الثلاثاء، 26 أبريل 2016

المستعبدات

         
                  ان كان الكلام مليئا بالغرابة ، فدعه يمتلىء بالغرابة حد الجنون ، واسترسل فى الحكى ، فالقضية تستحق اكثر من ذلك ، لا تخشى ان يخونك التعبير ، او تخونك الصياغة ، اويستخف بك ناقد حاقد مدجج بمعايير مستعارة من ثقافة غريبة تسعى جاهدة على مر القرون ، لتشكيل اساليب حياتنا بما يخدم مصالحها ، ابدأ الحكاية من حيث شئت ولا تأبه للحبكة ولا تفسح لها مجالا يؤدى الى هروب الفكرة ، لا تكترث لتداخل الاصوات ، فالمهم فى هذه الحكاية ان يصل الصوت بكل محموله ، ولا تهتم كثيرا لغرابة الوقائع ونقص اسانيدها ، فمعطيات واقعنا ستضفى عليها منطقا  يجعل حقيقتها ساطعة فى اكثر العقول ظلاما ، اعتمد على ما شئت من اقوال ، فالباحثون  المتمردون  المهووسون بالمسكوت عنه فى التأريخ كثر ، ولديهم ما يكفى من الزخيرة لصد اى فعل مضاد ، ومتأهبون دوما للتصدى ، اذهب مع الحقيقة الى المدى الذى يحررك من غبنك ، واذهب مع الخيال حتى يتسع الافق امامك فضاءا ساطعا لا يخفى صغيرة او كبيرة ، فليس فى هذا الوجود اعزّ من المرأة ، المرأة الأم والمرأة البنت ، المرأة هى العز ، فلتسقط كل دعاوى الجندر الساعية للتمييز ، ولتسقط دعاوى التمكين الملأى بشبهات الاستغلال ، ولتسقط دعاوى رعاية المرأة الريفية التى ظلت تنتج عبر القرون على صعيدها الاسرى وفى الحياة العامة  تحت رعاية مجتمعها البسيط ، علماء ومبدعين ومحاصيلا رفدت خزينة الدول بعملات صعبة .

                 قال الشاعر احمد شوقى  ( الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق) ترى هل كان يتباهى فى تلك اللحظة التى صاغ فيها بيته هذا ، هل كان يتباهى بأمه واعدادها الطيب الذى انتج شاعرا طيب الاعراق زائع الصيت ؟ ام ترى انه كان زائغ العقل لحظتها ؟ فالأم مدرسة منذ ان عرف البشر الأسرة كأولى مؤسسات المجتمع ، وظل  حالها هكذا مدرسة رائعة منذ بدايات الزمان و الى اللحظة التى انجبته فيها ورعته حتى غدا شاعرا زائع الصيت ، يصيغ شعرا مريبا يدعو لأعادة صياغة وظيفة الأم لتنتج شعبا طيّب الاعراق ونسى نفسه ، اىّ فكرة مجنونة تلك التى بثها على الملأ وامسك بها المجرمون عقيدة ثابتة وفعلوا بأسمها بالمرأة الأفاعيل ؟

                   المرأة عنوان المدن ، اذا رأيتها فى الشوارع تمشى واثقة ، تمشى ملكا كما غنت ام كلثوم ، فأعلم انها تمشى بين شعب طيّب الاعراق ، فأعلم انها تمشى فى شوارع امدرمان القديمة ، تمشى امنا وامانا ، تمشى عزة وكرامة ، اما امدرمان اليوم فحالها اسوأ من حالها عقب ذاك النهار الذى انتهت فيه اكبر مجزرة شهدتها البشرية فى خواتيم القرن التاسع عشر .

                  الباحث المندس فى حكايات المدينة قال ( انزعج مجلس اللوردات البريطانى من الاخبار التى تحدثت عن استباحة امدرمان عقب الهزيمة فى كررى ، فأرسل استيضاحا شديد اللهجة لكتشنر ، كان بمثابة صفعة قوية لقائد عسكرى ، افسدت عليه استباحة المدينة ، متعة الاحتفال بأنتصاره ) ضحك سرى ضحكة ذات مغزى ، وانتهز الباحث  هذه الضحكة لينحرف بحديثه الى ما دار بمسجد الخليفة عقب الهزيمة ، قال ( ان ابن خلدون  ذكر انه بعد سقوط الدولة الفاطمية بمصر ، اتجه بعضها ناحية المغرب العربى ، واتجه بعضها جنوبا الى السودان حيث عاثوا فسادا ) وذكر تفاصيلا لا يليق ذكرها ، اما تفاصيل ما حدث بمسجد الخليفة ، سأكتفى بتلخيصها فى عبارات موجزة تقول ، ان ابن خلدون لو رأى ما تم فى مسجد الخليفة ، لأعاد النظر فى معانى كلمة فساد ، فلقد تدفقت علي المسجد خلائق علّموا الفساد ما معنى الفجور وما الرزيلة ، واستفرغوا كل قذارات البشر من امامهم وخلفهم ، واعتقد والله اعلم انهم اوّل من ابتدع الاغنيات البذيئة المبتذلة ، بأختصار تعجز اقذر مواخير العالم ان تقترب من تلك القذارة التى غطت فناء المسجد.

                 وما يهمنى هنا ، ان تلك االمشاهد التى سوّدت ساحة اكبر الرموز الدينية آنذاك ، بدت لى ملهمة للبعض لأتخاذها  ثقافة يومية فى حياتنا ، ويحلم بتسويقها على اوسع نطاق مستقبلا ، ثقافة ارادوها ان تسود مجتمعا عرف منذ الممالك النوبية بأعتزازه بخلقه النبيل ، الا ان لطف الله على السودان والسودانيين كان عظيما ، فقد اصيب هذا المسعى بخيبة فى مبتدأه ، اذ احترم الانجليز وقتها اخلاق هذا البلد ، وحاصروا تلك الرغبات المنفلتة من منفلتى الشعور ، ورموا بها فى مواخير معترف بها ، قام معظمها حول سوق امدرمان ، من الجهة الجنوبية المتاخمة لحى اليهود والجهة الشرقية ، وبعض (الانادى) المتفرقة شماله جهة حى العرب ، واخرى جهة القماير فى اطراف امدرمان القديمة ، وبعض الجيوب ذات التأريخ الاسود  داخلها .

                 ولم تمض سنوات قليلة حتى استقرت الاوضاع فى البلاد على النحو الذى خطط له الانجليز ، وبدا سوق امدرمان يتخذ شخصية مميزة لازالت بعض ملامحها باقية الى يومنا هذا ، الا ان تركيبة تجاره قد تغيّرت ، فقد كان اليهود والهنود والشوام واليمنيين وجنسيات اخرى و قليل من السودانيين هم اسياد السوق ، و بعد الاستقلال ، كانت المدينة فى حالة سيولة ، فثمة انكشارية مقطوعة الرأس  كان قد خلّفها الاتراك ، واخرى واخرى ، وجدت نفسها و العزلة تمضى بها الى قطيعة كاملة مع مجتمع البلاد ، لأن السياسة التى اتبعها الانجليز والتى لخصها احد قادة الادارة البريطانية فى السودان ، كانت تقضى  بأن يكون اصحاب المصلحة الحقيقية فى هذا البلد هم الانجليز والسودانيون .

                 تتعبنى تفاصيل المراحل التى تمر بها المجتمعات ، وما يهمنى هنا ان تأريخ المدينة احتشد بعدد من الابطال بعضهم ، هو ذلك البطل الذى قال عنه الفيتورى ( كلما زيّفوا بطلا قلت قلبى على وطنى ) قال الباحث المندس فى حكايات المدينة  ( حملة الامير عبد الرحمن النجومى على مصر والتى انهزمت فى توشكى ، احدثت اثرا كبيرا فى بنية المجتمع السودانى ، اذ خسر الكثير من الابطال ، فقد حكى لى جارى القادم من نواحى النيل الابيض ، انه كان طفلا رضيعا من ضمن الاسر المصاحبة للحملة ، وانه ووالدته كانا ضمن الاسرى القابعين فى سجون مصر ، وان الاسرى جميعهم كانوا سيباعون عبيدا لولا تدخل مولانا السيد على الميرغنى ، وهكذا خرجت هذه الجماعة من السودانيين مع الحملة انصارا وعادت ختمية ).

               المدهش فى الامر ان الجاليات التى قدمت للبلاد مع موجة غزوة محمد على باشا وغادر منهم من غادر ايام المهدية ، عادت ثانية مع كتشنر وصارت جزءا من منظومة الغزاة الحاكمة ، ورغم ذلك ، استطاعت هذه المدينة الصغيرة ان تستوعبها داخلها فى فترة قصيرة وفى سلاسة لم تدع لمفردات الكراهية التى يولدها الاحتلال عادة اى مجال لتشكل مانعا امام اندماجها فى المجتمع ، وتبدو هذه السماحة التى وسمت امدرمان هى التى جعلت منها مركز الجذب الكبير ليس لأهل السودان على مختلف اعراقهم فحسب ، وانما امتد الى خارجها الافريقى ايضا .

                  قال سرى ( ليس فى الأمر سلاسة ولا سماحة ولا يحزنون ، صبى اليهودى العائد من الاسر ، هو من زج ببقايا الجاليات مقطوعة الرأس داخل عائلات امدرمان الكبيرة ، بأغراء كبارها الطاعنين فى السن من اصحاب المال والجاه والكلمة النافذة ، بمزايا الفتيات البيض على الاسّرة وفى المطابخ ، ولم تمض فترة الا وبيوت امدرمان الكبيرة قد وجدت نفسها مصاهرة لعدد كبير من بقايا التركية ومن بنات اليهود ، واكتشفوا لاحقا ان صبى اليهودى كان ايضا قد صاهر اليهود ابتداءا ، ويعتبر اول السودانيين الذين اكتشفوا قدرة المرأة الفائقة فى الاختراق ، فصارت المرأة مشروعه الوحيد ، مركز الجذب الوحيد كان سريرا وحلة ملاح )

                   كلام سرى يشى بغضب كذلك الذى يصاحب حضور ورثة مجهولين لحظة توزيع الارث ، وقد يوافقه البعض بأعتباره اختراق للهوية والمال ايضا ، وقد يراه بعض آخر مأثرة تحسب للرجل تدعم قضايا التعايش .

              اما الباحث المندس فى حكايات المدينة قال (  ان بنات اليهود اضافة لما يتمتعن به من جمال اخاذ ، يتمتعن ايضا بذكاء حاد وقدرة فائقة على الاختراق ، واذا كانت ليفى سيبنى وزيرة الخارجية الاسرائيلية  السابقة ، تتباهى بأختراقها لبعض قادة منظمة التحرير الفلسطينية على طريق ما بين الساقين ، فأن لدينا من هى اشد دهاءا ومكرا منها ، لاتكتفى بالاختراق وانما تتربع على العرش ايضا ) .

                  الباحث  يرى ان اكبر الجاليات اليهودية فى العالم موجودة بالسودان ، بعضها ذاب تماما فى المجتمع السودانى وصاروا سودانيين يصعب فرزهم ، تتجسّد فى كثير منهم كل فضائل المجتمع السودانى من حيث التدين  وحسن الخلق ، وهذا القول صحيح ،  ولكن ليس بمنظور الباحث المنحصر ما بين 1821 وتأريخ اليوم ،  فثمة دم يهودى موغل فى القدم ، يجرى فى عروق كثير من العائلات السودانية ، ووجود اليهود فى هذا الوطن ابتدأ مع سيدنا موسى عليه السلام ، وربما مع سيدنا ابراهيم عليه السلام ، قال سرى ( ان هذا التأريخ سيدخلكم فى متاهة لا مخرج منها ، اذهبوا الى حوش الحريم ) .

                  ايقظ سرى السؤال المؤرق الذى طالما لازمنى كظلى ، كيف تأتى لمجتمع محافظ ان يطمئن على بناته فى مؤسسة مقفولة على المرأة ، تديرها عائلة وكادر من الرجال والنساء بعضهم خاضع لها تماما ؟ كيف اطمأن مجتمع امدرمان المحافظ على بناته فى هذه المؤسسة ، دون رقابة من ذوى هؤلاء الفتيات ؟ الم يكن من الأسلم  لمثل هذا المجتمع الذى ظل يخشى على المرأة للدرجة التى اخضعها لأسر منزلى طويل ، الم يكن من الاسلم لهذا المجتمع الذى اقتنع اخيرا بجدوى تعليم المرأة ، ان تتلقى تعليمها فى مؤسسات تعليمية مختلطة ؟ فهو على الاقل يضمن ان بناته تحت حماية اخوانهن ، بدلا من ان يزج بهن فى مؤسسات تعليمية  اشبه بحوش الحريم كما قال سرى ، حوش لا احد يدرى طبيعة الاجندة التى تصيغ عقولهن فيه .

                    قال الباحث  المندس فى حكايات المدينة ( لا احد خارج هذا الحوش يدرى طبيعة الاجندة التى تنحت فى عقول اولئك الفتيات ، ولكن بعض الشيوخ الذين عاينوا عددا من بنات هذه الجامعة برغبة ذويهن ، يعلمون طبيعة هذه الاجندة ) قال سرى ( بنات هذه الجامعة يفضلن الذهاب الى الشيوخ لمعالجة انهيارهن النفسى جراء الضغوط التى عانوا منها فى حرم الجامعة ، بدلا من مقابلة اطباء متخصصين ، لأنهن يعلمن ان خفافيش مدرسة علم النفس الكائنة هنالك والتى اتخذت من بنات الناس البريئات فئران تجارب لأخضاعهن لأجندة غامضة لا علاقة لها بالتحصيل الاكاديمى ، كانت قد خرّجت قطعانا من المستعبدات مندسات فى هذا المجال ، حتى صار معظمه من محتكرات هذه الجامعة وان مثل هذه المعاينات اذا عرف خباياها اولئك الخفافيش  قد تقضى على آخر نفس مقاومة لديهن )  

                  هذا الكلام يبدو غريبا ومجافيا للحقيقة ، ولكنى رأيت بأم عينى ملامح كثير من الطالبات اللائى فى طريقهن الى محاضراتهن بهذه الجامعة ، ولم اجد مثيلا لهذه الملامح الا فى وجوه الفتيات الفلسطينيات اللائى خرجن للتو من اسر السجون الاسرائيلية ، يا للهول   أمستعمرة اسرائيلية فى قلب امدرمان ؟ .

                  قال سرى ( اعتقد بعض بسطاء الناس ، ان للأمين العام للأمم المتحدة مكتب داخل حوش الجامعة ، بعد ان شاهدوا عدد العربات المتراصة بعلامات الUN المميزة ) قال الباحث  ( الأمم المتحدة تشكل منظماتها مظلة مخابراتية آمنة للدول الكبرى ولغيرها ) واحدى الناجيات  تقول ( علّمونا كيفية كتابة الشفرة ) واخرى قالت (الحبكة كلها تكمن فى قصة ال (family attachment) و ال ( field trip ) وتفاصيل المهام التى تدور فيهما شبيهة بالافلام السينمائية الامريكية ، لعنة الله على ال (community medicine ) كل الطبيخ القذر يتم طهيه على نيران هادئة وساخنة فى هذا القسم ، واكثرها سخانة نتائج الامتحانات ) انتهى كلام الناجية ولم تنته علامات الاستفهام .

                    التعليم الخاص مشكلة كبيرة ، فأولياء الامور ينتظرون من ابنائهم النجاح مقابل ما يدفعونه من مبالغ طائلة ، والمجرمون الكامنون فى هذه المؤسسات يدركون جيدا ، ان فى هذه المعادلة تكمن نقطة الابتزاز المثلى ، لذلك تصبح نتيجة الامتحانات ورقة الابتزاز الكبرى ، يا حسرة على بنات الاسر المحافظة ، تدفعهم جدوى التعليم للخروج من اسر منزلى ، الى الوقوع فى شراك استعباد سيستمر ما حيين الا من رحم ربى ، قالت ناجية اخرى ( آلاف من خريجات هذه الجامعة مرتبطات بحبل سرى مع الخفافيش الكامنة بها ، بدايته من لحظة خضوعهن لأجندة غامضة قد يكون وراءها حذب ما او تنظيم ما او جهة اجرامية ، ونهايته فى القبر ، يستدعين فى اى وقت للقيام بأى مهمة داخل وخارج البلاد ، والطاعة العمياء دائما ما تكون عنوان الاستجابة  لهذا الاستدعاء ، طاعة عمياء حتى فى الحالات التى ارتبطت مهامهن فيها بمخاطر يتحسب لها العسكريون المحترفون الف مرة ) .

                     الجامعات المخصصة للبنات وحدهن ، حوش حريم ، لن تخرّج لنا سوى جيل من المستعبدات .
                  

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...