الاثنين، 29 نوفمبر 2010

القمة الافريقية الاوروبية



                       يبدو موقف الدول الاوروبية المشاركة فى هذه القمة والذى حال دون مشاركة الرئيس عمر البشير فيها قرارا مبكرا من قرارات هذه القمة المتوقع اختتامها غدا الثلاثاء ، يفيد بأن السودان لم يعد ضمن دائرة المصالح الاوروبية او على الاقل فى ظل حكومته القائمة او على وجه الخصوص فى ظل رئاسة الرئيس عمر البشير ، متزرعين فى ذلك بقرار المحكمة الجنائية الدولية ، اى ان هذا الموقف الاوروبى اتخذ من انعقاد هذه القمة سانحة لدعم المحكمة الجنائية الدولية و جاء موقفها هذا مصحوبا بزخم كبير اضفى على انعقادها اهتماما زائدا ولكنه جاء فى احد جوانبه ايضا رسالة قوية موجهة للرؤساء الافارقة المشاركين فى هذه القمة عربا كانوا ام افارقة بأن القبول بالمحكمة الجنائية وقراراتها شرطا اساسيا لتطبيق توصيات ومقررات القمة .
                      ويبدو ان الاوروبيين نجحوا فى تمرير احد اهم اجندتهم التى يعوّلون عليها كثيرا قبل بدء فعاليات هذه القمة الا وهو سلطة المحكمة الجنائية الدولية ، فرد فعل الدول الافريقية كان مستجيبا الى حد ان السودان اكبر الدول الافريقية حتى الآن والمثقل بمشكلات كبيرة لا زالت تشغل حيزا كبيرا فى المحافل الدولية والاقليمية ولا زالت تشغل الميديا الدولية لم يدرج ضمن اجندة هذه القمة .
                      وما يهمنى هنا ان السودان امام مأزق  يبدو فى احد وجوهه خاتمة الحصار الذى ظلّت تواجهه حكومات الانقاذ طوال عقدين من الزمان ، فمن جهة يجىء خروجها من دائرة المصالح الاوروبية فى ذات الوقت الذى تحاول فيه الخروج من دائرة العقوبات الامريكية ولا يغيب عن وعى اى انسان ما يعنبه ثقل النفوذ الذى تحظى به الدائرتان الامريكية والاوروبية ، ويجىء من جهة ثانية فى وقت اصبحت مساحة الحركة فيه اكثر ضيقا لتستوعب مناورة هنا او هناك تجاه مشكلاتها الداخلية العالقة والمهددة بخروج اجزاء عزيزة من ارض الوطن يتسابق عليها الآن معظم حلفائنا الاشقاء للحصول على موطىء قدم فى ارضها الموعودة بالكثير دع عنك المجتهدون فى فصلها منذ زمان بعيد ، ويجىء والداخل الشمالى لا يزال محتقنا بسياسات حكومات الانقاذ التى خلّفت فيه من المرارات ما خلّفت وعجزت حتى الآن عن معالجة اكثرها بساطة ، ويجىء فى زمن تمكنت فيه الازمة المالية العالمية بخناق دول تفوقنا تقدما وثروات .
                     انه مأزق من النوع الذى يجعل صاحبه يتلفت يمينا ويسارا ويزرع الآفاق طولا وعرضا بحثا عن خلاص ، ويجعل منافسيه فى وجل من مآلات النهاية التى اتمنى ان تكون بردا وسلاما على كل ابناء الشعب السودانى العظيم .

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

حواسيب اوباما


http://www.nation.co.ke/image/view/-/599482/highRes/78625/-/maxw/600/-/vs7abh/-/PIX+11.jpg                      قرار الرئيس اوباما الخاص باستثناء الحواسيب من قائمة العقوبات المفروضة على السودان لتيسير عملية الاستفتاء يبدو فى احد وجوهه قرارا خاصا بالجهات الرسمية والمعنية بعملية الاستفتاء لذا لم يحظ بردود فعل فى اوساط عامة المواطنين السودانيين الذين تشغلهم هموم ليس من بين قائمتها هذه الحواسيب تماما مثلما لم تحظ هذه العقوبة بأى تأثير على حياتهم ، ولكن هنالك فئة قليلة مرتبطة بعالم الانترنت تأثرت من هذه العقوبات بحرمانها من المنتجات المتعلقة بنشاطها كأصحاب المواقع والمدونات الذين افتقدوا العديد من الميزات الضرورية لنشاطهم والتى توفرها هذه المنتجات المحظورة على السودانيين ، ولقد كان من المدهش حقا ان يأتى هذا الاستثناء عاريا من تلك الميزات التى تبدو معها هذه الحواسيب صما بكما عميا و يبدو معها القرار اشبه بعملية عرض تسويقية .



                      وما يدعو للدهشة هنا ان تجد هذه الفئة القليلة من السودانيين المرتبطين بعالم الانترنت ان العقوبات التى فرضتها الادارة الامريكية على السودان نتيجة لسياسة حكومته القائمة تستثنى من بعضها ذات الحكومة بينما يظل بعضها الآخرساريا على مواطنيها الامر الذى يدعو الى التسآؤل عما اذا كانت الادارة الامريكية فى عداء مع الشعب السودانى ام حكومته ام الاثنين معا؟
                       

الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

اغتيال رئيس

                        مرت يوم امس 22\11\2010 الذكرى السابعة والاربعون لأغتيال الرئيس جون كينيدى الرئيس رقم 35 للولايات المتحدة الامريكية بمدينة دالاس بولاية تكساس ، الاغتيال الذى هز مشاعر العالم وخلّف اسئلة صعبة عجزت معها عشرات الكتب التى تناولت مختلف جوانب هذا الحدث المأساوى ان تصل الى اجابات تطمئن الداخل الامريكى والعالم الذى اصيب بصدمة ظلت آثارها تتجدد عاما بعد عام ويحتاج معها ان يطمئن الى أن اللعبة السياسية فى عصر الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الانسان وسيادة حكم القانون والتداول السلمى للسلطة ما زالت حصينة ، وليس فى امكان يد مثل يد ( بروتس ) ان تعاود مد خنجرها المسموم الى صدور حكام اتى بهم للسلطة حب واحترام شعوبهم لهم ولبرامجهم التى استهدفت الارتقاء بحياتهم .
                  وتأتى هذه الذكرى وذاكرة العالم ترتجف من فرط الحالات التى اقتفت اثر هذا الاغتيال الشنيع ، سواء تلك التى طالت حكاما او زعامات او قيادات او روادا فى مختلف مجالات النشاط الانسانى ، ولأن قائمة هؤلاء الضحايا آخذة فى الازدياد عاما بعد عام وحينا بعد حين فأن ذكرى اغتيال الرئيس جون كينيدى تستحق ان يقف العالم عندها طويلا ، وتستحق ان يقف الامريكان عندها كثيرا ،فثمة تبعات ثقيلة ظلت اداراتهم المتعاقبة تتحمل عبئها خاصة فيما يتعلق بمشاعر الحكومات والشعوب الوجلة  تجاه علاقاتها بأمريكا وخوفهم من ان تكون هذه العلاقات مدخلا لأعادة انتاج ذلك المشهد المأساوى فى بلادهم علما بأن بعض الاغتيالات التى وقعت بالمنطقة العربية والاسلامية وبعض البلدان الافريقية يتم تداولها دائما مرتبطة بعلاقة ما بأمريكا ،من هنا فأن قدرا من هذه المخاوف والكراهية الموجهة لأمريكا يبدو متناسلا من هذا الاغتيال الذى صمتت حتى الآن عن كشف حقائقه .

              
http://thebsreport.files.wordpress.com/2009/12/john_f_kennedy1963.jpg
الرئيس الراحل جون كينيدى

                 
                 لا يملك المرء فى هذه الذكرى الحزينة سوى ان يعزى عائلات كل الضحايا الذين سقطوا بيد الغدر الآثمة وان يدعو المجتمع الدولى ان يجعل من هذه الذكرى يوما عالميا لنبش حقائق من وقف ويقف خلف اؤلئك القتلة وان نستعيد فيه ذكرى جميع القادة والزعماء والرواد الذين راحو ضحايا لهذا الاسلوب الاجرامى .     

الأحد، 21 نوفمبر 2010

الاستفتاء


                        تصاعد حدة الاتهامات بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية حول حرية ونزاهة وشفافية الاستفتاء امر بقدر ما يعكس ازمة الثقة المستفحلة بين الطرفين فهو يعكس احدى علل اتفاقية نيفاشا التى بدت معها ترتيبات هذا الاستفتاء وما صاحبها من تعقيدات اشبه بترتيبات لحرب جديدة ، وما يدعو للغرابة هنا ان تصبح الاتفاقية برمتها رهينة لأحد بنودها كأنما نجاحها الكبير فى وقف نزيف الدم وحفظ الارواح واتساع دائرة الحريات لا يستحق ان يحظى بوقت اضافى يسمح لللاعبى الطرفين استعادة انفاسهم من عراكهم الذى استمر لخمس سنوات حتى تأتى خاتمتها محظية برضا وقبول جميع الاطراف ، فلماذا الاصرار على قيام الاستفتاء فى مواعيده رغم ان اكثر القضايا حساسية ما زالت عالقة وتلوح فوق سماء الوطن قنابلا موقوتة ؟ ما الذى تخشاه الاطراف المعنية بهذه الاتفاقية من ( مواعيده ) هذه؟

                 
                       الحركة الشعبية فى تقديرى ترى فى قيام الاستفتاء فى مواعيده فرصة تأريخية لفصل الجنوب والانفراد بحكم دولته البترولية الوليدة لعقود طويلة قادمة بعد ان عجزت فى حراكها الطويل مع المؤتمر الوطنى والقوى السياسية الشمالية فى الوصول الى حل لمعضلة حقوق المواطنة المتصادمة مع القوانين الاسلامية فى الشمال ، بمعنى آخر ان فشلها فى مقايضة الوحدة بالقوانين الاسلامية كان بمثابة تعبئة  مباشرة للانسان الجنوبى بأن حقه كمواطن فى ظل هذه القوانين سيجعله كما قال سلفا كير مواطنا درجة ثانية وبالتالى اصبح الانفصال خياره الوحيد الذى يريده فى اسرع وقت ، لذا يجىء تمسكها بهذا الموعد امرا مقدسا يشجعها فى هذا الموقف اطراف خارجية تفتحت شهيتها لهذا البترول البكر الغزير .
                     اما المؤتمر الوطنى فقد وجد نفسه مع هذه المواعيد امام مأزق اشد واقوى من ذلك الذى واجهته الحكومات الديمقراطية بعد انتفاضة ابريل ، فأذا كانت تلك الحكومات قد اختارت سلطتها بديلا لمواجهة القوانين الاسلامية للخروج من مأزقها بعد ان قالت فى تلك القوانين ما لم يقله مالك فى الخمر فأن المؤتمر الوطنى ظل امام مأزق شديد الصعوبة فى الاختيار بين القوانين الاسلامية ووحدة الوطن ، بين سلطته ووحدة الوطن ، وبمثلما اختارت القوى الديمقراطية الحاكمة آنذاك  القوانين الاسلامية للحفاظ على سلطتها فلم يستطع المؤتمر الوطنى الخروج عن هذا الاختيار ولكنه فى ذات الوقت لن يستطيع الحفاظ على وحدة الوطن وهى مسئولية تأريخية تضعه امام مواجهات داخلية واقليمية شديدة الخطر ليس على سلطته فحسب بل على ما يتبقى من الوطن .من هنا يبدو الاصرار على هذه المواعيد خاصة من قبل المجتمع الدولى بمثابة نقطة الحسم الاخيرة لصراع طويل لم تستطع اتفاقية نيفاشا وضع نهاية له ، او بالاحرى نقطة تقرير المصير لكلا الطرفين .
                  الآن فأن الشعب السودانى بكل مكوناته فى شماله وجنوبه امام اختبار قاسى لا سبيل معه لتفادى المخاطر الناتجة عنه سوى التعاون على اخراج الاستفتاء وفقا للمعايير المطلوبة واحترام نتائجه ايا كانت ، وان تبدأ فى ترتيبات ما بعد الانفصال ليس على صعيد الدولتين فحسب كما لا نتمنى وانما على صعيد الداخل الشمالى و بذات القدر على صعيد الداخل الجنوبى حتى لا تكون الفوضى والدماء حصادنا الاخير من هذا الصراع الطويل .   
                  

الجمعة، 19 نوفمبر 2010

استثمارات فى شعائر الدين

                     فى هذا الوطن العظيم كانت معايير الارتقاء الاجتماعى لأهله تتجسد فى منجزاتهم الخيرية على صعيد البنية التحتية للخدمات كالتعليم والصحة ودور العبادة ، فقد شهدت عدة مدن واحياء قيام مدارس ومستشفيات ومراكز صحية ومساجد على نفقة خاصة لمحسنين ما زالت اسماؤهم تطغى على حكاياتنا نرددها بكل الحب والتقدير والامتنان ، ثم تدرج عطاء الناس فى هذا الاتجاه ليشمل خدمات الطريق ، فأقاموا المظلات فى مواقف المواصلات وجهزوا بعضها بمياه الشرب واكتفى البعض بالمرور سرا على المستشفيات والمدارس وبيوت الفقراء لتلبية احتياجاتهم ، وأخرون لم يكتفوا بما قدموا من اعمال الخير فأوقفوا العقارات والاموال صدقة جارية تشهد عليها ملفات رسمية محفوظة فى اضابير الدولة و مطابقة لما هى محفوظة فى ذاكرة ابناء هذا الوطن الاوفياء .
                      وما يدعو للغرابة ان تبرز فى وطن هذه اخلاقه وتقاليده ظاهرات لا تمت الى قيمه وتأريخه ومع ذلك تبدو دائرتها آخذة فى الاتساع شيئا فشيئا واعنى بها هذا الاستثمار الشيطانى فى شعائر الدين والذى بدأ تحت زريعة تنظيم الحج فحوّلوه تحت هذه الزريعة الى درجات ومنازل .. حج فاخر وحج درجة اولى وحج عادى ، ولكل نوع من هذا الحج رسوم ما انزل الله بها من سلطان مع العلم ان المملكة العربية السعودية تتعفف عن اخذ رسوم على تأشيرة الحج  وتقوم بمنحها مجانا تفاديا لشبهة المتاجرة فى ركن من اركان الاسلام ، ومع ذلك يبدو هذا الاستثمار على ما فيه اخف وطأة من ظاهرة الاستثمار فى شعيرة الصلاة ، فقد اصبح من المألوف ان تجد اعدادا من اباريق المياه امام المساجد والزوايا فى الاسواق معروضة للبيع للمصلين الحريصين على صلاة الجماعة فى وقتها تفاديا للزحام المألوف حول اماكن الوضوء داخل المساجد وما يدعو للقلق والمخاوف من هذه الظاهرة انها بدأت استثمارها فى هذه الشعيرة بأولى خطواتها وهى الوضوء وقد تزحف رويدا رويدا الى تأجير المصلاة  لتنتهى الى حد المطالبة برسم دخول المسجد.

                     ولكن هذه الظاهرات الدخيلة على التأريخ العربى والاسلامى ليست وقفا علينا فقد برزت بعضها فى مصر مع الحج و برزت ايضا بمكة حيث البيت الحرام فقد شرع البعض هناك فى الاستثمار فى ظلال الاشجار للحجيج حسب ما تناولته بعض اجهزة الاعلام ويبدو  هذا الاستثمار الشيطانى الذى اخذ ينتهك فى شعائرنا الدينية بسهولة هو فى احد وجوهه مقدمة لعمل كبير قادم سيقضى على قيمنا وتقاليدنا واخلاقنا وسيجعل حياتنا رهينة للفساد وسفك الدماء.

تأجير ظلال الأشجار..أحدث تقليعات الحج !
الصورة مأخوذة من موقع دنيا الوطن فى ذات الموضوع



الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

آخر قصة حب

                        الجزء الاخير من الليل اغنية غامضة .. عباد يتهجدون .. يأخذهم شغفهم بتلك اللقيا الى ذكر الله كثيرا ، فتعاف جوانبهم المضاجع .. ولصوص مغامرون تأخذهم العزة بالأثم لسرقة اموال الناس .. ومتآمرون لا يخافون الله ولا يخشون عباده يخططون لألحاق الأذى بأفراد وجماعات وشعوب .. وعشاق يناجون انجما بعيدة يزيّنها قمر صامت ، فى هذا الجزء من الليل كان المحلّق يرى تاجوج تلوح من نجمة الى اخرى من ذات النجوم التى لاحت منها فى زمن مضى ليلى لقيس وبثينة لجميل .. ولاحت منها ملايين اخرى من النساء لا نعرفهن لملايين اخرى من الرجال لا نعرفهم .. تعرفهم تلك النجمات التى امست منازل للعاشقين .. فى هذه النجمات اقام فتى سودانى  مملكة اصيلة للحب ، يحيط بها الجمال من كل جانب ، وتزخر بحياة مفعمة بالأمل والعزم والقوة ، حين يأتيها المساء تلوح فى السماء وهجا وضياءا ينادى : هنا وطن العاشقين فتعالوا ايها الأحبة ، ثم جاءه اجمل الأحبة .. وردى حمل (الود) و ( الحزن القديم ) على راحتيه وغنى هنا ( وطنى ) و(بناديها ) فحملنا معه الود وحملنا هذا الوطن فى حدقات العيون ونادينا معه ( يا وطن يا بيتنا ) وحمد الريّح لم تثنه مياه النيلين التى جرت بين يديه واحاطت جزيرته الوارفة  من الحضور فجاء مزهوا ب ( الساقية ) غرف منها حتى اصابنا بعطش مزمن اليها  اما الكابلى فقد ادهشته ( سعاد ) ..امنية  انتظرها ذاك الفتى طويلا مثل نورس جريح فى بحر شديد الظلمة والهياج، فلم تأت الا بعد رحيله ، لكنها حين اتت .. اتت مكللة بوفاء نسجه كابلى من وجع الرحيل .
                        ( سعاد ) آخر قصة حب عرفتها اغنياتنا .. وسيرة متأخرة لعمر الطيب الدوش حملته الى حيث مراقد قيس وجميل وآخرين بثّوا مشاعرهم عطرا ضمّخ وجدان الناس على مر الزمان ، الفيديو اعلاه استعصى على التحميل حزنا او حدادا او احتجابا او لأسباب فنية فوق معرفتى .

السبت، 13 نوفمبر 2010

اضحية درجة اولى

                       يبدو ان تجار الخراف قد تأثروا بسياسة تنظيم الحج الجديدة والتى بموجبها اصبح الحجيج درجات ، حاج درجة اولى وحاج عادى ، يعنى آخر ما تفتقت عنه عقلية القابضين على الامور هو استثمار الشعائر الدينية ، وقد بدأوا بالحج لأن شرط الاستطاعة الوارد فيه يبدو مخرجا مأمونا لأصحاب هذا الاستثمار ، بأعتبار ان الاحتجاج هنا مردود بشرط الاستطاعة ، من هنا تماشى تجار الخراف هذا العام مع هذه السياسة واصبح المواطن امام ثلاثة خيارات اما ان يكون من اصحاب اضحية درجة اولى او اضحية عادية (قشاشية) او من المنتظرين فرج الله فى العام القادم ، فأسعار الخراف الاولية تبدو فى احد وجوهها دعوة صريحة لغالبية  اصحاب الدخل المحدود ان لم يكن مجملهم لهجر هذه السنة وهذه السنة  بجانب كونها تتيح لأعداد غفيرة من المحرومين من طعم اللحوم فرصة التمتع بها طوال ايام العيد فأن قصة الذبح المذكورة فى القرآن الكريم اذا اتيح للمهووسين بجمع المال ادراك معانيها ومغازيها ومقاصدها لأبتعدوا عن استغلالها واعتصار جيوب المتمسكين بها لآخر مليم ، فتصوّروا ان يتدخل الله بعزته وجلاله ليفدى نبيا من ذبح ابيه النبى حينما رأى فى المنام انه يذبحه قربانا لرب العالمين فالله عزّ وجلّ بلغ تكريمه للانسان هذا الحد فى حين ان المهووسين من البشر بجمع المال استغلوا  المتمسكين بها سنة تذكرهم بحرمة ذبح الانسان برفع اسعار الاضاحى الى حدود تبدو معها هجر هذه السنة امرا كبير الاحتمال فى ظل الاوضاع الاقتصادية والمالية التى يعيشها معظمنا ، فهل اراد هؤلاء العودة بنا الى عصور الذبح ؟
                      للمتنطعين والمهووسين بالمظاهر حتى فيما يخص شعائرنا الدينية والحالمين من شذاذ الآفاق بترقية مراتبهم الاجتماعية على حساب هذه الشعائر ارفق لكم صورة خروف فاخر ارجو ان تتمكنوا من الوصول الى اسواقه وعرضه امام ابواب منازلكم فترة قبل الذبح ليمنحكم شهادة تقول صاحب هذا البيت من المضحين بخروف درجة اولى .صورة خروف المستقبل

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

سبعة شروط حسوما

http://cache.daylife.com/imageserve/0cEZ9H47hF1c0/610x.jpg
سلفا كير رئيس حكومة الجنوب
الرئيس عمر البشير

الرئيس اوباما
                       الشروط التى طرحتها ادارة الرئيس اوباما لتطبيع العلاقات الامريكية مع السودان   ببنودها السبعة والمنشورة بصحيفة الصحافة الصادرة فى 8\11\2010 لم تخرج فى مضمونها ولا فى تطلعاتها عما ظل ينادى به طرفا الاتفاقية ، فهذه الشروط فى حد ذاتها ليست مشكلة ولكن كيفية تطبيقها على ارض الواقع هى المشكلة التى جعلت من اتفاقية نيفاشا اتفاقية لهدنة حرب اكثر منها اتفاقية لبناء سلام مستدام ، والادارة الامريكية بحكم تواجدها المستمر والطويل على مائدة المفاوضات بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية قبل وبعد نيفاشا ادرى بطبيعة العقبات التى وقفت امام التطبيق ، وما يهمنى هنا ( ابيّى ) العقبة الرئيسة او الكؤود التى من شأنها ان تنسف كل جهود عمليات السلام التى انجزت حتى الآن ، ولأنها كذلك فأن الضرورة تقتضى مواقفا مرنة من قبل الادارة الامريكية تبتعد عن فرض الشروط وتنزع فى مخاطبتها بذات الروح التى طغت على خطاب الرئيس اوباما بالقاهرة فى يونيو 2009 وخطابه الذى بثّته اذاعة  (سوا) صبيحة اليوم 9\11\2010 من اندونيسيا  واللذّين تحدث فيهما عن سياسة اليد الممدودة للمسلمين ، فهذه الشروط الحاسمة فى نبرتها قد تجعل هذه اليد الممدودة فى نظر المعنيين بمشكلة ( ابيّى ) يدا ممدودة للأخذ اكثر منها يدا ممدودة للأخذ والعطاء وتدفع بالتالى الاوضاع بين الشمال والجنوب شيئا فشيئا الى مربع الحرب من جديد .  من جانب آخر تبدو هذه الشروط السبعة فى احد وجوهها آخر ما فى جعبة الادارة الامريكية من افكار لتطبيع علاقاتها و للحيلولة دون انفجار الاوضاع فى السودان ، ومع تقديرى لأهتمامها الكبير بقضايا بلادى ولجهودها المقدرة التى بذلت لوقف الحرب وجهودها الحثيثة الجارية لمنع وقوعها مرة اخرى الا ان كل هذه الجهود والافكار لم تستطع ان تؤثر فى المواقف المتباعدة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية القابضين على مقاليد الامور بالبلاد شمالا وجنوبا وبالتالى لا يغيب عن وعى اى انسان وجود خلل هنا ، اما فى الافكار المطروحة واما فى الاطراف المخاطبة بها ولا سبيل لتخطى مثل هذا الوضع الا بطرح افكار جديدة او البحث عن اطراف اخرى او توسيع اطر الاطراف الحاكمة بأطراف اخرى  لم تتح لها الفرصة لطرح افكارها والتى من الممكن ان تنجح فى معالجة القضايا العالقة ومن ضمنها قضية ( ابيّى ) وهو حق يبدو اصيلا طالما ان التبعات المترتبة على فشل هذه الشروط فى تحقيق اهدافها ستطال الجميع .

                    اما اذا كانت هذه الشروط موجهة بالأساس الى اطراف اقليمية ودولية ضالعة فى الشأن السودانى بطريق مباشر او غير مباشر فما علينا كسودانيين فى الشمال والجنوب سوى الحيلولة دون ان نكون اوراق ضغط فى يد اطراف دولية واقليمية متصارعة حول مصالح قد يكون السودان ضمن دائرتها وقد يكون مجرد سانحة تتيح استغلاله لتحقيق مكاسب فى بقاع اخرى من الارض ، فثمة مسئولية وطنية واخلاقية هنا لن يغفرها التأريخ اذا انزلقت قيادات هذا الوطن الى مثل هذه الصراعات ، فليحمل كل منها خلافاته على ظهره وينتظم فى صف وطنى واحد نجنب به بلادنا ان تكون ميدانا لحروب الآخرين .

السبت، 6 نوفمبر 2010

تساقط اوراق التوت

مؤسس موقع وكيليكس
                   اتجاه مؤسس موقع ويكيليكس اللجوء الى سويسرا اسقط ورقة توت كبيرة كشفت عورة كبيرة فى الغرب ، الغرب الذى كان ملاذا للهاربين من بطش حكومات بلادهم اصبح مصدرا لهروب مواطنيه من بطش بعض حكوماته ، الآن فقط يمكننا ان نقول كلنا فى الهم شرق وغرب ، لا فرق بين حكوماتنا وحكوماتهم فى تعاطيهم السياسى والاخلاقى تجاه مواطنيهم وتجاه قضايا العالم الا بمقدار ما تستره اوراق التوت من عورات هذا التعاطى ، شرقنا حقائقه على الطاولة وتداولها يضعك امام ثلاثة  خيارات ، اما اللجوء واما السجون واما ان تقتل ضميرك وتلغ فى فسادها،وغربهم حقائقه تحت ارض الطاولة وتحت ارضها تقبع فى اضابير مقفلة بأحكام ، كل من تسلل اليها او تسللت اليه لن تحميه الحريات والقوانين التى طالما تباهى بها الغرب وسيجد نفسه امام ذات الخيارات الثلاثة هذا اذا لم يكن القتل خيارا رابعا فى كلا الحالتين ، ويبدو ان موقع ويكيليكس بكشفه للحقيقة قد اعاد العالم الى حقيقة طبيعته الفاسدة وكشف ان كل تلك المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات التى اعلت من شأن الانسان واعلنت معظم حكومات العالم الموافقة عليها والالتزام بها مجرد مساحيق لتجميل وجه الدول والحكومات لتغدو اكثر قبولا لدى الانسانية او اقنعة تخفى عن البشرية صلة القرابة بين الحكومات والعصابات ، ما اقسى وابشع وقائع واحداث العقد الاول من الالفية الثالثة.
                   ان مجرد ان يقدم مؤسس موقع ويكيليكس على فكرة اللجوء كحل لمحنته الناتجة من انحيازه للحقيقة يعنى ان اللجوء لم يعد خيارا آمنا ، لا لمواطنى الغرب ولا لمواطنى الشرق ، لأن الغرب الذى ظلّ  ملاذا آمنا للاجئين لم يكن كذلك بسبب ايمانه العظيم بحقوق الانسان وحرياته وقوانينه الداعمة لها فحسب وانما بسبب قوته العظمى الحامية لهذه المبادىء ، فأذا وقفت هذه القوة ضد الحقيقة والحق فلن تستطع دولة كسويسرا مهما كانت مثالية قوانينها ان تمنع قوى عظمى غاضبة من كشف حقائق تعاطيها مع احداث ووقائع بعينها من ان تفعل بمن كشفها ما تريد ان تفعل به ، يعنى ان قيمة الحقيقة والحق اصبحت رهينة بقوة من يقف خلفها وليست بقوتها فى حد ذاتها
كمبدأ انسانى عادل ونزيه له القدرة فى حفظ حقوق الآخرين ، يعنى ان لآجئيى الشرق فى الغرب اصبح وفقا لما آل اليه حال مؤسس موقع ويكيليكس سلعة جاهزة للبيع بموجب قوة المال ، بأختصار ان المبدأ الذى علا هنا ، هو ببساطة شديدة : اذا اردت ان تكشف الحقيقة فأصمد وتحّمل تبعاتها او اصمت وتحمّل تبعات صمتك او بأختصار اشد صار كل شىء لقيصر ، فأينما اتجهت موجة قيصر ما عليك سوى ركوبها ، فالعالم يعود رويدا رويدا الى توحشه الاول وبشكل علنى بعد ان بدأت اوراق التوت تتساقط واحدة تلو الاخرى عن عورات توحشه المخفى .
                  نصيحتى لمؤسس موقع ويكيليكس ان يبقى فى وطنه مهما كانت المخاطر المترتبة على بقائه ليجعل ايمان البشرية بالحق والحقيقة امام اختبار حقيقى فأما نجحت فى حمايته واما قذفت بكل مبادئها واخلاقها فى البحر وعادت لقانون الغاب .

الخميس، 4 نوفمبر 2010

اطباء بلادى

                       فى تلك الاوقات التى تبدو فيها الثانية عبارة عن زمن من الألم ممتد بلا نهاية ، فى تلك الاوقات التى يصير فيها الألم جلادى ومعذبى وجحيمى القائم ، فى تلك الاوقات التى يعتصرنى فيها الألم بلا رحمة ويسحق صبرى وجلدى واحتمالى ولا يبقى منى سوى كتلة من الانين والصراخ ترى فى الموت خيارها الوحيد للنجاة منه ، فى تلك الاوقات التى تغطى فيها الظلمة  افق أحبتى واعزائى واصبح فيها وحيدا مع ألم لا يخف ولا يفوت ولا يموت وترى نفسك لا تسوى جناح بعوضة يطل اطباء بلادى ملائكة نازلة من سموات محتشدة بالرحمة والحنو والرقة ثم يبدأون تفتيشا دقيقا فى كل خلايا جسدك بحثا عن اوكار ذلك الألم اللعين ليقهروه فى معقله ، عندها تأخذك غرابة الأسئلة.. كيف تدلى اليك الموت زهرة جميلة كم تلهّفت الى قطافها ؟ كيف صار الموت رغبة لحوحة والناس تبذل ما فى الوسع وما فوق الوسع لتحاشيه ؟ كيف فات عليك ان هذا الكائن النبيل الذى تمر به كثيرا فى يومك اوقف حياته حارسا امينا لحياتك وحاجزا بينك والألم ؟ وسلسلة طويلة من الأسئلة التى تملأك امتنانا وشكرانا وتقديرا لهؤلاء الاطباء .
                       فى احد نهارات  العشر الاواخر من رمضان الماضى كنت فجأة فريسة سهلة لهذا الغاصب البغيض ، ضرس اعيته رحلة طويلة لفم ذاق مرارات وحلاوات الحياة ، وزادته حرارة الشمس فى ذلك النهار  اعياءا على اعياء وطريق الثورة بالنص بأزدحامه الممتد حتى منطقة الشهداء يضغط على جدرانه مانحا ملايين السوس شقوقا جديدة لأقامة دائمة عامرة بالتكاثر والألم ، حينها كنت اتلّفت جزعا نحو لافتات الاطباء بحثا عن عيادة اسنان حتى اخذنى الطريق الى شارع الدكاترة ، لتلوح امام ناظرى لافتة لم استطع ان اتبين منها سوى عنوانها البارز (عيادة اسنان) فكأنما لاحت لناظرى واحة فى صحراء ، المبنى كان جديدا وكذلك العيادة ، وعدم وجود منتظرين منح المكان سكونا مهيبا ، وموظفة الاستقبال ملتفة بعباءة سوداء يلفها اثر الصيام ، سألتها مقابلة الطبيب الذى لم يسبق لى رؤيته من قبل ، فردت علىّ (الرسوم خمسون جنيها) ، فى نبرتها كان ثمة خيارات ممكنة وفى محفظتى كانت تقبع ثلاثون جنيها لا غير ، احتاج الامر منها مراجعة الطبيب الذين كان وقتها يتحادث مع احد معارفه ، فسمعته يقول لها ( خليهو يتفضل ) لحظتها هتف المكان حولى (وطنى السودان اعز مكان) ،فتحت لى بابا  قادنى الى غرفة واسعة اشبه بصالة ، بها كرسيين يعرفهما من خاض هذا التجربة بأن تأثيرهما على المرء شبيه بتأثير كراسى الاعدام التى تتحفنا بها السينما الامريكية بين الحين والحين ، رقدت على احدهما وثمة رجفة تزحف على معظم جسمى ، همست فى سرى (يا مثبت القلوب) دخل الطبيب الغرفة ، فتفحصته مليا واطمأنيت الى قوة بنيانه ، فقد سبق ان خضت تجربة قاسية مع طبيبة اسنان حالت رقتها دون خلع ضرسى الا بعد حقنى اربعة مرات بالمخدر واخذت وقتا طويلا دفع المنتظرين بالخارج الى البدء فى التظاهر ، فقلت فى سرى لن يستغرق الامر هذه المرة سوى دقيقة ، واستدعيت كل جلدى وانتظرت الى ان يفرغ الطبيب من تحضير ادواته ، جاء وعاين حالة الضرس وقال ان الحشوة هى الحل وكنت واضحا ان الخلع هو الحل ، لكن ثمة خوف دفعنى للتراجع وليته لم يفعل ، مجموعة من الحفارات والكسّارات واخرى لم اتبين اشكالها الا ان الاصوات التى احدثتها اقنعتنى بأن ثمة معركة تجرى هنا الله وحده وهذا الواقف يعلم نهايتها ، استغرقت العملية زمنا طويلا لم يدانينى شك للحظة واحدة ان الطبيب كان مجذوبا بمهنته اكثر من عائدها بل بدا لى انه يعالج فى احد ضروسه بكل حرص واهتمام .
                    انتهت العملية بنجاح وفاجأنى بأنها الاولى فى سلسلة من ثلاثة عمليات ، (اللهم لا اسألك رد القضاء ولا اللطف فيه ولكن قوى عزيمتى لأحتماله ) كان هذا ردى عليه سرا ، وحدد لى مواعيد لمقابلته ، اوفيت بالموعد الاول وكان ساهلا حتى نهايته ، ولكن زوال الألم وضغوط الحياة ومشاغلها انستنى الموعد الثالث والاخيرالى ان فاجأتنى ليلة امس موجة من الألم اشدّ واقوى من سابقتها ولكن هذه المرة رغم شدتها الا ان املى فى زوالها كان كبيرا فقد امتلكت خريطة واضحة تقودنى مباشرة الى مخلصى الا وهو الدكتور احمد على احمد انسان سودانى صميم احزنه احتمال فقدانى لهذا الضرس المؤلم نتيجة لأهمالى فى الوفاء بموعده الثالث والاخير، ولكن مهلا ،وانا فى طريقى الى الشقة التى بها العيادة  رأيت فى اعلى السلم رجلا حيّانى بطيبة تبعث الطمأنينة فى النفس رددت التحية ومنعنى الألم من التعرف على ملامحه ودخلت الى العيادة ،موظفة الاستقبال هذه المرة مثل سابقتها يحيط الادب مودتها فى استقبالك ، عرضت عليها (كرت) المقابلة فبحثت فى دفترها فترة من الزمن ثم ناولته لى ووجهتنى لمقابلته ، لقد كان ذات الرجل الذى حيّانى على السلم وبدا حزينا لأحتمال فقدانى لهذا الضرس الا انه لم يألو جهدا فى عمل الواجب وتحرير روشتة وتحديد موعد قريب ، وخرجت الى موظفة الاستقبال لمعرفة ما علىّ سداده الا انها افادتنى بأن الطبيب لم يأمر بشىء ، تذكرت الحوار الذى دار بينى وبين موظفته الاولى فى المرة الاولى والذى سمعه الطبيب بتفاصيله وبدا لى ان تقديره لكونى متقاعد بالمعاش كان كافيا للتغاضى عن رسومه المستحقة ليس على علمه وجهده ومصاريف العيادة وقيمة اجهزته الحديثة فحسب وانما على ما صرفه علىّ من مواد خاصة بالحشوة وبالتخدير ، شعرت لحظتها ان اطباء بلادى اكثر نبلا وشهامة وسموا مما كنا نظن ، فالتحية والتقدير والامتنان لكل اطباء بلادى فقد رأيت جمال صورتهم فى شخص الدكتور احمد على احمد .
                 اقول قولى هذا والله يشهد بأنه الحق ولا شىء غير الحق سوى انه فى احد وجوهه يبدو  محاولة صغيرة لرد جميل كبير.

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

حجب الفيسبوك

                   يدور حديث هذه الايام بأن الهيئة القومية للاتصالات قد شكلت لجنة من اساتذة جامعات وخبراء للنظر فى تأثير موقع (الفيسبوك) على النواحى الاكاديمية والاجتماعية وبالتأكيد السياسية وذلك توطئة لأتخاذ قرار بشأنه اما بحجبه او تركه موقعا مفتوحا للسودانيين ، فأذا صحّ هذا الحديث او لم يصح فأن اتجاه الهيئة فى الاستعانة بآخرين قبل اتخاذ قرارات مؤثرة يعد فى حد ذاته محمدة ولكن تبقى هذه المحمدة رهينة بهوية هؤلاء الآخرين لأن مثل هذا القرار فى تقديرى اكبر من ان يناقش على نطاق لجان ضيقة قد تحكم رؤيتها على الموقع خلفيات لا تحظى بتمثيل حقيقى للسودانيين الذين يهمهم فعلا سلامة الحياة الاكاديمية والاجتماعية والسياسية فى السودان ، هذا بجانب ان هذه الخطوة من الهيئة الرامية الى حجب الفيسبوك قد تشوه صورتها التى بنتها من خلال تعاملها المتوازن مع مستخدمى الانترنت  ما بين حقها فى تطبيق سياسة الحظر حسب قوانينها وحق المستخدم فى الدخول الى المواقع التى يرغب فى دخولها وكان هذا الاسلوب الذى اتبعته طوال السنوات الفائتة مفخرة لنا كسودانيين مدونين فى عدد من المواقع ظللنا نتباهى به بين اقراننا فى بلدان المنطقة العربية والاسلامية الذين عانوا كثيرا من سياسات الحجب التى اتبعتها السلطات فى بلدانهم ، فلماذا  جاءت هذه الخطوة فى هذا الوقت الذى اتجه فيه العالم  لأعتبار الانترنت حق من حقوق الانسان ؟
                 القضية الاولى التى يتعلق بها مشروع القرار كسبب لحجب الموقع هى قضية تدنى التحصيل الاكاديمى لطلبة الجامعات بأعتبار ان الموقع شغل الطلاب عن الاهتمام بواجباتهم الاكاديمية ، انها مصيبة فعلا ان يصبح وعى طالب الجامعة فى السودان فى مستوى وعى تلاميذ مرحلة الاساس ، يستوجب الرقابة والحجب حتى يلتفت الى مهامه الدراسية ومصيبة اكبر ان تنتج مؤسساتنا التعليمية مثل هذا الطالب ولا نكتشف هذا الخلل فى نظامنا التعليمى الا فى مرحلة الجامعة ومع وجود موقع كالفيسبوك ، انها حجة شبيهة بالمثل القائل ( عذر اقبح من الذنب ) فتدنى التحصيل الاكاديمى لا علاقة له بالفيسبوك وانما بعدة عوامل ابرزها ما يتعلق بالمناهج وبكادر الاساتذة ومدى تأثيرهم على تحصيل الطالب علما بأن تدنى التحصيل فى حالات مقدرة تتدخل فى حدوثه عوامل سياسية وفكرية واخرى ناتجة من فساد من بيدهم الامر ، فهذه حجة مردودة ومسيئة لقطاع الطلاب الجامعيين  وتشكك فى مستقبل مواردنا البشرية .
               القضية الثانية تأثير الموقع على حياتنا الاجتماعية , وهى قضية جديرة بالاهتمام وبالبحث والدراسة وميدانها صفحات السودانيين من الجنسين على الفيسبوك وهنا تعكس هذه الصفحات سلوكا اجتماعيا راقيا متمسكا بروح القيم والاخلاق التى نشأ عليها السودانيون ويندر ان تجد خروجا عليها وذلك لعدة اسباب اهمها ان اصحاب هذه الصفحات حريصون على تقديم افضل ما عندهم من فكر وادب وفن ورياضة اضافة لتباهيهم بدينهم فقل ان تجد  صفحة من  صفحات السودانيين لرجل كانت او امرأة خالية من ارتباط دينى سواء اكانت خاصة بحب رسولنا الكريم او بالدفاع عنه او بغيرها واى خروج على هذا الوجه الاجتماعى المشرف يتم حجبه من صاحب الصفحة بالادوات المتاحة له وهنا يبدو الفيسبوك عالما اجتماعيا جديدا حرا لا حكر فى المنافسة فيه واستطاع بذلك ان يبرز مواكبا من مبدعين ضاقت عليهم مواعيننا الاعلامية فلماذا يحرم مئات الالاف من السودانيين من فضاء جمعهم على خير ؟
              القضية الثالثة هى تأثيره على الحياة السياسية فى السودان ، وهى الميزة التى انتبه لها معظم سياسيو العالم فبادروا بفتح صفحاتهم عليه ليبدأ زحف كبير من احذابهم ومنظماتهم وامتد استقطابه لوسائل الاعلام وسلسلة طويلة من منظمات المجتمع المدنى وقد حذت احذابنا ومنظماتنا حذوهم خاصة ابان الانتخابات الاخيرة بما فيهم المؤتمر الوطنى الحاكم ونظرا لجدواه الكبيرة فى التأثير فقد حشد كل حذب افضل ما عنده من كوادر لأدارة معاركه السياسية على صفحاته واضعا فى الاعتبار ان الشفافية وحدها هى معيار المصداقية فى هذا الموقع الذى يحظى فيه الجميع بميزات متساوية وادوات ومساحات متساوية اى فضاء حر يتنافس فيه المتنافسون بلا تدخل وهو بالضبط فضاء يعبر عن واقع ديمقراطى يحظى بكامل حرياته الاساسية ولا يعبر الحجب هنا الا عن فكر انكفائى يبدو فى احسن حالاته مقدمة لأنقلاب ظلامى .
                ان سياسة الحجب فى ظل التقدم التكنلوجى الهائل الذى طرأ فى مجال الاتصالات قد تنجح الى حين ولكنها سرعان ما تجد نفسها مواجهة بفضاء لا احد يمتلك مفاتيحا لأغلاقه وعندها لا منجاة لمن يخافون مما يطرحه الآخرون سوى منازلتهم فى نفس ميدانهم وبنفس ادواتهم فالافضل ان تبدأوا بها الآن قبل ان تضطروا اليها مستقبلا بعد فوات الاوان .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...