السبت، 30 يوليو 2011

حرب الترقيات الخفية


                        لجان الترقيات المشكلة فى اى مؤسسة حكومية ، تبدو مرايا صادقة تعكس الصورة الحقيقية لمدى حرص قيادة تلك المؤسسة على نزاهة وسلامة الاداء بها وحرصها على ضمان حقوق العاملين ، ومن قبل ومن بعد حرصها على الارتقاء بمهام وظيفتها المعنية بها عدة اطراف ، تتوقف مصالحهم على كفاءة ونزاهة كوادرها المعيّنة فى المواقع المتصلة مباشرة بمصالح تلك الاطراف ، وعادة ما تحظى كشوفات الترقيات بجدل كبير داخل المؤسسة نفسها وداخل الاطراف المعنية بوظيفتها وداخل المجتمع الذى يهمه جدا ان يطمئن على امانة ونزاهة مؤسسات الدولة التى تدير شئونه ، ويهمه اكثر ، ان تكون هذه المؤسسات ووظائفها ، تحت يد امينة قوية كفوءة ونزيهة .

                       اسس الترقيات تحدد درجات التنافس على ضوء تقارير الاداء والمؤهل العلمى والاقدمية ، بحساب 70% للأداء و20% للمؤهل العلمى و10% للأقدمية ، بالنسبة للمؤهل والاقدمية تبدو مسألة محسومة بحكم معرفة المتنافسين بمؤهلات واقدمية بعضهم البعض ، وبحكم توثيقها المعلن بملفات خدمتهم منذ يوم تعيينهم فى الخدمة وعلى مدار تدرجهم الوظيفى ، اما تقرير الأداء فهو ملعب الحرب الخفية فى مواسم الترقى ، حيث يحرص كل طرف من الاطراف التى ترتبط مصالحهم ارتباطا وثيقا بوظيفة المؤسسة ، على ترقية الكوادر التى تشكّل ضمانته على استمرار وسلامة مصالحه بغض النظر عن النحو الذى ظلت تجرى عليه مصالحه تلك ، فأذا صادف ان كان كاتب التقرير او معتمده النهائى او رئيس لجنة الترقى من الذين يتمتعون بمرونة اخلاقية عالية ، فأن الكوادر المهنية التى اعتمدت فى الترقى على كفاءتها ونزاهتها وثقتها فى قوانين الدولة وتجردت من اى محاباة فى اداء مهامها ، تكون هذه الكوادر اولى ضحايا هذه الحرب ، وتكون هياكل الدولة الوظيفية الضحية الثانية لخسرانها الكادر المؤهل ويكون المجتمع الضحية الثالثة بصعود احد اطرافه ممن يتاجرون بكبريائهم وكرامتهم من اجل مكاسب مادية غير مشروعة تؤمن لهم حياة آمنة وسهلة خصما على حقوق الآخرين وحقوق الدولة نفسها .

                        ولكن تقرير الأداء ليس فى كل الحالات يسهل التلاعب به وتجييره لخدمة مصالح بعينها ، فأذا اخذنا على سبيل المثال ديوان الضرائب كوحدة ايرادية تتسم مهامه بعمليات حسابية محددة بموجب قانون فى متناول يد الموظف المختص ودافع الضريبة ومعلوم لديهما بتفاصيله الدقيقة بحكم الضرورة ، فأن اداء كوادره من حيث الكفاءة والنزاهة والاقتدار تحكمه ارقام الاموال المتحصل عليها وفقا للربط المحدد لكل مكتب من مكاتبه ، واى تلاعب فى تقارير الاداء لهذه الكوادر ينتج عنه تخطيهم فى الترقى ، يفضح بجلاء المرونة الاخلاقية العالية للجهة التى تلاعبت به سواء اكان كاتب التقرير او معتمده او رئيس لجنة الترقى ، ويطعن فى نزاهة وعدالة الترقيات .

                        من هنا فأن المصلحة العامة تقتضى التدقيق الشديد فى اختيار اللجان المناط بها النظر فى ترقيات العاملين بالدولة ، والتدقيق الشديد فى وقائع هذه اللجان بما فى ذلك تقارير الاداء ، وان تخضع اعمال هذه اللجان لفحص فنى من مختصين بأدارة القوى البشرية حتى لو اضطر الامر الاستعانة بأكاديميين قادرين على تحليل مدى صدقية تقارير الاداء ووقائع لجان الترقى وذلك قبل التصديق على ترقيات تبدو فى احسن وجوهها معيارا فاضحا لفساد الدولة خاصة فى المؤسسات التى تؤثر بشكل فعّال فى دنيا المال والاعمال و تخضع لرقابة مؤسسات مالية دولية كالبنك الدولى وصندوق النقد وغيرهما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...