السبت، 29 ديسمبر 2012

خطفتها فضيحة


                      ( مهما نظرت  فى عينييّ ، فلن تجد نظرتى هناك ، خطفتها فضيحة . ) ما ابدعه محمود درويش حين امسك بهذه اللحظة الحرجة فى حياة ابن آدم مثقل بخطيئة اوبخطايا او بفعل تافه قادته اليه نزوة او شهوة او مراهقة طائشة ، وظل يلازمه وخزا ونكزا فى ضميره طيلة سنوات العمر ، وما ان يصادفه ما يذكره به ، تهرب تلك النظرة الى مستودع ملىء بالقسوة والقهر والابتزاز ، ليغدو المسكين اسيرا لحالة من الألم والخزى والكره الشديد ، لمجتمع يتلاعب بالقيم والاخلاق رغم انف الطبيعة البشرية ورغم انف الدين ، ورغم انف المنطق والعقل ، وهى حالة شائعة فى عالمنا العربى والاسلامى وتكاد تكون احدى آليات الكبح والقهر والجريمة .

                       والمتابع لسيل البذاءة وانتهاك الاعراض المتدفق من بعض قنوات مصر الفضائية على لسان (شيوخ) الغفلة وخصومهم من الذين استدعوا كل صعلكة الارض ، لمواجهة هذا العراك الفاجر ، الذى يجعلك تعتقد ان مصر بكل جمال ما كانت تمثله فى الوجدان العربى والاسلامى ، تجلس الآن فى ماخور من اقبح مواخير قاع المدينة  ، المتابع لهذا الفجور العلنى يصاب بالخيبة من هشاشة المجتمعات الاسلامية التى تسمح بمثل هذا الاختراق الهدام ،  ولكنها تدفعك ايضا وبقوة للنظر فى هذه الثغرة الكبيرة فى قيم واخلاق المجتمع ، التى تسمح لكل من تحلل من الاخلاق والقيم ، ان يقيم مهرجانا للبذاءة والفسوق والابتزاز ، بأسم ذات القيم والاخلاق التى لم تردعه لأحترام آدمية الانسان التى كرمّها رب العزة والجلالة ، وافاض فى تكريمه لها بأن اغدق عليها من الطمأنينة والامان ، أنها لو جاءته بتراب الارض ذنوبا لغفره لها .

                        ولا يظنن احد ان الامر قاصر على مصر وحدها ، فهو منتشر على الارض العربية والاسلامية ، شوكا فى حلوق كثير من الناس ، وغشاوة على ابصارهم ، حرمت تلك المجتمعات من اسهام اناس كان يمكن ان يقدموا الكثير لأسعاد البشرية ، والامثلة كثيرة لاتقف عند حدود السياسة وحدها ، وانما طالت مبدعين فى مختلف النشاط البشرى ، فمتى طالت الالسن والاقلام شخصا ما ، رجلا كان او امرأة ، فى امر يتعلق بالقيم والاخلاق ، ناتج عن فعل لم يتعد حدود نفس المعنى بالاستهداف ، فأعلم ان من يقف وراء الامر يمسك بلسانه وقلمه اداة جريمة مدمرة ، وبوعى منه او بغير وعى ، يطال بدماره ليس الشخص المعنى وحده ، وانما يدمر معه جزءا هاما من قيم واخلاق المجتمع التى تشيع فضيلة التعايش فى امن وامان .

                        قد يبدو محاربة هذه الظاهرة امرا فى غاية الصعوبة ، لأن الفضيحة آلية تلاحق آثارها اجيالا وراء اجيال ، ولأنها اصبحت فى عرف المجتمعات قيمة مرعبة ، ولا سبيل لمحاربتها الا بأشاعة الوعى داخل الاسرة اولا ، بتناول المسكوت عنه استنادا على نص (لا حياء فى الدين) وعلى قاعدة ان الخطيئة مهما عظمت ولم تمتد بأذى لآخرين يكفلها رب العالمين برحمته وغفرانه ، وان المرء متى عزّز ايمانه فى مغفرة الله ورحمته ، فلن تهزه بذاءة وابتزاز الآخرين له بخطيئته ولو جاءوا بحجارة الارض تهديدا،

                      الانسان المسلم فى حاجة الى تفعيل ثقافة الاعتراف بالذنب ، لأنها فضيلة ، وفى حاجة الى تفعيل ايمانه بمغفرة الله ، لأنها حقيقة مؤكدة بأكثر من نص ، وعندها ، لن يبق لهؤلاء المجرمين الذين يمسكون بالخطيئة او الذنب آلية للأبتزاز والقهر والعزل ، منفذا للدخول به الى المجتمعات والسيطرة عليها . لا تدع نظرتك تخطفها فضيحة .
                       

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

المسيح فى السودان

لوحة الميلاد من كاتدرائية فرس بالنوبة

السيدة مريم العزراء وهى تحمل السيد المسيح فى حضرة الملكة مارتا
                    غدا يحتفل العالم بمولد السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام ، وتجىء هذه الذكرى واسئلة كثيرة ظلّت تجول فى الخاطر عن سر لوحات العهد المسيحى فى ممالك النوبة والتى زخرت بها الكنائس آنذاك كلوحة الميلاد المعروضة اعلى هذه الصفحة ، ولكن اكثر اللوحات التى ظلّت تلازمنى اسئلتها طوال الوقت ، هى لوحة السيدة العزراء وهى تحمل ابنها فى حضرة الملكة الأم (مارتا) ام الملك ( اللوحة الثانية ) ، فاللوحة تحكى عن صلة قديمة بين مملكة النوبة ورسالة السيد المسيح عليه السلام ، فأذا كان عدد من الباحثين قد ربطوا بداية دخول المسيحية الى السودان سنة 60 ميلادية عبر احد رجال البلاط العائد من القدس ، فأن اللوحة تحكى قصة اخرى تسبق هذه المعلومة ، فالعلاقة القديمة التى ربطت السيدة مريم العزراء عليها السلام بمملكة النوبة ، تعنى ان معجزة السيد المسيح عليه السلام وهو فى طور الطفولة كانت معلومة بأدق تفاصيلها لدى المملكة ، ولأن ارض النوبة هى ارض الاديان والانبياء وقصصهم معلومة منذ سيدنا ابراهيم الذى مكث فترة من عمره بهذه الارض واقترن بالسيدة هاجر عليهما السلام ، فأن الأسئلة لا تتوقف عن سر سكوت المصادر عن تفاصيل هذه العلاقة التى ربطت السيدة العزراء والسيد المسيح بالملكة مارتا (الملكة الام) ؟ وهل لهذا اللقاء الذى جمع ثلاثتهم صلة بشكل من اشكال الحماية التى فرضتها هذه الملكة لتأمين حياة السيدة العزراء والسيد المسيح فى صباه ؟ ففى الاثر المسيحى ( ملاك الرب يظهر ليوسف فى حلم وقال له  :-
       ( قم وخذ الصبى وامه واهرب لارض مصر لأن هيرودس مزمع ان يقتل الصبى )

            فالهروب من بطش ملك ظالم الى ارض غريبة يحتاج حماية من اهلها قادرة على صد بطش مثل ذلك الملك ، واللوحة تبدو تعبيرا عميقا لهذه الحماية .

              الأسئلة كثيرة وارجو ألا تفسد على المسيحيين فى مشارق الارض ومغاربها بهجة احتفالهم بذكرى مولده عليه السلام ، فكل عام وانتم بخير ، وكل عام والبشرية اشد اعتصاما بالسلام .

ملحوظة : اللوحتان من غلافى كتاب الاب فيلوثاوث فرج (النوبة ملوكا وشعبا)

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

براءة مما يأتى


                فى اى سياق يمكن للمرء ان يقرأ خطاب مرشح الرئاسة المصرية السابق محمد البرادعى الذى بثته قبل يومين قناة (CBC ) المصرية مصحوبا باللقاء الذى اجرته ذات القناة مع مرشح الرئاسة المصرية الآخر حمدين صباحى اول امس ؟

                  قد يبدو للوهلة الاولى ونتيجة لحالة الارتباك التى احاطت بدوائر مصر الرسمية ومعارضتها ايضا ، ان الرجلين قد رفعا راية بيضاء امام تعنّت وتصلّب ممثل تيار الاسلام السياسى الرئيس محمد مرسى ، واصراره على تمرير الدستور المختلف عليه بالاسلوب الذى شهدته الساحة المصرية مؤخرا ، والذى راح ضحيته ارواح ودماء مصرية عزيزة ، وانهما اختارا طريق تقديم الرجاءات واعلان الضمانات الكافية والمطمئنة لشرعية الرئيس مرسى ، وضمان استمرار هذه الشرعية فى حكم مصر ، وذلك اذعانا لحكم صندوق الانتخابات ،  بعد ان صعّدا معارضتهما الى حد المطالبة بمقاطعة الاستفتاء وحشد عشرات الالاف فى شوارع وساحات مصر لأسقاط الدستور المعروض للأستفتاء ، وجاء هذا الموقف الجديد من اجل ان يتراجع الرئيس مرسى عن هذا المشروع الذى ادى الى انقسام الشعب المصرى بشكل لم تشهده مصر من قبل ، انقسام عمودى شامل.

                   جماعات الاسلام السياسى ليسوا بالسذاجة التى يظنها الكثيرون ، وحالة الارتباك التى صنعوها بقراراتهم الرئاسية كانت فى تقديرى مقصودة كى تعمى العيون عن اجندتهم الرئيسية المتمثلة فى الدستور الذى فاجأوا بعرضه للأستفتاء بعض اعضاء جمعيته التأسيسية لا من حيث التوقيت فحسب بل من حيث بعض مواده التى لم يتم حولها اتفاق بعد ، ومواد اخرى مضافة من خلف بعض الاعضاء حسب تصريحات د. وحيد عبد المجيد عضو الجمعية التأسيسية للدستور، مما يعنى ان المسرح السياسى فى مصر كان يدار طوال الفترة التى اعقبت فوز د. مرسى بخلق حالات من الارتباك لتمرر من خلالها اجندة سرعان ما تصبح امرا واقعا لا فكاك منه .

                   الارتباك ، هذا الآلية الجديدة فى التكتيك السياسى التى اتبعها تيار الاسلام السياسى على الصعيد السياسى والقانونى ونجحت فى اخضاع المعارضة المصرية فى معظم اطيافها للأمتثال الى ما انتجته من واقع ، سواء فى القبول على مبدأ الذهاب الى صناديق الاقتراع للأستفتاء على دستور مختلف حوله ، اوالقبول بأجراءات العملية الانتخابية حول الاستفتاء بكل علاتها التى عكستها الطعون التى بلغت الآلاف ، فالارتباك هذا يبدو الآلية الناجعة التى سيسعى لأستخدامها عند اعلان النتيجة اذا قدر للمرحلة الثانية ان تتم يوم غد لتمرير الدستور بكامل مواده .

                   من  هنا يبدو ان كلا من البرادعى وحمدين صباحى قد اكتشفا متأخرين الفخ الذى وقعا فيه مع بقية قوى المعارضة المتمترسة حول موقفها الرافض للدستور، وبدا جليا ان مصر مع حالة الانقسام القائمة فيها والتى بدت ملامح صداماتها تنذر بفوضى الله وحده يعلم مداها ، ومع نذر الازمات الاقتصادية التى بدأت تطل برأسها ،على موعد مع صدام كبير بين شعب معبأ بعضه ضد بعضه الى حد الدماء والقتل والحريق والدمار ، كما شهدنا طيلة الايام الفائتة ، واسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء فى هذا الصدام ، ان تستنهض فيه كل مؤسسات الدولة التى تأسست بنياتها على مدى اكثر من قرنين من الزمان على اساس دولة مدنية ، ومعبأة بضراوة للحفاظ على هذه البنية ، وخاضت تجاربا عنيفة مع التيار الاسلامى اضرت كثيرا بوجه مصر فى مجال الحقوق والعدالة ، ان اسوأ ما يمكن ان يتصوره المرء ان يصبح  عنف الشارع المصرى مسنودا بما استطاع من مؤسسات الدولة ، هو الفيصل فى الحسم ، لهذا اراد كل من الدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى بخطابهما المتراجع وموقفهما المتراجع من الاستفتاء على الدستور ان يبرأ من تبعات ما ينتجه من عنف ، و يحضرنى هنا ما قاله مبدع الثورة المصرية عباس الاسوانى فى لقاء مع احدى القنوات المصرية ان الثورة استنفدت الحلول السياسية والقانونية ولم يبق الا الشارع .

                    مصر الآن فى حاجة الى فعل او قرار يحمى الشارع المصرى مما ينتظره ، فلم يعد للحوار جدوى .

                 

الخميس، 29 نوفمبر 2012

المخرج فى اعادة الصياغة


                        ازمة الاعلان الدستورى فى مصر تبدو فى احد وجوهها ازمة صياغة ، لم يستطع عقل الاسلام السياسى حديث العهد بالسلطة والحكم ان يعبّر عنها بصيغة تشيع الطمأنينة اولا داخله وبين منسوبيه وتشيعها ثانية بين بقية القوى السياسية وعموم الشعب المصرى ، فالمخاوف المتولّدة من صعود الاسلاميين للحكم فى مصر تبدو مشتركة بينهم وبين الآخرين ، فخوف الاسلاميين يبدو اكثر احتشادا بالريبة والشكوك تجاه اى موقف او قرار او حكم صادر من مؤسسة ما او تنظيم او تجمهر من شأنه ان يهز من صورة الحكم او يحد من انطلاقته تجاه مشاريعه المعلنة والموضوعة ، ويرى فى ذلك بادرة للقضاء عليه وعلى فرصة حكمه الاولى التى تهيأت له بعد نضال طويل قارب القرن من الزمان ، لذا جاءت مقابلته لما تسرّب من احكام القضاء المتوقعة خلال ايام قليلة بخطوة الاعلان الدستورى بكل ما فيها من تعنّت وطغيان وتصلّب يعكس بجلاء حالة الرعب التى يعيشها هذا التنظيم حديث العهد بالسلطة والحكم .

                        ومخاوف القوى السياسية الاخرى بمصر من حكم هذا التيار ، المتضخمة من تجارب رصفائه فى الجوار لم تترك للثقة وحسن النية مساحة فى تعاملها معه ، ومضت فى تحصين فضاء مصر من الوقوع تحت سيطرته بكل ما استطاعته من وسائل وادوات ومؤسسات او استخدام ما اسماه المعارضون لنظام الرئيس مبارك بآليات الدولة العميقة التى ذهب البعض بكينونتها الى ما قبل الميلاد . فبدت مؤسسات الدولة فى هذا الصراع وسيلة او اداة يستخدمها كل طرف بأقصى حدود شراستها وطغيانها لمحاصرة الآخر وتكبيل خطاه ، دون ان تعى هذه الاطراف انها فى واقع الامر تحبس مصر بأكملها داخل خوفهم واول محابيسهم وللأسف نعمة الديمقراطية التى سيفتح غيابها -اذا تفاقمت الامور اكثر مما هى عليه الآن- كل ابواب السجون بتأريخها الاسود الذى تعرفه مصر.

                        لايزال فى الوقت متسع لمحاصرة هذه الازمة فى مهدها ، واول مطلوبات هذه المحاصرة انتزاع حالة الخوف  من الآخر المسيطرة على الجميع ، ولتكن المبادرة من الرئيس مرسى بحكم السلطة التى بيده ، بأعادة صياغة اعلانه الدستورى بحيث يضمن له ولمن معه كافة حقوقهم وفق المعايير الدولية ويضمن بالمقابل للآخرين ذات الحق ، وليكن هذا مضمون خطابه المنتظر هذا المساء .

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

السلطة المنكرة


                         الاعلان الدستورى الذى اصدره الرئيس محمد مرسى وركّز بموجبه السلطات الثلاث فى يده ، يدعو للحيرة والدهشة والذهول ، خاصة حينما يصدر من رئيس منتخب ينتظر منه ملا يين المصريين ان يستكمل كافة بنيات التحوّل الديمقراطى ، فيفاجئهم والعالم معهم بأعلان دستورى لا يمكن له ابدا ولا بأى حال من الاحوال ان يكون تأسيسا لحياة ديمقراطية تتطلع لصون الحريات والحقوق واقامة العدل ، وما يدعو للحيرة والدهشة والذهول ، ان يسمح رئيس منتخب فى اطار ديمقراطى لمستشاريه سواء اكانوا سياسيين او قانونيين ان يصنعوا منه مشروع طاغية ، تتمركز فى يده سلطة مطلقة يعرفها الفكر الانسانى فى ادنى درجاته الساذجة بالسلطة المنكرة ، ويحتشد التاريخ بنمازج مهولة تدل على فسادها .

                           قد يبدو مفهوما ان يواجه تعقيدات كبيرة فى مستهل فترته الرئاسية بحكم انتمائه لتنظيم يخشى الكثيرون فى العالم العربى والاسلامى من مشاريعه التى بدت وبحكم التجارب الخاطئة التى سبقته اقرب الى هجمة على المجتمعات بدلا من مشاريع تعنى بنهضة انسانها ، فالمخاوف المحيطة بحركة الاخوان المسلمين وتيارات الاسلام السياسى كانت تستوجب منه ومن اشار عليه ان يستثمر فرصة صعوده الديمقراطى ليطمئن غالبية مكونات المجتمعات العربية والاسىلامية بنواياه وقدرته  على صون حرياتهم وحقوقهم وعلى بسط العدل والانصاف فى حياتهم حتى لو اضطر الى اصدار آلاف القرارات بدلا من هذا الاعلان الدستورى الذى اكد وضاعف كل المخاوف التى ظلت تحيط بحركات الاسلام السياسى .

                          فى تقديرى الخاص ان معظم منسوبى هذه الحركات خرجت من شرائح فى مجتمعات عالمنا العربى والاسلامى ظلّت تتوارث الفقر والحرمان والمرارات جيلا اثر جيل ، وظلّت تكتوى بنيران الظلم والقمع والاستبداد على مر الازمان ، وانهم وبموجب ما خاضوه من تجارب ، كان من المفترض ان يكونوا الاكثر حرصا على بسط قيمة الحرية والمشاركة وسيادة حكم القانون
دع عنك ان تبنيهم للدين الاسلامى الذى جاء بأعظم الحريات واكثرها اتساعا ، واعلى قيم الحق والعدل والانصاف ، ودعا الى الاحسان والمجادلة الحسنة ، كان كفيلا بأن يستعجلهم بالمبادرة بذلك قبل غيرهم من القوى السياسية ، وان ينأى بهم من هذه المسالك التى ذاقوا ويلاتها .

                        الرجوع للحق فضيلة ، وانها لفضيلة كبرى ان يصدر اعلانا بذلك ، ويتشرف كأول رئيس مصرى منتخب منذ اكثر من نصف قرن تتم على يديه صون السلطات الثلاث من اى تغوّل ، وكأول رئيس مصرى منتخب تستكمل على يديه بنيات التحوّل الديمقراطى ، ليحفظ التاريخ له ولحذبه فضيلة الحفاظ على مصر آمنة مستقرة فى زمن تحيط فيه المخاطر بالمنطقة من كل جانب .

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

المطمئن فى المحاولة الاخيرة


                        لا يهم هنا تفاصيل المحاولة التى اعلنت عنها السلطات فى الايام الفائتة ، وطالما هى قيد التحقيق لدى الاجهزة المختصة ، فالحقائق القاطعة تحتاج الى بعض الوقت ريثما تنتهى هذه التحقيقات ولا خيار سوى الانتظار ، ولكن ما يهم حقا هو ردود افعال الجهات المعنية بالامر ، خاصة القوى السياسية على اختلاف اطيافها ، وعامة قطاعات الشعب السودانى .

                          والملاحظة البارزة ، ان ردود الافعال داخل القوى السياسية ، اتسمت بالهدوء والتريّث والاتزان ، وهى سمة شملت ايضا الوان الطيف السياسى داخل السلطة الحاكمة ، مما يعنى ان الاتهامات التى طالت عددا من قيادات الاجهزة الامنية السابقين ومن هم فى الخدمة ليست بذلك العسف والاندفاع الذى واجه مثيلاتها خلال سنوات حكم الانقاذ ، وبالتالى ليست هنالك مخاوف  منتظرة لهذه الاتهامات وان الامر برمته سيحسم فى اطار القانون .

                          اما الشارع السودانى  فقد وجد فيها مادة دسمة شغلت حيزا كبيرا من مساحات الاحتقان التى ظلّت تلازمه خلال سنوات حكم الانقاذ وان صاحبه بعض القلق والمخاوف من ان تقود الى منزلقات لا يتمنى ان يجد نفسه فى اتونها ، وهذا يعنى ان درجة الوعى العالية التى يتمتع بها تبدو ترياقا ناجعا فى مثل هذه الظروف يحول بينه وبين الاستدراج لمثل هذه المهاوى التى فجعته مشاهدها الجارية فى بعض الدول العربية ، فردة فعله اتسمت بالهدوء العميق وبمتابعة مجريات الاخبار من مختلف مصادرها بما فى ذلك مجالس المدينة  التى زخرت بتحليلات واستنتاجات وتوقعات تقترب وتبتعد عن الواقع بمقدار حجم المعلومات المتوفرة للمتلقين .

                          و المحاولة حسب ما اعلن عنها من تفاصيل حتى الآن ، مقارنة مع مواقع المتهمين وردود الفعل التى اعقبتها، تبدو معها البنية الامنية على قدر كبير من التماسك والقدرة على الاحتواء، وهذا ما يبعث على الاطمئنان ، ولكن المراهنة على ثبات حالة الوعى والاتزان والهدوء التى اعقبت الاعلان عن هذه المحاولة دون ان تتحرك السلطات بخطوات متسارعة تجاه ايجاد حلول لقضايا الساعة المعلومة تبدو مراهنة خاسرة ، فالقضايا العالقة بأتفاقية نيفاشاعديدة وخطرة ، وقضايا الاقتصاد مهددة بالانفجارات ، وقضايا السياسة لم تستقر بعد على معادلة  تبعث على الطمأنينة من ان لا يؤدى احتدام الصراع الى ما لاتحمد عقباه ، وقضايا الحقوق المهضومة ما انفكت تراكم فى الغبن .

                           الحكمة تقتضى استثمار حالة الوعى والهدوء والاتزان التى اعقبت هذه المحاولة لأنتاج واقع جديد يعيد كل مكونات الشعب السودانى الى حالة من الرضا والقبول مثل تلك التى الفها من قبل عهودا طويلة . وحمى الله السودان من كل شر . 

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

اخطر ارهابيىّ العالم


                  الخوف اما ان تصاحبه اسرع ردات الفعل المضادة له هروبا او مواجهة او استسلاما ، واما ان يعقبه شلل قاتل ، وهنالك افراد وجماعات وجهات كثيرة تجيد استخدام ميكانيزم الخوف فى تحقيق اهدافها ومراميها ، حتى اصبحوا وبمعايير الناس البسطاء وبمعايير العلم والمنطق من اخطر ارهابيىّ العالم ، واصبح الخوف تبعا لذلك آلية مضمونة لتحقيق المصالح .

                   ومن بين الافراد والجماعات والجهات التى تجيد استخدام الخوف وبتقنيات عالية لها القدرة على التغلغل الى اعماق النفس البشرية ، يبدو لى احيانا ولا ادرى عما اذا كنت واهما او مصابا بفوبيا هذه الجماعات ، ان المديرين التنفيذيين فى الشركات الكبرى العابرة للقارات ، بدءا من شركات الاسلحة وانتهاءا بشركات الادوية ، هم الاخطر على الاطلاق فى هذه المنظومة التى تعتمد الخوف كأفضل آليات تحقيق الاهداف .

                    قبل ايام قليلة بثّت عدد من القنوات خبرا يقول ان الذين تجاوزت اعمارهم سن الستين ويعانون من مرض السكر ، عرضة للأصابة بالصمم ، وبالرغم من ان مصدر الخبر جهة علمية تبدو موثوقة الا ان أول ما خطر ببالى عند سماعه ، ان ثمة مدير تنفيذى ماكر رمى عينه على شريحة فى المجتمع هى الاكثر حرصا واهتماما بصحتها بحكم هواجس خريف العمر ، وهى الشريحة التى يندرج معظمها فى قوائم مرضى السكر ، وهى الشريحة وهذا هو الاهم التى تحظى بمدخرات عالية خاصة بين رجال المال والاعمال فضلا عن ان اختيار سن الستين يصادف فى كثير من دول العالم سن التقاعد بالمعاش وبالتالى تتوفر فى يد هؤلاء المتقاعدين اموال فوائد ما بعد الخدمة .

                  وعلى هذا بدا لى ان اى منتج يتعلق بهذا الخبر ، هو عبارة عن احتيال مغلف بسوليفان الخوف ، وان الانسان متى ما تحلّى بشىء من اليقين ، فسيكتشف قائمة طويلة من العبوات المحتالة التى انتجها صناع الخوف لحلب جيبه او عصر جهده خدمة لهم .

                

السبت، 17 نوفمبر 2012

غزة ام فلسطين ؟



                   العقل العربى والفلسطينى على وجه الخصوص فى حاجة الى مراجعة مسار هذه القضية منذ صدور قرار التقسيم لنعرف اين تقف الآن فى ظل هذه العواصف التى تحيط بالمنطقة ، اذ ان ما يجرى فى غزة يبدو فى تقديرى احدى العلامات البارزة فى هذا المسار والرافضة لما آل اليه الحال ، ولا يمكن النظر اليه بمعزل عن القضية الأم ، قضية دولة فلسطينية قابلة للحياة تبسط سيادتها بالكامل على ارضها .

                   ومساعى الجامعة العربية الجارية الآن للبحث عن حماية دولية لقطاع غزة ، مساع تبدو فى احد وجوهها عودة الى ذات السناريو القديم الخاص بالسيطرة على المعابر من قبل قوات اممية ، وان مبدأ الحماية الذى ينادى به من ينادى داخل الجامعة العربية ، لن يقف على غزة وحدها بل سيدفع اسرائيل وحماتها للمطالبة به ايضا ليغطى حدود اسرائيل مع غزة وقد يصبح ثغرة ليمتد الى حدودها مع سيناء ، بمعنى آخر ، ان الحماية  التى يطالب بها المجتمعون فى الجامعة العربية ربما قادت فى خاتمة المطاف الى انتقاص سيادة مصر من جانب وتجريد قطاع غزة من كل ادوات المقاومة من جانب آخر ، وهو امر يبدو اقرب للمستحيل ، اللهم الا اذا اقتنعت حماس والفصائل الاخرى بقطاع غزة بجدوى الحل السلمى .

                   الحماية الحقيقية حاجة ماسة ليس لأنسان غزة فحسب وانما لكل ابناء الشعب الفلسطينى ، ومن بين كافة المشاريع المطروحة الآن ، يبدو مشروع السلطة الفلسطينية الرامى للحصول على مقعد دولة مراقب فى الامم المتحدة ، افضل المشاريع التى يمكن ان تؤمن الحماية لكل الفلسطينيين سواء بغزة او بالضفة ، ووفقا للقانون الدولى ، فأن كانت حماية غزة امر يهم الجامعة العربية فعلا ، فلتقف بقوة مع مشروع السلطة الفلسطينية ، او تتقدم بمشروع اكثر نجاعة لا ينشغل بحلول جزئية سرعان ما تعود بأطراف الصراع الى لعبة الدماء والدمار ، فالحرب اضحت قاب قوسين او ادنى وما عدا ايران فليس هنالك دولة من دول المنطقة لديها الاستعداد الكافى لمواجهتها .

                    قوى غزة المنخرطة الآن فى عمليات المقاومة ، وبرغم الرعب الذى احدثته صواريخها داخل اسرائيل ، الا ان موازين القوة المختلة بين الطرفين تبعث على الشفقة بان تكون العملية برمتها استدراج ماكر للقضاء عليها ، اتمنى وارجو من قيادات حماس وقيادات فصائل المقاومة بغزة ان يستجيبوا للجهد المصرى والجهد العربى الرامى للتهدئة .

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

اغطية النبى


                   


                    قصة الهجرة قصة يحفظها المسلمون عن ظهر قلب ، يحفظون تفاصيل المكر القرشى فى ذاك الزمان وشغفه المحموم بقتل من شرّفهم صدقا وامانة ، واهراق دمه الطاهر فى ارضهم الملأى بآثامهم واستعلائهم ، ويحفظون لبيت ابى بكر الصديق رجاحة العقل وشهامة الفعل ومعنى ان يحمل اب وابن وابنته ارواحهم بين اكفهم من اجل ان يطل البدر من ثنيات الوداع ليضىء بنوره عتمات تعلّقت بسوءات بنى آدم قرونا طويلة فى جزيرة العرب ، انها قصة تحكى فى جلاء وقائعها مغزى سمو العقيدة على الوطن ، تحكى علو قيمة الحرية فى معناها الواسع وقيمة الاخلاق والقيم على قيمة الارض ، تحكى ان الهجرة خيار واجب بدلا من البقاء تحت نير الظلم ، فطوبى للمهاجرين على مر الزمن .


                   و من بين كل ما حفلت به هذه القصة الثرية فى وقائعها وفى معانيها وفى  مقاصدها ، يبدو دور العنكبوت والحمامة بمثابة غطائين حجبا عن عيون القتلة من تنتفى الظلماء بنوره ، فما اعظمهما من غطائين ، استحيا من ان يمسا جسده الطاهر فأختارا ان تغطى حجبهما بصيرة من لا بصر له ، (المغطى الله) هكذا تعوّد ان يودعنا اهالينا اذا نوينا الخروج فى مشاوير بعيدة ، ولقد صدقوا ، فلله جنود بعضها لا يرى وبعضها تراه رأى العين ، تماما كما رأى اولئك النفر الكافر من قريش الحمامة وبيت العنكبوت ، ولكنها الرؤية التى لا تستطيع ان تذهب ابعد من محجرى العين ، فبينها وبين العقل والادراك والتبصر حجاب سميك امسك بطرفيه جنديان من جنود الله ، احدهما حمامة بدت فى وداعتها موطنا للرقة والسكينة وثانيهما بيت من نسج عنكبوت يبدو من هشاشته لا يقوى على نسمة ارهقها طول مسير ، فسبحانك ربى ، كل هذا الدور العظيم لأثنين من مخلوقات الله ومع ذلك اغفلنا ان نجعل من اى منهما رمزا وهما اهمّ رمزين لأهم حدث فى ديننا .

.                   ونحن نحتفل اليوم بمطلع السنة الهجرية الجديدة ، اسأل الله ان يلهمنا طريق النجاة بعيدا عن خطى كفار قريش ، ويلهمنا معنى ان الهجرة طريدة المظالم ، وان الهجرة مسير الى الحرية والعدل والحياة الكريمة ، تلك الحياة التى اقامها رسولنا الكريم فى ارض هجرته بالمدينة المنوّرة .

                   كل عام وانتم بألف خير ، وكل عام جميع خلق الله بألف خير ، وعلى نبينا الكريم وآله افضل الصلاة واتمّ التسليم .

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

اعداء حول الرئيس


                  انشغلت معظم دوائر ومجالس البلاد طيلة الفترة الفائتة بمرض السيد رئيس الجمهورية ، واتخذ التناول لحالته المرضية ابعادا و مناحى شتى ، بعضها مشفق على مصير البلاد ، وبعضها مضى يمنى النفس الامانى ، وبعضها استنفر ما استطاع استنفاره استعدادا لملء الفراغ المحتمل الى آخر ما حفلت به الدوائر والمجالس ، وبدا جليا ان جملة النوايا التى احاطت بحالة الرئيس الصحية على اختلاف اتجاهاتها اكدت حقيقة انه لا يزال يمثّل الموازن الموضوعى للحالة السياسية فى السودان بكل تعقيداتها .

                  وجاءت زيارته العلاجية للمملكة العربية السعودية فى اليومين الماضيين عبارة عن شحنة عالية من التوتر اضافت ثقلا جديدا على عصب تلك الدوائر والمجالس خاصة وان الزيارة جاءت فى اعقاب حدثين مؤثرين بشكل مباشر على علاقات البلدين ، اولهما الغارة الاسرائيلية على مصنع اليرموك والثانى زيارة قطع البحرية الايرانية لبورتسودان بعد الغارة ، الامر الذى اضاف بعدا جديدا لتعقيدات الحالة السياسية فى السودان بدخول عامل الصراع الاقليمى الى قلب الحراك السياسى .

                  اما الحدث الابرز الذى يهم الكثيرين فعلا ،  كان خروج الرئيس من الجراحة التى اجريت له وهو فى حالة صحية مطمئنة للكثيرين داخل وخارج السودان ، وابرز ما فيه كان الخطاب القصير الذى تلى خروجه وكرر فيه بشجاعة ، الظلم الذى وقع على كثير من الناس خلال فترة حكمه، والحقوق التى اهدرت ، وبدا تفهمه لشكاوى المظلومين دلالة على قربه من تلك الظلامات فضلا عن ان تناوله لقضايا الظلم هنا يبدو رسالة طويلة تحكى قصة تعقيدات نظام حكم الانقاذ .

                   فحينما يتكلم الرئيس عن الظلم الذى وقع ابان رئاسته ويطالب فى اكثر من مناسبة برفعه وجبر اضراره ، وحين يتحدث عن حقوق الناس المهدرة ويتفهم شكاياهم المتضرعة الى الله عزّ وجل والمستنجدة بقوته وعدله احكم الحاكمين ، فأن الرسالة الواضحة التى يستقبلها مباشرة وبكل يسر عقل اخف المظاليم ظلما ، ان الرئيس معه ، وان من يقف ضد رفع الظلم واعادة الحقوق الى اهلها ليس عدوا للمظاليم فحسب وانما عدوا للرئيس ايضا .

                   فى لقاء تلفزيونى قيل للرئيس الراحل جعفر نميرى ان حكمه اتسم بحكم الفرد ، فأجاب ان السودان بلد واسع لا يستطيع فرد حكمه ، فلكل حى وكل قرية وكل مدينة وكل ولا ية حاكمها ، ومن قبل جاء الاتراك بغزوتهم المزدوجة العنوان ، مرة بأسم الخلافة الاسلامية ومرة بأسم ولاية مصر شبه المستقلة ولم يستطيعوا الانفراد بحكم البلاد ، فكانت كسوات الشرف دلالة على ان ثمة حكام هنا لم يستطيعوا تجاوزهم ، وجاء الاحتلال الثنائى لاحقا ولم يستطع ان ينفرد بالحكم ايضا ، فأقام هياكله على بنية الحكام الحقيقيين ، وهؤلاء الحكام الوطنيين هم الذين حفظوا للكثيرين من اهل هذا الوطن حقوقهم فى اكثر منعطفات هذا الوطن خطورة ، وهاهو الرئيس عمر البشير يقر بالمظالم وهدر الحقوق ويطالب مثلنا نحن المتضررون من حكم الانقاذ بأعادة الحقوق لأصحابها ، فأين ذهب حماة الوطن ؟

                    شكرا سيدى الرئيس على هذه الشهادة الغالية ، لقد فهمنا الآن ان كل حكوماتك المتعاقبة وبحكم عجزها عن ازالة هذه المظالم لم تكن سوى مجموعة اعداء تحيط بالرئيس ، مع امنياتى بدوام الصحة والعافية .  

                   

                   

                   

                 

الخميس، 8 نوفمبر 2012

مساهر وقمر


                Abstract sunset landscape with big moon on seacost. Stock Photo - 12237887


                  يا هذا الفضى الواقف فوق سقوف الماء
                  تلعب لعبتك الاولى .. مدا .. جزرا
                  بحرا .. نهرا .. بئرا
                                                 بلا استثناء
                   فالماء لديك  هو الماء
                               ،،،،،،،،،،
                  يا هذا الواقف فوق سقوف العالم تشهد رحيل المدن التعبى
                 هيّا علّم هذا العالم لغة المد الصعبة
                  كى يصعد جمعا .. كى يصعد عصبة
                 فلغة الجزر لغة مرتدة .. لغة منقلبة .
                  لغة لا تشعلها سوى الانواء
                                ،،،،،،،،،،،
                 يا هذا الفضى الجاذب كتل الضوء اللاعب بالأضواء
                 ثمة ترف مترف يتوسد غلالتك الفضية ويغفو .. ثم ينام
                 وثمة فقر ينزف يتسلق اشعتك الواهنة ويشكو .. ثم يضام
                 وانت امام وسادتك الزرقاءء
                                 مرآة عمياء .. خرساء ..صماء
                                ،،،،،،،،،،،،،
                 فتعلّم ان تعكس شيئا عن سكتنا
                 سكتنا حكايات نابضة بالفقر وبالفقراء
                  وحياة نابضة بالحب ... قائمة بأحباء
                 وعصافير تشدو حتى فى زمن الجدب
                  وسواعد مثقلة بالتعب لم تيأس يوما من خير الرب
                  وعيون تنظر للنهب وللسلب وللحرب بأزدراء
                  غدا نلتقى ايها القمر الشاحب .. غدا مساء .
                  
                
                 
                 
                

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

اوباما الثانى


                  للمرة الثانية يحقق الحذب الديمقراطى فوزا كبيرا فى الحياة الانتخابية بأمريكا استحق عليه تهنئة كبيرة وثناءا اكبر ،
والثناء هنا لهذا الانجاز الثلاثى المبهر ، اوله هذا الاختيار لشخص اوباما الذى بدا حينها مغامرة كبرى لكنه كشف فى الآخر عن وعى عميق بكاريزما الرجل الجاذبة وقدراته العالية التى بدت مفصلّة على معايير رئيس دولة عظمى ، وثانى ابهار فى هذا الانجاز ، برنامج وضع لأجل آمال وتطلعات غالبية الامريكيين وقد اثبت صلاحيته بما حققه من ايرادات غالبة على صناديق الاقتراع ، وثالث ابهار فى هذا الانجاز ، حملة انتخابية عرفت كيف تتوغل فى عقل الناخب الامريكى الذى استهدفته ليدرك ان مصير آماله وتطلعاته متوقف على تلك الورقة المصيرية التى تنتظرها صناديق الاقتراع .  وبهذا الانجاز الثلاثى المبهر قدم الحذب الديمقراطى الامريكى قاعدة ذهبية للاحذاب العاملة فى ظل النظم الديمقراطية لتخوض بموجبها المنافسات الانتخابية .

                  ولأن امريكا دولة عظمى تتشابك مصالحها وقضاياها فى انحاء العالم المختلفة ، فأن العامل الداخلى لييس الوحيد الحاسم فى المعركة الانتخابية ، فالعامل الخارجى بأطرافه المختلفة له حضوره الفاعل فى مجرى هذه المعركة ، ولم يكن مفاجئا للمتابعين ان تقوم الحملة الانتخابية باستدعاء قرارالعقوبات الامريكية على السودان وتجديده قبل ايام قليلة على بدء المعركة الانتخابية لتأتى حملة اوباما مدعومة بآخر اللوبيات التى تشكلت بأمريكا على خلفية النزاعات المسلحة بدارفور وج كردفان والنيل الازرق ، مثل تلك التى يقودها الممثل الامريكى جورج كولونى بما يمثله من قاعدة جماهيرية واسعة ، فقرار تجديد العقوبات يعنى اما تجيير هذه الجماهير لمصلحة اوباما واما تحييدها او زعزعة اتجاهها الانتخابى .

                  وما يهمنى فى هذا القرار ، ان قائمة الحظر الواردة فيه تشمل ضمن ما تشمل منتجات اسفيرية يشكل منعها عن السودان ضررا مباشر على المدونين السودانيين المقيمين به ، ففى الوقت الذى يتمتع رصفاؤهم فى البلاد الاخرى بمزايا هذه المنتجات يعيش ابناء وطنى مرارة الحرمان رغم ما يبذلونه من جهود مخلصة للأسهام فى بناء عالم جميل ومسالم ، ويكفى هذا الحرمان دليلا على العيب الذى صاحب هذا القرار ، فقد جمع فى عقوبته بين الحكومة السودانية وشعبها .

                   اوباما يدخل من جديد فترة رئاسية ثانية ، فهل يظل كما كان فى فترته الرئاسية الاولى ام نشهد فى هذه الفترة الثانية اوباما الثانى ، اوباما يعيد الامل لدى شعوب هذا العالم بأن للحق مكان فى تفكير القوى العظمى وللخير نصيب فى عطائها وللسلم والسلام جهد كبير فى مساعيها ؟

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

ضحايا الجامعات


                   المعترك السياسى غابة متوحشة وشديدة القسوة ، واكثر مظاهره توحشا وعنفا ، تلك التى تتجلى وللأسف داخل  الجامعات ، حيث خلاصة القوى البشرية التى ستشكل مستقبلا عماد مؤسسات الدولة ، و آخر العتبات التى تفضى بأبنائنا وبناتنا الى الحياة العامة ، ولأن المعترك السياسى داخل الجامعات يتخذ اشكالا عدة ، فأن احد اكثر اشكاله قبحا وجبنا وانحطاطا ، هو لجوء بعض القوى الى ابتزاز اولياء الامور عن طريق تعريض ابنائهم بالجامعات لمؤامرات قاسية تعرض مستقبلهم الاكاديمى للخطر وحياتهم فى بعض الاحيان ، وذلك بغية تجنيدهم او تجنيد مهامهم او مواقعهم الاجتماعية او مواهبهم الى آخر ما يمتازوا به لخدمة مصالح تلك القوى ، ويقومون بذلك اعتمادا على المثل القائل (الجنا قيد هوان) نقطة الضعف الاولى فى حياة الوالدين .

                  وعادة يكون قوام هذه المؤامرات تشكيلة متنوعة تبدأ من بعض الطلبة والطالبات وتنتهى بأطقم العاملين بالجامعة ، تشكيلة اشبه بشبكة تديرها من وراء حجاب قوى او تنظيم او جهة او ايّا كان ، السمة الوحيدة التى تجمع بينهم ، هى عقيدة فاسدة تزيّن لهم سوء عملهم ، فى الحاق الاذى بالأسر وهدم آمالهم واحلامهم من اجل مكاسب ملتوية لم تستطع مبادئهم واخلاقهم وقيمهم ان تستقطب طوعا واختيارا اولئك الآباء او الامهات للعمل فى صفوفهم .

                   وطبيعة هذه المؤامرات تتخذ اشكال اتهامات جنائية او اخلاقية ، يوظفون لأجلها افضل ما انتجته ذهنية المتآمرين من اشكال الدعاية والاشاعات وتدعم فى خاتمة الامر بقرارات من جهات مخترقة داخل الجامعة لتصبح ضربة شديدة الوطء على الطلبة والطالبات محل الاستهداف بحيث تؤثر بشكل كبير على تحصيلهم الاكاديمى ليأتى قرار الفصل فى النهاية بسبب الرسوب الاكاديمى ، او فى حقيقة الامر بسبب نأى اولياء امورهم بعيدا عن الأنغماس فى انشطة يبدو الفساد سيّدها والا لما احتاج من يقف وراءها سلوك هذا المجرى الكريه المحاط بالغموض والتآمر .

                    كثيرون يعلمون بما فى ذلك الاجهزة المختصة ، ان عددا كبيرا من الجامعات مخترقة من قبل جهات اجرامية وتكفى الاحصاءات التى تداولتها الصحف مؤخرا عن انتشار ظاهرة تعاطى المخدرات ، وانتشار ظاهرة تعاطى الجنس المحرّم ، وانتشار ظاهرة السرقات ، وهى ظواهر تشير بجلاء الى ان ثمة (مافيات) نشطة داخل هذه الجامعات ، تستطيع ان تتولى كفالة عدد من الطلبة والطالبات المنسوبين بها للقيام بالترويج لأنشطتهم الاجرامية ، ومثل هذه (المافيات) لا تتوانى فى تقديم خدماتها داخل الجامعات وخارجها لدعم عملية الابتزاز التى يواجهها بعض اولياء الامور لدفعهم للرضوخ للجهة او الجهات الراغبة فى ذلك .

                    لست هنا فى محل اثارة لرعب اولياء الامور بقدر ما اسعى للفت انظارهم وانظار من يهمه الامر وانظار الصالحين والمصلحين الى هذه الظاهرة من اجل ان تتكاتف الجهود لتنقية الحرم الجامعى وحمايته لخلق جو معافى يحقق لأبنائنا وبناتنا آمالهم وامانيهم فى تأهيل اكاديمى نظرى وعملى يسند حيلهم فى حياتهم العملية ويسهم فى بناء وتنمية هذا الوطن الحبيب .

                   
                     
                     
                   
                    

                  

                  .

                   

الجمعة، 2 نوفمبر 2012

الوطن مقابل الدولة


                   كل المفاتيح المعلّقة على جيد النساء الفلسطينيات  الصابرات على المنافى عقودا طويلة ، صارت (خردة) ، عمر شيخ بأكمله قضينه فى انتظار العودة الى الارض التى نبتت طينتهم منها ، صار هباءا منثورا على مراوغة قديمة يضحك الاطفال من سذاجتها الا انت يا ابا مازن ، احسب معنا عدد المطالب التى فدتها ارواح ذكية وسقطت بالتقادم منذ قرار التقسيم فى 1947 ، عندها ستدرك جيدا ان التقادم هو لعبة اسرائيل الرابحة ، وستقود هذه اللعبة فى خاتمة الامر الى قيام دولة فلسطينية فى مخيلة مهزومة لا مكان لها على الارض .

                    هل بلغ التعب بكم حدا يدفعكم ان تغلقوا بأيديكم اهم ملفات الحل النهائى ؟ وبأى حق تفعلون ذلك والعالم بأثره يعلم ان لا وجود لشرعية فلسطينية بعد ان قامت (حماس) بأنقلابها واخرجت (غزة) من الخريطة التى غنيتم لها بعد (اوسلو) ا
‎فلســطين ,. شوقي لكي لن ينتهي "سأعود" فمازال مفتاح أجدادي بين أضلعي‎
غانى الفاتحين ؟ هل هذه آخر المحطات التى آلت اليها القضية الفلسطينية ؟ ام ان فى الامر ما يستحق التضحية بوطن مقابل دولة حتى الآن لا ندرى اين تبتدىء حدودها واين تنتهى ؟

                    بالامس القريب قامت اسرائيل بأستئناف لعبتها الأخرى الناجحة المدعوة المستوطنات على الارض الفلسطينية ، فهل يعقل ان يكون المقابل لهذا التعدى السافر اعلانا مهينا يحكى امكانية التنازل عن ارض شهدت خروجك لهذا العالم ، وتنفست لأول مرة هواءها ، وعشت فيها ذكرياتك وذكرى نكبات شعبك ؟ يا لله ، انهم يشترون ذكرياتكم او بالاحرى نسيانكم للأرض مقابل ايهامكم بقيام دولة لن تبق المستوطنات المتنامية مساحة لتقوم عليها .

                   الفلسطينيون القابضون على الامور بالضفة الغربية وقطاع غزة يطعنون يوميا فى ظهر القضية الفلسطينية حتى اخذت تموت فى وجداننا شيئا فشيئا ، حوّلوا دفة المفاوضات من وجهة حل الدولتين الى وجهة مطامح الفصيلين ، ولم ينجزوا على الصعيدين شيئا يطمئن ان دماء الشهداء لم تذهب هدرا ويطمئن من فى المنافى ان العودة باتت وشيكة ويطمئن من تعلّقت قلوبهم بقضيتكم ان فلسطين لا يزال بها رجال يقدسون ترابها وهواءها .

                  ارجو ان يكون خلف كواليس هذا الانحناء ما يسند عود الدولة الفلسطينية  للوقوف حقيقة على الارض

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

لأمريكا حسن العزاء


               
                      منذ الازل ، ظلّت الطبيعة فى صراع مدمر مع البشر لم يتوقف الى يومنا هذا ، واستحقت بذلك ان نطلق عليها (العدو الازلى) ، عدو شديد الغضب وشديد القسوة ، لا يميّز ابدا بين ضحاياه ، يأخذهم هكذا اما بغتة واما بأنذار يعلمه من افسح للعلم ما يحتاجه من كل شىْ ، وفى كلا الحالتين ، يظل غضبها غضبا قويّا ومدمرا ، فحتى الآن لم نؤت من العلم الا قليلا ، وهذا القليل لم يمكننا بعد من مواجهة كوارثها .

                     والاعصار (ساندى) الذى يضرب فى (نيو يورك) هذه اللحظات ، يستوجب منا جميعا التضامن معها ، فثمة بشر هنالك يواجهون اقدم رعب عرفه التأريخ البشرى ، اطفال ونساء وشيوخ يواجهون ماردا جبارا يضرب فى بيوتهم بالريح الصرصر وبالماء من البحر والجو ، انها اسوأ لحظات رعب يواجهها البشر ، فلا مجال لمشاعر يمكن ان تخفف حالة الرعب والخوف التى تتملكهم سوى مشاعر المواساة والمؤازرة والدعاء بأن يشملهم الله برعايته ، فلو كانت حربا فأن الشعور بالكراهية والحقد والتفكير بالانتقام يمكن ان يوازى تلك الحالة ، لكنها الطبيعة ، لا تستطيع ان تمسك بجيوشها الجبارة المدمرة ، لا تستطيع ان توجه اليها رصاصة او صاروخا ، لا تستطيع سوى ان تهرب منها او ان تنتظر امر الله .

                      اوباما اعلن حالة الكارثة الكبرى بنيويورك ، امريكا بكل عظمتها وبكل علمها لم تستطع ان تدرأ هذه الكارثة عن مدنها ومواطنيها ، ولن تستطيع غيرها من الدول ان تفعل شيئا اكثر مما فعلته ، فهذه اعلى سقوف قدرتها وقدرة عالمنا رغم العلم الذى ذهب بنا الى اغوار الفضاء اللامتناهى ، وحين تعلن حالة كارثة كبرى لا تحتاج من امثالنا سوى شيئا من العزاء .

                      للشعب الامريكى خالص العزاء فى فقده ، وما لحق به من خسارة .
                     

لم يعد بحيرة سلام


سفن حربية ايرانية ترسو في ميناء سوداني


                  البحر الاحمر من اهم الممرات المائية التى تربط الشرق بالغرب هذا معلوم ، ولكن فى الفترة السابقة شهد مهددات امنية ابرزها نشاط القرصنة الصومالية الذى ادى الى حشد من سفن حربية متعددة الجنسيات لحماية الملاحة فيه خاصة تلك الناقلة للنفط ، وكان من الغرابة بمكان ، ان الدول التى شكّلت هذا الحشد البحرى الحربى -سواء على البحر الاحمر او فى مدخله على المحيط الهندى- بحجة مكافحة القرصنة ، كان من الغرابة بمكان ان تتخذ من البحر ميدانا لمكافحتها القرصنة بينما الجميع يعلم ان اساسها قائم على الارض الصومالية ، بمعنى آخر ان القرصنة لم تكن سوى زريعة للحشد الذى يبدو عملا استباقيا استهدف تأسّيس قاعدة بحرية انتظارا لمعارك قادمة .

                 وفى اليومين الفائتين انشغلت الميديا العالمية برسو قطع بحرية حربية ايرانية ببورتسودان وعبور قطع حربية اسرائيلية لقناة السويس تحت حراسة مشددة فى طريقها الى البحر الاحمر ، وهذا الحراك الحربى البحرى بين ايران واسرائيل يجىء عقب الغارة الاسرائيلية على مصنع اليرموك الذى تتدعى اسرائيل ارتباطه الوثيق بمنظومة الصواريخ الايرانية ومشاريع تطويرها ، ولأن هذه الصواريخ عطّلت حتى الآن مشروع العدوان الاسرائيلى على المنشئات النووية الايرانية ، فقد اصبحت تشكل تهديدا امنيا لم تعرفه اسرائيل من قبل ، خاصة مع التقدم الذى احرزته ايران فى مجال صناعة الطاقة النووية ، ولكن هذه الصواريخ وتوابعها من الاسلحة والذخائر والمقذوفات الايرانية قد عرّضت مجالنا الجوى لأختراقات متكررة من الطيران الحربى الاسرائيى الذى لم يتوان فى كافة هذه الاختراقات من قصف اهدافا سودانية وغيرها على الارض السودانية ، كان آخرها مصنع اليرموك .
                 فالبحر الاحمر والذى ظلّ لأزمان طويلة بمناى عن الحروب ، ورغم الجهود التى بذلت من الدول المطلة عليه ومنذ سبعينات القرن الماضى ليكون بحيرة سلام ، دخل الآن بسبب الملف النووى الآيرانى دائرة حروب الشرق الاوسط والخليج ، واصبح السودان بحكم علاقاته مع ايران ضمن دول المواجهة فى هذه الحروب ، ولست هنا بصدد الحكم على هذه العلاقة وتكاليفها ، فأيران دولة مسلمة تستحق ان تحظى بعلاقات طيبة مع كافة الدول الاسلامية ، ولكن البحر الاحمر هو رئتنا الوحيدة التى نتنفس من خلالها ، واى معارك هنا لا تعنى سوى حصارا خانقا تبدو خسائره اكبر واعظم من الخسائر التى تنتج عن حرب الاستنزاف التى شهدنا بعض ملامحها فى ضربة مصنع اليرموك ، اما الاخطر من ذلك هو ان يخرج شرقنا الحبيب مع هذه المعارك مرة والى الأبد من الخارطة خاصة وان مشروع تقسيم هذا الوطن والقائم منذ امد بعيد فى مخيلات داخلية و اقليمية ودولية يبدو فى اوج نشاطه .

                  البحر الاحمر لم يعد بحيرة سلام ، ولم تعد فى يد العرب حيلة او سلاح ، ومصر الشقيقة يعربد الطيران الحربى فى سمائها حينا بعد حين ، وارجو ان يكون فى الوقت متسع يتيح لهذا الوطن الحبيب خروجا آمنا من هذه المآزق التى تتراءى فى يقظتنا كوابيسا مرعبة تدفع المرء اما الى مواطن المهارب واما الى مواطن التهوّر ، ذالك التهوّر الذى دفع يوما احد وزرائنا الأجلاء حين اصاب العالم رعب كبير من ازمة خليج الخنازير بين امريكا والاتحاد السوفييتى ان يقول ( اللهم اجعلها حربا لا تبقى ولا تزر ) وحمى الله السودان من كل شر .
                 

                  

                 

                 

الأحد، 28 أكتوبر 2012

الهدف التالى


                  الزرائع والحجج التى حفلت بها عدد من المواقع لتبرير العدوان على مصنع اليرموك ، والتى ربطت انتاج المصنع بملف القضية الفلسطينية بأعتبار ان نشاط بعض الفصائل الفلسطينية يشكل انتاج المصنع من الذخيرة والمقذوفات والصواريخ العنصر الهام فى تسليحها ، كما ان ربطه بالملف النووى الايرانى بأعتبار ان المصنع يشكل احتياطى استراتيجى لمخزون ايران من صواريخها بعيدة المدى وقاعدة لتطويرها وتأثير ذلك على الصراع الدائر حول الملف النووى الايرانى الذى تتزعمه اسرائيل وتعد لتوجيه ضربة عسكرية اليه ، هذه الزرائع والحجج كأنما تعطى اسرائيل الحق الدائم فى توجيه ضرباتها الجوية الى اى اهداف عسكرية سودانية ، بعد ان طالت فى السابق الأفراد والجهات الضالعة فى تجارة وتهريب الاسلحة بشرقنا الحبيب .

                   وما يدعو للغرابة هنا ، هذا السكوت الجماعى عن هذا العدوان الذى يتصادم مع القانون الدولى بأنتهاكه لسيادة دولة مع سبق الاصرار والترصد ، رغم اعوجاج المنطق الذى انبنى عليه ، فأذا سلّمنا جدلا ان اطرافا سودانية تقوم بأمداد بعض الفصائل الفلسطينية بأسلحة وذخائر ومقذوفات تم تصنيعها بمصنع اليرموك ، فأن كثيرا من الفصائل التى تحارب انظمتها القائمة تتلقى السلاح بذات الكيفية من العديد من مخازن ومصانع السلاح شرقا وغربا بما فى ذلك من اسرائيل نفسها ، والامثلة كثيرة اقربها الى لحظتنا الراهنة ما يجرى فى سوريا الآن ، دع عنك ان تلك الفصائل تدافع عن ارضها ، اما ما يقال عن التعاون العسكرى القائم بين السودان وايران فأن الغارة الأسرائيلية نفسها ما كان لها ان تتم بهذا النجاح لولا الامداد المتواصل من مصانع الاسلحة الامريكية وغيرها والتى دخل بعضها فى شراكة فعلية مع اسرائيل فى تطوير تلك الصناعة العسكرية التى تعتمد اسرائيل عليها اعتمادا كليا فى اعتدائها على الدول العربية ، فهذا المنطق الذى اعطى اسرائيل مشروعية لعمليتها هذه هو ذات المنطق الذى يعطى الجماعات العربية والاسلامية المدعوة بالمتطرفة مشروعية لعملياتها فى الدول التى تمد اسرائيل بالأسلحة والعتاد - مع الفارق بالطبع بين الدول والتنظيمات - ولكن بين الدول ثمة قانون دولى يتعامل مع مثل هذه الحالات حتى لا تتعامل الدول كالجماعات والتنظيمات المدعوة ارهابية .

                    كل هذا لا يهمنى هنا بقدر ما يهمنى ان الوضع الراهن بالسودان بتعقيدات ازماته المحيطة بمركز الحكم ، يستحيل معه مواجهة مثل هذه الاستهدافات ، فالضربة فى احد ابعادها الامنية القريبة للعقل وفى ظل الحظر و الحصار المفروض على توريدات الاسلحة من قبل الامم المتحدة وامريكا ، تبدو ممهدا اوليا لأجتياح قادم يتطلب تجفيف القوات المسلحة من حاجتها للاسلحة والذخائر والمقذوفات ، وتبدو فى بعد آخر محاولة لمعادلة ميزان القوة بين السلطة القائمة والحركات المسلحة -التى تبدو الآن فى حالة حصار بعد اتفاق اديس ابابا الاخير- وذلك لفرض حلول عجز الطرفان للوصول اليها سلميا، لكنها تبدو فى احد ابعادها فرصة اخيرة لقوى المجتمع السودانى الحاكمة والمحكومة ان تلجأ بقوة الى العقل لترتيب اوضاعها السياسية دون تكابر قبل ان يقوم آخرون بترتيبها .

                     وما يهمنى هنا اكثر ، انه اذا سكت المجتمع الدولى طويلا عن هذا العدوان فلن يعنى ذلك سوى ان ثمة ضربة قادمة ، فلنلحق انفسنا قبل ان تلحق ايادى العدوان الهدف التالى .

                   
                    

الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

نوم العوافى


                   لفت انتباهى وانا اتابع قناة امدرمان مساء الامس ، خبر مفاده ان السيد محمد عثمان الميرغنى قد قابل رئيس الجمهورية ببيت الضيافة وتناول اللقاء اوضاع البلاد الراهنة دون اى تفاصيل ، و انتابنى شىء من القلق والخوف ، فالسيّد محمد عثمان الميرغنى بما يمثله من ثقل دينى له امتداداته الاقليمية داخل القارة وخارجها ، وبحكم علاقاته الاقليمية والدولية المميزة ، وبحكم حضوره الطويل فى قلب اللعبة السياسية بالسودان بثنائية تقلباتها ما بين نظام عسكرى ونظام ديمقراطى ، يبدو مؤسسة قائمة بذاتها ، مؤسسة تعادل دولة ، لا اشك فى وعيه السياسى وتقديراته الصائبة لأوضاع البلد ، وان يقوم دون مقدمات بمقابلة رئيس الجمهورية  يعنى ان ثمة امر جلل قد وقع او على وشك الوقوع وهذا بالضبط ما انتج قدرا كبيرا من  القلق والخوف  .وكغالبية من السودانيين الذين اعتادوا ان يرمون القلق والمخاوف خلف ظهرهم وينامون نوم العوافى ،  استيقظت صباح اليوم على قصة انفجارات مصنع اليرموك وامتداداتها بما فى ذلك ما اضافته المخيلة السودانية بحبكاتها المتقنة ، وبعيدا عن اى اضافات جديدة لهذه القصة سواء تلك المستقاة من تصريحات سابقة لمسئولين حملت من المحاذير ما حملت او تلك المستقاة من وقائع قريبة وغريبة والتى شكّلت فى مناخ الوطن الملبد بالغيوم الداكنة لوحة مرعبة ومنذرة بالمثير الخطر ، بعيدا عن كل هذا ، فأن الوطن بما يعتمل من قضايا لا تخفى مخاطرها على احد ، لم يعد مكانا للحالمين او المغامرين او المغيبين او الذين اخذتهم العزة بالاثم ، الوطن الآن اصبح حقيقة عارية فيها من الألم مقدار ما فيها من الرعب ، وفيها من الأمل مقدار ما فيها من يأس ، فيها الشىء ونقيضه ، فالوطن الان امام اختيار صعب ، اما ان يكون وطننا الذى الفناه بجماله وجمال عقلائه على مختلف مشاربهم واما ان يكون وطنا متماهيا مع جنون المنطقة التى انتجت ولا زالت تنتج من البشاعات ما ادمى الضمير الانسانى .

    وما حدث بالأمس سواء اكان بفعل فاعل كما اشارت بعض الروايات او كان نتيجة لخلل فنى او اهمال او غيره كما تميل بعض الروايات الرسمية ، يبدو فى احد وجوهه رسالة عنيفة يكفى مشهدها الذى نقل ذالك الجزء من الخرطوم الى احد احياء دمشق الغارقة فى الجحيم ، فالحذر الحذر من الانزلاق الى تلك المهاوى التى تفتح ذراعيها دون تمييز لأحد ، فلا الحاكم ولا المحكوم سيسلم منها ، لا الطامحون فى السلطة ولا المستميتون فيها سيسلمون ولا السلطة نفسها ستسلم ، الكل سيكون فى قاع عبارة عن مخاضة فى الدماء ، ما حدث بالأمس ايا كان مصدره ، صرخة فى اذن النائمين نوم العوافى ان استيقظوا قبل ان يأخذكم طوفان العنف الذى يحوم حول المنطقة بأثرها ، فلسنا بمعزل عن مساره طالما ان قدر القضايا المعلّقة تمتد على جانبى طريقه صفوفا يدفعها الظلم المتراكم و الغبن المتراكم شوقا لأستقباله .

                    ايها السودانيين ، استيقظوا واستمعوا لصوت عقلائكم ، حمى الله السودان من كل شر .



              
                   

الأحد، 21 أكتوبر 2012

اكتوبر : عبقرية شعب


 .ثورة أكتوبر السودانية


                    تجىء اليوم ذكرى ثورة 21 اكتوبر 1964 وبلادنا تعتمل بقضايا اى واحدة منها تساوى اضعاف اضعاف القضايا التى فجّرت ثورة اكتوبر المجيدة ، وفاقتها خطرا واضرارا بجسم هذا الوطن الحبيب وانسانه ، وعلى مدى ما يقارب نصف قرن من الزمان ظلّت ذكرى هذه الثورة فى الوجدان السودانى حيّة ونابضة ، تتوهج مثل ليلة عرس كلما ضاق الشارع بضغوط الحياة وخطل السياسة ، بل ظلّت فى الوجدان السودانى مثل اغنية قديمة حبيبة متى لامست انغامها وترا عميقا فى النفس ايقظت كل فوران العشق والشوق ، عشق لأيام كان فيها الوطن فوق كل امنية وفوق كل فكرة وفوق كل مصلحة ، وكانت لياليه لباسا للفرح وليس محابسا مع الهم والكرب والاحباط ، هى بالضبط استقرت فى وجدان هذا الشعب العظيم نداءا مقدسا متى دعى الداعى تجده قد صدح فى كل بيت وكل حى وكل مدينة بنشيد يحرك حنينهم الى الشوارع والساحات .

                   يا له من شعب عظيم ، وفريد فى عظمته ، فمن بين كل ثورات الشعوب لم نشهد انتصارا كالذى حققه فى 21 اكتوبر 1964 ، وبشهداء لم يتجاوز عددهم اصابع اليد الواحدة ، وشوارع نظيفة الا من متاريس او شعارات على الجدران ، وحين اقارنها الآن بمهرجانات القتل والمجازر والدمارالتى اقامها تتار الالفية الجديدة على ضفتى بحر الجنون الذى يطوّق بعض دول المنطقة الآن ،
اصرخ بكل الخيلاء التى عرفها الانسان يوما ، احبك يا شعبى .
                    لقد علّمتنى ان الوعى هو سيّد الانتصار ، لا السلاح ولا الكراهية ولا الانتقام سيحقق لى نصرا ، وعلّمتنى ان العنف والقمع والسجون ليست بقادرة ان تقف فى طريقك حين تمسك بتلك اللحظة الحاسمة التى تعبر بك الى التغيير الذى تنشده آمنا سالما ، 
علمتنى ان السلام حين يكون رفيقك فى درب الثورة سيكون رفيق خصمك فى اتجاهه المعاكس لك ، والغلبة حينها لمن معه الحق لا القوة ، لمن معه الوطن بأهله اجمعين لا المؤسسات ، لمن معه الله هاديا ومرشدا لا لمن معه حاكم جائر .

                    اكتوبر لا يزال حيّا فى وعى هذا الشعب العظيم ، ومتى حانت تلك اللحظة المناسبة سنجده متكئا على كل شارع وكل ساحة وهو ينشد نشيده المقدس عن الحق والحرية ، عن العدل والسلام .

                    كل سنة وانت بألف  ألف خير ايها الوطن الحبيب ، وكل سنة وانت بألف ألف خير ايها الشعب العظيم .

                    

السبت، 20 أكتوبر 2012

اضحى الابراهيمى للسلام


                    اعظم دلالات قصة الذبح فى سيرة سيدنا ابراهيم عليه السلام ، ان الله بعزته وجلاله تدخل لينقذ بشرا نبيا من الذبح ، وان الاحتفال به كل عام متزامنا مع شعائر الحج هو فى حقيقته تذكير لهذه الامة عن حرمة ذبح الانسان ، عن سمو قيمة حياة الانسان عند رب العالمين ، وكيف ان هدم الكعبة -بيته الحرام- اهون عنده من قتل النفس ، وان يختار الاخضر الابراهيمى هذه المناسبة لوقف القتال المتوحش الدائر فى سوريا ، يعنى ان الرجل استدعى اعظم ما فى تأريخ هذه الامة من تراث واعظم ما فى عقيدتها من تكريم للأنسان الزم كل مسلم بصون حقه فى الحياة ، لقد تجلى سيّد الاسم فى حامله والهمه هذا المقترح الذى يقبله كل صاحب دين وكل صاحب اخلاق .

                    وليس غريبا ان يحظى مقترحه هذا بتأييد سريع من الدول التى على علاقة مع الازمة السورية من ايران الى تركيا وما بينهما من دول مستترة او سافرة فى علاقتها بالازمة والتى لم يألو الابراهيمى جهدا فى بلوغها ، وتداعت الى هذا التأييد قوى المجتمع الدولى بما فى ذلك امريكا بكل ما تمثله من ثقل فى المنطقة التى تمسك بكثير من مفاتيحها ، ليس غريبا ان يحظى هذا المقترح بكل هذا التأييد ، فالمخاطر المحيطة بوضع سوريا المتفجر معلومة للقريب والبعيد وليس من مصلحة الحياة فى هذا الكوكب ان يشهد حرائقا جديدة طالما ان الامل فى اطفائها فى مهدها لا يزال قائما ، وطالما ان اطراف القتال الدائر فى سوريا من سوريين وغيرهم يعلمون ما يعنيه التمادى فى تحدى ارادة رب العالمين  وارادة هذه القوى المؤيدة لوقف القتال ، ولا مناص لهذه الاطراف من ان تستجيب وان تضع السلاح ارضا حتى تعود ارض سوريا من جديد قابلة للحياة فيها .

صورة معبرة عن الموضوع الأخضر الإبراهيمي                    ثمة امل كبير اخذ يلوح فى الافق بأن انسان سوريا على موعد مع السلام ، وان المنطقة على موعد مع رحيل المخاوف التى احاطت بها مع اول طلقة اخترقت جسد الابرياء هناك ، وان العالم على موعد مع علاقة جديدة ملتحمة بقدرة الحوار والتفاوض على صنع السلام اذا احسن الواقفون خلفه اختيار من يقوم به ، فالابراهيمى من المتشبعين بثقافة الاطراف المتقاتلة ، ولا يغيب عليه ان ثقافة المنطقة التى تحتفل هذه الايام بمجىء عيد الاضحى المبارك ، تعلم ان هذا الاحتفال ما كان له ان يتم لولا ان رب العزة والجلالة فدى نبى الله وسيدنا اسماعيل بذبح عظيم ، فمتى توقفت هذه العمليات المجنونة لا بد من فداء عظيم قادر على ان يسكت السلاح فى سوريا للأبد ، ولا يهم ان كان هذا الفداء حكومة انتقالية او مجلس انتقالى او ليسمه السوريون ما شاءوا له من تسمية ، المهم ان يكون معبرا عن اطيافها السياسية والاجتماعية وينال رضا جميع مكوناتها وقبولهم .

                   التحية والتقدير للأخضر الابراهيمى الذى خاض فى مستحيل هذه الازمة وهو يبارز فى اليأس شرقا وغربا حتى تمكن من فتح هذه النافذة الثمينة المطلة على الامل فى سلام ممكن يقتضى ان تلتف حوله قوى سوريا على اختلاف مشاربها وقوى المنطقة وقوى المجتمع الدولى ، فالسلام يستحق ذلك .

الجمعة، 19 أكتوبر 2012

مصيدة ميدان التحرير


                 احتفل اليوم الاخوان المسلمون فى مصر بأنتخاب رئيس جديد لذراعهم السياسى حذب الحرية و العدالة  ، فى ذات الوقت الذى تحشد فيه عدد من الاحذاب جماهيرها بميدان التحرير تعبيرا على معارضتها لحكم الاخوان ، والمشهد بصورتيه المتناقضتين يعكس مناخ الديمقراطية الذى يظلل سماء مصر هذه الايام ، ولكنه يعكس من جانب آخر غربة عدد من القوى السياسية عن هذا المناخ ، واعنى بها تلك القوى التى اتخذت من ميدان التحرير وسيلتها الوحيدة لمعارضة حكم الاخوان المسلمين الممثل فى ذراعه السياسى حذب الحرية والعدالة ، متغافلة ان ثمة نظام ديمقراطى قائم فى مصر له ميادينه للمعارضة وابداء الرأى وله ادواته المجربة فى احباط السياسات المرفوضة دون ان تشكل تلك الميادين حجرا على رواد ميدان التحرير من منظمات المجتمع المدنى .

                 ولكن ان تكون حذبا سياسيا قائما فى مصر وتوقف نشاطك على ميدان التحرير ، يعنى اول ما يعنى ، اغترابك عن المجتمع المصرى وزهدك فى مؤسسات الديمقراطية وما يمكن ان تحققه من مكاسب يقف على رأسها مناخ الحرية الذى افتقدته مصر زمنا طويلا ، ويعنى انك قد تنازلت طوعا واختيارا لخصمك او خصومك للأنفراد بمصادر الشرعية التى تحظى بأحترام العالم .

انتخابات رئاسة حزب الحرية والعدالة : سعد الكتاتني ورامي لكح                 ويجىء احتفال حذب الحرية و العدالة اليوم بأنتخاب رئيس جديد ، رسالة قوية للعالم بأن ثمة حذب هنا رغم كل ما قيل عنه يؤمن ايمانا قاطعا بالديمقراطية ، وهاهو يطبقها داخله فى ظل منافسة مثيرة تحمل فى داخلها رسالة قوية للداخل المصرى ، تقول ان صندوق الاقتراع هو خياره الوحيد فى حسم المنافسة مع الآخرين ، ولكنها رسالة تحوى ضمن ما تحوى فى ظل الاستقطاب الحاد المضاد لحكم الاخوان المسلمين ، ان حكمهم  حسب ما جاء فى قول رئيس الحذب الجديد سعد الكتاتنى يعنى ان الخاسر مكانه المعارضة ، اى ان القوى المعارضة لحكم الاخوان لا مكان لها فى حكومتهم .

                احتفال اليوم يشير بوضوح الى ان الاخوان فى مصر ممثلين فى حذب الحرية و العدالة ، يدركون جيدا ما تعنيه المؤسسات فى ظل النظام الديمقراطى ، ويحضّرون جيدا لخوض المنافسة للفوز بها ، بينما عدد من القوى السياسية فى مصر لا زالت تعوّل على ميدان التحريرفى صراعها مع الاخوان المسلمين بينما للديمقراطية ميادينها الخاصة للصراع ، وحدث ان سبقهم الاخوان اليها واحرزوا اغلبية فى البرلمان المنحل ، ويبدو ان ذات السيناريو سيتكرر مرة اخرى بعد ان اختارت القوى المعارضة ميدان التحرير ارضا للصراع .

                  ميدان التحرير يبدو الآن مصيدة الاخوان الذهبية التى تتيح لهم حبس انشط القوى فى مصر ، ولكنه يبدو من وجه آخر مدعاة لفوضى قاتلة للديمقراطية ، وليحمى الله مصر من الفوضى .

الخميس، 18 أكتوبر 2012

كف العفريت


                    حذر سلفا كير رئيس دولة جنوب السودان جيشه من الانقلاب ضده ، مبينا انه سيفتقد للشرعية لأستحالة حصوله على أعتراف اقليمى ودولى ، اى سيكون  انقلابا فى كف عفريت ، سيتلاعب به يسارا ويمينا وشمالا وجنوبا ثم ينكفىء به على ارضه حربا ضروسا لن تلبث نيرانها ان تمتد فى كل الاتجاهات متجاوزة كل الحدود ، ولقد صدق سلفا كير فى تحذيره حتى وان كانت دواعى الانقلاب دوافعا حقيقية يفرضها واقع دولة الجنوب المزدحم بقضايا ثقيلة على دولة وليدة ، فلقد ظلّت القوى الاقليمية بدءا من الايقاد مرورا بالاتحاد الافريقى وانتهاءا بالامم المتحدة وما بينها من قوى دولية ، تبذل فى جهود جبارة لأيقاف الحرب وابعاد شبحها بين الدولتين حتى تكللت مساعيها بأتفاق اديس ابابا الاخير والذى فتح ابوابا للأمل فى ان يقود مستقبلا علاقات البلدين الى وضعها الطبيعى .

                  فالأنقلاب فى هذا الوقت يعنى تحديا لأرادة هذه القوى مجتمعة ، ويعنى رفضا لأتفاق ابعد حربا كانت وشيكة ويعنى نتيجة لذلك اتجاها لأعادة شبح الحرب ليخيّم ثانية بين البلدين ، فهذه اسباب كفيلة بأن تثنى اى مغامر من التفكير فى الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ، فضلا عن ان السلطة فى حاضرنا الراهن لم تعد تستقيم وتستديم الا فى ظل نظام ديمقراطى له ادواته العادلة والنزيهة المفضية اليها ، كما ان السلاح الذى يأتى بالسلطة يمكن ان ينتزعها ايضا ولكن بتكلفة عالية .

                   ومع ذلك فأن التحذير وحده لا يكفى لردع من يقفون وراء التخطيط للأنقلابات ، وانما يجب ان يتسلّح الحاكم الديمقراطى بقوى شعبه بأعتبارها السلاح الامضى فى مواجهة الانقلاب ، وقوى الشعب اى شعب لن ترضى ان تكون سلاحا فى يد حاكم لا يحترم حقوقها فى الحريات العامة والعدالة الاجتماعية وادارة مواردها بعدالة وشفافية ، فهذه هى الملفات التى تحتاج اى حكومة ان تديرها بالحق والعدل لتضمن رضا شعبها ووقوفه الى جانبها .

                    اتمنى ان تتخطى حكومة الجنوب ازماتها الحالية ، وتتفرغ لخلق حياة كريمة وآمنة لأنسانها الذى رزح تحت ويلات الحروب والقهر والجوع والمرض والجهل عقودا طويلة لم يسلم من تبعاتها انسان الشمال طوال تلك العقود فاصابه منها نصيب جعله يحتل موقعه بجدارة فى كف عفريت الانقلابات الذى يتهددكم الآن .

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

من فى التاسعة ليست عائشة


                 يقول الامام الغزالى ( غباء المسلم خطيئة ) ، ويا لها من خطايا تلك التى انتجها بعض اطراف الفكر السلفى الصاعد هذه الايام فى مصر واخذت تنتشر نارا فى هشيم العالم الاسلامى ، واكبر هذه الخطايا محاولاته الدؤوبة بين الحين والآخر فى خلق مواجهات صادمة بين المسلم وثراثه الاسلامى ، للحد الذى يؤدى بالبعض الى قطيعة تامة مع تراثه ويزج بالبعض الآخر فى ماضى هذا التراث مغيبا تماما عن حاضره ومستقبله ، والآمثلة عديدة آخرها سعيه الهادف لتقنين سن الزواج لتكون التاسعة هى سن الزواج بالنسبة للبنت .

                  ولا شك ان كثيرا من المسلمين قد انتبهوا الى هذا المكر السىء الذى ظنّ ان رفض هذا الهدف المتنافى مع الواقع الاجتماعى لحاضرنا سيقود صاحبه الى مواجهة مع رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام بأعتبار انه دخل على السيدة عائشة رضى الله عنها وهى فى سن التاسعة ، وسيقوده ثانية الى الاصطدام بالنص القرآنى الذى يأمرنا بالاقتداء برسولنا الكريم .

                   لست فقيها فى الدين ولكنى اعلم فيه ما تقتضيه الضرورة على كل مسلم ، واول ما علّمنى دينى من الضروريات ، ان اتدبر وافكر واعقل الامور ، واول الامور التى عقلناه على الصعيد الاجتماعى فى سيرته ، ان زواجه عليه افضل الصلاة والسلام كان لأمر رسالى وبلغ عدد زوجاته اثنى عشر زوجة ، من ضمنهم السيدة سؤدة بنت زمعة وكانت عند زواجه بها قد بلغت سن الخامسة والستين فلماذا يقفون دائما عند زواج السيدة عائشة (رض) وهى التى قالت فيه ( كان خلقه القرآن ) ؟

                   ولأن خير الكلام ما قلّ ودلّ ، فأنه ليست كل من بلغت التاسعة هى السيدة عائشة ، وليس كل من اراد الدخول ببنت فى سن التاسعة رسول من عند الله .

الجمعة، 12 أكتوبر 2012

نوبل للكبار فقط


                  تقاسمت هذا العام كل من امريكا وبريطانيا وفرنسا والصين واليابان جائزة نوبل بالأشتراك فى الطب والفيزياء والكيمياء ، بينما انفرد الاتحاد الاوروبى بجائزة السلام والروائى الصينى مو يان بجائزة الادب ، اى ان الجائزة هذا العام ذهبت الى الكبار فى المنظومة الدولية ، اربعة فى العضوية الدائمة بمجلس الامن والخامسة اليابان من مجموعة الثمانية الكبار , وبذلك اصبحت جائزة نوبل هذا العام للكبار فقط .

                   وبمعزل عن تأريخ بعض دول الاتحاد الاوروبى وتأثير هذا التأريخ على القضايا الشائكة التى تعيشها دول العالم العربى والاسلامى والافريقى ، وبمعزل عن سياسات بعض دوله فى القضايا الآنية التى يعانى منها الامن والسلم الدوليين ، فأن ما حققه الاتحاد الاوروبى من انجازات على صعيد توحيد اوروبا وعلى صعيد نشر الديمقراطية ومبادىء حقوق الانسان فى مختلف الدول الاوروبية كما جاء فى حيثيات اللجنة المانحة للجائزة ، كانت كافية ليستحق عليها هذه الجائزة عن جدارة .

                   فالأنجاز يعد بكل المقاييس انجازا عظيما وملهما ليس للدول المتقاربة ثقافيا فحسب كما شهدنا ذلك فى عدة تجمعات اقليمية على مستوى العالم ، وانما اصبح املا لشعوب العالم المغلوب على امرها و التى تعانى من وطأة الانظمة الشمولية القامعة ومن مخاطر الأنقسامات والأنفصال التى تحيط بالعديد منها ومن قهر الفقر الذى استوطنها اجيالا وراء اجيال ، والامل هنا هو ان تحظى يوما بقادة مثل اولئك لذين فكروا وخططوا ونفذوا لأجل حاضر ومستقبل نجح فى ان يلبى لأوروبا احتياجات وتطلعات شعوبها فى العيش الآمن الكريم وفى الرفاهية التى تطغى على صورة العديد من دولها .


                   التهنئة للأتحاد الاوروبى بهذه الجائزة المستحقة ، وكل الامانى لشعوب العالم التى تحلم بوضع مماثل ، ان يصبح حلمها حقيقة . .

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

فقه البراءة


                    فى مؤتمر الحركة الاسلامية الثامن بولاية الخرطوم تبرأت الحركة من اى ظلم وقع على الناس فى هذا البلد ، وهو اعلان يبدو فى احد وجوهه ، منتهى الجرأة ومنتهى الشجاعة ، ويطمئن الناس ان ثمة تنظيم هنا يأبى الظلم ويتبرأ منه ، وهو امر جدير بالاحترام والتقدير والمؤازرة ، فلا احد يرضى لنفسه الظلم او يرضاه لغيره ، ولكن هذه البراءة عسيرة الهضم على العقل السودانى حين تطلق هكذا بدون مستحقاتها خاصة وان الحركة الاسلامية بالسودان ومنذ 30 يونيو 1989 لم تألوا جهدا فى الامساك بمفاصل الدولة لتحقيق مشروعها المعلن والمعروف ( بالتمكين ) وهو مشروع تمّ تنفيذه بأقتدار بعد احلال كوادرها محل عشرات الآلاف من العاملين الذين فصلوا من الخدمة  ، هكذا تراءت الصورة بجلاء للكثيرين وستظل هذه الصورة راسخة مالم تأتى براءة الحركة المعلنة اخيرا بجديد يهدم هذه القناعة التى صاحبت رؤيتنا لها منذ تسعينات القرن الماضى .

                    ليس هناك ما يدفع ايا من المفصولين لدحض اعلان البراءة هذا وتعزيز الاتهامات المزمنة التى احاطت بهذه الحركة ،واخص المفصولين لأنهم اول ضحايا مشروع التمكين ولأن معظمهم كانت الدولة بالنسبة لهم العائل الوحيد والضامن القوى بعد الله ، ولأن الدولة فى تأريخ هذا الوطن كانت تعنى حامى الحقوق ، ثم جاءت حملة الفصل الجماعى فى اوج سطوة الاسلاميين لتهدم صورة الدولة فى وجدان المفصولين حتى صار الوطن فى نظرهم مجرد حنين عابر ، ورغم المرارات التى خلفتها هذه الحملة الجائرة فليس هناك ما يدفع ايّا من المفصولين لدحض هذه البراءة التى تستوجب بالمقابل ان تكشف لنا الحركة الاسلامية عن القوة التى نفذت هذه الحملة التى غيّرت شكل وجوهر الخدمة العامة فى السودان للدرجة التى دفعت رأس الدولة فى لقاء قبل فترة قريبة ان يعلن مبشرا الخريجين الذين ذاقوا مرارة العطالة عن انتهاء فترة التمكين ؟

                    لست هنا بصدد ربط اعلان البراءة هذا بأى ظل صراع سياسى رغم كثرة الروابط ، ولكنى احمل هذه البراءة مجردة كموقف اخلاقى يقتضى ان يكمل مسار شجاعته بتوضيح ما خفى علينا طوال هذه السنوات حتى لا نفهم اعلان البراءة هذا مجرد اجتهاد جديد يدعى فقه البراءة .

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

تعبير السلاح


                  (هل تظنون الاسلحة - البندقية والقنبلة والصاروخ - مجرد ادوات صماء لا تميل للتعبير عما تختزنه فى داخلها ؟ اذا كانت آلة العود فى بيتك تثير فى نفسك الرغبة فى العزف فلم لا يفعل ذلك المدفع ؟ ) 

           كأنى بالشاعر اللبنانى حسن العبد الله يرد بشاعرية على القلق والمخاوف والتهديدات التى تناولت موضوع الاسلحة الكيماوية والبيولوجية فى ترسانة سوريا العسكرية ، وينذر القلقين والخائفين والمهددين بأن احتمال استخدامها وارد تماما كما يظنون ، فالسلاح موجود والرغبة موجودة منذ امتلاكه او تصنيعه والاثارة تغطى ارض سوريا فى كل الاتجاهات ، ولم يبق على وقت بدء التعبير بالسلاح سوى الوقت الذى تبدأ فيه الدول والمؤسسات الدولية قطيعتها التامة مع النظام القائم فى سوريا او عداءها المكشوف له .

                 فأذا كان المجتمع السورى بكافة مكوناته - النظام ومعارضاته - الوالغة فى عنف متوحش يصدم يوميا فى الضمير الانسانى دون ان تكلف نفسها بأن تعطى الحوار فرصة ، واذا كان المجتمع الاقليمى الذى لم تنفك اكثر دوله تأثيرا ونشاطا فى الشأن السورى تجاهر بعدائها للنظام وشكلت فى خاتمة المطاف اداة دعم لعمليات القتل والدمار الجارية هناك ، واذا كان المجتمع الدولى الذى يقف عاجزا عن تقديم اى دعم لمحاولات الامم المتحدة التى سعت لوقف هذه البشاعات التى تجرى فى سوريا وادى موقفه هذا الى فشل مهمة كوفى عنان ويشى بفشل مهمة الاخضر الابراهيمى ، اذا كان هذا هو المناخ الذى يحيط بسوريا الآن فأننا بلا شك على موعد قريب مع تعبير جديد لسلاح جديد لن يتوانى النظام فى ظل الضغوط العالية التى يتعرض لها او من يمثلونه او قطاعات فى داخله من استخدامه ، فلا يوجد مكان آمن الآن فى سوريا لتأمين هذه الاسلحة الفتاكة ، فالعمليات العسكرية تجتاح البلاد من اقصاها الى اقصاها ، واخشى ان تكون عمليات القصف المتبادل على حدوده التركية اولى النذر التى ستمتد حتما لحدود اخرى يمسك النظام السورى بأوراق مؤثرة داخلها .

                 لا خيار يلوح فى الافق لوقف القيامة القادمة على المنطقة سوى ان يستمر الاخضر الابراهيمى فى مهمته حتى وان اصطدمت بالمستحيل ، فأستمرارها يعنى ان ثمة شرعية فى هذا الخضم الدامى من شأنها ان تكف عن المنطقة دمارا شاملا الله وحده يعلم مآلاته .

السبت، 22 سبتمبر 2012

خلف هذا الجمال

لم يدهشنى هذا الذوق الرفيع فى اختيار الزى ، ولا الاكسسوارات ، ولا الديكور بخلفيته التى ابرزت جمال هذا التشكيل الرائع ، ما ادهشنى حقا ، هذه الطاعة العمياء التى استسلمت لمخيلة مسكونة بالجمال لتخرج لنا هذا المشهد المذهل، وما ادهشنى ثانية صاحب او اصحاب هذه المخيلة التى وجّهت هذه الطاعة الى هذا الفعل الجميل .


لماذا تنتج الطاعة العمياء عند البعض هذا الجمال وتنتج عندنا خلية مزيّنة بأحزمة ناسفة ؟
                     

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

محنة امريكا


                وودرو ويلسون (28 ديسمبر 1856 - 3 فبراير 1923 ) هو الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة الامريكية للفترة من 4 مارس 1913 الى 4 مارس 1921 ، استطاع عبر المبادىء الاربعة عشرة التى تقدم بها عقب الحرب العالمية الاولى الى الكونجرس الامريكى ان يؤسس لمعاهدات ومواثيق سلام عامة انبنت عليها العلاقات الدولية وكان من نتائجها انشاء عصبة الامم التى انتهت الى منظمة الامم المتحدة لاحقا ، الا ان اهم هذه المبادىء التى لايزال عالمنا اليوم يحتاجها بشدة هى :
              
              1- تخفيض التسلح الى الحد الذى يكفل الامن الداخلى
              2- وضع ادارة عادلة للمستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانها .

وقد الهمت هذه المبادىء شعوب العالم التى خضعت ازمانا طويلة للادارات الاستعمارية ، فسعى شبابها على هديها فى اقامة تنظيماته السياسية للتحرر من قبضة الاستعمار ، ورغم انتهاء الحقبة الاستعمارية الا ان الحاجة الى ادارات عادلة تنفذ ما يحقق مصالح سكان هذه المستعمرات السابقة صارت فى منطقتنا العربية والاسلامية ، الحلم المستحيل ، كما ان مبدأ تخفيض التسلح حسب احتياجات الامن الداخلى رغم انه مبدأ كان يخص اوروبا بالدرجة الاولى الا انه تسلل الى دول هذه المنطقة نتيجة لخطل السياسات التى اتبعتها الحكومات الوطنية وقاد عدم التقيد به الى ان يصير مشروعا ثابتا لدى الحكومات يستأثر بنسبة عالية فى ميزانياتها ظل يثقل على كاهل مواطنيها بحيث صار مستعمرا اشد قسوة من المستعمرين السابقين .

                وما يهمنى هنا انه وبالرغم من هذا التأريخ المشرق لأمريكا الذى وقف مع الشعوب المستضعفة بكل نبل ، نجد ان القوى السياسية التى بيدها النفوذ اللازم لصنع القرار السياسى او التأثير عليه فى منطقتنا ظلّت علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية مجسدة فى عبارة الرئيس اوباما عن الحكومة المصرية الاخوانية (ليست عدوا ولا حليفا) بل للمفارقة كانت علاقات النخب التى حكمت المنطقة فى معظمها قائمة بقوة مع الدول التى استعمرتها من قبل لأسباب اهمها الربط او التقييد الاقتصادى فضلا عن المخاوف الناتجة من السياسة الأستعمارية الذكيّة التى خبأتها فى الخريطة السياسية لحدود كل دولة وفى خريطة توزيعات السلطة والثروة داخل كل دولة وتبعا لذلك فقد قتل مبدأ تخفيض التسلح الى الحد الذى يكفل الامن الداخلى ومبدأ الادارة العادلة القادرة على تنفيذ ما يحقق مصالح سكان تلك المستعمرات او الدول المستقلة حاليا فليس هنالك فرق كبير بين وضعهم فى الحالتين .

               ونظرا لأن بقية المبادىء كانت تهم الدول الاوروبية وتشكل احدى معضلاتها الدامية فقد استأثرت بجل اهتمام الادارات الامريكية المتعاقبة ، وتزايد هذا الاهتمام مع قيام الاتحاد السوفيتى سابقا طوال فترة الحرب الباردة حيث اكتفت تلك الادارات بحلفائها الاوروبيين وبدت مجمل علاقاتها القائمة مع دول المنطقة مبنية من خلال علاقات الدول الاوروبية ، فمعظم القوى السياسية والاجتماعية البارزة فى المنطقة احتفظت بعلاقاتها مع مستعمريها السابقين دون ان يعنى ذلك انتقاصا من وطنيتهم ولكن طبيعة المشروع الاستعمارى فرض داخل مستعمراته السابقة واقعا ارتبط به ارتباطا وثيقا يصعب الفكاك منه الا من خلال انقلاب هنا او هناك اما معاديا كليا للغرب او متحالفا كليا مع امريكا كدولة تحظى بأولوية سياساته وموارده .

                  ثم نشأت القضية الفلسطينية كصناعة اوروبية محضة بريطانية الفكرة ، وتولّت امريكا الدفاع عن هذه الصناعة عقودا طويلة الى ان تبيّن لها اخيرا ما احدثته مواقفها منها فى المحافل الدولية من اضرار بليغة عجزت كل جهودها اللاحقة فى ايجاد حل نهائى لها مما شكّل طوال تلك العقود تأريخا من الكراهيّة وسط شعوب المنطقة ، وايّا كانت مبرراتها فى انتهاج تلك السياسة الا ان تلك السياسة قد ادت الى تحويل الغضب الشعبى الكبير الذى كان موجها الى (وعد بلفور) ليتجه مباشرة نحو امريكا .

                  الآن تبدو امريكا فى حالة خلق مستميت لحليف او حلفاء اقوياء فى المنطقة العربية والاسلامية ولأن معظم قوى المنطقة الكبيرة لها ارتباط تأريخى طويل مع دول اوروبا فأن المتبقى من قوى المنطقة كحركات الاسلام السياسى التى برزت بشكل منظم فى عدد من الدول العربية والاسلامية لاتزال تفتقد الى ثقة الشعوب وتتكاثر حولها المخاوف من برامجها الموضوعة التى شهدنا بعض ملامحها فى التجربة السودانية وفى قطاع غزة .

                  لقد بذلت امريكا فى السنوات الفائتة جهودا كبيرة لكسب احترام شعوب المنطقة بدءا بمواقفها الاخيرة من القضية الفلسطينية مرورا بمساندتها لقضايا الحريات والحقوق وانتهاءا بقطيعتها مع الانظمة القمعية ودعم التوجهات الديمقراطية الا ان ظل اوروبا الذى لازمها طويلا وقف حاجزا امام بناء علاقات قوية مستديمة بالمنطقة ، وتكفى الحالة الليبية نموذجا لذلك ، فسيناريو سقوط نظام القذافى بدأت اولى خطواته فى القمة الافريقية الاوروبية التى اعد لها وتبناها القذافى وحضرها اكثر قادة اوروبا دهاءا ومكرا يقف على رأسهم الرئيس الفرنسى السابق ساركوزى الذى لعب الدور الاكبر فى اسقاطه ، ورغم ان اولى الهجمات العسكرية قد نفذها حلف الناتو بمعزل عن امريكا الا ان اشتراكها المؤخر الذى جرته لها اوروبا حملّها وزر العمليلت العسكرية كلها ودفعت ثمنه مقتل سفيرها ببنغازى ، السفير الموسوم لدى اوروبا بدوره البارز فى حسم الامور على ارض ليبيا ابان العمليات .

                امريكا فى محنة ليس للمنطقة علاقة بصناعتها ، وعليها العودة الى مبادئها التى تتحاكم بها فى ارضها وتبسطها على سياستها الخارجية لتخرج من تبعات هذه المحنة وعليها ان تعلم بأن معظم العناصر الموسومة بالنشاط والحيوية فى المظاهرات التى تخرج منددة بسياساتها هى اكثر العناصر حلما بأن تعيش فى ظل دولة كأمريكا .

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

زبد يذهب جفاءا


                   لا شىء فى هذا العالم يترك سدى ، لا الاديان ولا الرسل ولا الدول ولا الحكومات و لا التنظيمات ولا الاشخاص ، فالشر القابض على كثير من مفاصل الحياة فى هذا العالم ما انفك ينفث زبده فى وجه كل جميل على مر القرون ، وعلى مر القرون ظلّ الزبد يذهب جفاءا ويمكث فى الارض ما ينفع الناس ، و ذهبت من قبل الكتابات والحكايات والرسوم التى اساءت الى رسولنا الكريم هباءا ولم يبق منها الا شبح ميّت فى ذاكرة شريرة يحاصرها جماله كلما طفحت شيئا من نتانة مخزونها .

                   والشر الذى انتج واخرج الفيلم الأخير الذى خلّف وراءه ما خلّف من ضحايا ومن خراب ولا ندرى ما سيخلفه فى مقبل الايام ، يجب ألا نأخذ نتائجه فى كل من القاهرة وبنى غازى التى طافت بها الميديا العالمية بمعزل عن صراعات المنطقة بدءا من القضية الفلسطينية مرورا بالحرب على الارهاب وانتهاءا بصعود الاسلاميين الى السلطة ، فالعنف المفرط الذى صاحب مظاهرات الاحتجاج من قبل المسلمين الذين توجهوا الى مقار البعثات الدبلوماسية الامريكية فى كل من القاهرة وبنى غازى ، جاء مدفوعا فى تقديرى بثقل القضايا المذكورة آنفا وعلى وجه الخصوص عمليات الحرب على الارهاب ولا علاقة له البتة بنوايا غالبية جموع المسلمين المسالمة التى ارادت ان تعبّر عن غضبها من هذا الفيلم امام البعثات الامريكية فى كل من البلدين ، والدليل على ذلك نجده جليّا فى كثير من التغريدات على موقع تويتر والتعليقات على الفيسبوك التى ربطت مقتل الدبلوماسى الامريكى بعمليات القتل التى طالت الابرياء و تقوم بها الطائرات الامريكية بدون طيّار فى المناطق التى تدور فيها عمليات الحرب على الارهاب ولأن ابناء مصر وليبيا داخل التنظيمات الاسلامية المتشددة هم العناصر الاكثر فاعلية فى مواجهات تلك الحرب، فمن البداهة ألا تمرر فرصة الحشود امام البعثات الدبلوماسية دون ان تقوم بتنفيذ عمل ما ، والسيرة الذاتية للسفير الامريكى التى نشرتها البى بى سى العربية والتى توضح ارتباط السفير المبكر بمنطقة المغرب العربى وموقعه العسكرى الرسمى ابان عمليات الناتو فى مواجهة نظام القذافى تؤكد ان الراحل من الطبيعى ان يكون هدفا سمينا لأكثر من جماعة مسلحة فى ليبيا سواء تلك المؤيدة للنظام السابق او تلك المرتبطة بتنظبم القاعدة ولا علاقة لمقتله بجموع المسلمين الليبيين الذين استفزتهم الاساءات التى الحقها الفيلم برسولنا الكريم .

                    اما فى القاهرة فأن الأجندة السياسية كانت الاغلب حضورا فى الحشود التى احاطت بالسفارة وكان استهدافها للعلاقة التى ربطت الاخوان المسلمين الذين صعدوا الى السلطة اخيرا بالولايات المتحدة الامريكية اقوى من تعبيرها عن الغضب من الاساءات التى طالت رسولنا الكريم فى الفيلم الذى اتاح مناخ الحريات بأمريكا لصانعيه الاشرار ان ينجزوه ليصيب بعفنه اول ما يصيب الارض التى تم انجازه عليها ، فالأسئلة التى طرحت اثناء وعقب التظاهرة ومن قيادات اسلامية بارزة فى مصر تسآلت عن غياب وخفوت صوت الاخوان المسلمين فى هذا التجمهر الذى خرج (لنصرة الرسول) .

                     ان الاضرار التى تسببها الاساءة للأديان على صعيد العلاقات بين الدول وعلى صعيد الضحايا الابرياء تستوجب من المجتمع الدولى ان يتحرك عاجلا لحسمها نهائيا ، فحرية التعبير لا تعنى ايذاء مشاعر الملايين من اتباع الاديان .

                    
                    
                    

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

الهام شياطين



                     الجدل الذى دار فى مصر حول الاساءات البذيئة التى وجهها الشيخ الدكتور عبد الله بدر استاذ التفسير وعلوم القرآن للممثلة الفنانة الهام شاهين ، يبدو فى ظاهره شأنا مصريا عاديا محضا لولا اقحام الدين فيما نتج عن هذه الأساءات من تداعيات ، فالجرأة التى استلّ بها الشيخ حديثا مما رواه البخارى واحمد ليسند موقفه فى سبه البذىء ، اضافة لأتكاءته العجلى على نص قرآنى ، ادخل المتابع لهذه القضية فى حيرة عما اذا كان المستهدف من وراء هذا السب البذىء هو الهام شاهين ام هذه النصوص التى استند عليها ؟
   فحينما ينسب قول فى شئون الدين لأستاذ فى التفسير وعلوم القرآن فأن هذا القول يكتسب من المصداقية والقبول حدا يضعه فى مصاف الحكم القاطع لدى كثير من المسلمين ، ويصبح القول لدى غير المسلمين شهادة مؤكدة من شاهد لا تقبل شهادته الطعن ، وشهادته فى حالة الهام شاهين تقول وفقا لما استند عليه ان السب المقذع والبذىء فى ديننا و ثقافتنا امر جائز ولا تثريب فيه ، ولكن ذات الشهادة حينما نأخذها بوصفه استاذ التفسير وعلوم القرآن تأخذنا مباشرة الى سجالات عصر التدوين ومسائل الجرح والتعديل والجدل الطويل الذى دار وما زال يدور حول النص القرآنى والحديث حتى بلغ فى حالة الهام شاهين لدى بعض المغالين من المعلقين على اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعى بالفيسبوك وتويتر حدا طالت فيه تعليقاتهم القرآن الكريم ، فهل نلوم الدكتور عبد الله بدر على هذه الجبهة التى فتحها بكل ما تعتمله من نيران ؟.

                    مع تقديرى الكبير للفنانة الممثلة الهام شاهين ، ومع قناعتى التامة فى مشروعية حقها فى الدفاع عن نفسها وعن سمعتها ، الا ان الواقعة تبدو لى فى الاطار السياسى الذى يحكم مصر الآن ، احدى الاختبارات القاسية التى تواجه اى تنظيم يصل السلطة بنهج دينى  وتواجه مواطنيه بقدر اكبر، والهام شاهين فى هذا السياق تبدو زريعة او ضحية لأجندة تسعى لمواجهة الحكم القائم بحكم الدين الذى اتخذه منهجا للوصول الى الحكم ، وهى بداية تشى بمستقبل غائم بشتى الاجتهادات الدينية التى يبدو السب اهون امرها ، ففى مثل هذا المناخ يبدو موقف الدكتور عبدالله بدر اكثر اتساقا واقوى حجة من مشهد لممثل سينمائى او مسرحى يسعى لبسط قيمة انسانية رفيعة والخشية كل الخشية ان يتلبس احد النافذين الهام الشياطين فينتقى ويشيع بوعى منه او بغير وعى مما سكت عنه علماؤنا الاجلاء على مر العصور رحمة بالاسلام والمسلمين واستجابة لمقاصد الدين الرامية لتهذيب البشر وبسط السلام والطمأنينة والامان فى مجتمعاتهم .

الجمعة، 17 أغسطس 2012

اسانج مرة اخرى

   

                    لا تزال محنة جوليان اسانج مؤسس موقع ويكيليكس قائمة ، وتبدو اختبارا جادا للمبادىء والقيم والمواثيق المتعلقة بالأعلان العالمى لحقوق الانسان ، والتى شكلّت المعيار الذى بموجبه ظلّ الغرب بحدد شكل علاقاته مع الدول والانظمة والحكام ، فالموقف البريطانى القائم حاليا والمتحدى للأعراف الدبلوماسية يأصراره القبض على جوليان اسانج المقيم حاليا بسفارة الاكوادور بلندن بعد حصوله على موافقتها بمنحه حق اللجوء السياسى ، يمتد اثر انتهاكاته الى مبدأ اللجوء نفسه الذى شكّل على مر العصور احد الخيارات المضمونة للافراد والجماعات لحماية حياتهم من عسف الحكام او ضغوطات الحياة فى بلادهم .

                     فبغض النظر عن البلاغ الجنائى الذى يواجهه مؤسس ويكيليكس فى السويد ، ومع الاقرار بضرورة التمسك بمبدأ ان يأخذ القانون مجراه فى القضايا الجنائية ايّا كانت صفة الشخص محل الاتهام ، الا ان الظروف التى احاطت بهذه القضية تجعل من الموقف البريطانى والسويدى المتشدد ازاء القبض على جوليان اسانج يفيض بشبهة سياسية يبدو معها الاتهام الجنائى آخر اهتماماتهم ، والا فما الذى يمنع ان تسمح بريطانيا بتكملة اجراءات لجوئه ومن ثم تضغط مع حكومة السويد على الاكوادور لأتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة فى البلاغ محل هذا النزاع وتوقع العقوبات اللازمة عليه اذا ثبتت ادانته وتنفذ بالأكوادور ؟

                     تعقيدات هذه القضية تتجلى فى حساسية المبادىء والقيم والحقوق التى تحيط بها ، واى تجاهل او تجاوز لأى منها يطعن بشدة فى احدها وفى الضمير ، فمبدأ حق فتاة السويد التى زعمت اغتصابها يقتضى ان تأخذ الأجراءات الجنائية مجراها الى ان تبين حقائق تهمة الاغتصاب وحتى لا يفلت جوليان اسانج من العقوبة اذا ثبتت ادانته تحت زريعة البعد السياسى الناتج من تداعيات نشره لوقائع كواليس الدبلوماسية الامريكية ، وهى مسألة تقتضى فصلها فى الحالة القائمة الآن عن مسألة حقه فى اللجوء ، لسبب بسيط وهو ان اللجوء لا يمنع اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية حق فتاة السويد .

                     يجب على الضمير العالمى ان يتحرك بجدية لحماية حق اللجوء بالسماح بتكملة اجراءات لجوء جوليان اسانج للأكوادور ويواصل تحركه مع حكومة الاكوادور لحماية حق فتاة السويد فى معاقبته اذا ثبتت صحة اتهامها .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...