الاثنين، 26 مارس 2012

نقد : معايير الكاريزما


                


                  الحزن كان حزنا عاما والألم كان ألما عاما ، هذا هو الشعور الذى طغى على مشهد رحيل محمد ابراهيم نقد سكرتير الحذب الشيوعى السودانى الى مثواه الاخير ، مشهد قد يبدو انتصارا لأيديولوجيا استطاعت ان تفسح لنفسها مجالا فى محيط جوهر ثقافته معلق بعصب الدين ، وقد يبدو انتصارا لكاريزما الراحل التى تقف الأيديولوجيا مجرد عامل ضمن عوامل تشكلها واستطاعت بدفع ملكاته الخاصة ان تستدعى هذه الحشود الكبيرة لوداعه الأخير ، فقد كان الفرز بين محمد ابراهيم نقد الشيوعى ومحمد ابراهيم نقد ابن البلد الاصيل صعبا حتى لمخالفيه فكرا وسياسة دع عنك عامة الناس ، فهذه السماحة التى غطت تأريخا طويلا من نشاطه زعيما لهذا الحذب ، تجعل فى الخاص جدا المخاوف حاضرة من ان تصبح الشفقة سيّدة اللحظة .



                   لا ادرى شيئا عن الداخل الشيوعى ، ولكن  خلف هذا المناخ المضطرب بمشاعر الحزن والألم ، ثمة فراغ عريض ينتظر بديلا عاجلا ، فراغ تبدو معه كاريزما الراحل عبئا ثقيلا سيواجه لحظة الأختيار وعبئا ثقيلا سيواجه البديل ، فعلى ما يقارب الاربعة عقود ، صمد الرجل فى زعامة حذب واجه من الاستهداف والضربات ما كان كافيا للقضاء عليه واحالته الى مجرد ذكريات فضلا عن الانشقاقات التى لحقت به ولا تخفى على احد دلالات استهدافها لهذه الزعامة ، ومع ذلك نجح فى الحفاظ على بقاء الحذب واهداه فى لحظة رحيله الأخير هذا العطف الكبير من مختلف ابناء الشعب السودانى والذى شهدت عليه شوارع الخرطوم ومقابر فاروق ، فيا لصعوبة المعيار ويا لشقاء البديل .قناعتى ان (حواء والدة) الا ان الحذب الشيوعى السودانى يعيش الآن لحظة اختبار شديدة الصعوبة ، او هذا ما اراه نتيجة لأثر شخصية الراحل المبهرة ، فأن جاز لى ان اسهم بشىء فى هذه اللحظات التأريخية التى يواجهها ، عرفانا لوقوفه النبيل مع قضايا الحريات والحقوق فأن افضل ما يمكن ان يخرج به فى هذه اللحظات هو ان يقدم فارسة من صفوف فارساته لزعامته ليس تحايلا على معيار الزعامة الذى ارسى معالمه الراحل نقد وانما تقديما لمعيار جديد فى العمل الحذبى والسياسى يعضد المبادىء المنادية بالحقوق والمساواة .

السبت، 24 مارس 2012

قتلى تولوز


                  نظرية المؤامرة شاء من شاء وابى من ابى قائمة فى كثير من الاحداث التى مسرحها العالم العربى والاسلامى والاحداث التى مسرحها العالم الغربى وشخوصها عرب ومسلمون ، وحادث (تولوز) ليس استثناءا رغم محاولة الاعلام المكشوفة لربطه (بالقاعدة) والارهاب خدمة لأجندة سياسية تبدو ملامحها بائنة فى الاتفاق الاخير بين حكومة ساركوزى وامريكا حول التعاون فى الحرب على الارهاب ، وبائنة فى مواقفها من القضية الفلسطينية والتكلفة التى ترتبت عليها فى التوترات التى شابت علاقاتها مع اسرائيل وآثارها على صعيد المكاسب السياسية فى الداخل الفرنسى ، وبائنة فى مواقفها من قضية الهجرة التى تبدو فى جدول اعمال ساركوزى اولوية قصوى ، وتكفى حالة ترحيل الغجر دليلا سافرا على قدر الكراهية التى تحملها حكومة ساركوزى تجاه المهاجرين سواء أكانوا من القدامى الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية ويشكل المغرب العربى قاعدتهم الكبرى  او الجدد على اختلاف مللهم ، وبائنة فى الخاتمة الدرامية التى افضت الى قتل محمد مراح الفرنسى المنحدر من اصل مغاربى والمنفّذ لعملية القتل البشعة التى طالت الابرياء من اطفال وفتيان المدرسة اليهودية بتولوز لتموت مع مقتله التفاصيل التى خططت لهذا الحادث المأساوى وفتحت لنظرية المؤامرة طريقا سالكة للعقل العربى والاسلامى .

                  ولكن ليس هذا ما يهمنى فى هذا الحادث المأساوى بقدر ما يهمنى هذا التمييز الممنهج ضد العرب والمسلمين الذى فضح اخلاق الحكومة الفرنسية من خلال هذا الحادث ، فقد شهد العالم خلال السنوات القريبة الفائتة حربها ضد الحجاب كأحد مظاهر الهوية الاسلامية وكيف استخدمت فيها كل سلطات الدولة السياسية والتشريعية والتنفذية لحظره فى الاماكن العامة تحت زريعة ضرورات الاندماج فى المجتمع الفرنسى تارة وتحت زريعة حماية الفضاء العام الفرنسى تارة اخرى ونفاجأ مع هذا الحادث بوجود مدرسة تبدو اكثر قوة من الحجاب فى تعبيرها عن مظهر من مظاهر الهوية الدينية ضاربة بذلك كل الزرائع التى ساقتها الحكومة الفرنسية فى حربها على الحجاب ، ومع تأييدى القاطع لحق البشر فى التعبير عن هوياتهم سواء بالحجاب او بتعاليم اليهودية الا ان هذا التمييز يبدو لى القاتل الحقيقى لأولئك الأبرياء ، فقد حوّل موطن محمد مراح داخل فرنسا الى فلسطين جديدة فماذا تنتظرون منه ؟ خالص العزاء لأسر الضحايا ولأسرة القاتل القتيل فجميعهم ضحايا لفجور السياسة .

                  كان لابد من عودة للكتابة فالخطر الذى لاح فى افق هذا الحادث يبدو الصمت معه جريمة نكراء ، فالبشر أتخذوا ثانية قرابينا لآلهة جديدة تدعى مصالح السياسة .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...