الاثنين، 25 فبراير 2013

ابل الرحيل


                      الماء عند العرب كاد ان يكون دينا من كثرة ما اطلقوا عليه من اسماء ونعوت فى كلامهم وتدفقت بعضها فى عذب اشعارهم قديما وبعد الاسلام ، وحظيت ماء زمزم وحدها بأكثر من 36 اسما ، وتستطيع ان تحصى اكثر من مائة مفردة فى هذا الخصوص ، وللثعالبى فى (فقه اللغة وسر العربية) قول كثير حوله ، وحفل القرآن الكريم ب 23 نوعا من الماء ولكن الآية 16 من سورة الجن لم تكن شرحا وتفسيرا وتأكيدا لقوله تعالى ( وجعلنا من الماء كل شىء حى ) وانما بيّنته اعظم هدية يهبها الله للخلق ، ولكنه سبحانه اشترط على نيلها الاستقامة ( ولو استقاموا على الطريقة لآسقيناهم ماءا غدقا ) والماء الغدق يعنى حياة ونماءا ووفرة فى كل شىء ، وكنا فى السودان نفاخر بأرض تجرى من فوقها ومن تحتها الانهار ، 15 نهرا ما بين دائم وفصلى ، وسماء مدرارة جعلتنا من ضمن شعوب الارض الغنية بأحتياطيها من المياه العذبة ، ومن ضمن شعوب الارض التى تزيّنها الاستقامة تماما كما تزيّن المياه ارضنا بالخضرة وبالشبع .

                    فوفرة المياه فى الثقافة العربية الاسلامية تعنى معيارا للأستقامة او مؤشرا لرضا الخالق او هكذا يجب ان تكون ، فكم بقى لنا من تلك الانهار التى كنا نفاخر بها ، وكم خريف استدعى علينا الجفاف وخوف الجوع ؟ لقد بلغت السياسة تمام قدرتها على تغيير الجغرافيا واصبحت الاستقامة رهينة لمشيئتها وبالتالى حياة ومستقبل الشعوب ، وسياسة دول المنبع الآن تريد ان تطبق علينا بيت الشعر العربى :
                    كالعيس فى الصحراء يقتلها الظمأ   والماء فوق ظهورها محمول
الاتفاقية الجديدة التى اعدتها دول المنبع لتغيير حصص دول حوض النيل من المياه وتسعى جاهدة لأن تخضع لها كل من السودان ومصر ستجعلنا هنا كظهر العيس ننظر الى ماتبقى من انهارنا ولا نستطيع ان نغرف منها الا كفافا ليمضى كثيره الى حيث يمضى، فالغفلة لا زالت تقبض بمفاصل تفكيرنا بعيدا عن هذه القضية الحيوية ، وللغرابة ان ينعقد يوم غد بالقاهرة الاجتماع الثالث للجمعية العمومية للمجلس العربى للمياه من 26 فبراير الى 28 منه ، ووسائل اعلامنا وقادتنا من السياسيين ومن غيرهم اخذت صراعات السلطة والثروة جل اهتماماتهم دون ان يحظى هذا الاجتماع لمنظومة استشعرت اهمية قضية المياه فى العالم العربى ولو بقدر قليل من الاهتمام ، واسعدنى جدا توجه السيّد الصادق المهدى رئيس حذب الامة وامام الانصارالى قاهرة المعز فى اوج معتركات السياسة ببلادنا لمتابعة هذا الاجتماع ومخاطبة جلسته الختامية ، فالماء اصل الحياة وبدونه لن تبقى لنا لا سلطة ولا ثروة لنتعارك عليها ، فله التحية والتقدير .

                   من لا يصدق ان قرننا هذا هو قرن حرب المياه العذبة ، فليلق نظرة الى ميزانيات الرحلات الفضائية الباحثة عن المياه فى كواكب كانت محلا للشعر والغزل ، ثم يعود ليلقى نظرة على تكلفة الترتيبات التى تمت فى منطقة البحيرات بدمائها وارواحها ، ويلقى نظرة اخيرة للتكلفة الجارية حول ترتيبات ملحقات منطقة البحيرات ونال فيها السودان حتى الآن نصيب الاعمى من طعام مائدة اللئام ، اخشى ان لم ننتبه لهذه القضية ونوليها الاهتمام المستحق ان نصير كما قال شاعرنا :
                              زى ابل الرحيل شايلة السقا وعطشانة  

                      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...