السبت، 29 ديسمبر 2012

خطفتها فضيحة


                      ( مهما نظرت  فى عينييّ ، فلن تجد نظرتى هناك ، خطفتها فضيحة . ) ما ابدعه محمود درويش حين امسك بهذه اللحظة الحرجة فى حياة ابن آدم مثقل بخطيئة اوبخطايا او بفعل تافه قادته اليه نزوة او شهوة او مراهقة طائشة ، وظل يلازمه وخزا ونكزا فى ضميره طيلة سنوات العمر ، وما ان يصادفه ما يذكره به ، تهرب تلك النظرة الى مستودع ملىء بالقسوة والقهر والابتزاز ، ليغدو المسكين اسيرا لحالة من الألم والخزى والكره الشديد ، لمجتمع يتلاعب بالقيم والاخلاق رغم انف الطبيعة البشرية ورغم انف الدين ، ورغم انف المنطق والعقل ، وهى حالة شائعة فى عالمنا العربى والاسلامى وتكاد تكون احدى آليات الكبح والقهر والجريمة .

                       والمتابع لسيل البذاءة وانتهاك الاعراض المتدفق من بعض قنوات مصر الفضائية على لسان (شيوخ) الغفلة وخصومهم من الذين استدعوا كل صعلكة الارض ، لمواجهة هذا العراك الفاجر ، الذى يجعلك تعتقد ان مصر بكل جمال ما كانت تمثله فى الوجدان العربى والاسلامى ، تجلس الآن فى ماخور من اقبح مواخير قاع المدينة  ، المتابع لهذا الفجور العلنى يصاب بالخيبة من هشاشة المجتمعات الاسلامية التى تسمح بمثل هذا الاختراق الهدام ،  ولكنها تدفعك ايضا وبقوة للنظر فى هذه الثغرة الكبيرة فى قيم واخلاق المجتمع ، التى تسمح لكل من تحلل من الاخلاق والقيم ، ان يقيم مهرجانا للبذاءة والفسوق والابتزاز ، بأسم ذات القيم والاخلاق التى لم تردعه لأحترام آدمية الانسان التى كرمّها رب العزة والجلالة ، وافاض فى تكريمه لها بأن اغدق عليها من الطمأنينة والامان ، أنها لو جاءته بتراب الارض ذنوبا لغفره لها .

                        ولا يظنن احد ان الامر قاصر على مصر وحدها ، فهو منتشر على الارض العربية والاسلامية ، شوكا فى حلوق كثير من الناس ، وغشاوة على ابصارهم ، حرمت تلك المجتمعات من اسهام اناس كان يمكن ان يقدموا الكثير لأسعاد البشرية ، والامثلة كثيرة لاتقف عند حدود السياسة وحدها ، وانما طالت مبدعين فى مختلف النشاط البشرى ، فمتى طالت الالسن والاقلام شخصا ما ، رجلا كان او امرأة ، فى امر يتعلق بالقيم والاخلاق ، ناتج عن فعل لم يتعد حدود نفس المعنى بالاستهداف ، فأعلم ان من يقف وراء الامر يمسك بلسانه وقلمه اداة جريمة مدمرة ، وبوعى منه او بغير وعى ، يطال بدماره ليس الشخص المعنى وحده ، وانما يدمر معه جزءا هاما من قيم واخلاق المجتمع التى تشيع فضيلة التعايش فى امن وامان .

                        قد يبدو محاربة هذه الظاهرة امرا فى غاية الصعوبة ، لأن الفضيحة آلية تلاحق آثارها اجيالا وراء اجيال ، ولأنها اصبحت فى عرف المجتمعات قيمة مرعبة ، ولا سبيل لمحاربتها الا بأشاعة الوعى داخل الاسرة اولا ، بتناول المسكوت عنه استنادا على نص (لا حياء فى الدين) وعلى قاعدة ان الخطيئة مهما عظمت ولم تمتد بأذى لآخرين يكفلها رب العالمين برحمته وغفرانه ، وان المرء متى عزّز ايمانه فى مغفرة الله ورحمته ، فلن تهزه بذاءة وابتزاز الآخرين له بخطيئته ولو جاءوا بحجارة الارض تهديدا،

                      الانسان المسلم فى حاجة الى تفعيل ثقافة الاعتراف بالذنب ، لأنها فضيلة ، وفى حاجة الى تفعيل ايمانه بمغفرة الله ، لأنها حقيقة مؤكدة بأكثر من نص ، وعندها ، لن يبق لهؤلاء المجرمين الذين يمسكون بالخطيئة او الذنب آلية للأبتزاز والقهر والعزل ، منفذا للدخول به الى المجتمعات والسيطرة عليها . لا تدع نظرتك تخطفها فضيحة .
                       

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

المسيح فى السودان

لوحة الميلاد من كاتدرائية فرس بالنوبة

السيدة مريم العزراء وهى تحمل السيد المسيح فى حضرة الملكة مارتا
                    غدا يحتفل العالم بمولد السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ، وتجىء هذه الذكرى واسئلة كثيرة ظلّت تجول فى الخاطر عن سر لوحات العهد المسيحى فى ممالك النوبة والتى زخرت بها الكنائس آنذاك كلوحة الميلاد المعروضة اعلى هذه الصفحة ، ولكن اكثر اللوحات التى ظلّت تلازمنى اسئلتها طوال الوقت ، هى لوحة السيدة العزراء وهى تحمل ابنها فى حضرة الملكة الأم (مارتا) ام الملك ( اللوحة الثانية ) ، فاللوحة تحكى عن صلة قديمة بين مملكة النوبة ورسالة السيد المسيح عليه السلام ، فأذا كان عدد من الباحثين قد ربطوا بداية دخول المسيحية الى السودان سنة 60 ميلادية عبر احد رجال البلاط العائد من القدس ، فأن اللوحة تحكى قصة اخرى تسبق هذه المعلومة ، فالعلاقة القديمة التى ربطت السيدة مريم العزراء عليها السلام بمملكة النوبة ، تعنى ان معجزة السيد المسيح عليه السلام وهو فى طور الطفولة كانت معلومة بأدق تفاصيلها لدى المملكة ، ولأن ارض النوبة هى ارض الاديان والانبياء وقصصهم معلومة منذ سيدنا ابراهيم الذى مكث فترة من عمره بهذه الارض واقترن بالسيدة هاجر عليهما السلام ، فأن الأسئلة لا تتوقف عن سر سكوت المصادر عن تفاصيل هذه العلاقة التى ربطت السيدة العزراء والسيد المسيح بالملكة مارتا (الملكة الام) ؟ وهل لهذا اللقاء الذى جمع ثلاثتهم صلة بشكل من اشكال الحماية التى فرضتها هذه الملكة لتأمين حياة السيدة العزراء والسيد المسيح فى صباه ؟ ففى الاثر المسيحى ( ملاك الرب يظهر ليوسف فى حلم وقال له  :-
       ( قم وخذ الصبى وامه واهرب لارض مصر لأن هيرودس مزمع ان يقتل الصبى )

            فالهروب من بطش ملك ظالم الى ارض غريبة يحتاج حماية من اهلها قادرة على صد بطش مثل ذلك الملك ، واللوحة تبدو تعبيرا عميقا لهذه الحماية .

              الأسئلة كثيرة وارجو ألا تفسد على المسيحيين فى مشارق الارض ومغاربها بهجة احتفالهم بذكرى مولده عليه السلام ، فكل عام وانتم بخير ، وكل عام والبشرية اشد اعتصاما بالسلام .

ملحوظة : اللوحتان من غلافى كتاب الاب فيلوثاوث فرج (النوبة ملوكا وشعبا)

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

براءة مما يأتى


                فى اى سياق يمكن للمرء ان يقرأ خطاب مرشح الرئاسة المصرية السابق محمد البرادعى الذى بثته قبل يومين قناة (CBC ) المصرية مصحوبا باللقاء الذى اجرته ذات القناة مع مرشح الرئاسة المصرية الآخر حمدين صباحى اول امس ؟

                  قد يبدو للوهلة الاولى ونتيجة لحالة الارتباك التى احاطت بدوائر مصر الرسمية ومعارضتها ايضا ، ان الرجلين قد رفعا راية بيضاء امام تعنّت وتصلّب ممثل تيار الاسلام السياسى الرئيس محمد مرسى ، واصراره على تمرير الدستور المختلف عليه بالاسلوب الذى شهدته الساحة المصرية مؤخرا ، والذى راح ضحيته ارواح ودماء مصرية عزيزة ، وانهما اختارا طريق تقديم الرجاءات واعلان الضمانات الكافية والمطمئنة لشرعية الرئيس مرسى ، وضمان استمرار هذه الشرعية فى حكم مصر ، وذلك اذعانا لحكم صندوق الانتخابات ،  بعد ان صعّدا معارضتهما الى حد المطالبة بمقاطعة الاستفتاء وحشد عشرات الالاف فى شوارع وساحات مصر لأسقاط الدستور المعروض للأستفتاء ، وجاء هذا الموقف الجديد من اجل ان يتراجع الرئيس مرسى عن هذا المشروع الذى ادى الى انقسام الشعب المصرى بشكل لم تشهده مصر من قبل ، انقسام عمودى شامل.

                   جماعات الاسلام السياسى ليسوا بالسذاجة التى يظنها الكثيرون ، وحالة الارتباك التى صنعوها بقراراتهم الرئاسية كانت فى تقديرى مقصودة كى تعمى العيون عن اجندتهم الرئيسية المتمثلة فى الدستور الذى فاجأوا بعرضه للأستفتاء بعض اعضاء جمعيته التأسيسية لا من حيث التوقيت فحسب بل من حيث بعض مواده التى لم يتم حولها اتفاق بعد ، ومواد اخرى مضافة من خلف بعض الاعضاء حسب تصريحات د. وحيد عبد المجيد عضو الجمعية التأسيسية للدستور، مما يعنى ان المسرح السياسى فى مصر كان يدار طوال الفترة التى اعقبت فوز د. مرسى بخلق حالات من الارتباك لتمرر من خلالها اجندة سرعان ما تصبح امرا واقعا لا فكاك منه .

                   الارتباك ، هذا الآلية الجديدة فى التكتيك السياسى التى اتبعها تيار الاسلام السياسى على الصعيد السياسى والقانونى ونجحت فى اخضاع المعارضة المصرية فى معظم اطيافها للأمتثال الى ما انتجته من واقع ، سواء فى القبول على مبدأ الذهاب الى صناديق الاقتراع للأستفتاء على دستور مختلف حوله ، اوالقبول بأجراءات العملية الانتخابية حول الاستفتاء بكل علاتها التى عكستها الطعون التى بلغت الآلاف ، فالارتباك هذا يبدو الآلية الناجعة التى سيسعى لأستخدامها عند اعلان النتيجة اذا قدر للمرحلة الثانية ان تتم يوم غد لتمرير الدستور بكامل مواده .

                   من  هنا يبدو ان كلا من البرادعى وحمدين صباحى قد اكتشفا متأخرين الفخ الذى وقعا فيه مع بقية قوى المعارضة المتمترسة حول موقفها الرافض للدستور، وبدا جليا ان مصر مع حالة الانقسام القائمة فيها والتى بدت ملامح صداماتها تنذر بفوضى الله وحده يعلم مداها ، ومع نذر الازمات الاقتصادية التى بدأت تطل برأسها ،على موعد مع صدام كبير بين شعب معبأ بعضه ضد بعضه الى حد الدماء والقتل والحريق والدمار ، كما شهدنا طيلة الايام الفائتة ، واسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء فى هذا الصدام ، ان تستنهض فيه كل مؤسسات الدولة التى تأسست بنياتها على مدى اكثر من قرنين من الزمان على اساس دولة مدنية ، ومعبأة بضراوة للحفاظ على هذه البنية ، وخاضت تجاربا عنيفة مع التيار الاسلامى اضرت كثيرا بوجه مصر فى مجال الحقوق والعدالة ، ان اسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء ان يصبح  عنف الشارع المصرى مسنودا بما استطاع من مؤسسات الدولة ، هو الفيصل فى الحسم ، لهذا اراد كل من الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى بخطابهما المتراجع وموقفهما المتراجع من الاستفتاء على الدستور ان يبرأ من تبعات ما ينتجه من عنف ، و يحضرنى هنا ما قاله مبدع الثورة المصرية عباس الاسوانى فى لقاء مع احدى القنوات المصرية ان الثورة استنفدت الحلول السياسية والقانونية ولم يبق الا الشارع .

                    مصر الآن فى حاجة الى فعل او قرار يحمى الشارع المصرى مما ينتظره ، فلم يعد للحوار جدوى .

                 

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...