الجمعة، 21 ديسمبر 2012

براءة مما يأتى


                فى اى سياق يمكن للمرء ان يقرأ خطاب مرشح الرئاسة المصرية السابق محمد البرادعى الذى بثته قبل يومين قناة (CBC ) المصرية مصحوبا باللقاء الذى اجرته ذات القناة مع مرشح الرئاسة المصرية الآخر حمدين صباحى اول امس ؟

                  قد يبدو للوهلة الاولى ونتيجة لحالة الارتباك التى احاطت بدوائر مصر الرسمية ومعارضتها ايضا ، ان الرجلين قد رفعا راية بيضاء امام تعنّت وتصلّب ممثل تيار الاسلام السياسى الرئيس محمد مرسى ، واصراره على تمرير الدستور المختلف عليه بالاسلوب الذى شهدته الساحة المصرية مؤخرا ، والذى راح ضحيته ارواح ودماء مصرية عزيزة ، وانهما اختارا طريق تقديم الرجاءات واعلان الضمانات الكافية والمطمئنة لشرعية الرئيس مرسى ، وضمان استمرار هذه الشرعية فى حكم مصر ، وذلك اذعانا لحكم صندوق الانتخابات ،  بعد ان صعّدا معارضتهما الى حد المطالبة بمقاطعة الاستفتاء وحشد عشرات الالاف فى شوارع وساحات مصر لأسقاط الدستور المعروض للأستفتاء ، وجاء هذا الموقف الجديد من اجل ان يتراجع الرئيس مرسى عن هذا المشروع الذى ادى الى انقسام الشعب المصرى بشكل لم تشهده مصر من قبل ، انقسام عمودى شامل.

                   جماعات الاسلام السياسى ليسوا بالسذاجة التى يظنها الكثيرون ، وحالة الارتباك التى صنعوها بقراراتهم الرئاسية كانت فى تقديرى مقصودة كى تعمى العيون عن اجندتهم الرئيسية المتمثلة فى الدستور الذى فاجأوا بعرضه للأستفتاء بعض اعضاء جمعيته التأسيسية لا من حيث التوقيت فحسب بل من حيث بعض مواده التى لم يتم حولها اتفاق بعد ، ومواد اخرى مضافة من خلف بعض الاعضاء حسب تصريحات د. وحيد عبد المجيد عضو الجمعية التأسيسية للدستور، مما يعنى ان المسرح السياسى فى مصر كان يدار طوال الفترة التى اعقبت فوز د. مرسى بخلق حالات من الارتباك لتمرر من خلالها اجندة سرعان ما تصبح امرا واقعا لا فكاك منه .

                   الارتباك ، هذا الآلية الجديدة فى التكتيك السياسى التى اتبعها تيار الاسلام السياسى على الصعيد السياسى والقانونى ونجحت فى اخضاع المعارضة المصرية فى معظم اطيافها للأمتثال الى ما انتجته من واقع ، سواء فى القبول على مبدأ الذهاب الى صناديق الاقتراع للأستفتاء على دستور مختلف حوله ، اوالقبول بأجراءات العملية الانتخابية حول الاستفتاء بكل علاتها التى عكستها الطعون التى بلغت الآلاف ، فالارتباك هذا يبدو الآلية الناجعة التى سيسعى لأستخدامها عند اعلان النتيجة اذا قدر للمرحلة الثانية ان تتم يوم غد لتمرير الدستور بكامل مواده .

                   من  هنا يبدو ان كلا من البرادعى وحمدين صباحى قد اكتشفا متأخرين الفخ الذى وقعا فيه مع بقية قوى المعارضة المتمترسة حول موقفها الرافض للدستور، وبدا جليا ان مصر مع حالة الانقسام القائمة فيها والتى بدت ملامح صداماتها تنذر بفوضى الله وحده يعلم مداها ، ومع نذر الازمات الاقتصادية التى بدأت تطل برأسها ،على موعد مع صدام كبير بين شعب معبأ بعضه ضد بعضه الى حد الدماء والقتل والحريق والدمار ، كما شهدنا طيلة الايام الفائتة ، واسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء فى هذا الصدام ، ان تستنهض فيه كل مؤسسات الدولة التى تأسست بنياتها على مدى اكثر من قرنين من الزمان على اساس دولة مدنية ، ومعبأة بضراوة للحفاظ على هذه البنية ، وخاضت تجاربا عنيفة مع التيار الاسلامى اضرت كثيرا بوجه مصر فى مجال الحقوق والعدالة ، ان اسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء ان يصبح  عنف الشارع المصرى مسنودا بما استطاع من مؤسسات الدولة ، هو الفيصل فى الحسم ، لهذا اراد كل من الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى بخطابهما المتراجع وموقفهما المتراجع من الاستفتاء على الدستور ان يبرأ من تبعات ما ينتجه من عنف ، و يحضرنى هنا ما قاله مبدع الثورة المصرية عباس الاسوانى فى لقاء مع احدى القنوات المصرية ان الثورة استنفدت الحلول السياسية والقانونية ولم يبق الا الشارع .

                    مصر الآن فى حاجة الى فعل او قرار يحمى الشارع المصرى مما ينتظره ، فلم يعد للحوار جدوى .

                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...