا ، اذا دخلناها سندخل فورا فى قيودها ، الحنين هروب رقيق من الواقع ، الحنين قيد آخر من ألم .

                         الحياة محايدة ، هى محايدة فى وحشتها الاولى ومحايدة فى راهن حداثتها ، محايدة حتى وان رأيتها قفصا كبيرا ، حرر بصرك وانظر اليها بحياد ، سترى الجمال متدفقا فى جنباتها ، وسترى كل جميل فيها ، قفصا جميلا ، من ذلك العاشق المبدع الذى اطلق على زواجه القفص الذهبى ؟! لقد صدق ، فالمرأة التى تعشقها قفص ، ادخل فيه وتحرر فالعشق حرية ، واحساسك بالجمال حرية ، وحين يصل يقينك بالله الى نقطة ثباته الاخير ، فأعلم انك قد بلغت مطلق الحرية ، ولن يضيرك عندها ان تنتهى حياتك معلّقا على مقصلة او ان تستمر فى الحياة مغنيا للجمال ، او ساكنا فى متعة التأمل فى عظمة الله .. ساكنا متحررا فى قفصه .

                          قال الواصل جلال الدين الرومى ( التحرر هو ان ادخل فى قفصك ) .

الاثنين، 20 يناير 2014

عقوبات امريكية ظالمة


                      فى البدء ، التحية والتقدير لمجموعة الناشطين والاكاديميين الذين تبنوا مبادرة ايقاف العقوبات الامريكية التقنية على السودان ، فهى مبادرة تستحق التشجيع والمؤآزرة بعيدا عن الحساسيات التى تنتجها المواقف السياسية من الدور الامريكى فى قضايا المنطقة والعالم ، وتستحق التشجيع والمؤآزرة لأنها تسعى بخطى شجاعة وواعية لتنبيه المشرع الامريكى للحطأ الفادح الذى صاحب هذه العقوبات واصاب قطاعات من ابناء الشعب السودانى بأضرار كبيرة نتيجة لحرمانهم من بعض تطبيقات قوقل والبرمجيات الاخرى المحظورة على السودان ، ويكفى الاستثناء الذى اتخذته الادارة الامريكية ابان فترة الاستفتاء على تحقيق المصير لجنوب السودان بأعفاء الحواسيب دليلا على خطل هذه السياسة وسوء تأثيرها على عمليات الاستقرار بالسودان والذى كان من شأنه ان يمتد للأقليم بأثره فضلا عن الاضرار المادية والمعنوية التى لحقت بالمتعاطين مع هذه التقنية لتصريف اعمالهم اضافة للناشطين على الانترنت من المدونين وغيرهم .

                      المبادرة بسمتها المدنى المستقل ، تبدو مؤشرا لتعافى المجتمع المدنى فى السودان وصحوة مبشرة بأن حقوق ابناء هذا الوطن لن يترك مصيرها فى اياد رسمية تحدد حركتها اتجاهات السياسة ، فمبادرة كهذه تستطيع ان تتحوّل لأداة ضغط قادرة ان تغيّر مفاهيم المشرّع الامريكى تجاه العقوبات المفروضة على السودان بفاعلية وقوة اكبر من قوة المؤسسات الرسمية هنا ، وتفتح الطريق للمجتمع السودانى ان يعيد تشكيل نفسه على نسق هذه المبادرة فى كل ما يتعلّق بحقوقه .

                      العقوبات الامريكية التى اضرّت بالمواطنين السودانيين ، عقوبات ظالمة يجب ان ترفع فورا ، فمعظم هؤلاء المواطنين المتضررين مثلهم فى ذلك مثل بقية شعوب المنطقة ، لا دور لهم فى صنع سياسة بلادهم الخارجية حتى تشملهم العقوبات التى عادة ما يتزرع المشرعون بأنها تستهدف حكوماتهم ، بينما الواقع يشير الى ان العقوبات اضرت اكثر بالمواطنين ، فمن يعوضهم الخسارات التى لحقت بهم والمرارت التى عاشوها نتيجة لحرمانهم من كل ميزات هذه التقنية ؟

                       التحية والتقدير ثانية لهذه المبادرة وللواقفين من خلفها ، والامل والرجاء ان تجد الاستجابة ، فالشعب السودانى شعب عظيم يستحق كل خير ، ويكفى انه اول المساهمين فى بناء حضارات البشر وآثارنا تقف شاهدة على ذلك .

الخميس، 16 يناير 2014

وقفة مع المراجع العام


                          هى وقفة قصيرة جدا مع تقرير المراجع العام ، وبدون الخوض فى تفاصيل الارقام ، فأن الحجم المهول للمال المهدر من اعتمادات الميزانية العامة ، بقدر ما يصيب المرء بغصة فى الحلق من ذلك النوع الذى يقطع النفس ، الا ان هنالك ملاحظات تبدو اضواءا مطمئنة فى آخر هذا النفق الحالك السواد .

                          اولى هذه الملاحظات التى نحمد الله عليها كثيرا ، اننا لا زلنا نحظى بنساء ورجال عاهدوا الله على الحق وحمايته و لا يخشون فيه لومة لائم ولا ارهاب المجرمين ، فالتحية والتقدير لكوادر المراجع العام الذين ما انفكوا فى كل عام يفتشون جحور الافاعى ومراقد التماسيح من اجل الحفاظ على المال العام ، والتحية والتقدير لأولئك الجنود المجهولين الذين يعملون فى الظل دعما لكل جهد يسعى لجعل الحياة فى هذا الوطن كريمة ومستقرة ، والحمد لله الذى حبانا بمراجع عام ظلّ طيلة هذه السنوات يقدم تقاريرا امينة تعد مفارقة فريدة فى بلد تشم فيها رائحة (عواسة) تقاريرها الملتوية من قبل سنوات وسنوات ، بما فى ذلك (عواسة) تقارير نتائج الانتخابات ونتائج امتحانات المراحل الدراسية والجامعات ايضا .

                           الملاحظة الثانية ، ان ارقام الميزانية التى تمت مراجعتها بمالها المهدور وغير المهدور ، تعكس بجلاء ، اننا نعيش على ارض كريمة معطاءة ، واننا شعب منتج ، استطعنا رغم الظروف العصيبة التى تحيط بنا ، ورغم الضغوط الحياتية الواقعة على المواطن ، استطعنا ان نضخ لخزينة الدولة هذه المليارت التى ما فتىء المراجع العام يتقفى اثرها عاما اثر عام .

                           الملاحظة الثالثة ، ان تقارير المراجع العام هى فى الواقع تأريخ اسود وموثق للصوص المال العام ، تستوجب ان تنشر على الملأ لنعرفهم حتى اذا عجزت قوانين الدولة عن ردعهم يحرّك المجتمع قوانينه الخاصة لردعهم وعزلهم .

                           الملاحظة الاخيرة ، لا زالت المتاجرة بأسم الدين قائمة على قدم وساق ، فمن اراد ان يصير مليونيرا اسلاميا ، فيمكنه ان يتاجر فى الشعائر او ان يتلبس حالة من حالات مصارف الزكاة ، فهل يعقل ان تجنى جهة ما او شخص ما من ديوان الزكاة مبلغ 8 مليلرات لأستيراد 33 سيارة للديوان ولا يسلّم منها سوى اربعة سيارات ، ثم يغيب عاما ونصف ليسلّم البقية ، وحسب العقد المبرم بينه والديوان يكون ملزما فى هذه الحالة بدفع غرامة قدرها اكثر من 800 مليون ، وبكل جرأة يحشر نفسه ضمن زمرة الغارمين ليتولى الديوان اعفاءه منها (يا عينى على المثل القائل من دقنو وفتلّو) .

                          الوطن لا يزال بخير ، وابناؤه لا يزالون بخير ، وغدا لهم ائتلاف بين نهر وظل ، وغدا لزمرة اللصوص اما كفن واما زنزانة .

السبت، 11 يناير 2014

جاورت بحراء شهرا


                       حراء لم يكن غارا موحشا فى جبال مكة الا لمن اغوتهم الحياة الدنيا وعاثوا فى فسادها ، لقد كان حاضنة آمنة للحنيفية السمحاء ، يعرف سره هذا كثيرون تحنّثوا فيه ، من بينهم عبد المطلب ، ولكن لم يكن من بينهم من جاوره شهرا ، شهر بحاله ظلّت جبال مكة تستأنس من وحشتها وظلمتها بمن اضاء مولده الكائنات ، وتتحرق شوقا لطلته كلما انتقل حضوره الى نواحى مكة او غيرها ، يتراءى لى احيانا ، ان من ضمن المحتفين الأول بمولده صلوات الله وسلامه عليه كان غار حراء ، واحس ان سفرا طويلا يكمن خلف قوله (جاورت بحراء شهرا) ، سفرلا يبين لى شيىء منه سوى هذه الالفة المحاطة بأسرار ألهية والتى ربطته بهذا المكان الغارق فى السكون وقتها ، والذى استحال لاحقا مهبطا للوحى  او مضيفا لرسول من السماء .

                        اربعون عاما وهذا الغار تتطهر كل ذرة من ترابه بفيض روحه الطاهرة كلما ناجت فيه الله بفطرة كتبت نبؤتها فى الازل ، اربعون عاما تستضىء جدرانه بنور ترى اوله فى السماء مرة وترى اوله فى الارض مرة اخرى ، و وحدها الرسالة التى كانت تدرى انه طريقها الى المبعوث رحمة للعالمين ، اربعون عاما وهذا المشهد النبوى يغمر الأرض ببشريات ستعيد البشرية الضالة فى تلك البقاع الى انسانيتها المفقودة ، الى الحرية ، الى السلام ، الى العدل ، الى الاخاء ، اربعون عاما محاطة بزخم نبوى عظيم بعرف سره هذا الغار ويعرف اسرار مناجاته فيه .

                       للسيدة عائشة رضى الله عنها قول متفق عليه جاء فيه ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ولكن كان يتكلم بكلام بيّن فصل يتحفظه من جلس اليه ) .

                        لا يكفى سردنا مهما يطول ان يف لحظة الميلاد حقها ، وليس لدينا فصل الكلام وبيانه لتعى البشرية هذا الفضل الواسع العريض الذى حلّ بها ، ليس لدينا سوى ان نستعير قوله عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) .

                           وكل عام والمسلمون بخير وكل عام والبشرية بخير وسلام .

الخميس، 9 يناير 2014

حبة قمح ميتة


                       لمحمود درويش (انا حبة القمح التى ماتت لكى تخضر ثانية وفى موتى حياة ما) انها قصة الموسم الشتوى لزراعة القمح بمشروع الجزيرة ، يحفظها المزارعون بأدق تفاصيلها ويحفظون لها جمايلها فى ما تهبه لهم من حياة ، ولكنها فى الموسم السابق كانت حبة ميتة وشبعت موت ودفنت ولم تحضر او تدب فيها حياة ، وشبعت وسائل اعلامنا طيلة الفترة الماضية من عرض اوصافها وعرض ادق تفاصيلها ، ويستطيع اى طفل تابع ما نشر واذيع عنها ، ان يمد اصبعه بكل ثقة مشيرا الى المسئول عن موتها وموت الموسم الشتوى بالمشروع وموت آمال المزارعين التى انبنت على هذه الحبة وموت اموالهم ايضا .

                       الجديد فى هذه القصة هو موقف البنك الزراعى الرافض لتوصيات لجنة التحقيق الرامية على ان يقوم البنك بدفع تعويضات المزارعين ، وبالرغم من موقفى المبدئى المؤيد بشدة بتعويض المزارعين وبصفة عاجلة ، مثلى فى ذلك مثل الكثيرين فى هذا الوطن ، الا اننى اقف وبشدة ايضا مؤازرا لموقف البنك الزراعى للأسباب الآتية :

                        1- ان لجنة تقصى الحقائق عندما اوصت بأن يقوم البنك الزراعى بدفع التعويض دون الطرفين الآخرين (وزارة الزراعة وادارة التخزين ) كان عليها ان تضع فى اعتبارها ان البنك محكوم بقوانين تحدد صرف امواله بصرامة ، وخارج نطاق هذه القوانين لا توجد سلطة قادرة على الزامه بدفع تعويضات غير السلطة القضائية اذا افترضنا مسئوليته فى فشل الموسم .

                        2- ان استجابة البنك لهذه التوصية سيضفى على مثل هذه اللجان بجانب كونها قاتلة للقضايا سيضفى عليها وظيفة جديدة بتحويلها لأداة سهلة لهدر المال العام او تحويله الى خزائن خاصة .

                       3- المسئولية القانونية والاخلاقية لهذه القضية تقتضى تحديد الجهة التى تسببت فى فشل الموسم الشتوى وتحميلها تبعات فشلها لا ان تختزل فى تسوية مالية .

                        4- ثمة خلل هيكلى يبدو واضحا فى ادارة العملية الزراعية يتيح للأطراف المشتركة فيها نوعا من الاستقلالية ، استقلالية اقرب الى مهارب من المسئولية ، لا يوجد جسم ممسك بأطراف هذه العملية الزراعية لكى يتحمل تبعات الفشل مثلما يتحمل تبعات النجاح .

                        من المعلوم فى بلاد العالم الثالث انك اذا اردت ان تقتل مشكلة ما فكوّن لها لجنة ، وان معظم اللجان التى كوّنت فى قضايا عامة آل مصير قضاياها الى الموت ، ومع تقديرى التام لموقف لجنة تقصى الحقائق المؤكد لحق المزارعين فى التعويض وتثبيت هذا الحق فى توصيتها ، الا ان توصيتها بالزام البنك الزراعى بدفع التعويضات اعاد القضية الى مربعها الاول ، وترك المزارعين فى عراء ملىء بذئاب تعوى ساخرة من مطالباتهم ، وستظل فى هذا العراء الى ان يعود الموسم الشتوى القادم دون ان تسترد مليما واحدا من خسائرها ، الواجب القانونى والاخلاقى يقتضى ان تذهب هذه القضية الى القضاء ، وللأسف فأن الدولة ممثلة فى اطرافها الثلاثة العالقة بهذه القضية رمت بهذا الواجب على عاتق المزارعين  .

                       

                        

الثلاثاء، 7 يناير 2014

طواف يومى


                        الارض كروية ، حقيقة علّمت قائلها حكمة الشجر ، الانحناء للعاصفة حتى تمر ، لا احد صعد الى الفضاء فى ذلك الزمان ليرى هيئة الارض التى يعيشون عليها ، وكل من فى الارض رأى ان الشمس كروية وان القمر كروى ، وجاليلو فى اعنقادى رأى ذلك ورأى أبعد من ذلك عبر تراكم معرفى كانت كروية الارض مثبتة فيه تماما كحقيقة قاطعة ، فقط احتاجت هذه الحقيقة الى عالم شجاع  ليعلنها على الملأ ، فهل كان فى الامكان ان بقول ببساطة ان كل شىء يدور حول شىء تماما كما دار قيس حول ليلى  ليثبت كروية الارض ؟

                         الحياة اشبه بطواف يومى حول كعبة ما ، مكان عمل ، مكان عبادة ، مكان دراسة ، مكان لهو ، الى آخر الامكنة التى تجرجر خطى الناس اليها ، و الناس يدورون حول ذلك المكان الذى يمنحهم معنى للحياة ثم يعودون من حيث اتوا ، او يدورون بلا هدى بحثا عما يمنحهم معنى للحياة ، او يدورون حول البشر بحثا عن ذلك الانسان الذى يمنحهم معنى للحياة ، قد يصادفونه فى رجل صالح يعرف اسرار الظاهر والباطن والسكون وينقلهم الى نواحيها ، وقد يصادفونه فى مغنى نقل كل لواعجهم وعذاباتهم الى صوته الندى ، وبثه مع الريح تعبيرا عن وجود هناك له معنى ، وقد يصادفونه فى السكن المفقود ، او رفيق الروح .

                          وجدها وقال هى آيتى فى فهمى لمعنى الآية ، هى سكنى وهى رفيقة روحى ، ولكن هاله الحجيج المتزائد فى طوافه حولها ؟ هل تناسخت نفسه بعدد هذا الحشد الذى يدور حولها بأجمل ما لديه تماما كما تمنى ان يكون ؟ ام تناسخت هى بعدد هذا الحشد كآلهة رومانية صغيرة تريد ان تبنى شعبا تزهو به امام عرش فينوس ؟ ام انها فبنوس نفسها تلعب لعبتها القديمة فى نشر حمى العشق ؟ ثم تزاحمت الاسئلة فى رأسه وحين أعيته الاجابة قال :

                           الأسئلة فى دنيا العشق شبح مضلل ، سيقودك الى كهوفه المظلمة المزدحمة باليأس والتعاسة ، انظر حولك ستجد ان كل شىء فى تمام كماله ، هى هنالك فى ابهى ما تكون  آية لله فى خلقه ، وانت هنا اكثر غبطة بها من ذى قبل ، وهذا طريق وحيد يؤدى اليها ، فأغسل رجليك وابدأ طوافك اليومى مثل الآخرين .

                         

الأربعاء، 1 يناير 2014

الجمهورية للسيدين


                       فى الذكرى الثامنة والخمسين للأستقلال ، صادفت الاوسمة التى منحها السيد رئيس الجمهورية ، ارتياحا واسعا بين ابناء الشعب السودانى ، لما يتمتع به كل من الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى والسيد الامام السيد الصادق المهدى من شعبية واسعة تشكل اغلبية الشعب السودانى ، بأعتبارهما اكبر زعيمين دينيين فى البلاد لطائفة الختمية والانصار فضلا عن زعامتهما لأكبر حذبين سياسيين الامة و الاتحادى ، ولأن كلا الرجلين يمثلان الآن رمزين من اكبر رموز الاستقلال الذى احتفل به ليلة الامس ، فأن ابرز دلالات هذا الحدث ، ان شعبية سياسية كبيرة فى طريقها للتدفق على النظام فى مستهل العام الجديد .

                       ويبدو ان حصد التأييد الشعبى للنظام القائم لم يقف عند حدود السياسة وحدها ، فقد جاء تكريم الفنان محمد الامين بما يمثله من ثقل جماهيرى واسع ، اضافة شعبية جديدة ، وقد استطاع هذا الفنان المبدع ان يردف معه فى ذات الليلة ، جماهيرية رفيق دربه الراحل المقيم محمد وردى وذلك بمزجه الرائع والذكى ، بين عزة الخليل واغنية الاستقلال الخالدة ، كأنه اراد ان يقول لنا ، ليس لدى سوى اجر المناولة لقامتين عاليتين من صناع الاغنية الوطنية فى السودان يستحقان التكريم ، رغم انه يمثل الضلع الثالث فى مثلث هذه القامة الفنية الوطنية الرفيعة .

                       اما تكريم السيدة السريرة عبد الله مكى مصممة علم الاستقلال واحدى المؤسسات للأتحاد النسائى ، فقد كان تكريما لتأريخ طويل من نضال المرأة السودانية ودورها المنسى فى حياة هذا الوطن ، لقد كان مشهدا مؤثرا يدعو الى التحية والتقدير .

                       المشهد الوحيد الذى لم يكتمل جماله هو ألا يصاحب تكريم العلماء د احمد البدوى ود محمد عطا السيد والاعلامى عبد المجيد عبد الرازق ، تكريم رموز الرأسمالية الوطنية التى لم تلوّث طوال ربع قرن اياديها بدورة الفساد التى خنقت انفاس هذا الوطن ، او رموز الصناعة الوطنية ، او رموز العمال والحرفيين الذين تحملّوا عبئا كبيرا فى بناء هذا الوطن .

                        الاحتفال فى مجمله يبشر بأننا مقبلون على سنة جديدة تحمل فى طيّاتها الكثير من رائحة الماضى الجميل ، سنة من شأنها ان تستنهض فى كل السودانيين الاحساس بعودة وطن فقد قبل ربع قرن ، ومن شأنها ان تقوى من جديد وحدته فيما تبقى منه ، فقط كل الذى تحتاجه ، ان تنجح الحكومة الحالية فى رفع الظلم الذى حاق بالسودانيين طوال هذه الفترة وتجبر اضراره ، وعلى رأس قائمة الظلم ، المفصولون ، خاصة اولئك الذين اطيح بهم فى عقد التسعينات سواء تحت حملة الصالح العام او بأجراءات ادارية ملتوية .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...