الجمعة، 1 يوليو 2011

الوضع الراهن


                    عبارة (الوضع الراهن) والتى عادة ما تطلق على سوء الاوضاع السياسية فى بلد ما ، تبدو احيانا فى بعض الصياغات محاولة مستميتة لوجهة نظر ترى فى الواقع القائم جسما مستقلا هبط فجأة من فضاء غريب ليخلط اوراق الحاضر ويجرد الحراك القائم فيه بمختف اطرافه من ماضيه ومن آماله فى المستقبل ، وتغفل عن عمد ان ( الوضع الراهن ) نتاج لصراع طويل حول الحقوق والمصالح او بين الحقوق والمصالح بلغت تداعياته منطقة خطرة لا يقف تهديدها على الحياة فى الداخل وانما تمتد آثارها الى مصالح اقليمية ودولية لا تلبث ان تكون طرفا فاعلا فى الصراع ، لذلك تسعى وجهة النظر هذه الى محاصرته فى حدود النقاط التى وقف عندها بتسويات يهمها ألا تمتد آثاره الى ابعد من هذه النقاط ، بينما اسبابه تظل قائمة و عرضة للأشتعال فى اى وقت ، وهذا ما تبدو عليه صورة (الوضع الراهن) فى بلادنا .


                  
                  اتفاقية (نيفاشا) عجزت عن حل الصراع مع الجزء الجنوبى فأخرجت الجنوب من خريطة الوطن مصحوبا بكل اسباب صراعه مع الشمال المتشابكة جذوره فى الماء والكلأ والنار ، ودارفور ما زالت تنتظر (نيفاشا) جديدة لتنهى حربا اساءت الى هذا الوطن اكثر مما اساءت اليه حرب الجنوب ، وجنوب كردفان العالقة على ما تبقى من حبل نيفاشا الرهيف ، متى دقت طبول الحرب على حدود الدولة المرتقبة ، شاءت او ابت ، ستجد نفسها ، كلها او بعضها ، مدفوعة الى رقص متوحش فى عدوانيته ، تدعو نيرانه جنوب النيل الازرق العالق معها على ذات الحبل لمشاطرتها رقصا جماعيا يتعدى نقاط الموت المحرّمة ، رقصا من شأن ايقاعاته ان تيقظ مرارات متفرقة شرقا وشمالا ، ليصبح وضع الوطن الراهن طقسا بدائيا يتجول فيه القتل شيطانا شغوفا بالابادة الجماعية .

                    اعادة صياغة جغرافيا الوطن على خريطة جديدة لحل صراعاته القاتلة ، مدعاة للتصادم مع مصالح موغلة فى التاريخ ، ستستدعى لحمايتها آخر ما فى الروح من نفس ، هذا ما شهدناه فى ابيىّ ، وما سنشهده لاحقا على خط النار المدعو حدود 1956 ، وما سنشهده فى القادم من الايام اذا قادت نفس الحلول كلا من دارفور و جنوب كردفان والنيل الازرق الى مصير الجنوب ، من هنا يبدو استعصاء ابيىّ على الحل حتى الآن مؤشرا واضحا على فشل هذه الصياغة التى استعصى عليها الحصول على تنازلات تجعل نفاذها ممكنا ، مما يعنى ان لجغرافيا المنطقة تاريخ من مصالح يستعصى على القسمة ، تماما مثلما لهذا الوطن فى كل بقاعه تاريخ من مصالح يستعصى على القسمة بما فى ذلك الجنوب الذى بدأت تلوح فى آفاقه وفى آفاق الشمال ما خفى من وشائجهما .

                    فأن كان لابد من هذا الحل ، فلا مفر من ان يحظى التأريخ بكل محموله بمكانه المألوف داخل هذه الجغرافيا ، تماما مثلما تحظى قطعان (النوق) والحيوانات البرية فى الجنوب الافريقى بحرية تنقلها التاريخى على ذات الارض رغما عن الحدود التى طرأت عليها و قسمت الارض الى دول .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...