الخميس، 23 يونيو 2011

الحرب آخرها تسوية


                  


                      واخيرا اعلنت الادارة الامريكية فى خطوة متدرجة انسحابا جزئيا لقواتها من افغانستان ، مفسحة المجال لتسوية سياسية يحيط الغموض بمجرياتها ، وان كانت شروطها العامة المتمثلة فى ضرورة التزام الفرقاء الافغانيين بالدستور ونبذ العمل المسلح وعدم استخدام العنف فى الوصول الى السلطة وتأمين الشوارع والحياة العامة ابرز ملامحها ، وهى خطوة جديرة بالاهتمام لما لها من دلالات على صعيد سياسة امريكا الخارجية تجاه تواجدها العسكرى فى مناطق النزاع ، وعلى صعيد تعاطيها مستقبلا مع المتفجر من هذه النزاعات فى بؤر جديدة .


                    اذ تبدو هذه الخطوة معبرة عن ملامح استراتيجية جديدة خاصة بالتعامل مع النزاعات المسلحة ، واهم ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة التى بدأت تمشى على الارض ، تبدو اكثر وضوحا فى الحرب على ليبيا ، اذ كشفت عمليات الناتو هناك ان الغرب لم يعد فى حاجة الى انزال جيوشه بأرض النزاعات   ،   فتجربة الحرب فى افغانستان والتى استمرت عقدا من الزمان بين الناتو وطالبان ، وحوالى ثلاثة عقود منذ الغزو السوفييتى لأفغانستان ، تبدو بكل تبعاتها على الصعيد الاجتماعى بخسائرها البشرية والاقتصادى بخسائرها المادية وتكاليفها العالية وعلى الصعيد السياسى الذى جعل من امريكا وحلفائها غولا متعطشا للغزو والاحتلال وانعكاسات ذلك على شعوب المنطقة وشعوب الغرب ايضا ، تبدو هذه التجربة عاملا رئيسا فى صناعة هذه الأستراتيجية الجديدة  . فلم يعد الغرب فى حاجة الى انزال جيوشه بأرض النزاعات ، اذ يكفى ان يبدأ مواطنو تلك الارض الراغبون فى ان يكونوا جزءا من ( الاسرة الدولية )  اولى معاركهم لتلحق بهم آليات الغرب العسكرية عالية التقنية و غير الملحوقة من الجو والبحر ، لترجح كفتهم فى النزاع وتجعل من الطرف الآخر مجبرا على قبول تسوية اهم شروطها هى المذكورة اعلاه حتى وان كانت قدرته فى الصمود كقدرة طالبان .

                      ويبدو ان امريكا نجحت فى تأسيس قوة افغانية حليفة وراغبة فى خلق فضاء عام يكفل لطالبان الحق فى التعايش دون التغوّل على هذا الفضاء ، لذا جاء سحبها لهذه القوات فى احد وجوهه رسالة مطمئنة ومحفزة لطالبان للأستجابة لهذه التسوية التى من شأنها ان تخلى الارض الافغانية من اى وجود عسكرى اجنبى وتشيع فيها الامن والاستقرار .

                       لم يعد للحرب سيّد منتصر يملى شروطه على الآخرين مهما بلغ من قوة اذا تعارضت هذه الشروط مع مطلوبات (الشرعية الدولية) فالحرب  آخرها تسوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...