الخميس، 28 أكتوبر 2010

صحوة نقابية

                     الحراك النقابى الذى تشهده فرنسا الآن يبدو فى احد وجوهه صحوة نقابية من ثبات طويل تزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتى سابقا ولكنها صحوة تيعث الامل فى امكانية ان تستعيد النقابات على مستوى العالم دورها الرئيس كحارسة امينة لحقوق العاملين وكمنظمة مجتمع مدنى قادرة على التأثير فى مصادر القرار ومحاربة السياسات التى تتغول على حقوق وآمال وتطلعات الناس ، ولكن ثمة ظواهر ملفتة صاحبت هذا الحراك النقابى الفرنسى تدعو الى التساؤل والارتياب وتبدو فى احدى جوانبها موجهة لأحباط اهداف هذا الحراك ، من اهم هذه الظواهر ظاهرة احتلال المنشئات رسمية كانت ام خاصة لأنها تنسف احد ادوات النقابات المجربة والفاعلة فى اجبار السلطات او اصحاب العمل على الخضوع لمطاب النقابة وهو الاضراب الذى لا يحوّج المضربين عناء احتلال المنشئات بل يستخدم تكنيكا بسيطا للغاية وهو التوقف عن العمل والخروج من المنشأة وتركها خاوية على عروشها ليتحمل اصحابها عبء حمايتها ، فلجؤ نقابات فرنسا لأحتلال بعض المنشئات امر اضرّ كثيرا بصورتها وفاقم من هذا الضرر مظاهر العنف التى صاحبت بعض التظاهرات واتخذت اشكالا من التخريب واضرام النيران وهى افعال تشكل فى مجملها زريعة كافية لأعتبارها حركة تعدى جنائى اكثر من كونها حركة مطلبية عادلة وبالتالى تحشد فى مواجهتها اعداءا كثر بدلا من حشد مؤيدين ومتعاطفين مع قضاياها ، فهل ثمة اختراق حدث لهذا الحراك؟
                     الملاحظة الجديرة بالاهتمام هى تصاعد وتيرة الفئات المنضمة لهذا المطلب الخاص برفض مد سن التقاعد لتتوج بدخول فئة الطلاب ، الفئة الاكثر حيوية وحماسة والحاضرة فى التأريخ الفرنسى بثورتها الشهيرة فى ستينات القرن الماضى ويبدو لى ان دخولها فى معترك هذا الحراك النقابى استدعى على حكومة ساركوزى كل مخاوف السقوط المريع لسلطة متعالية ، فقد بدا جليا انها مواجهة بغضبة جماهيرية متصاعدة لا سبيل لمواجهتها بالتنازلات التى من الممكن ان تفتح عليها ابوابا من المطالب لا تقوى عليها خاصة اذا اخذنا فى الاعتبار تداعيات الازمة المالية العالمية كما لا يوجد سبيل لمواجهتها بالعنف فى بلد يتباهى بسموه الديمقراطى وطليعيته فى تصدير المبادىء الخاصة بحقوق الانسان والالتزام بها ، فضلا عن ان حكومة ساركوزى بالكاد تحاول الافلات من تبعات سياستها الخاصة بأبعاد الغجر والمهاجرين من هنا يبدو اختراق هذا الحراك وتشويه صورته مخرجا مأمونا لحكومته للتعاطى معه وتمرير سياستها التى اشعلت فتيلته فقد تم اجازة قانون مد سن التقاعد فى اتون هذه التظاهرات.
                   من جانب آخر فأن انتصار هذا الحراك من شأنه ان يفتح كل نوافذه ليس على اوروبا فحسب وانما على بقية دول العالم التى راكمت الازمة المالية العالمية على قضاياها القائمة قضايا جديدة لم تزل تبحث عن مخارج لها لذا فأن معظم امانى قادتها وهى امانى ذات اياد ممدودة بسخاء  تتجه لرؤية انتصار ساركوزى فى هذه المعركة حتى لا تمتد عدواها الى بلدانهم .
                    ايا كانت مآلات هذا الحراك فأنه ايقظ من جديد فى وعى كثير من الشعوب التى تابعته عبر وسائل الاعلام  جدوى الحراك النقابى وضرورة حمايته من اى اختراقات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...