الجمعة، 8 أكتوبر 2010

سليمان كشة

                     كيف يتناول المرء سيرة رجل مثل سليمان كشة ظل مثار جدل كبير منذ عشرينات القرن العشرين والى يومنا هذا ؟ فالرجل ما ان يأتى ذكره الا ويمتد شريط طويل يحكى قصة حركة ثورية شائكة فى مجرياتها وفى وقائعها وفى نتائجها ، فحضوره البارز فى حركة 1924 يطغى على كافة جوانب حياته الخافية على كثير من الباحثين الذين تناولوا تأريخ تلك الفترة ، وهل فى الامكان تناول سيرته بعيدا عن نشاطه السياسى الذى طبع صورته فى اذهان الكثيرين ؟ بالرغم من صعوبة ذلك الا ان الامر يستحق المحاولة عسى ولعل ان يكون فى تناول سيرته مفاتيح جديدة تقود الباحثين الى بعض مواطن الغموض فى تلك الفترة.
 موجز عن حياته (المولد والنشأة ):

                يبدو مولده فى حد ذاته قصة تدعو للثورة والثأر فقد كان والده سليمان كشة اميرا لراية سكان امدرمان الذين قاتلوا فى معركة كررى التى حصد فيها الجيش الانجليزى عشرات الالاف من ارواح السودانيين وقد اورد عصمت زلفو فى كتابه (معركة كررى) ص 517 ان  سليمان كشة امير راية سكان امدرمان كان من ضمن شهداء كررى - ويوجد اسمه ضمن قائمة الشهداء الموجودة على بوابة عبد القيوم بالموردة -، وفى ذلك الوقت كان سليمان الابن مازال جنينا فى بطن امه حيث ولد عام 1898 وحمل نفس اسم ابيه كعادة اهل السودان فى ذلك الزمان، فأسمه بالكامل هو سليمان سليمان كشة وتعود اصول والده الى قبيلة الارتيقا احدى قبائل البجا فى شرق السودان بينما تعود اصول والدته الى قبيلة الجعليين فى منطقة المتمة ، و قام بكفالته بعد مولده خاله الحاج محمود المكى سر تجار مدينة ود مدنى آنذاك وعمه ابو فاطمة باكاش التاجر المعروف بسواكن وبورتسودان ، وتلقى تعليمه الاولى بمدينة رفاعة حيث كان من ضمن اساتذته بابكر بدرى واكمل المرحلة الوسطى بمدنى فى عام 1917 المدرسة الاميرية حيث انخرط بعد تخرجه وبحكم نشأته بين عائلة مشتهرة بالتجارة فى العمل التجارى الذى صادف فيه نجاحا كبيرا حتى عد من ضمن اثرياء السودان سنة 1919 ( راجع محجوب عمر باشرى فى "رواد الفكر السودانى" ) الا ان نشاطه التجارى  لم يمنعه من الانخراط فى انشطة زملائه الخريجين السياسية والادبية والاجتماعية حيث ساعده نشاطه التجارى الذى امتد فى مدن بورتسودان - سواكن-مدنى-رفاعة-القضارف-سنار-كوستى-ام روابة-تندلتى-والغبشا فى بناء علاقات واسعة كان لها الاثر الكبير فى انتشار فكر وتنظيم جمعية الاتحاد السودانى السرية لاحقا.
سليمان كشة
موجز عن حياته السياسية :
            كان احد اعضاء نادى الخريجين ومن خطبائه ومحاضريه و منذ العام 1917 كان على صلة بالجمعيات السرية فى مدنى وامدرمان حيث انتهى به هذا النشاط الى تأسيس جمعية الاتحاد السودانى السرية فى 1920 مع عبيد حاج الامين وجمال محى الدين ابو سيف وتوفيق صالح جبريل وابراهيم بدرى ، وقد لعب دورا هاما فى تاريخ السودان الحديث كصانع للاحداث وشاهد عليها وموثق لها وقد ساعده موقعه كحلقة وصل بين جمعية الاتحاد السودانى السرية واللواء الابيض التى تولت مواجهة الوجود البريطانى فى السودان دورا كبيرا فى الاحداث حيث كان يتولى دعمها سياسيا وماليا كما تأكد ذلك فى اقوال على عبد اللطيف فى محاكمات اللواء الابيض فى جلسة يوم 16 مارس1925 (راجع محاكمات اللواء الابيض لسليمان كشة )ومن يومها ظل محل مراقبة دائمة من قلم المخابرات البريطانية قادت فى عام 1935 الى سجنه اثر مكيدة محكمة دبرت له راجع محجوب عمر باشرى فى "رواد الفكر السودانى" ،يعتبر من القلائل الذين غطوا تاريخ تلك الفترة واصبح مرجعا هاما للباحثين السودانيين والاجانب واتسم فكره السياسى بنزوعه نحو توحيد السودانيين على مختلف اعراقهم وثقافاتهم وهى سمة تبدو متوارثة فى العائلة فراية ابيه سليمان كشه التى اتجهت الى ارض المعركة فى كررى كانت الوحيدة التى عبّرت فى ذلك الزمان عن مجموعة سكان بخلاف الرايات الاخرى التى كان معظمها يعبّر عن قبيلة او طريقة دينية  .
موجز عن حياته الادبية :
                  اشتهر بميوله الادبية فى وقت مبكر حيث عرف بسعة الاطلاع وحبه للشعر وصنوف الادب ولكن حظيت الصحافة بالقدر الاكبر من اهتماماته حيث برز نشاطه الصحفى مع بواكير الصحف التى صدرت بالسودان خاصة جريدة الحضارة التى كان يكتب بها تحت الاسم المستعار "يس" ويعتبر من الناشرين الاوائل فقد نشر كتاب "نسمات الربيع" الذى قام مع رفاقه بجمعية الاتحاد السودانى بجمع قصائده التى القيت فى الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف فى 1923 اضافة لكتاب "اعراس ومآتم" للامين على مدنى الذى صدر فى 1927، واصدر فى الاول من اكتوبر 1933 مجلة "مرآة السودان" بمساهمة اخوانه او بالاحرى رفاقه من جمعية الاتحاد السودانى السرية مجموعة "ودعشانا" فى ربع تكلفة الاصدار وتكفل بطبع العدد الثانى حسن احمد جميل نيابة عن رفاقهم فى مجموعة كوستى حيث اتاح فيها فرص النشر لشباب الشعراء والادباء وقد خص الشاعر التيجانى يوسف بشير المجلة بقصيدة تحت عنوان "تحية" جاء فيها :-
                                  قدر الصحافة قدرها فسما به ’’’’’ وحبا الى المرآة يا مرحى به
                                 اهلا بجبار الجهود يطل من  ’’’’’ غرف السماء ملوحا بكتابه
                                 اكبرت فيك النبل غير موارب’’’’ ابدا وكنت قد اخذت من اسبابه
والقصيدة طويلة ومليئة بعظيم المعانى التى وسمت شخصية سليمان كشة وبمثلما خصّ الشاعر الكبير التيجانى يوسف بشير صدور "مرآة السودان" بقصيدة  "تحية" فقد خصها ايضا الشاعر الكبير توفيق صالح جبريل فى مطلع عام 1957 بقصيدة تحت عنوان "سهران شهران فى غرفة" كان قد نظمها اثناء مرضه بمستشفى الخرطوم بتاريخ 11\11\1956 . وبجانب افراده لمساحات مقدرة للشعر فى المجلة فقد ساهم فى كشف مؤامرات الانجليز وخططهم الاقتصادية مما ادى الى تدبير المكيدة التى زجت به فى السجن ومصادرة امواله وممتلكاته عدا منزله ببيت المال ليخرج فى رحلة معاناة طويلة منذ 1935 فاخرج "مرآة السودان" مرة اخرى الا ان القدرة المالية عاقت استمرارها . وفى اعقاب انقلاب 17نوفمبر 1958 نشر فى جريدة "الثورة" آنذاك سلسلة من المقالات تحت عنوان "سوق الذكريات" نشرت فيما بعد فى كتاب واصبحت مرجعا هاما للباحثين ومقالات اخرى بمجلة الاذاعة والتلفزيون صدرت بكتاب تحت عنوان "صفحات قديمة" كما كتب مقالات لمجلة "الخرطوم" فى عهد ادارة قيلى احمد عمر .
                 يعتبر احد مالكى المكتبات العامرة بأمهات الكتب والمراجع والاداب والشعر والفنون والفكر والسياسة تمّ اهداؤها لجامعة الخرطوم  . كما له برامج بالاذاعة والتلفزيون تحت عنوان "بين الامس واليوم"
موجز عن حياته الاجتماعية:- 
                 يعتبر احد الذين اهتموا بالتعليم فى السودان وساهم بالتكفل بنفقات الطلاب السودانيين الذين طلبوا العلم بمصر كما شجع على هجرة الطلاب السودانيين لتلقى العلم بمصر كما تكفل بنفقات اسر المعتقلين والشهداء من جمعية اللواء الابيض واشتهر بالكرم وباياديه السخية لكثير من الافراد والعائلات بالسودان . وكانت له مجالس خاصة مع خليل فرح ، محمد احمد البرير ، حسن ابو جبل ، عبد الرحمن جميل ، ابراهيم المقبول ، محمد عبد الرحمن نقد الله محمد عثمان عيسى ، سربل ، بحيرى ، والكتبى ، محمد عامر بشير فوراوى ومحمد ابراهيم ابو سليم كما ربطته علاقة قوية بالمبارك ابراهيم اشهر مقدمى حقيبة الفن .
                هذه سيرة موجزة عن حياة سليمان كشة احد ابرز قياديى جمعية الاتحاد السودانى السرية واحد القلائل الذين تناولوا تاريخ تلك الفترة وحظيت مؤلفاتهم بأن تكون واحدة من اهم المراجع للباحثين فى تاريخنا الحديث اضافة لأفاداته الشفهية ومخطوطاته التى لم تنشر ومن ابرز الباحثين الذين استندوا عليه :-
1- بروفيسور محمد عمر بشير
2-د جعفر محمد على بخيت
3-د احمد ابراهيم دياب
4-د يوشيكو كوريتا اليابانية الجنسية
5-محجوب عمر باشرى
وقد توفى رحمه الله بقدر ما اعطى لهذا الوطن فى يوم الاربعاء 2\8\1968 .      

هناك تعليقان (2):

  1. يعتبر من الواطنين السودانين له جوانب سيئة كرهه للافارقة ميوله نحو العرب

    ردحذف
  2. يعتبر من الواطنين السودانين له جوانب سيئة كرهه للافارقة ميوله نحو العرب

    ردحذف

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...