الأربعاء، 27 فبراير 2013

لمن تكال اللعنات ؟


                       السقوف والحوائط المزدانة بالنجف والثريّات والاباجورات والابلكات واحدث حليات الكريستال ، بقدر ما تثير الدهشة والمتعة تثير ايضا الأسئلة المغرضة ، اىّ ظلمة موحشة تلك التى استدعت كل مهرجان الضوء هذا ؟ وأى زيت ذلك الذى اختبأ فى حلكات تلك الظلمة ليغذى هذه النجمات التى تدلّت من السقوف والحوائط عناقيدا من ضوء؟ وهل هو زيت ام عرق ودم تمتصه ظلمة من خلفها ظلمة من خلفها ظلمات كقاع البحر ؟ لست فى حاجة الى اجابة فليس هذا موضوعى وانما فرض المشهد نفسه بما لتلك الحلى الانيقة من قدرة فائقة على استدامة الضوء عاما اثر عام دون ان يحتاج صاحبها الى مراجعة المغالق اسبوعيا لشراء بديلها كما تفعل معنا لمبات النيون التى ملأت اسواقنا هذه الايام .

                       فى بيوت امدرمان القديمة لازالت هنالك بعض الحنفيات او صنابير المياه تعمل منذ عهد الادارة البريطانية ، اى اكثر من نصف قرن وبذات الكفاءة ، ويستطيع اى تلميذ فى الاساس صيانتها خلال خمسة دقائق ، فما الذى اصاب اسواقنا حتى تأتينا بلمبات النيون هذه لتحشر نفسها بسفالة فى ميزانية البيت المتآكلة يوما بعد يوم ؟

                       قال رسولنا الكريم ضمن ما قال ( ليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ) الى آخر الحيث ، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال ايضا ( من غشنا ليس منا ) ومن هو ليس منا وما انفك يغش فينا وبأضعف الايمان اصب بكل الغضب والغبن الذى عرفه الانسان يوما اسوأ اللعنات على كل من غشنا فى شرابنا وطعامنا وعلاجنا ، اما فيما يختص بلمبات النيون فاللّهم اطفىء بصر وبصيرة صانعها وموردها وموزعها وبائعها ومن قبلهم ومن بعدهم مسئولى المواصفات الذين سمحوا بأدخالها الى بلادنا واخص فيهم اولئك الذين جعلوا بلادنا ارضا لنفايات صناعية الله وحده يعلم ما ينتظرنا من ورائها من كوارث .

                       احس فى هذه اللحظات ان جداتى كنّ اكثر ثورية فى غضبهنّ على هؤلاء المحتالين المجرمين ، اذ يطال دعاؤهنّ كل افراد اسرهم كأنهنّ بذلك الدعاء الشامل والشائع يكتبن قائمة سوداء بالمنبوذين فى المجتمع ، لقد كنتنّ بحق اعظم من اجهزة الرقابة الحالية التى تصرف عليها الدولة الملايين ولا يزال عائدها فى كثير من الحالات مرض المواطن وافلاسه ، الف رحمة ونور تنزل عليكنّ .

                   

                        

الاثنين، 25 فبراير 2013

ابل الرحيل


                      الماء عند العرب كاد ان يكون دينا من كثرة ما اطلقوا عليه من اسماء ونعوت فى كلامهم وتدفقت بعضها فى عذب اشعارهم قديما وبعد الاسلام ، وحظيت ماء زمزم وحدها بأكثر من 36 اسما ، وتستطيع ان تحصى اكثر من مائة مفردة فى هذا الخصوص ، وللثعالبى فى (فقه اللغة وسر العربية) قول كثير حوله ، وحفل القرآن الكريم ب 23 نوعا من الماء ولكن الآية 16 من سورة الجن لم تكن شرحا وتفسيرا وتأكيدا لقوله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شىء حى ) وانما بيّنته اعظم هدية يهبها الله للخلق ، ولكنه سبحانه اشترط على نيلها الاستقامة ( ولو استقاموا على الطريقة لآسقيناهم ماءا غدقا ) والماء الغدق يعنى حياة ونماءا ووفرة فى كل شىء ، وكنا فى السودان نفاخر بأرض تجرى من فوقها ومن تحتها الانهار ، 15 نهرا ما بين دائم وفصلى ، وسماء مدرارة جعلتنا من ضمن شعوب الارض الغنية بأحتياطيها من المياه العذبة ، ومن ضمن شعوب الارض التى تزيّنها الاستقامة تماما كما تزيّن المياه ارضنا بالخضرة وبالشبع .

                    فوفرة المياه فى الثقافة العربية الاسلامية تعنى معيارا للأستقامة او مؤشرا لرضا الخالق او هكذا يجب ان تكون ، فكم بقى لنا من تلك الانهار التى كنا نفاخر بها ، وكم خريف استدعى علينا الجفاف وخوف الجوع ؟ لقد بلغت السياسة تمام قدرتها على تغيير الجغرافيا واصبحت الاستقامة رهينة لمشيئتها وبالتالى حياة ومستقبل الشعوب ، وسياسة دول المنبع الآن تريد ان تطبق علينا بيت الشعر العربى :
                    كالعيس فى الصحراء يقتلها الظمأ   والماء فوق ظهورها محمول
الاتفاقية الجديدة التى اعدتها دول المنبع لتغيير حصص دول حوض النيل من المياه وتسعى جاهدة لأن تخضع لها كل من السودان ومصر ستجعلنا هنا كظهر العيس ننظر الى ماتبقى من انهارنا ولا نستطيع ان نغرف منها الا كفافا ليمضى كثيره الى حيث يمضى، فالغفلة لا زالت تقبض بمفاصل تفكيرنا بعيدا عن هذه القضية الحيوية ، وللغرابة ان ينعقد يوم غد بالقاهرة الاجتماع الثالث للجمعية العمومية للمجلس العربى للمياه من 26 فبراير الى 28 منه ، ووسائل اعلامنا وقادتنا من السياسيين ومن غيرهم اخذت صراعات السلطة والثروة جل اهتماماتهم دون ان يحظى هذا الاجتماع لمنظومة استشعرت اهمية قضية المياه فى العالم العربى ولو بقدر قليل من الاهتمام ، واسعدنى جدا توجه السيّد الصادق المهدى رئيس حذب الامة وامام الانصارالى قاهرة المعز فى اوج معتركات السياسة ببلادنا لمتابعة هذا الاجتماع ومخاطبة جلسته الختامية ، فالماء اصل الحياة وبدونه لن تبقى لنا لا سلطة ولا ثروة لنتعارك عليها ، فله التحية والتقدير .

                   من لا يصدق ان قرننا هذا هو قرن حرب المياه العذبة ، فليلق نظرة الى ميزانيات الرحلات الفضائية الباحثة عن المياه فى كواكب كانت محلا للشعر والغزل ، ثم يعود ليلقى نظرة على تكلفة الترتيبات التى تمت فى منطقة البحيرات بدمائها وارواحها ، ويلقى نظرة اخيرة للتكلفة الجارية حول ترتيبات ملحقات منطقة البحيرات ونال فيها السودان حتى الآن نصيب الاعمى من طعام مائدة اللئام ، اخشى ان لم ننتبه لهذه القضية ونوليها الاهتمام المستحق ان نصير كما قال شاعرنا :
                              زى ابل الرحيل شايلة السقا وعطشانة  

                      

الثلاثاء، 19 فبراير 2013

خلف الفساد


                        الحديث عن الفساد اغلبه مالى ، وصار سيّد الاحاديث سواء المنشورة على مختلف وسائل الاعلام والنت او المتداولة فى المجالس على اختلاف مناسباتها ، حتى صار امرا معتادا على الاذن السودانية ، وكاد ان يصبح فعلا عاديا من كثرة ترداد حكاياته ، قديمها وجديدها ، وبسبب غياب رد الفعل الرسمى والشعبى ايضا ، فأذا وجدنا العذر للجهات الرسمية بأعتبارها محل الاتهام وبالتالى القت مسئولية اثباته على من ادعى عملا بالقاعدة ( البيّنة على من ادعى ) فما هو عذر الجهات الشعبية او منظومات المجتمع المدنى التى تقول به ،, وتكتفى بالقول فقط دون ان تطوّر موقفها هذا الى فعل قانونى امام القضاء ، حتى لو اضطرت الى خلق منظومة من المحامين والقانونببن تختص بهذا الجانب فى قضايا المال العام الذى هو ملك الشعب .

                         ولأن حجم الاموال المحسوبة فى دائرة الفساد ، والمتداولة بين شرائح او فئات او تنظيمات بعينها حسب الحكايات الجارية ، تعادل تقريبا حجم ميزانيات بعض الدول الافريقية الغارقة فى الفقر ، فان الامر برمته فى تقديرى يخرج من دائرة الفساد الى دائرة قسمة الثروة وفقا لمعايير جديدة ، حاكمها الاقوى تلك السلطات الاصيلة والتقديرية الموزعة بين ايادى من يقتسمون السلطة ، والتى تمّ توظيفها بالكامل لمصالحهم دون ان يحول النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى بينهم وبين بناء ثروات ضخمة ، تجلّت بشكل سافر ومتحدى فى المدن الفاخرة التى نبتت مثل غابات شيطانية ، فى بلد يعيش غالبية سكانه تحت خط الفقر ، ذات الفقر الذى دفع ببعض الممسكين بمفاصل الدولة الآن ، ان ينتهكوا هذا النظام الاخلاقى ، ويخرجوا انفسهم من دائرته التى ابقتهم اجيالا طويلة فى ظله ، بمعنى آخر ، هنالك نقلة نوعية فى النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى ، بدأت ملامحها جليّة منذ ان سكت هذا المجتمع بكامل مؤسساته عن عمليات الفصل الممنهجة التى طالت عشرات الآلاف من العاملين بالدولة ، واستباحت حقوقهم ، وأحلّت شواغرهم لمن احلّت ، وظلّت قضية هؤلاء المفصولين على مدى اكثر من عقدين من الزمان ، مثل حكايات الفساد المتداولة حاليا ، تسمعها الاذن ولا تحرك فى صاحبها ذرة من مشاعر .

                          بمعنى اكثر دقة ان النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى ، اصبح قابلا للتأقلم مع اى فعل ينتهك الحقوق او الاموال او الحريات ، طالما ان هذا الفعل يتيح لآخرين فرصة التمتع بتلك الحقوق والاموال والحريات ، او بمعنى اكثر سخرية ان النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى ، انجز بسكوته المبكرعلى قضية المفصولين ، معيارا جديدا يتيح تداولا انتهازيا و اقصائيا للثروة  وللسلطة ايضا ، وعلى المغرمين بتناول حكايات الفساد ، والذين استفزهم ناتجه من الاموال ، وما بنته من رفاهية ، ابحثوا عن العلّة فى النظام الاخلاقى الذى انهارت قيم الطهارة فيه ، بحيث اصبح من العسير التمييز بين ما هو حلال وما هو حرام ، بين الشرعى والمحتال ، فالقدرة على تزييف الحقائق كما يقولون ، فاقت قدرتنا على اكتشافها ، وما عاد الخوف والحذر والابتعاد من تبعات عبارة (من اين لك هذا) قائما ، التملّك يمضى قدما ليصبح سيّد المجتمع ، طالما ان العدل والانصاف فى حالة سبات طويل .
                          

                          

                           

السبت، 16 فبراير 2013

حد الحرابة فى زماننا


                       عقب انتفاضة ابريل 1985 كان الجمهوريون الوحيدون من دون كل القوى فى السودان ، الاكثر صمتا وكمونا على الساحة السودانية بالرغم من ان اعدام زعيمهم الروحى والفكرى محمود محمد طه كان احد الاسباب المباشرة التى قادت الى الثورة ، ومنطقهم فى ذلك ، ان القوانين التى كانت مثار جدل طويل وادت فى خاتمة الامر الى اعدام زعيمهم الذى كان له النصيب الاكبر فى مواجهة تلك القوانين بالرفض لا زالت سارية ، وهى القوانين المعروفة بأسم قوانين سبتمبر والتى ادخلت عقوبات الحدود ضمن عقوباتها .

                       ولا شك ان كثيرين قد تفاجأوا يوم الخميس الماضى 14\2\2013 بتنفيذ حكم حد الحرابة بالقطع من خلاف على احد المدانين بقطع الطريق والنهب تحت تهديد السلاح ، واستغرقت اجراءات هذه المحاكمة قرابة السبع سنوات حتى تاريخ تطبيق الحكم ، وهى فترة كافية للتيقن من سلامة الاجراءات الشكلية والموضوعية وتطابقها مع مقاصد شرع الله ، ولست هنا بصدد الجدل حول صحة هذا التطابق والتطبيق لشرع الله مع حالة المدان الذى نفّذ فيه الحكم يوم الخميس الماضى ، فهو امر يحتاج الى علماء وفقهاء فى الشرع والقانون لهم قدراتهم الفنيّة والاخلاقية التى تمكنهم من الحكم على هذه الحالة فى ظل زماننا هذا ، فلكل مجتهد نصيب .

                       ما يهمنى هنا ، هذا التماهى الغريب للدولة فى اى مكان فى عصرنا الراهن مع فكر المجرمين شكلا وموضوعا وعلى وجه التحديد فى حالة المجرمين المدانين فى جرائم الحرابة ، فأذا نظرنا الى نقاط التفتيش المنصوبة على الطرق السريعة او فى مداخل المدن ومخارجها ، هى من حيث الشكل شبيهة بقطع الطريق خاصة بعد ان اصبحت مرتكزا للجبايات ، فالأفراد فى هذه النقاط مسلحون ايضا وثمة اموال تنتزع من العابرين بالبضائع والفرق الوحيد هو اليونفورم المعبّر عن رسميّة وشرعية الفعل ، ولكن رسميّة وشرعية الفعل تصاب فى كثير من المواقف بالتجاوزات المعلومة سواء اكانت فردية نابعة من ضمائر خربة او مع سبق الاصرار والتحدى لقرارات رسميّة ، كما فى حالات بعض الجبايات التى سبق للسيّد رئيس الجمهورية ابطالها وظلّ تحصيلها يتم تحت الاكراه بقوة نقطة التفتيش ، فكيف يطال الشرع مثل هذه الحالات الناتجة من بنية الدولة والمماثلة لحالة قطع الطريق ؟

                      ولكن هذا التماهى الغريب للدولة مع فكر المجرمين يقابله تماه غريب للمجرمين مع بعض الفكر الدينى الوارد فى بعض المأثورات كالقول الذى ينسب تارة لسيدنا على بن ابى طالب وتارة للصحابى الجليل ابو ذر الغفارى والذى يقول ( عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه ) فالفساد فى بنية الدولة يقابله فساد فى فكر الرعية اما جهلا بمقاصد القول واما جهلا بصحة القول ونسبته ، وهو امر يدعو للحيرة عما وصل اليه حال المسلمين مقارنة بما كان عليه فى الزمن الراشد حيث كان تعثر بغلة فى اقاصى الامصار يخشى اولو الامر ان يسآلوا عليه .

                      لا اعتقد ان هناك من يكابر ان الاديان السماوية بمختلف عقائدها قد حمت البشرية من اكثر جرائمها بشاعة منذ عهد القرابين البشرية الى عهد العبودية ، وقد اختص ديننا الاسلام من بين كل الاديان بالسعة فى كل ما يخدم الناس ويصلحهم ، وهاهو ربعى بن عامر وهو يجيب على اسئلة كسرى يقول ( ان الله ابتعثنا لأخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ) ، ولا اعتقد ان هنالك من يتعاطف مع قاطع طريق طالما نحن فى سعة من دنيانا ، ولكننا بلا شك اكثر حرصا على عدل ديننا حتى وان اقتضى ذلك الحرص قطعا من خلاف شريطة ألا يدخلنا  فى زمرة جور الاديان .

                     

الأربعاء، 13 فبراير 2013

ايريك واميلى لتجارة الرقيق


                       ما يقارب الست سنوات ظلّ الذين تابعوا واحدة من ابشع جرائم الألفية الثالثة - الاتجار بالبشر  - ينتظرون ما تسفر عنه اجراءات العدالة تجاه ( The Arche de Zoe ) الجمعية الزائفة التى قبض عليها وهى تحاول تهريب 103 طفل افريقى معظمهم من دولة تشاد بأعتبارهم من الايتام المحتاجين للأنقاذ من تداعيات الوضع المتدهور فى دارفور آنذاك وذلك بعرضهم للتبنى فى فرنسا واوروبا ، والقصة بتفاصيلها المخزية كانت قد تناولتها عدد من وسائل الاعلام فى حينها .

                       المهم فى الامر ان الحكومة التشادية كانت قد حكمت على هذه العصابة بثمانية سنوات سجن مع الاشغال ، وبموافقة من الرئيس التشادى ادريس دبى حوّل ملف القضية الى القضاء الفرنسى ، حيث اصدر حكمه على ايريك بريتوا وصديقته اميلى ليلوش بسنتين سجن بأعتبارهما القائمين على الجمعية وغرامة 100000 يورو على الجمعية واحكام اخرى لمعاونيهم .

                        ما يدعو للغضب والمخاوف والاسئلة المؤلمة هنا ، كم عدد العمليات المماثلة التى سبق ان نفذتها ذات الجمعية والجمعيات المشابهة فى مناطق النزاعات بأفريقيا وعلى مستوى العالم دون ان يتم كشفها ؟ واذا وجدنا العذر لضعف اجهزة الرقابة فى افريقيا من الناحية الفنيّة والمادية التى عبرت من خلالها مثل هذه الانشطة الاجرامية فكيف نجد العذر لأجهزة الدول الاوروبية التى ما انفكت تتباهى بقدراتها فى هذا المجال ؟ والاهم من ذلك هل تخضع الجمعيات العاملة فى الحقل الانسانى فى مناطق النزاعات لرقابة دقيقة لأنشطتها من قبل اجهزة دولها التى منحتها رخصة مزاولة النشاط ؟

                         لقد كشفت هذه القضية حنين بعض العقل الاوروبى لتأريخ الثراء الفاحش الذى انتجته تجارة الرقيق ، واستدعى اساليبه الاجرامية الماضية والحالية لتغطية استئناف هذه التجارة البشعة من جديد ، ففى الوقت الذى بذلت فيه الحكومات الاوروبية كل جهد ممكن ومستحيل لتتغطى اخلاقيا فى مكافحتها لهجرة الافارقة ، نجدها ومن خلال هذه الجريمة التى تمت تحت غطاء التبنى تفتح نافذة عريضة لترحيل هؤلاء الاطفال الافارقة الى داخل اراضيها ، فهل تتكرم علينا حكومات الدول الاوروبية بمراجعة شرعية عمليات التبنى التى تمت خلال العقد الفائت والتأكد عما اذا كان اولئك الافارقة المتبنيين لا زالوا يحيون حياتهم هناك وبكامل صحتهم او هيئتهم الصحية التى خرجوا بها من اوطانهم الأم ؟

                       اصبح الشك سيّد النظر للمنظمات الغربية العاملة فى حقل النشاط الانسانى فى مناطق النزاعات بأفريقيا ، اذ يبدو ان الانسانى فى جدول مهامها ان لم يكن غطاءا لأنشطة اجرامية او ربحية  ناتجة من خدمات استخبارية او معلوماتية مختلفة ، فهو آخر اهتماماتها ، وعلى ضوء هذه القضية وفى ظل الازمة المالية التى تمسك بخناق العالم وفى ظل المرونة الاخلاقية العالية التى بدت ملامحها واضحة فى تعاطى بعض الدول الاوروبية والغربية فى النزاعات الدامية فى افريقيا اخشى ان تعود الينا جمعية The Arche de Zoe تحت لافتة (ايريك واميلى لتجارة الرقيق) 

الاثنين، 11 فبراير 2013

فى ذكرى تخلى الرئيس


                        ( الثورة مستمرة ) هى العبارة الامثل لتوصيف الحالة المصرية ، فخطاب تخلى الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك والذى اذاعه اللواء عمر سليمان نائبه المستجد ورجل المخابرات (الاسطورى) كان اكبر خدعة ابتلعها الشعب المصرى بكل سهولة ويسر وقام بهضمها سريعا دون ان يكلف احدهم نفسه سؤالا فى غاية البساطة : لماذا لم يذع الرئيس الخطاب بنفسه ؟!

                         ولأن هذا السؤال لم يجد حظه من التناول داخل النخب المصرية او داخل النخب العربية المنبهرة بأنتصارات (ثورات الربيع العربى) فأن تناوله فى ذكرى اعلان (تخليه) يبدو امرا واجبا حتى لا تصبح الخديعة آلية جديدة مباركة فى العمل السياسى ، خاصة حينما يتعلق الامر بمصير شعب قدم ارواحه ودماءه وحرياته من اجل التغيير لحياة افضل .

                         لا استطيع الاجابة على هذا السؤال والرئيس (المتخلى) نفسه قد اتيحت له فرصة ذهبية خلال محاكمته كان من الممكن ان يدحض ويهدم خلالها سيناريو التنحى من اساسه ويربك الساحة المصرية المرتبكة اصلا منذ ان سيطر الفساد على مفاصل الدولة ابان فترة حكمه وحتى محاولات سيطرة الاسلام السياسى عليها الآن ، ومع ذلك يظل السؤال قائما .

                          المعلومات التى تسربت اخيرا وتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعى ، تشير الى ان الرئيس محمد حسنى مبارك كان قد ارسل خطابا مسجلا ليبثه التلفزيون الرسمى تضمن قرارا بأعفاء المشير طنطاوى وبعض كبار قادة القوات المسلحة ، وان مدير التلفزيون القومى ولأسباب يعلمها امسك عن بث هذا الخطاب ، وان هذا الحراك الرئاسى فى مصر كان يجرى فى اوج غليان الشارع المصرى ، فأذا صحت هذه المعلومات فالمؤكد ان العالم قد شهد انقلابا عسكريا فريدا من نوعه ، تولى مقاليد الحكم فى البلاد دون الحاجة الى البيان المألوف عند الانقلابات والذى يأتى مسبوقا دائما بمارشات عسكرية تثقب الآذان .، بأختصار (تغدت قيادة الجيش بالرئيس قبل ان يتعشى بها) وقطعت الطريق على الثورة المشتعلة فى الشارع ، وعجزت فى الختام عن ترتيب الاوضاع على النحو الذى ارادته لتكون تحت مظلة الفريق احمد شفيق بسبب استمرار الثورة على يد من اشعلوها ولا زالوا يمسكون بشعلتها .

                        فى تقديرى ان ما يجرى الآن من قبل الاخوان المسلمين وحلفائهم تجاه قوى الثورة فى مصر لن يخرج فى مساره ولا فى ختامه عن محاولات المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى وما انتجته من ارباك الحياة السياسية فى مصر ، استقرار الاوضاع رهين بالاستجابة لمطالب الثورة المصرية لا الانسياق وراء وهم الخديعة .
                        

الأحد، 10 فبراير 2013

ضمير مستتر


                       مصر بلد العجائب ، وآخر عجائبها تشكيل جديد عجز حتى مؤسسوه عن تكييفه ، وكناية فى هذا العجز اطلقوا عليه (جبهة الضمير) ، ولأن الضمير فى هذه الجبهة بعضه غائب وبعضه مستتر ، اصبح هذا التشكيل بسبب نشأته المفاجئة وتوقيته الغريب ، اضافة جديدة لتعقيدات الازمة القائمة فى مصر ، ومدعاة للشفقة والرثاء لما وصل اليه الحال هناك ، وربما السخرية ايضا والا كيف نفسّر حاجة الضمير المصرى لجبهة حتى يتمكن من قول الحق فى راهنها السياسى ؟!! ليس هذا فحسب بل بلغ الامر ببعض مؤسسيها ان يحجبوا اسماءهم لأسباب تفهمها المعلنون عن هذه الجبهة دون ان يذكروا شيئا منها ، فما هذه الجبهة التى يخجل او يخاف ضمير المنتسبين اليها من الافصاح عن هوياتهم ؟!!!

                       حالة العنف التى اجتاحت الشارع المصرى لا تحتاج الى تشكيلات ايّا كانت طبيعتها ، وانما تحتاج الى سيادة حكم القانون واحترام هذه السيادة وهو ما افتقدته مصر منذ ان بدأت مقرات القانون والعدالة تخضع لعمليات حصار ممنهج ومدعوم سياسيا ، وتحتاج الى ان يستعيد الامن المصرى قدراته وكفاءاته وخبراته وتكييفها وفقا للمناخ السياسى الجديد بمبادئه التى حملتها ثورة 25 يناير واهمها الكرامة الانسانية ، ويحياج ان تتفهم القوى السياسية حاكمة ومحكومة ان الاحتشاد والتظاهر والمسيرات السلمية ليس حقا ديمقراطيا اصيلا فحسب وانما ايضا احد اجمل سمات الديمقراطية وتستطيع ان تحمى وتلفظ من بينها كل جماعات العنف والتخريب والشغب متى ما ابدت السلطة الحاكمة احترامها لهذا الحق ولمطالبه .

                       العنف المنبوذ فى هذه الحالات هو عنف السلطة حين يخرج عن اطار القانون ، وهو الذى يستدعى بالمقابل عنف الآخر المتظاهر ، وما تحتاجه مصر الآن هو تحقيق نزيه وشفاف تشارك فيه الجهات الرسمية والسياسية والشعبية التى عايشت حالات العنف التى صاحبت التظاهرات الأخيرة ، لأماطة اللثام عن الجماعات المندسة داخل المظاهرات وداخل الاجهزة الرسمية التى تسببت فى هذا العدد الكبير من الضحايا واخذت تدفع مصر شيئا فشيئا نحو فوضى قاتلة ، ويكفى مصر ما فيها من جبهات .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...