الثلاثاء، 31 مارس 2015

بعد سكون العاصفة


                  (عاصفة الحزم) تبدو فى وجهها الاقرب ، اقوى وسيلة دفاعية هجومية ، ابتدعتها المملكة العربية السعودية لمواجهة تحديات النفوذ الايرانى المتسع شيئا فشيئا ، فنتائجها فى تقديرى حتى الآن ، تسير فى اتجاه ان يكون اليمن خاليا من اى قواعد او بنيات عسكرية يمكن ان تشكل تهديدا مباشرا لأمنها ، ليس اذا تمكن الحوثيون وحلفاؤهم من السيطرة على الحكم فى اليمن فحسب ، وانما اذا انزلق اليمن ايضا الى حرب اهلية ، وهى المواقع المستهدفة الآن من قبل الطيران الحربى للدول العشرة المتحالفة معها .

                   الحوثيون الآن فى تقديرى لا يشكلون اولوية للمملكة وحلفائها ، وانما حرق الارض التى يمكن ان تكون موطىء قدم لأيران ، والا لكانت (عاصفة الحزم) التى ضمّت عشرة من الدول شرقا وغربا ، استعارة ساذجة من تأريخ قريش الخائب الذى اراد ان يفرق دم الرسول عليه افضل الصلاة والسلام على القبائل ، فشاء رب العزة والجلالة ان تشيع رسالته بين الشعوب فى كل انحاء المعمورة .

                   لاشك ان السعودية قد نجحت نجاحا كبيرا فى توظيف قدراتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية فى تشكيل هذا الحلف بقوته الضاربة ، ونجحت فى قطع الطريق امام التهديد الايرانى الذى  بدا وشيكا حسب بعض المصادر ، وهى الآن تقوم مع حلفائها بعملية تطويق بارعة للوجود الايرانى فى منطقة القرن الافريقى ، ويبدو اجازة البرلمان الاثيوبى لأتفاقية التعاون العسكرى مع تركيا انجازا مهما يكاد يقارب خروج السودان من محور التعاون مع ايران ان لم يكن احترازا مستقبليا .

                   وكل هذا الانجاز الضخم الذى حققته المملكة العربية السعودية فى فترة وجيزة ، لا ينفى ان الازمة العنيفة بينها وايران قد انتهت ، ولا يعنى ان الازمة اليمنية فى طريقها الى الحل ، وانما يشير وللأسف ان ارضا عربية رابعة صارت ميدانا لقتال جديد ، يراق فيه الدم العربى ، جوا وبرا وبحرا ، وتبدو امتداداته بلا حدود ، وحتى تسفر مفاوضات لوزان عن نتائجها ، سيظل هذا الواقع الدموى المتغطى بالمذاهب قدرا محتوما .
                 

الأحد، 22 مارس 2015

المفصولون خارج البرامج


                   المرشحون للبرلمان تخلو برامجهم من اى اشارة لقضية المفصولين ، فأى شأن عام يسعى هؤلاء المرشحون للتصدى له وقضية المفصولين لا تزال احدى اهمّ القضايا التى ستظل تطارد هذه السلطة واى سلطة قادمة ؟! وهى اهم القضايا التى شغلت الرأى العام طوال عقد التسعينات ولسنوات بعده ، ولم تكن فى يوم من الايام مجرد حدث عابر قابل للنسيان ، انها قضية تهز وبشكل مباشر اساس الحكم المفترض قيامه على العدل ، فأى ذاكرة يحملها هؤلاء المرشحين الذين تقدموا للتصدى للشأن العام واهم قضايا العدالة فيه لا زالت معلّقة رغم القرارات الجمهورية التى صدرت بشأنها ، ورغم الاحكام القضائية الصادرة بما فى ذلك حكم المحكمة الدستورية الخاص بمفصولى البنوك .

                    لم يحدث فى تأريخ الخدمة العامة بالسودان ان واجهت تعقيدات مثل تعقيدات هذه القضية ، فبالرغم من وجود الاسانيد القانونية والسيادية الكافية لحلها ، الا ان غياب الارادة من قبل المسئولين القابضين على مفاصل السلطة لحلها ، يظل سؤالا محيّرا عن ماهية السلطة القائمة التى يتسابق عليها الآن مرشحون لاتشغل قضايا العدل والانصاف ذرة من اهتمام فى تفكيرهم .

                   معظم المفصولين الآن قد بلغوا او تجاوزوا السن القانونية للتقاعد ، واصبحت القضية ذات بعد ادبى ومادى ، اى ان المخاوف التى دفعت فى اوقات سابقة اولئك الذين تسلموا قيادات مؤسسات الدولة فى اعقاب سياسات الفصل الممنهجة ، للوقوف بشدة امام عودة المفصولين ، قد زالت الآن وزالت معها ايضا القيادات الغرة التى انتجتها تلك السياسة ، فما الذى غيّب هذه القضية عن خطاب الحراك السياسى ، الرسمى منه والمعارض والمستقل ؟!

                    ان من امارات تهاوى الحالة السياسية السودانية فى الحضيض الاخلاقى ، عجزها المفجع فى معالجة قضية كل استحقاقاتها  الادبية اجراءات لا تعدو ان تكون فى افضل حالاتها سوى حبر على ورق ، ومستحقات مالية تبدو مع حجم الميزانية الحالى  مجرد مصروفات عادية .

الثلاثاء، 10 مارس 2015

موعد مع بوكو حرام


                    (بوكو حرام) يقال ان ترجمتها (البحث عن المعرفة حرام) ولا ادرى عما اذا كانت هذه الترجمة صحيحة ام ان للمكايدة نصيب فيها ، المؤكد ان وحشية هذه المنظمة المفرطة والعمليات التى نفذتها وصنفّت على اثرها منظمة ارهابية ، تعكس جهلا مريعا بتعاليم الاسلام وقيمه ومقاصده ، وتؤكد صدق الترجمة اعلاه ، اى انها منظمة ظلامية يكفى ذكر اسمها لنشر الرعب فى دائرة تواجدها ، ولقد استشعرت دول جوار نيجيريا الخطر المرتبط بها ، فانشأت تحالفا عسكريا وامنيا لملاحقتها حتى داخل الاراضى النيجيرية ، كما فى العمليات المشتركة بين تشاد والنيجر ، مما يشير بأن تمدد (بوكو حرام) داخل اراضيهم استقر فى وعى الدولتين امرا حتميا فآثرتا استباقه برصاء تام من الحكومة النيجيرية .

                    والانباء التى تناقلت بيعة زعيمها لأبى بكر البغدادى زعيم الدولة الاسلامية او خليفة المسلمين ، تعنى بوضوح ان منطقة افريقيا جنوب الصحراء ، اضافة للسودان وبعض دول المغرب العربى على موعد مع داعش افريقية ، اذا اخذنا فى الاعتبار حجم الجاليات النيجيرية المنتشر فيها ، واخذنا فى الاعتبار بقية الجاليات من مسلمى غانا وغينيا ومالى وغيرها من الدول الافريقية التى عانى مسلموها على مر الحقب شظفا فى العيش والقهر والاضطهاد وعنت الهجرات والتشرد ، فأن هذه المجاميع من المسلمين تبدو قد استوفت كافة الشروط  للألتحاق بهذه المنظمة التى تستبيح كل شىء .

                      الفكرة المختبئة خلف كل هذا العنف المفرط الذى جاءت به المنظمات المتغطية بالأسلام ، واشعلت به منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، وتنحدر به الآن الى افريقيا جنوب الصحراء ، هى فكرة الخلافة ، وقد تبدو ساذجة فى نظر اعداد مقدرة من المسلمين ، ولكنها فكرة متوهجة ليس فى نظر فقراء المسلمين الذين عانوا من ضنك الحياة وقهرها فى معظم بلدان العالم العربى والاسلامى ، وانما فى نظر المخططين لخرائط عالمنا ، ولم يخف منظروهم الكبار امثال صمويل هنتجتون الحلم والرغبة فى انزالها على الارض تحت مسميات ناعمة كتقارب وتجمع الدول ذات الثقافات المتشابهة ، فبعض العالم الغربى يرى فى قيام خلافة اسلامية تسيطر على منطقة الثروات والمعابر البحرية والبرية ، فرصة ذهبية تتيح له التعامل مع حكومة واحدة او نخبة صغيرة او رجل واحد يسهل التعامل معه بدلا من حكومات دول متفرقة ، وبالتالى يمكنه السيطرة على ثروات المنطقة وعلى المعابر الحيوية القائمة بها والجارية عبرها ، اى السيطرة على قلب العالم النابض .

                       الموضوع على قدر كبير من التعقيد والتشعّب ، والنظر اليه بأستهانة ، يبدو غفلة مماثلة للغفلة التى صاحبت حكومات ما بعد الاستقلال والتحرر ، فى تجاهل تعزيز قيم الحريّات والتسامح والعدالة الاجتماعية التى نادى بها ديننا ، وانتجت فى حاضرنا هذا الخروج الكبير للعنف المفرط من داخل مجتمعاتنا التى اهملها النظر ردحا طويلا من الزمن .

                    

الاثنين، 9 مارس 2015

قنّاص النخيل


                  هذا القنّاص لا يحمل بندقية بمنظار كتلك التى شاهدناها فى الفيلم الامريكى (shooter) ، وانما يحمل فى يده عود ثقاب ، وربما قنينة جاز تساعده فى انتشار واتساع  دائرة اشتعال النيران فى مزارع النخيل بقرى اهلنا النوبيين الممتدة على المساحات المستهدفة للأستثمار من خلال مشروعى سدى دال وكجبار .

                   وقصة الفيلم الامريكى (shooter) بأختصار شديد ، ان الشركات العابرة للقارات حين تفكر فى استثمارات كبيرة على مشاريع كبيرة ، تضع خارطة المنطقة المستهدفة بالأستثمار امام عينيها ، وتكون المرحلة الاولى للمشروع عبارة عن دراسة وافية للتكلفة المترتبة على وجود سكان لهم مصالح قائمة فى قلب المشروع من حيث الترحيل والتعويض ، وفى الفيلم كان القرار ابادة قرية بأكملها واخفاء رفاتها تحت خط ناقل للبترول ، هروبا من التكلفة المترتبة على الترحيل والتعويض .

                    ومثل هذا القرار عادة تشارك فيه اطراف غير مرئية فى مستويات عليا لأجهزة السلطة التشريعية والتنفيذية لديها حصانات عصيّة على الأختراق ، وهى اطراف دينها المصالح التى يحققها المشروع ، وينظرون للبشر الذين يسكنون فى مساحات اراضيه المستهدفة ، مجرد عقبات فى الطريق يجب ازالتها ، وفى الفيلم كانت تلك الاطراف محل ملاحقة القنّاص الذى نجح فى تصفيتها آخر المطاف .

                     والآن حين انظر الى حرائق النخيل فى قرى اهلنا النوبيين فى الشمال ، تتراءى لى اشباح من المجرمين المتخفيين تحت بدل انيقة وجلاليب وعمامات فاخرة ، وفى داخلهم توجد عضلة تبث سموما قاتلة لكل من يقف فى طريقهم ، وهم بكل هذه الوجاهة لا يمثلون سوى وسطاء او مجرد متسولين فى مائدة اللئام ، ولكنهم قرأوا حكاية المناصير التى لم تنته بعد مع سد مروى جيدا ، فأرادوا ان يهيئوا لسدى كجبار ودال اقل تكلفة ممكنة على طول المساحة المستهدفة بالأستثمار .

                       الجشع يعمى البصر والبصائر ، والمكر السىء يحيق بأهله .

الخميس، 5 مارس 2015

سمراء عبدالرحمن الريّح


                  (فى مطلع عشرينات القرن الماضى ، نشأت وعاشت فى مدينة امدرمان ، فتاة مضت طفولتها على نحو لا يختلف عن طفولة نديداتها بأى حال من الاحوال ، الا ان واقعا استثنائيا طرأ على حياة تلك الفتاة عندما بلغت التاسعة عشرة من عمرها حينما استأجرت جمعية الاتحاد السودانى جزءا من منزل اسرتها . ما صنع تحولا كبيرا فى حياة هذه الفتاة لدرجة ان تكون صاحبة اشهر صالون للآداب والفنون والسياسة والذى هو سابق لصالون "مى زيادة") د. حسن الجزولى _ نور الشقايق .. السيّدة فوز .. هجعة فى صفاتها ودارها وزمانها . ص 14 .

                    وهذه الفتاة التى نقّب فى عالمها الدفين حسن الجزولى فى مؤلفه اعلاه ، هى الشول بت حلوة الشهيرة ب(فوز) ، ولأن اسم (فوز) ما ان يطرق الآذان حتى يتجه السامعون بأفكارهم الى جمعية الاتحاد السودانى ، والى تأريخ النضال فى مواجهة الاستعمار
والى صفوة المحاربين السودانيين الأول الذين شقوا فى ظلمة تلك الايام طريقا منيرا لأهل هذا الوطن لاتزال اضواؤه تشع فى كل مكان .ولكن ما يهمنى هنا هو الامساك بمفاتيح حسن الجزولى التى نثرها فى طيات كتابه وابحث عن (فوز) فى منزل آخر.

                     يقول حسن الجزولى : ويبدو ان فتنتها وجمالها ألاخاذ وهى فى تلك السن قد شغل الكثيرين ، فأضافة للأغنيات التى كتبها فيها خليل فرح ، واشعار كل من توفيق صالح جبريل ومكاوى يعقوب فأن الشاعر (عبد الرحمن الريّح قد افتتن بها ايضا لدرجة انه كتب فيها الأغنية الشهيرة : ما رأيت فى الكون يا حبيبى اجمل منك.) بين القوسين افادة عبد الرازق ابراهيم احد مصادر حسن الجزولى .

                     فعبد الرحمن الريّح احد الذين فتح قلبه منزلا (لفوز) ، وفيه يمكن ان نجد وصفا شاملا لهذه الفتاة الآسرة فى عدد من اغنياته الرائعة (مالى غيرك حياة) (خدارى) (زهرة الروض) و (يا اسمر يا رمز الضياء) وكل الاغنيات التى ترد فيها السمرة لونا جميلا لرجل تحرر بصره من عقدة اللون ، هذه الاغنيات وغيرها تبدو فيها (فوز) صورة واضحة المعالم تنبض بالروح ، وكثيرا ما تبدو لى اغنية (هيجتنى الذكرى) لأبراهيم عوض حنين جارف (لفوز) وزمانها . (مرفق تسجيل لاغنية هيجتنى الذكرى ابراهيم عوض ووردى)
                     

الأربعاء، 4 مارس 2015

كونجرس قابل للتحريض


                  عندما اوشكت الادارة الامريكية ان تمسك بمفتاح حل القضية الفلسطينية عبر مفاوضات مضنية استغرقت سنوات طويلة ، لجأ رئيس الوزراء الأسرائيلى الى مخاطبة الكونجرس الامريكى بمجلسيه -النواب والشيوخ- فى مايو 2011 ، وقد كان بحق خطابا محرجا جدا للأدارة الامريكية التى حاولت ان تقترب اكثر من حل القضية الفلسطينية بعيدا عن المسار الذى ارادته رؤية نتنياهو السياسية او من يمثلهم ، ولكنه - اى نتنياهو - نجح فى اصابة الهدف ، فالقضية الفلسطينية لم تشهد فى تأريخها جمودا كما تشهده الآن .

                  الآن يعيد نتنياهو ذات السيناريو مع الملف النووى الأيرانى ، وقد تبدو اعادته هذه المرة مصاحبة بدعم باطنى عربى او على الاقل مصاحبة بأرتياح عربى واسلامى سنى ، نتيجة للدور الايرانى فى صراعات المنطقة ، ولقضايا الجزر العالقة (ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى) اضافة لتداعيات مذهبية لا تخفى على احد .

                   ما يهمنى هنا ، ان نجاح نتنياهو فى مسعاه هذه المرة سيضعه فى مسار قضية الملف النووى الايرانى ، قوى عظمى كامنة خلف الكونجرس الامريكى بمجلسيه ، فضلا عن اعتباره رمزا لقوى اقليمية منفردة لا تقبل ندا جديدا بالاقليم ، عربيا كان هذا الند او فارسيا ، سنيا او شيعيا ، ولكن نجاحه يعنى ايضا ان دولة عظمى كأمريكا كنا نظنها تدير شئون العالم الخارجية وفقا لأستراتيجيات موضوعة غير قابلة للمس بها سواء من خصوم الداخل الامريكى او حلفاء الخارج ، انما فى ظل سيناريوهات نتنياهو يبدو انها تدير الشأن الدولى بقدرة تأثير اطراف صراعاته على كونجرس قابل للتحريض بمجلسيه .

                   علي العقل العربى ان يعى جيدا ان عدم التوصل الى تسوية مقبولة لأيران فى ملفها النووى ، قد تؤدى فورا الى توسعة الصراعات الدائرة بحيث تتخطى كافة حدودها الآنية ، فالتمدد الايرانى فى احد وجوهه يبدو احدى وسائل ضغطها او احد اوراقها المفضلة  فى لعبة التفاوض الطويلة ، وسيكون احد اوراقها المفضلة فى لعبة الحرب اذا وقعت بينها واسرائيل .

                    من هنا فأن اخطر تداعيات انهيار مفاوضات الملف النووى الايرانى قد تقع على عاتق الدول العربية وحدها .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...