الأربعاء، 29 يونيو 2011

حكايات الثروة والسلطة


                   


                    اكثر الحكايات تداولا فى المجالس على امتداد العالم وعلى مر الازمان هى حكايات الثروة والسلطة ، وذاكرة التأريخ تحتشد بأكثرها اثارة ومرارة الى حد الانفجار ، وتبدو فى مجملها حينما تلتحف بحقائق دامغة معيارا دقيقا على مدى نزاهة الحكومات واصحاب الثروات ، فأما خضعوا للعنة تطاردهم منذ ان وضعوا ايديهم عليها والى الابد واما ظلوا محل احترام وتبجيل تتوارثه الاجيال جيلا بعد جيل .

وملكيات الاراضى فى هذه الحكايات تبدو الاكثر شيوعا لتجلى قدرة الثروة وقوة السلطة فى حيازتها ، وبالتالى تبدو هذه الحيازة مولودا ناتجا من تزاوجهما لا يكتسب شرعيته الا بناءا على نزاهة الاجراءات التى افضت بملكيتها الى شخص ما او جهة ما ، وهى ملكية مماثلة لشهادة ميلاد الابناء لا يستطيع اى قانون مهما اتقن فن الألتفاف والمناورة ان ينتزع نسبة الأبن الى امه وابيه ايا كانت حججه المبيّتة .

                    قد يبدو مفهوما ان تلجأ سلطة ما الى توظيف الارض لصناعة ثروة تسندها عبر جهة ما او شخص ما ، ولكن حتى المستعمر المحتل لم يتغوّل على اراضى
   المواطنين القائمة سواء بالحيازة او الملكية لصناعة هذه الثروة ، وحتى اذا اقتضت المصلحة العامة - الزريعة التى تلجأ اليها العقول العاجزة عن خلق مصالح جديدة - لنزع هذه الاراضى ، فأن السلطات كانت تسعى لتعويض اصحابها اراض اضعاف مما انتزع منهم وفى مواقع طبيعتها قريبة من طبيعة الاراضى التى فقدوها بالاضافة الى تعويضات مالية مقبولة .

                              ولكن كيف للمرء ان يفهم ان تقوم سلطات الأستثمار بسن قانون يمنحك الارض بيد وينزعها منك بيد اخرى ليمنحها لآخر عرضة لأن تنتزع منه ايضا بموجب ذات القانون الذى منحه ذات الارض ، ويفقد بموجب هذا النزع المحمى بنص القانون اضافة للأرض التى رمى عليها آماله ، امواله التى ادخرها بعرق جبينه وصرفها على هذه الارض التى اصبحت استثمارا مضاعف الارباح لسلطة اراضى الاستثمار دون ان تكلفها هذه الارض الحلوب مليما واحدا ، فكل التكاليف التى ترتبت عليها منذ لحظة مسحها وحتى لحظة عرضها ، يدفعها المواطن الذى خصصت له  ، لا شك ان العقلية التى انتجت مثل هذا القانون قد تفوقت على عقلية  صناع صالات القمار بلاس فيجاس .

                    ما اشدّ سذاجتنا حين نأخذ القانون فى تفكيرنا جسما حاميا للحق والعدل ، وما اصدق عمر الطيب الدوش حين قال ( الحق فى ساحة مجزرة ) .

الجمعة، 24 يونيو 2011

الجوع سيّد المشهد


                       شهد العالم فى عامى 2007 و2008 ارتفاعا هائلا فى اسعار المواد الغذائية ، قادت الى اضطرابات فى عدة دول حول العالم وخلّفت نحو 925 مليون جائع ، و امس توصلت مجموعة العشرين - الحاكم بأمره فى هذا العالم - الى اتفاق للتصدى للأرتفاع فى اسعار الغذاء بتحسين القواعد التى تنظم عمل اسواق السلع الاولية وتطوير اساليب الاشراف عليها ( تفاصيل اوفى بصحيفة الاقتصادية الاليكترونية ) ، تزامن ذلك مع اعلان وكالة الطاقة الدولية بأنها ستطلق 60 مليون برميل من احتياطياتها الاستراتيجية النفطية بمعدل 2مليون برميل يوميا ولمدة 30 يوما بهدف خفض اسعاره ودعم الاقتصاد العالمى ، ولسد العجز الناتج من انقطاع الامدادات الليبية ، وهى خطوة تصب فى الاتجاه الرامى لخفض اسعار المواد الغذائية للعلاقة العضوية بين النفط والانتاج الزراعى ، كل هذا الحراك يجرى فى ظل ازمة اقتصادية ومالية لم يتعافى منها العالم بعد .



                       وفى ظل الثورات التى تشهدها منطقتنا ونزاعاتها المتفجرة وصراعاتها السياسية المحتدمة اضافة لما نعانيه من مشكلات اقتصادية مزمنة وبطالة متصاعدة يوما بعد يوم ، يبدو الجوع سيّد المشهد القادم ، وفى قولنا المأثور الذى نحفظه عن ظهر قلب ( لو كان الجوع رجلا لقتلته ) و ( الجوع كافر ) فهى تعابير تشى انه خصم لا يموت ولا يردعه دين او تمنعه اخلاق من قتل ضحاياه والذين عادة ما يكونوا  بالآلاف ، بل يكفى حضوره للفتك بهم ، وحضوره عادة توفره الظروف التى يشهدها عالمنا الآن وتجذبه بقوة ظروف منطقتنا على وجه الخصوص ، فأذا كانت مجموعة العشرين تسعى الآن للتصدى لأرتفاع اسعار الغذاء لمنع حضوره ، فأن سعيها سيظل محكوما بموازنات يهمها ان اى اجراء فى هذا الشأن يجب ألا يؤثر على وضعها كمجموعة تقف على قمة الدول الغنية التى لا تسمح اقتصادياتها بوجود ثغرة يتسلل منها الجوع ليهدد حياتها حتى وان شكلّت موازناتها هنا ثغرة كبيرة ينفذ منها الجوع الى بلدان كبلادنا وبالتالى فأن خطره المرتقب امر يعنينا فى المقام الاول .

                       فأذا كانت قدرتنا عاجزة عن تغيير الظروف التى اشعلت فتيلة النزاعات والصراعات السياسية المحتدمة ،فالقدرة على سد المنافذ التى يتسلل منها الجوع متوفرة ولا تحوّج السلطات سوى اجراءات بسيطة يقف على رأسها التحرك الفورى للسيطرة على اسواق السلع الاولية التى تشكل اساس حياة المواطنين كالخبز والخضروات واللحوم والزيوت والسكر والوقود ، فهذه السلع تبدو فى ظل الظروف المحيطة بنا الآن اشبه بليلة القدر لأباطرة السوق السوداء - البوابة العريضة التى يدخل منها الجوع متقدلا فى حياتنا - وبالضرورة تقتضى هذه السيطرة اختيار كوادر امينة ونزيهة لا تخشى فى الله لومة لائم ومتجردة من اى انتماءات من شأنها ان توظف هذه السيطرة لمصالحها ، وان تخضع العملية برمتها لرقابة صارمة رسمية وشعبية حماية لها من الاستغلال .

                       الجوع خصم قاتل ، لا يجدى معه سلاح ولا تصده مليشيا ، فقط تدحره ارادة حرة نزيهة وشفافة ورحيمة بشعبها ، واول وآخر دعواها ( رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق اهله من الثمرات ) .

الخميس، 23 يونيو 2011

الحرب آخرها تسوية


                  


                      واخيرا اعلنت الادارة الامريكية فى خطوة متدرجة انسحابا جزئيا لقواتها من افغانستان ، مفسحة المجال لتسوية سياسية يحيط الغموض بمجرياتها ، وان كانت شروطها العامة المتمثلة فى ضرورة التزام الفرقاء الافغانيين بالدستور ونبذ العمل المسلح وعدم استخدام العنف فى الوصول الى السلطة وتأمين الشوارع والحياة العامة ابرز ملامحها ، وهى خطوة جديرة بالاهتمام لما لها من دلالات على صعيد سياسة امريكا الخارجية تجاه تواجدها العسكرى فى مناطق النزاع ، وعلى صعيد تعاطيها مستقبلا مع المتفجر من هذه النزاعات فى بؤر جديدة .


                    اذ تبدو هذه الخطوة معبرة عن ملامح استراتيجية جديدة خاصة بالتعامل مع النزاعات المسلحة ، واهم ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة التى بدأت تمشى على الارض ، تبدو اكثر وضوحا فى الحرب على ليبيا ، اذ كشفت عمليات الناتو هناك ان الغرب لم يعد فى حاجة الى انزال جيوشه بأرض النزاعات   ،   فتجربة الحرب فى افغانستان والتى استمرت عقدا من الزمان بين الناتو وطالبان ، وحوالى ثلاثة عقود منذ الغزو السوفييتى لأفغانستان ، تبدو بكل تبعاتها على الصعيد الاجتماعى بخسائرها البشرية والاقتصادى بخسائرها المادية وتكاليفها العالية وعلى الصعيد السياسى الذى جعل من امريكا وحلفائها غولا متعطشا للغزو والاحتلال وانعكاسات ذلك على شعوب المنطقة وشعوب الغرب ايضا ، تبدو هذه التجربة عاملا رئيسا فى صناعة هذه الأستراتيجية الجديدة  . فلم يعد الغرب فى حاجة الى انزال جيوشه بأرض النزاعات ، اذ يكفى ان يبدأ مواطنو تلك الارض الراغبون فى ان يكونوا جزءا من ( الاسرة الدولية )  اولى معاركهم لتلحق بهم آليات الغرب العسكرية عالية التقنية و غير الملحوقة من الجو والبحر ، لترجح كفتهم فى النزاع وتجعل من الطرف الآخر مجبرا على قبول تسوية اهم شروطها هى المذكورة اعلاه حتى وان كانت قدرته فى الصمود كقدرة طالبان .

                      ويبدو ان امريكا نجحت فى تأسيس قوة افغانية حليفة وراغبة فى خلق فضاء عام يكفل لطالبان الحق فى التعايش دون التغوّل على هذا الفضاء ، لذا جاء سحبها لهذه القوات فى احد وجوهه رسالة مطمئنة ومحفزة لطالبان للأستجابة لهذه التسوية التى من شأنها ان تخلى الارض الافغانية من اى وجود عسكرى اجنبى وتشيع فيها الامن والاستقرار .

                       لم يعد للحرب سيّد منتصر يملى شروطه على الآخرين مهما بلغ من قوة اذا تعارضت هذه الشروط مع مطلوبات (الشرعية الدولية) فالحرب  آخرها تسوية .

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

( مصالحنا فى قيمنا )


                   الجدل الذى دار فى الكونجرس الامريكى حول مشروعية الحرب على نظام القذافى ، لم ينف ان المصالح هى العامل الرئيس الواقف خلف المواقف المؤيدة والرافضة للدور الامريكى فى هذه الحرب ، واللافت للنظر فى هذا الجدل ، هو المنظور الاخلاقى لهذه المصالح كباعث على الحرب والذى جسّدته عبارة السناتور الجمهورى جون ماكين المنافس السابق للرئيس اوباما فى سباق الرئاسة والتى تقول ( مصالحنا فى قيمنا ) ، ولأن امريكا هى وطن الديمقراطية والحريات والحقوق وسيادة حكم القانون ، تبدو العبارة متسقة تماما مع وجهة اى حرب تدور لبسط هذه القيم ، ولا يهمنى هنا مدى تطابقها مع واقع الحرب المعقد فى ليبيا بقدر ما يهمنى مصداقيتها العالية - اعنى العبارة مجردة من سياقها -  فالى اى مدى تنطبق على حالنا ؟ .



                  واقع الحال لا يحتاج الى شرح او تفسير ، فهو معلوم بحكم تاريخ طويل حافل بهدر فظيع لأنسانية الفرد هنا ، ولكن ما يحتاج فعلا للشرح والتفسير والتحقيق والبحث ، هذا الهروب التاريخى  لمعظم أولى الامر فينا من قيم تواطأ عليها العالم من حولنا ولم تخرج عن قيم ديننا وثقافتنا سواء على صعيد الحريات او الحقوق او العدالة وحفظت لأصحابها مصالحهم ، بينما هروبنا منها جرّ علينا الحروب والفتن من كل حدب وصوب واهدر دماءنا ومصالحنا ، مالذى دفعهم للهروب منها بديلا عن تنزيلها على ارض الواقع ولهم فى التاريخ تجربتين رائدتين فى عهدى العمرين ؟

                   ينسب لعبد الملك بن مروان احد ابرز خلفاء بنى امية قوله ( اسعد الناس رجل له زوج وولد لا يعرفنا ولا نعرفه فأذا عرفناه افسدنا عليه دنياه وآخرته ) تدهشنى هذه الشجاعة التى اسرّت فى كلمات بسيطة عن عقيدة الحكم والحكام فى منطقتنا منذ ايامه تلك وحتى ايامنا هذه ، ولكن تدهشنى اكثر قدرة هذه العقيدة على الاستمرار طيلة هذا الزمن الطويل هادية للعواصم العربية والاسلامية ، الثائرة منها والكامنة والخاملة  .

                  امل دنقل قال ( لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد ) ومحمود درويش قال ( لا فجر يحمله فارس قادم من نواحى الآذان الأخير ) فكل فارس هنا ( يغمد فى صدر اخيه خنجرا بأسم الوطن ويصلى لينال المغفرة ) واقول قولى هذا واستغفر الله لأمل دنقل ولمحمود درويش ولكل شهيد ومظلوم وعودوا الى قيمكم يرحمكم الله ويحمى مصالحكم .   

الخميس، 16 يونيو 2011

عصر امنى


جماهير الثورة المصرية فى حماية المتحف المصرى
                        ( فليعبدوا رب هذا البيت الذى اطعمهم من جوع وامنهم من خوف. الآية ) نص صريح بأولوية الأمن فى حياتنا ، ولكن هذه الاولوية اصبحت مسئولية خاصة بالدولة ، لها مؤسساتها واجهزتها وسلسلة طويلة من روابط مرئية وغير مرئية تقوم بمهامها ، فتعطلّت الوظيفة الامنية لدى المجتمعات اعتمادا على منظومات الدولة القائمة ، بأعتبار ان تكوين هذه المنظومات جزء من مكوناتها ، وعلى هذا تقتضى العلاقة بينهما ان تكون نوافذها مفتوحة على بعضهما البعض ، ولكن واقع الحال يعكس صورة محتشدة بالمخاوف والتوجس والكراهية وصولا الى عداء قاتل بينهما ، فأصبح المعنى بالامن والحماية هدفا لهذه الاجهزة واصبحت الاجهزة المعنية بتوفير الامن والحماية جسما مكروها ان لم تكن اشبه بعدو لدى هذه المجتمعات ، فأين تكمن العلّة؟

                       سؤال غاية فى التعقيد والصعوبة ، وتبدو الاجابة عليه اشبه ببحث عن طريق مشاة فى غابة مظلمة ، ولكن المؤكد ان العلة كامنة فى نظام الحكم ومدى فعالية اوصاله السياسية والاقتصادية والثقافية مع تاريخ وجغرافيا المجتمعات المكونة لأقليم الدولة ، والتى تبدو مظاهر تقطعها جلية فى الثورات التى اندلعت فى البلدان العربية من تونس الى سوريا ، وما يهمنى هنا هو مدى حاجة المجتمعات الى العودة للأضطلاع بوظيفتها الأمنية بوجود او بمعزل عن المنظومات الامنية الرسمية القائمة ، فى ظل الأختراقات التى شهدتها الثورات العربية ، ونجاح كل من ثورتى تونس ومصر فى استعادة هذه الوظيفة فى اوج غليان الثورة ، وكيف حافظت بذلك على سلمية الثورة التى اجبرت الجيش فى البلدين للوقوف الى جانبها .

                        يبدو المشروع مدعاة لكثير من الهواجس والأسئلة ولكن الأمن اصبح السمة الغالبة لعصرنا الحالى ، فأذا كانت التجارة والصناعة والخدمات وغيرها من النشاط الانسانى قد ادركت فى وقت مبكر قيمة الأمن العالية ، واعتمدت بجانب الأمن الرسمى على امنها الخاص حماية لنشاطها و وقاية له من اخطار خارجية وداخلية ، فالمجتمعات اولى بتأسيس امنها ، وكل المطلوب هو الوصول الى صيغة سلمية فعالة تحظى برضا وقبول مكوناتها و تنأى بها عن السلاح حتى لا تتحول الى مليشيا مهددة للأمن والسلم ، صيغة تنأى بها عن اى مخاضات سياسية وتقصر مهام العملية الأمنية فى تأمين المكان بأنسانه ايا كان واعراضه اضافة الى امواله ومكتسباته المشروعة .

                        مشروع يبدو حالما ولكن تطبيقه على ارض الواقع بدأت اولى مراحله فى المدن المسوّرة التى اخذت ظاهرتها تنتشر فى بلادنا ، وهى ظاهرة تشى بأن امن الدولة وحده لا يكفى ، فأذا كان لابد من سور يحمى ، فعلى غالبية شعبنا الذى يعيش فى مدن مفتوحة تعج شوارعها بالغرباء على مدار اليوم ، ان يبنوا سورهم الخاص بعيون رجالهم ونسائهم واطفالهم ، ويمدوا قلوبهم واياديهم لكل بيت وكل شارع سورا متماسكا يحمى حياتهم واحياءهم .

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

ارض الاجداد .. ارض الميعاد


                       السودان مركز جذب بشرى منذ عهد كوش والى يومنا هذا ، وكان النوبيون آنذاك يعتقدون بأنهم اول الخلق على هذا الكوكب لذا يستقبلون كل قادم بلا توجس ولا خيفة بأعتباره فرعا عاد الى اصله حتى لو كانت اجندته مثل اجندة جواسيس (نيرون) الذين تجولوا فى ارضنا كأنما كانوا يتجولون فى روما قبل الحريق ، ولسبب آحر يكمن فى قناعتهم الراسخة بأن ثقافتهم قادرة على استيعاب وتهذيب كل متوحشى الارض ودمجهم بتجانس فى مجتمعهم ، وقد كانت ولا زالت مرجعا لكل ثقافات الارض شرقها وغربها ، ورغم ما للهجرة من ديناميكية قادرة على طمس الهوية والثقافة الا ان النوبيين فى الشمال رغم الهجرات الكبيرة التى تمت بأرضهم وما نتج عنها استطاعوا ان يحافظوا على ارثهم وارضهم ولغة تحدث بها من قبل الميلاد ( بعانخى ) سيّد التاجين ، وعلّم بها ( الخضر ) ما استطاع عليه صبرا سيّدنا ونبىّ الله  ( موسى ) عليه السلام ، ونثر بها ( لقمان حكمته ووصاياه ) ويشجينا بها الآن وردى .



                       ولكن اعداء هذه الحضارة لم يكتفوا بسيل الهجرات التى تدفقت على ارضنا من كل صوب آلية وحيدة لطمس هذه الحضارة وانما لجأوا الى التهجير اداة جديدة ترمى بهم اقلية مجردة من وسائل كسب العيش التى الفوها على ضفاف النيل منذ عصور سحيقة ، فكانت البداية مع خزان اسوان وطريده السد العالى الذى اغرق كثيرا من الارض التى شهدت ميلاد اولى حضارات البشر ولم تقف النهاية عند سد مروى ، فصار السد فى حياتنا مخزنا يستحيل الوصول بفضله الى اسرار الحضارة النوبية بدلا من ان يكون خزانا لعصب الحياة ، فاصبحت أولى حضارات الدنيا تغوص عميقا تحت الماء بين الحين والحين على مرأى ومسمع من عالم يدين لها بالكثير الكثير ومع ذلك لا يحرك ساكنا امام منهجية هذا الغرق المتعمد فى الوقت الذى تبحث فيه اليونسكو سبل حماية لكهوف لم يساكنها حتى البوم .

                       ونوبيو الشمال فى السودان بأرض السدود ظلوا يعيشون ويعتاشون على هذه الارض منذ ان وطأتها اقدام اول انسان و يقدرها البعض بمليون سنة ، وتشهد عليها بينات آثارية يعرفها علماء الآثار من مختلف ملل الارض ، والبينة الآثارية كما يقول عالم الآثار الامريكى ( وليامز ى آدم ) اصدق وثيقة ثبوتية للتأريخ ، فبأى حق تنتهك السلطات حقوق اقدم ملكية خصوصية فى التاريخ البشرى ؟

                       لا يخفى على احد ان المياه العذبة هى حرب هذا القرن ، ولا يخفى على احد ان دولة الجنوب القادمة ستكون مهبطا لمستثمرين لن يتركوا هذا النيل يظل كما كان ( لمجراه امينا ) ، فربما صار خورا هزيلا ينتظر خريفا فتيا يستعيد به شبابه شهرا او شهرين ويعنى السد هنا ، امنا وامانا للحياة بواديه ، ولكنه لا يعنى ان يستبدل حياة عمرها آلاف السنين بحياة اخرى بحق البناء او التمويل او غيرها
الحق يستوجب ويقتضى ويستدعى قرارا وطنيا شجاعا يحفظ ويعيد الحق لأصحابه ، وموقفا وطنيا شجاعا مؤآزرا لهم .

الجمعة، 10 يونيو 2011

حرب غبية


جنود سودانييون

                      الحركة الشعبية من بين كل القوى فى السودان ، كان يجب ان تدرك جيدا طبيعة حذب المؤتمر الوطنى النزّاعة للقتال والحرب منذ صيف العبور وحتى معركة توريت الأخيرة ، المعركة التى اثارت كثيرا من الحزن على تكلفتها الغالية واثارت كثيرا من الاسئلة عن جدواها والسلام حينها كان على بعد خطوات بنيفاشا ، وكنت اظن ان الحركة قد فهمت رسالته المخبأة فى اوارها والتى بدت مضامينها اكثر وضوحا فى المعارك التى خاضها الطرفان عقب نيفاشا وآخرها معارك كادوقلى ، فهى رسالة تقول ببساطة ان ارادة الحرب عنده اقرب اليه من حبل السلام ، فعلى اى حسابات استند قطاع الشمال بجنوب كردفان ليشعل فتيلها او يوفر الزريعة الكافية لأشعالها فى اولى محطات السلام التى افضت الى نيفاشا ؟

                        فحسابات القوة بعد ان اختار الجنوبيون الانفصال ، تركت قطاع الشمال قوة يتيمة فى محيط من القوى الشمالية تغالب لتكييف اوضاعها مع مقبل ايام ما بعد 9\7 ، وتتوجس من تباهى خطاب قادة الحركة فى الشمال بقواتها المسلحة المنتشرة بجنوب كردفان ، والجيش السودانى بأعتباره مؤسسة قومية ، ينظر الى هذه القوات الخارجة عن اى اطر رسمية عدوا مؤكدا لا يحتاج الى قرار سياسى لمراقبته ووضع الاحتياطات اللازمة لمواجهة مخاطره التى بدت مرجحة الوقوع عقب نتيجة الانتخابات .

                        وما لم تضع له الحركة الشعبية - قطاع الشمال - اعتبارا فى حساباتها ، ان نتيجة الانتخابات نفسها بغض النظر عن الجدل الدائر حولها ، كانت قد رسمت خريطة واضحة المعالم عن مكامن قوتها وضعفها بالولاية ، واصبحت بذلك قوة مكشوفة لا يجدى السلاح بديلا لتغطيتها ، وكان من الحكمة بمكان ان تتخذ ذات الموقف الذى اتخذته الاحذاب الشمالية تجاه الانتخابات الاخيرة، دون الحاجة الى تعبئة وتصعيد يوفر الزرائع لحرب سيدفع انسان جبال النوبة البسيط ثمنها غاليا فى خاتمة المطاف ، فحتى 9\7 سيظل الوضع فى السودان وضعا انتقاليا محميا بخارج مهموم بولادة دولة الجنوب ، ولن تثيره تداعيات الحرب بالولاية حتى لو تخطت مشاهد عنفها اوضاع دارفور .

                        لم يفت الاوان بعد لتدارك الاوضاع قبل ان تنتقل الى ابعد من حدود الولاية 

الأربعاء، 8 يونيو 2011

سوريا : جسور مهدمة


                     تبدو سوريا الآن ارضا تمتطى مهرا جامحا يركض فى تاريخ محتشد بالخصومات القاتلة ، و دماء الضحايا تحاصر قصرها من كل جانب ، وكل قتيل يسقط يهدم معه جسرا بين الشارع والقصر ، والقتلى من الجانبين قرابين لغد مجهول ، فالنزاع يزحف شيئا فشيئا الى مجازر العرق والمذهب والتاريخ و الجغرافيا ليفتح عليها ابوابا جديدة من فوضى ستستدعى عليها اجلا ام عاجلا نيرانا تأتيها من الجوار ومن كل فج عميق ، هذا هو طقس الألفية الثالثة مصمم لترقص على ايقاعاته المتوحشة انظمة القرن الماضى التى عجزت ان تفتح اشرعتها لرياح الحريات والحقوق والديمقراطية ، طقس  يحيط الآن بسوريا مثلما يحيط الآن بليبيا واليمن ولا عاصم منه الا من احترم و رحم واستجاب الى تطلعات شعبه .

                      جسر واحد تبقى للنظام السورى ليعبر به الى الشارع ويعبر بالشارع الى بر آمن ، جسر واحد معلق على اعلان هادىء يقول : لم يعد فى عالم اليوم حذب اوحد او نظام اوحد  (هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات وحقوق الناس ) ولا يحتاج بعد ذلك سوى ان يجلس مع الآخر السورى فى مائدة مستديرة تنتزع فيها قضايا سوريا من جذورها .

                      ليس هناك عيب او انتقاص ان يستدرك العقل السورى اخطاء التاريخ والجغرافيا والعرق والمذهب ، وان يعيد فتح فضاءات سوريا لتسع الجميع .

الاثنين، 6 يونيو 2011

قبل قفل الملف


                         تتجه احدى لجان المجلس الوطنى الى اتخاذ اجراءات حاسمة لقفل ملف المفصولين نهائيا حسبما تناقلته صحف اليوم ، وهو اتجاه يجد الترحيب والتقدير والمؤازرة ، فثمة غبن تراكم على مدى حكم الانقاذ جراء هذه القضية التى لم يقع ضررها على المفصولين فحسب وانما تخطاهم لأسرهم وذويهم وطال حتى هيبة الوظائف التى كانوا يشغلونها بعد ان عجزت عن حمايتهم و جعلت من مآل حياتهم عقب الفصل نموزجا فظا لأنهيار الشخص واسرته ، واصبحت هذه الوظائف التى حفظ لها تاريخ الخدمة العامة فى السودان قدرتها العالية على تأمين شاغلها بمنظومة من القوانين محل انتهاك مريع من حكومات الانقاذ ، جرّد الوظيفة من كل مزاياها ، كوسيلة لكسب العيش وكآلية لحفظ حقوق الناس المرتبطة مصالحهم بواجباتها ، وكواجهة لشكل الدولة التى اصبح الظلم هويتها مع هذه الانتهاكات .

                        وسبق للسيد رئيس الجمهورية ان أقرّ على الملأ بالظلم الذى صاحب سياسة الفصل التى طالت معظم مؤسسات الدولة ووجه برفع الظلم وجبر الضرر الا ان المعالجات التى تمت تخطت اكثر المفصولين تضررا من سياسة الفصل ، واعنى بهم مفصولى القوات النظامية واخص منهم مفصولى قوات الشرطة الذين تفننت السلطات آنذاك فى تنويع اساليب فصلهم بدءا من الصالح العام ومرورا بأستقالات قسرية وانتهاءا بأجراءات تعسفية انتهك فيها القانون بشكل سافر ومخجل ، وبالرغم من ان قرارات السيد رئيس الجمهورية كانت قد شكلّت مرجعية صلبة لقيادة هذه القوة لمعالجة هذا الظلم ألا ان عدم استجابتها ظل محل تسآؤلات محيّرة وحتى المحاولة التى قام بها الفريق محجوب حسن سعد والتى ألغيت لاحقا كانت قد شهدت اختراقا فجا عند التطبيق استبعد اكثر المتضررين من اجراءات الفصل فى اشارة واضحة تقول ان ثمة اياد حريصة على استمرار هذا الظلم ما زالت نافذة داخل الشرطة .

                       من هنا وحتى ينتج جهد لجنة المجلس الوطنى المعنية بهذه القضية معالجات ناجعة تعيد الحقوق لأصحابها ، لابد من ان تسبق قراراتها نشر الأسس والمعايير التى بموجبها تتم المعالجة ، ثم الزام كافة الوزارات بنشر كشوفات المفصولين بها بكافة وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بدلا من لوحات الاعلان الداخلية ، والزامها بعلنية اللجان المشكلة لتنفيذ المعالجات ، فلا سرية مع تطبيق العدل والعدالة وان تظل لجنة المجلس الوطنى قائمة لمتابعة التنفيذ حتى يستعيد آخر مفصول حقوقه .

                       يأمل المرء ان تنجح هذه اللجنة فى قفل هذا الملف الذى اساء الى تأريخ الخدمة العامة فى السودان واساء لتأريخ العدل والعدالة فيه واساء لتأريخ طويل حافظ على الحقوق فى هذا الوطن .

                          

الأحد، 5 يونيو 2011

خروج مخزى


                     لم يكف الشعب اليمنى على مدى اشهر عن مطالبته لعلى عبد الله صالح بالخروج من السلطة ، مطالبة دفع مهرها ارواحا عزيزة ودماءا ذكية وجراحات غائرة ، وظلّت دول مجلس التعاون الخليجى تبذل جهودا حثيثة فى ايجاد مخرج مشرف لعلى عبد الله صالح رغم مراوغاته المكشوفة ، ولم تكف العديد من اطراف الاسرة الدولية عن مناداتها لعلى عبد الله صالح بالعمل على انتقال سلمى للسلطة حقنا لدماء الشعب اليمنى وحفاظا على استقراره ووحدته ، ولكنه كان اصما غائب لبصر والبصيرة ، فلم يدرك ان ساعة رحيله تدق دقات عالية مع كل خطوة من خطى هذا الحراك الداخلى والاقليمى والدولى .

                    وما يدعو للتسآؤل حقا ، ما الذى كان يبقيه متمسكا بسلطة لم يبق له فيها حليف بالداخل اليمنى سوي بطانة لم تنتج خلال ثلاثة عقود سوى ازمة تقف الآن باليمن على اعتاب الفوضى والتمزق ؟ ، ما هى المصالح التى استحقت منه هذا العناد القاتل للتمسك بالسلطة وقبيلته وصل اصطدامها به حد استخدام السلاح ؟ ما هى الشرعية التى تبقت لديه والشعب اليمنى بأحذابه ورجاله وشبابه ونسائه واطفاله يواجهونه على الشوارع والساحات بأيد وصدور عارية ؟

                     يعجز المرء عن الوقوف على حقيقة القوة التى وقفت خلف هذه الشخصية وصعدت به الى السلطة ، فطبيعته التى تكاد تتطابق مع رصفاء له بالمنطقة ، اقرب الى طبيعة رجال العصابات منها الى سياسى قادر على قراءة واقعه واتخاذ القرار الصائب فى لحظته الحرجة بدلا من الاعتماد على العنف والقمع وقطع الألسن ، والمخزى حقا ، انه حين يرتد اليه جزء يسير من عنفه ومن داخل حصنه لا يستحى فى الخروج من اليمن خوفا على حياته بينما حياة اسمى شباب شعبه اهدرت على الشوارع والساحات من اجل خروجه ، اى نوع من الحكام هذا الذى يضع حياته فوق حياة شعب بأكمله ؟

                      لسان العقل والثورة والواقع اليمنى يقول الآن : خرج ولن يعود .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...