السبت، 30 يوليو 2011

حرب الترقيات الخفية


                        لجان الترقيات المشكلة فى اى مؤسسة حكومية ، تبدو مرايا صادقة تعكس الصورة الحقيقية لمدى حرص قيادة تلك المؤسسة على نزاهة وسلامة الاداء بها وحرصها على ضمان حقوق العاملين ، ومن قبل ومن بعد حرصها على الارتقاء بمهام وظيفتها المعنية بها عدة اطراف ، تتوقف مصالحهم على كفاءة ونزاهة كوادرها المعيّنة فى المواقع المتصلة مباشرة بمصالح تلك الاطراف ، وعادة ما تحظى كشوفات الترقيات بجدل كبير داخل المؤسسة نفسها وداخل الاطراف المعنية بوظيفتها وداخل المجتمع الذى يهمه جدا ان يطمئن على امانة ونزاهة مؤسسات الدولة التى تدير شئونه ، ويهمه اكثر ، ان تكون هذه المؤسسات ووظائفها ، تحت يد امينة قوية كفوءة ونزيهة .

                       اسس الترقيات تحدد درجات التنافس على ضوء تقارير الاداء والمؤهل العلمى والاقدمية ، بحساب 70% للأداء و20% للمؤهل العلمى و10% للأقدمية ، بالنسبة للمؤهل والاقدمية تبدو مسألة محسومة بحكم معرفة المتنافسين بمؤهلات واقدمية بعضهم البعض ، وبحكم توثيقها المعلن بملفات خدمتهم منذ يوم تعيينهم فى الخدمة وعلى مدار تدرجهم الوظيفى ، اما تقرير الأداء فهو ملعب الحرب الخفية فى مواسم الترقى ، حيث يحرص كل طرف من الاطراف التى ترتبط مصالحهم ارتباطا وثيقا بوظيفة المؤسسة ، على ترقية الكوادر التى تشكّل ضمانته على استمرار وسلامة مصالحه بغض النظر عن النحو الذى ظلت تجرى عليه مصالحه تلك ، فأذا صادف ان كان كاتب التقرير او معتمده النهائى او رئيس لجنة الترقى من الذين يتمتعون بمرونة اخلاقية عالية ، فأن الكوادر المهنية التى اعتمدت فى الترقى على كفاءتها ونزاهتها وثقتها فى قوانين الدولة وتجردت من اى محاباة فى اداء مهامها ، تكون هذه الكوادر اولى ضحايا هذه الحرب ، وتكون هياكل الدولة الوظيفية الضحية الثانية لخسرانها الكادر المؤهل ويكون المجتمع الضحية الثالثة بصعود احد اطرافه ممن يتاجرون بكبريائهم وكرامتهم من اجل مكاسب مادية غير مشروعة تؤمن لهم حياة آمنة وسهلة خصما على حقوق الآخرين وحقوق الدولة نفسها .

                        ولكن تقرير الأداء ليس فى كل الحالات يسهل التلاعب به وتجييره لخدمة مصالح بعينها ، فأذا اخذنا على سبيل المثال ديوان الضرائب كوحدة ايرادية تتسم مهامه بعمليات حسابية محددة بموجب قانون فى متناول يد الموظف المختص ودافع الضريبة ومعلوم لديهما بتفاصيله الدقيقة بحكم الضرورة ، فأن اداء كوادره من حيث الكفاءة والنزاهة والاقتدار تحكمه ارقام الاموال المتحصل عليها وفقا للربط المحدد لكل مكتب من مكاتبه ، واى تلاعب فى تقارير الاداء لهذه الكوادر ينتج عنه تخطيهم فى الترقى ، يفضح بجلاء المرونة الاخلاقية العالية للجهة التى تلاعبت به سواء اكان كاتب التقرير او معتمده او رئيس لجنة الترقى ، ويطعن فى نزاهة وعدالة الترقيات .

                        من هنا فأن المصلحة العامة تقتضى التدقيق الشديد فى اختيار اللجان المناط بها النظر فى ترقيات العاملين بالدولة ، والتدقيق الشديد فى وقائع هذه اللجان بما فى ذلك تقارير الاداء ، وان تخضع اعمال هذه اللجان لفحص فنى من مختصين بأدارة القوى البشرية حتى لو اضطر الامر الاستعانة بأكاديميين قادرين على تحليل مدى صدقية تقارير الاداء ووقائع لجان الترقى وذلك قبل التصديق على ترقيات تبدو فى احسن وجوهها معيارا فاضحا لفساد الدولة خاصة فى المؤسسات التى تؤثر بشكل فعّال فى دنيا المال والاعمال و تخضع لرقابة مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولى وصندوق النقد وغيرهما .

الاثنين، 25 يوليو 2011

شرعية القوة


                    تثير تعابير د. نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطنى فى لقاءاته الجماهيرية او عبر اجهزة الاعلام جدلا كثيرا ، وبلغ فى ندوة ( لندن ) حدا غير لائق من الحدة و العنف ، ومع اكيد تقديرى وتفهمى لدوافع الحدة والعنف التى قوبل بها حديثه وتعابيره التى اخذت كفعل أستفزازى ، الا ان اصرار د. نافع فى لقاءاته المختلفة على استصحاب هذه التعابير حتى اصبحت ظاهرة ملازمة لأحاديثه ، امر يدعو الى البحث عن الرسالة الكامنة داخل هذه التعابير والتى  اراد لها ان تصل الجميع ، علما بأن هذه التعابير ظلت ثابتة رغم اختلاف المحافل التى يخاطبها من ( لندن ) الى ريف الشمال .

                     وافضل اضاءة تنير الطريق امام البحث عن هذه الرسالة ، ان نضع امامنا قول ( فرانسيس فوكاياما ) فى كتابه نهاية التاريخ ( ان الشعور بنقص الشرعية بين افراد الشعب ككل لا يؤدى الى ازمة فى شرعية النظام الحاكم ، الا اذا بدأ هذا الشعور فى الانتشار بين الصفوة المتصلة بنظام الحكم ، وخاصة من يتولون كتل المعارضة ، او الحذب الحاكم ، او القوات المسلحة او الشرطة . فعندما نتحدث عن ازمة فى شرعية نظام استبدادى ، فأننا نتحدث عن ازمة داخل الصفوة المختارة والمرتبطة بهذا النظام والضرورية له حتى يعمل بشكل مؤثر . ) .

                     ولأن الدكتور نافع وبحكم موقعه داخل النظام هو الاكثرعلما بأشكال هذه الصلات التى تربط النظام بمنظومات الصفوة التى اشار اليها ( فوكاياما ) اعلاه ، فبالتالى هو الاكثر ادراكا بمكامن قوة هذا النظام التى تمنحه الشرعية  ، ونظرة خاطفة لتركيبة هذا النظام تكفى لأدراك ما تنطوى عليه الصورة الخارجية لعلاقاته بالقوى السياسية التى تتمتع يقواعد عريضة داخل المجتمع السودانى والتى يعوّل عليها كثيرا فى عملية التغيير فضلا عن استناده على المؤسسات العسكرية والامنية التى نجح الى حد كبير فى اعادة صياغتها على نهج يعزز مقابضه على القوة ، هذا بالاضافة الى تبنيه نهجا اقتصاديا تقتضى مجاراته من رجال المال والاعمال تقديم ولاءات يجيد النظام الحصول على ضماناتها ، من هنا يبدو لى د. نافع على نافع على قدر كبير من الصدق والشجاعة حينما يتحدث بتعابير ( لحس الكوع ) للذين يشعرون بنقص الشرعية لهذا النظام من بين افراد الشعب ولا يملكون فى ذات الوقت اى مظهر من مظاهر القوة التى تهز هذه الشرعية وتدفعها ان لم يكن الى نهايتها فعلى الاقل الحصول منها على حقوق مهضومة او مكاسب مؤملة .

                      فى تقديرى ان الحدة و الغطرسة التى تبدو طاغية على عباراته ليست هى مكمن الأستفزاز وانما حقيقة شرعية السلطة التى تحكمنا و تواصل معها كثيرون فى الداخل والخارج ممن بيدهم القوة اللازمة لهدم اى شرعية وحملتها عباراته بكل اريحية ونبل ، انها شرعية القوة التى تحكم عالمنا الآن .

الأربعاء، 20 يوليو 2011

ملفات داخل الثورة العربية


                    لا شك ان معظم الانظمة العربية تحظى بنصيب وافر من الاخفاق فى معالجة كثير من القضايا التى ارّقت شعوبها عقودا طويلة كقضايا الحريات والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والتنمية ، وان هذا الاخفاق اضرّ كثيرا بالقوى الغالبة التى سيطرت على مقاليد الامور منذ خروج المستعمرين ، وخصم كثيرا من رصيدها بين مكونات شعبها ، الامر الذى اهتزت معه المعادلات التى حكمت مسار الحياة فى هذه المنطقة ردحا طويلا من الزمن ، وقاد الى الثورات التى يشهدها الشارع العربى الآن .




                    هذه القضايا باتت معلومة ولا تحتاج الى جدل اضافى ، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه بألحاح هنا ، هل هذه القضايا هى التى تشكل ملفات ثورة الشارع العربى الآن ، ام ان هنالك ملفات اخرى تتخفى خلف هذا الحراك وتحمل فى طياتها مشاريعا لا علاقة لها بطموحات الثائرين؟

                     تبدو الاجابة فى غاية الصعوبة والتعقيد ولكن ثمة منعطفات فى السياسة العربية قد تعطى ملمحا عن طبيعة الملفات النشطة داخل ثورة الشارع العربى ، فمنذ ان لجأت مصر بكل ما تمثله من ثقل عربى وتاريخ طويل فى التصدى للقضايا العربية الى الاستنجاد بتركيا لمواجهة المد الشيعى الذى لامس اراضيها على خلفية قضية خلية حذب الله واشعل كل مخاوفها فى ان يؤدى الى يقظة ارث الدولة الفاطمية ، منذ تلك اللحظة بات فى حكم الكثيرين ان الخطوة كانت بمثابة نعى للنظام العربى ان جاز التعبير ، او بمعنى ادق فضحت ان هذا العالم الذى يستحوز على الارض التى تمثل قلب العالم والثروة التى تشكل طاقته الضرورية ، عالم يقف عاريا فى العراء ، عاريا حتى وان تستر بعضه بظل حماية غربية لن يمتد ظلها اكثر من حدود مصالحها القائمة طالما ان هذا البعض لا يمثل جزءا من نظامها القائم كأسرائيل مثلا .

                      من هنا لم يعد خافيا استقبال ميادين الثورات العربية للاعبين غير عربيين وعلى مستوى عال من المهارة والامكانيات ويملك كل منهما جذورا تاريخية ومذهبية فى المنطقة تبدو ظاهرة للعيان من خلال موجات الثورة التى انتظمت الشارع العربى وعلى وجه الخصوص بسوريا التى يتقاطع نظامها مع تركيا فى مذهب الحاكمين وفى نزاعات الارض (لواء الاسكندرونة)ويتوافق مع ايران منذ الحرب العراقية الايرانية وحرب الخليج الاولى والثانية ، فالملف التركى الايرانى يبدو احد الملفات الشائكة داخل هذه الثورات .

                       ومن اخطر الملفات الناشطة داخل الثورات العربية ، هو ( ملف القاعدة ) الحاضر بقوة داخل الثورة الليبية واليمنية ، وتتجلى خطورته فى ان حضوره وحده يكفى لتوفير الزرائع الكافية لمحاصرة الثورة بكل آاليات حرب الارهاب ويقف فى خاتمة الامر حجر عثرة امام تقدم الثورة شأنه فى ذلك شأن ملف الحركات القومية الذى ينشط فى حفز الثورة منذ بداياتها بقوة متماهية مع المطالب العامة للثائرين بمختلف الوان طيفهم ثم ينحرف فى اولى منعطفات الثورة نحو النصر الى طرق عرقية وجهوية وعرة تشكل عقبات رئيسة امام بلوغ غاية الثورة فى التغيير كما فى سوريا والى حد ما فى اليمن .

                       هذه بعض الملفات الناشطة داخل الثورات العربية تبدو فى طبيعتها المتضادة  مدعاة لأغراق البلد فى الفوضى اكثر منها محفزا لأنتصار الثورة ، ولا بد لأى قوى تسعى للتغيير عن طريق الشارع ان يسبق نزولها لهذا الشارع مراعاة اثر هذه الملفات على الحياة العامة فى بلادها ولا بد لأى نظام قائم مواجه بمثل هذا الحراك ان يدرك انه قد وصل الى الحد الادنى من الشرعية التى تمكنه فى احسن الاحوال من ان يشكل مع بقية القوى مظلة آمنة لأنتقال سلمى للسلطة .

الجمعة، 15 يوليو 2011

غياب فى حضرة السلام



                    كل خطوة نحو السلام تستحق التأييد والمؤازرة ، فالسلام منشد البشر ، و غاية جميع رسالات السماء ، واتفاق السلام الذى وقع بالدوحة بين حكومة المؤتمر الوطنى وحركة التحرير والعدالة ، ايا كانت الآراء والمواقف التى تحفظّت على قدرته فى اشاعة السلام بالاقليم المضطرب قرابة عقد من الزمان ، وبغض النظر عن صحة هذه التحفظات من عدمها ، فأنه لاشك قادر على خلق ارضية سلام ، على الاقل فى حدود تأثير حركة التحرير والسلام داخل الاقليم ، وان ينعم جزء من ارض دارفور بظل السلام افضل من أن يشقى بجحيم الحرب ، وكل الأمل ان يمتد السلام الى كافة انحاء الاقليم .

                   
                   وبعيدا عن تفاصيل هذا الاتفاق ، الا ان ثمة ملاحظة ملفتة للنظر ، هذه الملاحظة تتعلق بالتوقيت الخاص بالتوقيع على هذا الاتفاق ، فقد تزامن مع احتفال الامم المتحدة بضم دولة جنوب السودان العضو رقم 193 ، وهذا التزامن يبدو فى تقديرى مثارا لاسئلة مقلقة ، فبجانب ما اوحى به من دلالات فقد وفّر اسبابا منطقية لغياب دولة جنوب السودان عن حضور ومباركة هذا الحدث ، فحضورها بما لها من علاقات بحركات دارفور المعارضة كان من شأنه ان يعزز من هذا الاتفاق ومن فرص توسعه ليشمل بقية الحركات ، ويعزز من جانب آخر الثقة بين دولتى الجنوب والشمال على الاقل كسانحة لأبداء حسن النوايا ، ومع ذلك لم تفطن حكومة جنوب السودان لما يمكن ان يعنيه غيابها عن هذا الحدث  فى نظر البعض , خاصة وانها كانت فى ظل هذا النظر ، عبارة عن قاعدة عدائية وفرّت لحركات دارفور التى ما زالت متمترسة خلف مواقفها رغم جهود السلام العديدة حرية الحركة .

                       كذلك يبدو غياب مصر من جملة دول الجوار التى حضرت التوقيع بمستوياتها الرفيعة مثارا لأسئلة كثيرة ، فأذا استبعدنا غيابها لظروفها الداخلية ، واستبعدنا غيابها لمواقفها السابقة من قطر والتى انتفت اسبابها بقيام الثورة ، فأن هذه الاسئلة من شأنها ان تنظر الى هذا الاتفاق فى ظل هذا الغياب من زاوية موقف لا يخرجه عن كونه مجرد حدث يحمل ذات طبيعة المد والجزر فى ثنائية صراعات السودانيين التى دارت ابان الحكم الثنائى .

                      ورغم ان هذا الغياب يضفى اعباءا على هذا الاتفاق لها تأثيرها على جهود السلام الجارية بأقليم دارفور ولكن ثمة امل يلوح فى آفاقه بأن يكون فى حد ذاته آلية جاذبة من شأنها ان تدفع اطراف الصراع التأريخى وحلفاءهم الى مساع حثيثة لجلب مزيد من الحركات المعارضة الى دائرة السلام من اجل الحفاظ على توازن ضرورى لأستقرار وامن السودان، وهو توازن من الممكن ان يكون فى ظل الاوضاع الحالية محققا لكثير من الآمال والطموحات التى قادت ابناء دارفور الى التمرد .

                      اتمنى ان يكون هذا الاتفاق فاتحة خير لكل ابناء السودان بمختلف اعراقهم وفى مختلف جهاتهم .

الأربعاء، 13 يوليو 2011

عودة الى الثكنات


                 ما زال الاخفاق ملازما لتعاطى النظام السورى مع انتفاضة شعبه ، بدءا من استهانته بالمطالب المحدودة التى حملتها بداية التظاهرات وانتهاءا بأقحام الجيش فى قمعها ، حتى وصل الآن الى اخطر منعطف يمكن ان تواجهه الدولة ، فالتهديد لم يقف عند حدود النظام بل تخطاه الى حدود الدولة التى مازالت خاصرتها الغربية (الجولان) ترزح تحت الاحتلال ، وهنا يبدو فى تقديرى مكمن الخطر الاكبر الطاغى على كل المشهد السورى الراهن .
 
                 والخطر هنا ليس كما يتصور البعض قائم من احتمال اندلاع حرب جديدة على هذه الجبهة وانما فى موت هذه الجبهة نفسها اذا استمر النظام فى السلطة بمنهجه الراهن الذى اخذ يستعدى عليه اقوى اطراف المجتمع الدولى واكثرهم حماسة للتدخل فى مجريات الاحداث بالمنطقة ان لم يكن لحماية مصالحهم القائمة بها فلتمرير ترتيبات او مشاريع تحمى وتضاعف من هذه المصالح ، خاصة بعد ان فتحت شهيّته الثغرات والزرائع التى وفرتها سياسة النظام بأريحية مدهشة والمتجليّة فى اشكال القمع والقتل وحالة الرعب التى قادت كثيرا من السوريين الى اللجوء .

                 بعد الموقف الامريكى والفرنسى الاخير من الاحداث بسوريا ، وترحيل هذه الاحداث الى مجلس الامن ، يكون الوضع فى سوريا قد اقترب من سيناريو يبدو اشد خطرا من السيناريو الليبى ، فجوارها مع اسرائيل ووقوع الجولان تحت احتلالها ودور سوريا الاقليمى فى قضايا المنطقة ، اخضعها على مدى عقود طويلة لحملات تفتيشية دائمة لقدراتها العسكرية و تطورت هذه الحملات اخيرا لضربات عسكرية وامنية كما شهدنا ذلك فى عام 2007 على مفاعل الكبر الذى لم تنته تداعياته بعد ، فضلا عن الادعاءات القائلة بوجود منظومة نووية اخرى تروج لها بعض المراكز الغربية ، وهذا يعنى ان هنالك مخاوف متصاعدة من البنية العسكرية السورية ، مما يعنى ان مشروع استهداف الجيش السورى فى تصاعد وينتظر السانحة المواتية للقضاء عليه ، وليس هناك فى تقديرى سانحة افضل مما توفره الاوضاع السورية الحالية وسياسة نظامها الذى اخرج جيشه المستهدف فى العراء بحجة مقاتلة جماهير ساخطة على اوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

                   ان كان هنالك ما يزال ثمة عقلاء داخل النظام السورى ، وان كان هنالك ثمة عقلاء داخل الجيش السورى ، فليعملوا فورا على اعادة الجيش الى ثكناته ، او اعادة السلطة الى الشعب .

الجمعة، 8 يوليو 2011

اقدم آلهة الفراعنة


            هذه الخريطة التى احتضنت الجزء الاكبر من جسد أحد اقدم آلهة الفراعنة ، اثارت منذ الازل غيرة وحسد شعوبها ، فكل منها يشتهى امتلاكها او ان يستقطع منها جزءا يباهى به العالم ان ثمة شعب هنا يمتلك احد الاسرار المقدسة الخارجة من حصنها العظيم بجبل البركل ، فمن نوباتيا الى المغرة الى علوة الى سنار ، ظلت فى حالة التقاء وافتراق ، متماهية مع النيل فى لعبته المفضلة مع الضفاف مدا وجزرا ، لا تهدأ حينا الا لتستعر ثانية بشهوة الامتلاك او الفراق ، هذا حالها على مر الايام ، يدعو للأسى ولكنه لا يدعو للحداد ، فالأرض باقية هنا وهناك ، يحرسها ابناؤها الى ان تخبو فيهم شهوة التملك والمباهاة ويعود رشدهم الغائب من مغاراته البدائية ليتم التلاقى ثانية .

            اليوم آخر جمعة يشهد فيها العالم خريطة السودان المألوفة عقودا طويلة ، وابتداءا من الغد ستنشغل مطابع الدنيا بأطلس جديد يعلن ولادة دولة جديدة ، وستنشغل الامم المتحدة والاتحاد الافريقى بتجهيز مقعد اضافى وسارية لعلم جديد ، ولكن الخشية كل الخشية ان ينشغل سماسرة الحروب وتجار السلاح وشبكات التجسس والتآمر بنشاط محموم لدى الطرفين لتسويق خدمات من شأنها ان تبقى الحرب التى افرزت هذه الخريطة الجديدة حربا مستعرة لتسخر من فكرة الانفصال حلا للدماء بينما هى فى الواقع  مشروعا شيطانيا قائما فى ظل الوحدة او الانفصال و يجيد تغذية جيوب اولئك المحترفين القادرين على صنع حرب من ركعة ساهية فى صلاة او من آية اجتزأت عمدا من سياقها او من رقصة شتراء فى (نقارة) مولودة من طقس قبلى ، الخشية كل الخشية ان تأخذ لعبة الكراسى هناك طابعها هنا الذى ادى الى خروجهم بالارض لتؤدى الى خروج آخرين هناك بأرضهم ويصبح المشهد اعادة لسيناريو الهند بحذافيره ، لن امضى اكثر من هذا حتى لا افسد بهجة الغد على اخوة لنا رأوا فى خروجهم بالارض منا خلاصا من قيد دامى .

             امنياتى ان يكون قولى الاول صائبا فى تفاؤله وقولى الاخير خائبا فى ظنه وان يهنأ ابناء الجنوب بوطن آمن مستقر وان تبقى الألفة والمودة والاخاء والتعاون بيننا وسما لنا رغم شطط الحكومات وكيد المتآمرين .

الأربعاء، 6 يوليو 2011

ديننا زينة الآخرين


الفيديو من موقع بى بى سى العربية
                   فى اليومين الفائتين ، ادهش زوجان يابانيان العالم ، حين اقاما حفلا بهيجا بمناسبة طلاقهما ، المشهد بما فيه من تسامى انسانى فريد بلغ حدا من صفاء النفس بدا فى نظر الكثير من المسلمين حدثا مأخوذا من مخيلة تحاول اعادة صياغة المجتمع البشرى المتعب بالكراهية والخصومة على شاكلة محاطة بالمودة والتسامح اوان المشهد برمته ليس الا فصلا من احدى مسرحيات اللا معقول ، بينما المشهد فى حقيقته كان تفسيرا مدهشا فى بساطته للجمال المتدفق من قيم ديننا ( عاشروهن بمعروف وفارقوهن بمعروف ) .

                   تصوروا بعد 1400 سنة يأتى زوجان يابانيان ليكشفوا لنا سر الجمال الكامن فى مفردة ( معروف ) المفردة التى امرنا بها ديننا داخل النص اعلاه ، فالحق يقال ، لم نكن نعرف من اسرار جمالها الا تلك الاحتفالات والولائم التى تسبق المعاشرة ، اما الفراق فقد استقر فى مخيلتنا اما دعوة على ابواب المحاكم الشرعية واما حلقة خطابية من بذاءات على الشوارع وفى البيوت واما ان يبدو فى احسن الاحوال ، مضخة لمشاعر حاقدة تنضح بكل سوء ، فلا مكان للمعروف عند الفراق الا ما ندر .

                    فهل نحزن ام نفرح عندما نرى قيم ديننا عند الآخرين زينة يباهون بها العالم ؟

                     لا الحزن يجدى هنا ولا الفرح ، هنا موقف الغضب بأمتياز ، الغضب من هذا الاسر الطويل تحت قيود فقه يسعى عمدا او جهلا بأن لا يرى من جمال الدين سوى المنع والامتناع عن سلسلة طويلة من الحقوق التى كفلها لنا الدين بصريح النص ، ثم نكتشف ان عين هذه الحقوق الممنوعة والممتنعة علينا ، صارت مواثيقا تواطأ عليها العالم من حولنا وسما بها الى آفاق بعيدة نحتاج قرونا للحاق به ، فهل يجدى الغضب ؟

                    لا يجدى الغضب ، فقد ظل فعلا مستمرا ولم يقف عند قول الشاعر ( يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ) ومع ذلك لم يغيّر شيئا ، وحده العقل قادر على التغيير ، نحتاج الى ان ينشط فينا العقل ويستل من الركام الذى احاط بديننا جمال هذا الدين الحقيقى ويبسطه فى حياتنا زينة ترقى بنا فى المحافل شرقها وغربها ، ( افلا تعقلون )

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

معيار الطهارة


دومنيك ستراوس كان مدير البنك الدولى السابق
                    ان تكون مديرا للبنك الدولى فى زمن تخنق فيه العالم ازمة مالية مستفحلة ، هذا يعنى انك فى خطر ، وان مسحا استخباريا سيبدأ مهمته من لحظة صرختك الاولى وينتهى عند آخر مقر تبيت فيه ، بحثا عن فضيحة من ذلك النوع الذى يلوى يدك ويدفعها صاغرة كى توقع اما شيكا على بياض واما استقالة ، الفضيحة وقد علمناها ولكننا لا ندرى طبيعة المفاوضات التى دارت بين (دومنيك ستراوس كان) مدير البنك الدولى السابق واسياد المال فى عالمنا واختتمت بأجراءات جنائية قادته فورا الى الأستقالة ، او بمعنى ادق قادت الى وضع نهاية لسياسة تولى امرها طوال فترة ادارته السابقة ، ولاندرى طبيعة الاصطدامات التى احدثتها تلك السياسة مع دولة هنا او مجموعة هناك فى عالم المال العالمى ، ولا يهم كثيرا ان ندرى تفاصيلها ، فالبنك الدولى ظل فى مفهومنا عدوا مستبدا احترف قصقصة ميزانية الدول النامية وخصخصة مؤسساتها ليخضع معدة شعوبها لسلطان المال العالمى ويحافظ بذلك على عبودية مغلفة بشرعية رضا الامر الواقع .

السيدة التى اتهمته بالتحرش بها
                   ما يهم فى هذه القصة ليس مدى صحة تفاصيلها القابلة للتأكيد والنفى والتى تبدو بمعايير الحبكة العادية قصة ينقصها الكثير كما  ان النبش الذى اخرج من تاريخ الرجل قصة اخرى لتدعم حبكة الاولى ، لا يبدو بقادر على ان يسوّق الفضيحة فى رحاب الضمير والقانون رغم رواجها الواسع على الميديا العالمية ، ولو كان خلف الرجل فى رئاسة البنك الدولى من غير موطنه لما تم هذا النبش من اصله ، ولخرج علينا خطاب فرنسى يكاد ان يدفع بالتحرش اذا ثبتت الادانة عليه ، ليأخذ موقعه ضمن مصفوفة حقوق الانسان ،  ما يهم فى هذه القصة حقا ، ان الغرب الذى تزخر مدنه بالمواخير وشبكات العهر والفجور المحمية بموجب  القانون ، هذا الغرب المنعوت بالكفر والرزائل ، تأبى اخلاقه ان يفلت رجل من العقوبة اذا دعاه فجوره الى التحرش بأمرأة حتى وان كان ذلك الرجل مديرا للبنك الدولى وكانت تلك المرأة خادمة فى فندق .

                    هذه هى معايير المحافظة على الطهارة فى الحياة العامة عند الغرب ، لا تهاون فيها ولا تستر . 

الجمعة، 1 يوليو 2011

الوضع الراهن


                    عبارة (الوضع الراهن) والتى عادة ما تطلق على سوء الاوضاع السياسية فى بلد ما ، تبدو احيانا فى بعض الصياغات محاولة مستميتة لوجهة نظر ترى فى الواقع القائم جسما مستقلا هبط فجأة من فضاء غريب ليخلط اوراق الحاضر ويجرد الحراك القائم فيه بمختف اطرافه من ماضيه ومن آماله فى المستقبل ، وتغفل عن عمد ان ( الوضع الراهن ) نتاج لصراع طويل حول الحقوق والمصالح او بين الحقوق والمصالح بلغت تداعياته منطقة خطرة لا يقف تهديدها على الحياة فى الداخل وانما تمتد آثارها الى مصالح اقليمية ودولية لا تلبث ان تكون طرفا فاعلا فى الصراع ، لذلك تسعى وجهة النظر هذه الى محاصرته فى حدود النقاط التى وقف عندها بتسويات يهمها ألا تمتد آثاره الى ابعد من هذه النقاط ، بينما اسبابه تظل قائمة و عرضة للأشتعال فى اى وقت ، وهذا ما تبدو عليه صورة (الوضع الراهن) فى بلادنا .


                  
                  اتفاقية (نيفاشا) عجزت عن حل الصراع مع الجزء الجنوبى فأخرجت الجنوب من خريطة الوطن مصحوبا بكل اسباب صراعه مع الشمال المتشابكة جذوره فى الماء والكلأ والنار ، ودارفور ما زالت تنتظر (نيفاشا) جديدة لتنهى حربا اساءت الى هذا الوطن اكثر مما اساءت اليه حرب الجنوب ، وجنوب كردفان العالقة على ما تبقى من حبل نيفاشا الرهيف ، متى دقت طبول الحرب على حدود الدولة المرتقبة ، شاءت او ابت ، ستجد نفسها ، كلها او بعضها ، مدفوعة الى رقص متوحش فى عدوانيته ، تدعو نيرانه جنوب النيل الازرق العالق معها على ذات الحبل لمشاطرتها رقصا جماعيا يتعدى نقاط الموت المحرّمة ، رقصا من شأن ايقاعاته ان تيقظ مرارات متفرقة شرقا وشمالا ، ليصبح وضع الوطن الراهن طقسا بدائيا يتجول فيه القتل شيطانا شغوفا بالابادة الجماعية .

                    اعادة صياغة جغرافيا الوطن على خريطة جديدة لحل صراعاته القاتلة ، مدعاة للتصادم مع مصالح موغلة فى التاريخ ، ستستدعى لحمايتها آخر ما فى الروح من نفس ، هذا ما شهدناه فى ابيىّ ، وما سنشهده لاحقا على خط النار المدعو حدود 1956 ، وما سنشهده فى القادم من الايام اذا قادت نفس الحلول كلا من دارفور و جنوب كردفان والنيل الازرق الى مصير الجنوب ، من هنا يبدو استعصاء ابيىّ على الحل حتى الآن مؤشرا واضحا على فشل هذه الصياغة التى استعصى عليها الحصول على تنازلات تجعل نفاذها ممكنا ، مما يعنى ان لجغرافيا المنطقة تاريخ من مصالح يستعصى على القسمة ، تماما مثلما لهذا الوطن فى كل بقاعه تاريخ من مصالح يستعصى على القسمة بما فى ذلك الجنوب الذى بدأت تلوح فى آفاقه وفى آفاق الشمال ما خفى من وشائجهما .

                    فأن كان لابد من هذا الحل ، فلا مفر من ان يحظى التأريخ بكل محموله بمكانه المألوف داخل هذه الجغرافيا ، تماما مثلما تحظى قطعان (النوق) والحيوانات البرية فى الجنوب الافريقى بحرية تنقلها التاريخى على ذات الارض رغما عن الحدود التى طرأت عليها و قسمت الارض الى دول .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...