الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

يسعد صباحك يا وطن


                    تسعة وخمسون عاما قد مرّت منذ ان ارتفع لك علم ، وصار لك شعار وسلام جمهورى ، وتعاقبت عليك حكومات مثل تعاقب الفصول ، بعضها خريفية العطاء تملأك بالشبع والامان والامتنان ، وبعضها ربيعية الهوى تحلّق بك فنا وابداعا ورضا ، وبعضها صيفية فى طقسها وطقوسها ، تغلى حرارتها دماءك وتسكبها على الارض ثم تصبغك بالحزن والحداد ، وبعضها شتوية غارقة فى ظلمة لا يعتادها ولا يرتادها الا اعمى ، تحتاج معها الى لغة قديمة كى تفهم وتتواصل وتتعايش مع حزنها وحدادها ، وانت ايها الوطن العزيز كما انت ، جميل فى لحظات كمالك وجميل اذا انتقصت ، و لاينقصك الكثير ، انها بضع جسور فى انتظارنا لنعبرها معا ، بضع جسور ستأخذنا اليك وتأخذك الينا وتأخذنا معا الى رفعة مستحقة .

               جسور ستأخذنا الى صبح 1\1\1956 ، الصبح الذى بلغت فيه فرحتنا ذروة كمالها ،  الصبح الذى حلّقت فيه آمالنا بأجنحة عراض ، الصبح الذى ابتعد عنا تسعة وخمسين سنة ، وما زلنا نلاحقه عاما اثر عام كى نلتقيه ثانية ونستعيد ذات الفرحة وذات الأمل .

                      ُطهر هذا الصبح يقتضى ان تغتسل ايها الوطن وتتعطّر لملاقاته ، طهر هذا الصبح يقتضى ان نتطّهر من كل اخطائنا وخطايانا ونستغفر لملاقاته ، فتطّهر ايها الوطن  ثم اعتدل وقم الى لقائنا ، نريد ان نحيا بك ونقوى بك ونكبر بك ، نريد ان يكون نشيدنا .. اغنيتنا .. هتافنا  دائما وابدا ( انا بك وانا لك ) فقف واسترح ايها الوطن العزيز ، استرح واعبر جسرك الينا ، يسعد صباحك يا وطن .

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

رقص حبشى


                روى البخارى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت ( وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فأما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم واما قال " تشتهين تنظرين ؟ " فقلت نعم . فأقامنى وراءه وخدى على خده وهو يقول " دونكم يا بنى أرفدة " حتى اذا مللت قال " حسبك ؟ " قلت نعم . قال " فأذهبى " ) اخرجه البخارى فى صحيحه كتاب العيدين ، باب الحراب والدرق يوم العيد ، رقم الحديث 907 .

                 هذه الرواية اخذت حظا كبيرا جدا لدى العديد من الباحثين فى حياة الرسول مع اهل بيته ، عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام ، وايضا فى حياة السيدة عائشة رضى الله عنها  ، واتخذ منها البعض سندا قويا فى جواز الرقص وجواز الفرجة عليه رجالا ونساءا ، مع تشديد البعض على طبيعة حركيّة الرقص ، الى آخر ما خرج به الباحثون من رؤى وافكار ، وليس هذا ما يهمنى هنا .

                   فى هذه الرواية ،  ثمة غموض فى متنها لا يسعفنا فى بناء رؤية واضحة عن طبيعة علاقات واشكال تعايش الاثنيات  بجزيرة العرب فى حياة الرسول (ص) ، اذ تأتى كلمة (عيد) فى متن الحديث مبهمة وعارية من اى تعريف يحدد هوية اصحابه ، ومصدر الغموض هنا ، ان السيدة عائشة (رض) كانت راجحة العقل والحديث ويكفى ان الرسول (ص) قال (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء) ، فلا يعقل ان يكون نصف الدين مودعا عندها ويأتى حديثها فى رواية البخارى بهذا الغموض والابهام الذى احاط بكلمة (عيد) ، هل هو عيد خاص بأولئك السودان ام هو احد عيدى المسلمين الفطر والاضحى ؟ .

                  ما يهمنى فى هذا الحديث ، ان ميدان الرقص كان مسجد رسول الله (ص) فايّا كانت هويّة العيد ، فأن وجود هذه الاثنية بمسجده وهى تؤدى رقصا طقوسيا غريبا على مجتمع الجزيرة ، استدعى لغرابته هوى السيّدة عائشة للفرجة عليه ، امر له دلالات عظيمة تدعونا الى البحث  ، سواء أكانت هذه المجموعة من السودان مسلمة او على دينها ، واعظم هذه الدلالات فى تقديرى ، هذه الرحابة وهذه السماحة التى اتسم بها فضاء المجتمع النبوى بحيث اتسع لحق الآخر الذى يساكنهم ذات الارض وربما يشاطرهم ذات الدين فى ممارسة احدى تقاليده وعاداته فى ارفع واسمى مكان يبجله العرب والمسلمون الى يومنا هذا ، وهو مسجد رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام ، فما اعظمه من دين تسع رحابته كل شىء .

                  

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

هنا حرب فأنت محارب


                   الحرب اسوأ ما فى تأريخ البشرية ، ولا يظنن احد انها بعيدة منه مهما ابتعد ميدانها مئات الاميال ، ستجدها حاضرة حتى فى كوب الماء الذى تشربه ، وحاضرة فى احلامك وكوابيسك ، وحاضرة فى كل فعل اعتدت عليه من بداية يومك الى نهايته ،
  اسوأ ما فى الحرب انها اذا قرعت طبولها فأنت محارب سواء اكنت معها او ضدها ، انها ساحة فى اتساع مستمر ولا تقبل الحياد ، لا منأى منها الا بوأدها فى حينها ، واجمل ما قيل فيها ( الحرب مجزرة بين اناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض ) .
                   
                  فكلما انهارت مفاوضات لوقف الحرب او ابعاد شبحها ، لا تبحث عن اى الاطراف تسبب فى انهيارها ، بل اى الافكار تسببت فى انهيارها ، واى افكار تهرب الى اجندة بعيدة عن اسباب الحرب مهما احتمت بالجغرافيا والتأريخ والعرق واستبداد القوة ، تتراءى لى افكارا صادرة من سحالى قادمة من مجرّة بعيدة لا تحيا الا على دماء البشر - هذا القول قياسا على قول احد علماء الفضاء الذى وصف حكام عالمنا بأنهم سحالى فضائية - فالمفاوضون من اى طرف كانوا هم فى الواقع رسل سلام ، ويجب الا ينهوا هذه المهمة بتحريض يقود الى الحرب وانما اذا تعذّر عليهم الاستمرار فى التفاوض ،  ان يختموا جولتهم بتصريح متواضع يقول (هذا اقصى ما وصل اليه عصفنا الذهنى لأنهاء هذه الحرب ، فأبحثوا عن آخرين اعلى قدرة منا) .

                     كل مرة تذهبون فيها الى الحرب ، تعودون الى ذات المائدة بجراحات اثقل من سابقاتها ، فأى جنون هذا الذى يجعل من ارواح البشر ودمائهم وقودا للعقل كى يرعوى ؟

                     علينا ان نواجه حقيقة ان للسلام ملايين الطرق ، وان اغلاق العقل على فكرة او مشروع او اى هوى آخر ، هو طريق الحرب الوحيد ، افتحوا عقولكم وقلوبكم على مصراعيها لتتسع لكم هذه الارض او ليصعد كل الى جبله بدلا من هذه المجازر المؤلمة .
                  

                    

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

القلب سيّد الغواية


                  شرس هو القلب ،  يرى ويسمع ويحس ، ولديه ذاكرة لا تنسى ولا تخرب وثرثرة لا تنتهى ، وليس هذا ما يرعب فيه ، ما يرعب فيه حقا ، هذه الغواية التى يمسك بكل حبال الاعيبها بتهور محترف مغرور ، ثم يفتلها حول عنق احاسيسك ومشاعرك واشواقك وامانيك ، مشنقة معلّقة على وجه امرأة تراها لأول مرة فترى فيها الأسر الجميل ان لم يكن الجنون الأعظم او الرعب الكبير ، ثم ينهر كل مفردات اللغة المخزّنة فيك لتصرخ بحالك وانت معلّق امام هذا العالم البديع .

                   فتصرخ قصائدا ، وتصرخ اغنيات ، وتصرخ حكايات ، وتصرخ سيلا من توسّل ومناداة ، وحين يشتد الوجع بصراخك ، تصرخ يائسا ، ليت الامر كان بيدى ، انه القلب سيّد الغواية ، فلا تعزريه ، خذيه وافعلى به ما شئت ، امضغى هذا الشرس مضغ كلب شرس ، هو لك .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...