الاثنين، 24 فبراير 2014

لا ترجعنى الىّ


                    صوت قال لى (هذا الاحمر القانى هو دمك) .

                   متى يكف هذا الصوت عن الوسوسة ويتركنى اغافل نفسى قليلا ، فأنا قد عرفت هذا اللون منذ ان رأيته يغطى مستحيلاتى ، عرفت انه دمى ، فقد اعتاد ان يقف دائما بينى وبين مفاتن الدنيا ، واعتدت حين تتجلى لى مفاتنها ، ألا ارى منها غير دمى وشهقة الخلق التى حاكت جبلك يا موسى ، احتجبى حتى اراك كما كنت اراك ، فلا قدرة لى على احتمالك والتجلى ، وجهك المعتاد يكفى ان يهيم به اكثر الخلق وان اعشقه وحدى ، وعشقى له هو الذى يسقى دمى لكى احيا .

                    هذه الليلة لن تنقذها من عذاب القلب آلاف الصلوات ، هذه الليلة لن تنقذنى منها آلاف الاغنيات ، هذه الليلة اقسى اختباراتى .. اقصى احتمالاتى  .. اوحش ممراتى الى مسكنى فى فجرك البعيد ، لست صدفة كى ابكى خروجك عارية الا من دمى ، اريد لبريقك ان يغطى ارجاء كل العوالم لترى عظمة ما رأيته فيك ، ويضىئها شروقك كل صباح لتخرج من عتمتها المزمنة ، وترى فيك طريقها الى الله .

                      اذا تجليّتى ثانية ، تجلى برفق ، فأخشى ما اخشاه ان يحيلنى تجليك الى كائن صغير .. صغير لا يستطيع حتى النظر اليك ، اذا تجليّتى ثانية ضعينى فى الاعتبار و تذكرى قول مولانا جلال الدين الرومى :

                                             ( انا لك فلا ترجعنى الىّ )

الأربعاء، 19 فبراير 2014

حريق بادية الشام


                       يستعصى الموقف السعودى والقطرى المتشدد تجاه الحرب الدائرة فى سوريا على الفهم ، مالم نستصحب التأريخ فى قراءتنا لهذا الموقف ، وافضل قراءة للتأريخ العربى والاسلامى ، نجدها بجلاء عند الباحث العلاّمة حسين مروة فى سفره العظيم (النزعات المادية فى الفلسفة العربية الاسلامية - الجاهلية - نشأة وصدر الاسلام) طبعة الفارابى 2008 المجلد الاول ص 225 حيث اورد ما يلى :
                      (فى الوضع الجغرافى لشبه الجزيرة العربية يستوقفنا خلاف لدى الجغرافيين العرب الاوائل فى تعيين حدودها الشمالية قبل الاسلام ، كما يفهم من ياقوت ، ولكن الهمدانى - وهو من مؤلفى القرن الرابع الهجرى اى انه متقدم على ياقوت - يقرر ان مجرى الفرات الأسفل حدها الشمالى الشرقى ، وشواطىء فلسطين على البحر الابيض المتوسط حدها الشمالى الغربى . غير ان بلياييف ، من المؤلفين المحدثين ، رغم شكه فى صحة تحديد الهمذانى ، لا يشك فى ان بادية الشام كانت فى ما قبل الاسلام جزءا من شبه الجزيرة ، وان الحدود السياسية بين الامبراطوريتين : الفارسية والبيزنطية ، فى القرنين الخامس والسادس ، كانت مرسومة على نحو يبقى الصحراء السورية (بادية الشام) فى حوزة سكانها الاصليين : العرب .

                      ولدى ابن حوقل ما يؤيد هذا الرأى . وربما نجد ايضا لدى ابن خلدون تأييدا للرأى نفسه كما نفهم من قوله : (.... وفى ما بين بحر فارس والقلزم جزيرة العرب كأنها داخلة من البر فى البحر ، يحيط بها البحر الحبشى من الجنوب ، وبحر القلزم من الغرب ، وبحر فارس من الشرق ، فيما تفضى الى العراق فى ما بين الشام والبصرة على الف وخمسمائة ميل بينهما) .ولا خلاف - بالبداهة - على الحدود الاخرى لشبه الجزيرة ، فهى محددة طبيعيا بالبحار الثلاثة المعروفة (المحيط الهندى او البحر العربى حنوبا ، والخليج العربى- الفارسى شرقا ، والبحر الاحمر "القلزم قديما" غربا . انتهى )

                       والمعروف ان حذب البحث الحاكم فى سوريا يعتبر اى عربى مواطنا سوريا لا يطالب بتأشيرة دخول ولا بشروط الاقامة المطبقة على الاجانب ، وفيما يبدو ان المدن التى تشكل بادية الشام فى راهننا ، كانت قد اكتظت طوال سنوات ما قبل الحرب بجاليات كبيرة من المملكة والامارة ، وهى التى تكبدت اكبر اعداد من الضحايا وافدح الاضرار منذ اندلاع العنف فى ايامه الاولى ، ومن هنا نشأ الموقف المتشدد لكل من السعودية وقطر من النظام السورى  .

                         ويبدو ان موقف المملكة والامارة  لم يأت نتيجة لما حلّ ببادية الشام من ضحايا وخراب ، وانما جاء ايضا خوفا لخروج هذه البادية من تأريخ وجغرافية الجزيرة العربية فى ظل التمدد الايرانى الذى ايقظ فى روع المنطقة والعالم ، خروج شبح الامبراطورية الفارسية القادم بقوة الى مضاربه القديمة وما تلاها ، ومن هنا وعلى ضوء الخريطة المشار اليها فى بحث حسين مروة ، يمكننا ان نحد تفسيرا للموقف السعودى والقطرى من الصراع الدائر فى سوريا وكذلك موقف ممثلى الامبراطورية البيزنطية المتجسّدة فى بعض الكتل الغربية ، وموقف ايران التى شكل غيابها عن حراكات الحل فشلا زريعا لكل المساعى .  

الاثنين، 17 فبراير 2014

حضور طاغى


                       لا يستطيع ان ينسى ، فحضورك داخله طغيان ، ولا يريد ان ينسى فقدرته اضعف من ان تتحمل الفراغ العريض الذى سيخلفه غيابك المستحيل ، النسيان فى ذهنه وهم ، وهم كبير كالمسافة الطويلة التى تفصل بينكما ، قال لى يوما ان النظرية التى تقول ان الخط المستقيم هو اقصر مسافة بين نقطتين ، انتجها عقل جاهل بقوانين العشق وبخصائص الانسان ، فالدرويش الذى تراه يتسكع مبتسما بين الحين والحين وهو ينظر الى السماء ، هو فى تلك اللحظة يكون فى اقرب نقطة الى الله ، هو فى تلك اللحظة يلّم كل هذا الكون الفسيح فى مرمى نظره ، وحين ادخل الى لحظته تلك ، اراها بكل تلك العوالم الساحرة التى تغلغلت داخلى حينما رأيتها اول مرة ، اراها رغما عن المسافة بكل بلدانها وغاباتها و سهولها وجبالها وذلك البحر الذى يقف حارسا مهيبا بين يابستنا وحيث تقيم ، ان اقرب مسافة بين عاشقين ، نظرة متجردة من لباس الدنيا ، نظرة عارية من هوى النفس ، ان اقرب مسافة بين عاشقين تلك التى بينى وبينها .

                       قلت له ان عالمنا ومنذ قديم الزمان ، كان فى حالة سباق محموم مع المسافة ، شق الطرق فى قلب الجبال ، وابدع فى الابحار على سطح الانهر او فى اعماق البحار والمحيطات ، وابدع فى الطيران حتى خرج من حدود كوكبنا الى كواكب اخرى ، وكل ذلك دليل على وجود هذه المسافة ، فالمسافة حقيقة ، وهى التى دفعت اولئك المبدعين لبناء تلك الوسائل لتمكنهم من الانتقال سريعا الى رؤية الكامن خلفها ، او ذلك الذى اشتاقوا لرؤيته ، ألا تشتاق ان تراها امامك بلحمها ودمها وتلك الابتسامة التى تضىء الاكوان من حولك ؟

                         ابتسم ثم ارسل بصره فجأة الى .. ليس امامنا سوى بنايات السوق المزدحمة بخلق ترتبط عقولهم طوال ساعات اليوم بحركة المال ، لا يهمها من اين يأتى ، المهم ان يأتى سواء من جيب عامل بسيط او من اولئك البلهاء الذين تخدعهم اعلانات التلفزيون والصحف ، نظرته كانت من العذوبة بحيث تظن من الوهلة الاولى انها نظرة طفل غرير ، فى تلك اللحظة بدا لى ان المكان قد اختفى امام تلك النظرة والزمان ايضا ، اين ذهب هذا الرجل ؟ تسآلت فى سرى ، التفت الىّ ضاحكا وقال : كنت فى  حضرتها ، هل تعلم ان داخلك ملىء بخصائص احدث من خصائص الsmart phone ، ولكنك لا تستطيع تفعيلها مالم تملأ بطاريتك الفارغة هذه بالعشق ، ووضع اصبعه فى مكان القلب منى ومضى .

                         

                       
                          

الخميس، 13 فبراير 2014

الشعبى ثعلب سياسة


                         الحديث عن المؤتمر الشعبى هو حديث عن الدكتور حسن الترابى ، فهو رجل يعرف كيف يحرّك البرك الساكنة ، اما بفتاوى جديدة تشعل عمائم الفقه هنا وخارج هنا بنيران لا تهدأ ، واما بمواقف سياسية تثير غبارا كثيفا بحيث لا تستطيع ان ترى اين يقف الرجل بالضبط ، بالامس القريب فاجا الدكتور الترابى الساحة السياسية للمرة الثانية بقبوله الدخول فى حوار مع حذب المؤتمر الوطنى بعد خصومة وقطيعة امتدت لأكثر من عقد من الزمان ، المرة الاولى كانت عند حضوره لخطاب السيد رئيس الجمهورية والذى عد فرزا صريحا لموقفه من التحالفات التى كانت قائمة حتى ذلك التاريخ ، ففى ظل الغبار الذى اثارته هذه المواقف اين ترى يقف الدكتور الترابى او حذب المؤتمر الشعبى من القضايا المطروحة على الساحة الآن وعلى رأسها قضية التحوّل الديمقراطى ؟.

                         لا اشك ابدا فى قدرة الدكتور الترابى على قراءة الواقع السودانى قراءة دقيقة عندما يكون معارضا للنظام ، فمعظم مواقفه ان لم تكن كلها خلال معاركه مع النظام منذ المفاصلة ، حظيت بقبول واسع وسط النخب المعارضة فى الداخل ، ولم يكن غريبا ان تمكنه قراءته للواقع السودانى من ان يتخذ موقعه بكل بساطة فى التجمع الوطنى الذى تحوّل مؤخرا الى قوى الاجماع ، وهو الجسم الذى ظلّت من خلاله تحاربه به القوى السياسية المعارضة طوال عقد التسعينات بأعتباره عرّاب النظام ، فليس وحده البراغماتى فى الصراع السياسى فى السودان ، ولكنه الأكثر حنكة ودهاءا فى هذه اللعبة ، والأكثر قدرة على فهم ما تعنيه مثل هذه الدعوة للحوار عندما تأتى من نظام يعلم الدكتور تماما مكامن قوته العسكرية والامنية ، ويعلم تماما ما تعنيه هذه الدعوة على الصعيد السياسى لذات النظام .

                         فى العام 1977 حينما اطلق الرئيس الاسبق جعفر نميرى نداء المصالحة ، كأنى بالدكتور الترابى قد لمس الفراغ السياسى الذى عانى منه النظام آنذاك ، وجاءت تلبيته للنداء بروح براغماتية عالية عكس الآخرين ، سرعان ما قادته ليكون البديل البارز فى السلطة آنذاك ، ومن هناك بدأ عهد التمكين للحركة الاسلامية ، والآن وبعد خروج ابرز قيادات الجناح المنشق عنه من النظام ، وبما ان القوى السياسية المعارضة لا زال معظمها متمترسا فى خنادق شروطها القديمة ، وثمة فراغ سياسى داخل النظام يحتاج لمن يملأه ، تشكّلت فى عينيه الفرصة الذهبية للعودة ثانية الى دست الحكم ، على امل ان تنجح كراهية بعض قيادات الاحذاب لنظام الحكم فى اثناء احذابها عن المشاركة ويخلو له الجو السياسى لنكون ثانية على موعد مع حكم الجناح الاول من الاسلاميين .

                          قادة الحذب الاتحادى الديمقراطى وحذب الامة القومى مدركون تماما لهذه اللعبة ، ووجودهم فى دائرة الحوار الجارى مع المؤتمر الوطنى مع الآخرين وان بدا فى النظر العام حلفا يمينيا بالمصطلح المحبب لأهل اليسار ، الا انه وجود مهم جدا حتى لا تنزلق السلطة مرة ثانية لتجريب اسلامى لن نجنى منه فى الختام سوى مزيدا من غيلان الفساد التى تقف الآن عقبة كأداء امام علاج معظم قضايا الوطن .

                       
                         
                         

الأحد، 2 فبراير 2014

اين التقيك

                   
                      الضحى سر الهى عزيز يقسم به ، شجر يفتح اذرعه استراحة للطير ، طير يغنى فى الظل حصاد يوم جديد ، ظل يتلفح نسيما عليلا ويتخذ اقصى مداه ، الضحى مدى ملتصق بالسماء ، هنا اصدق اماكن اللقيا ، هنا اللقيا صلاة سرية ، صلاة  تسقى الروح من نهر يتدلى طمأنينة و رضا ، هنا نرتوى من ماء لا ينضب ، هنا انت ملاكى الأخير ،  اتأتى ام تنسربىن مع هجير لا ينتهى ؟ .

                      اين التقيك يا ترى ؟ فى رقصة ملتحمة اوّل المساء ، رقصة تستنفر كل خيول الجسد الجامحة ، تستنفرها لتجتاح براريك الخصبة وتحيلها ملاعبا لوقع حوافرها النهمة ، حتى اذا بلغ الحفز الشديد ذروة منتهاه ، ولا ميس يلوح فى الافق لتستريح ، ووجدت نفسى وحدى  معلّقا بين الجنة والنار ، وانت هنالك التفاحة نفسها ، سأقضمك ثانية وانزل بك سابع ارض ، لنخوض معا ظلمة الارض للمرة الاولى ووحشتها ونضيئها بالصلاة  ، هنا اللقيا صلاة السر والجهر ، هنا الصلاة خلاص والخلاص توحد ، هنا مكان آخر للقاء ، فأين التقيك ؟

                        أالتقيك فى اغنية عذبة آخر الليل تبحث عن تاجك الضائع فى عمى الناس ، فالاغنيات حدائق العشاق ، ظلالها تتسلل الى خلايا الجسد والى حنايا الروح وتبنى تعريشة للهوى ، هنالك يلتقى العشاق اول مرة ولا ادرى كيف اهتديت الى نورك الملكى ونارك الملكية وسط حشد من الالحان الزاهية ، ولا ادرى كيف التقيك لأغنى لتاجك المفقود فى عمى الناس حتى يرونك كما اراك ملكة تحبو اليها القصائد والاغنيات ، وتسمو بها القصائد والاغنيات ، سأغنيك فتعالى أسمعينى لنصل معا الى ذلك الطريق الفاصل بين الليل وبين الشمس ، ويكون لقاؤنا هنالك صلاة فجرية للخلاص .

                         الوقت فى عشقك هو المكان والمكان هو الوقت ، وانت  وقتى ومكانى حاضرة كنت ام غائبة .
                   

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...