الثلاثاء، 19 فبراير 2013

خلف الفساد


                        الحديث عن الفساد اغلبه مالى ، وصار سيّد الاحاديث سواء المنشورة على مختلف وسائل الاعلام والنت او المتداولة فى المجالس على اختلاف مناسباتها ، حتى صار امرا معتادا على الاذن السودانية ، وكاد ان يصبح فعلا عاديا من كثرة ترداد حكاياته ، قديمها وجديدها ، وبسبب غياب رد الفعل الرسمى والشعبى ايضا ، فأذا وجدنا العذر للجهات الرسمية بأعتبارها محل الاتهام وبالتالى القت مسئولية اثباته على من ادعى عملا بالقاعدة ( البيّنة على من ادعى ) فما هو عذر الجهات الشعبية او منظومات المجتمع المدنى التى تقول به ،, وتكتفى بالقول فقط دون ان تطوّر موقفها هذا الى فعل قانونى امام القضاء ، حتى لو اضطرت الى خلق منظومة من المحامين والقانونببن تختص بهذا الجانب فى قضايا المال العام الذى هو ملك الشعب .

                         ولأن حجم الاموال المحسوبة فى دائرة الفساد ، والمتداولة بين شرائح او فئات او تنظيمات بعينها حسب الحكايات الجارية ، تعادل تقريبا حجم ميزانيات بعض الدول الافريقية الغارقة فى الفقر ، فان الامر برمته فى تقديرى يخرج من دائرة الفساد الى دائرة قسمة الثروة وفقا لمعايير جديدة ، حاكمها الاقوى تلك السلطات الاصيلة والتقديرية الموزعة بين ايادى من يقتسمون السلطة ، والتى تمّ توظيفها بالكامل لمصالحهم دون ان يحول النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى بينهم وبين بناء ثروات ضخمة ، تجلّت بشكل سافر ومتحدى فى المدن الفاخرة التى نبتت مثل غابات شيطانية ، فى بلد يعيش غالبية سكانه تحت خط الفقر ، ذات الفقر الذى دفع ببعض الممسكين بمفاصل الدولة الآن ، ان ينتهكوا هذا النظام الاخلاقى ، ويخرجوا انفسهم من دائرته التى ابقتهم اجيالا طويلة فى ظله ، بمعنى آخر ، هنالك نقلة نوعية فى النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى ، بدأت ملامحها جليّة منذ ان سكت هذا المجتمع بكامل مؤسساته عن عمليات الفصل الممنهجة التى طالت عشرات الآلاف من العاملين بالدولة ، واستباحت حقوقهم ، وأحلّت شواغرهم لمن احلّت ، وظلّت قضية هؤلاء المفصولين على مدى اكثر من عقدين من الزمان ، مثل حكايات الفساد المتداولة حاليا ، تسمعها الاذن ولا تحرك فى صاحبها ذرة من مشاعر .

                          بمعنى اكثر دقة ان النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى ، اصبح قابلا للتأقلم مع اى فعل ينتهك الحقوق او الاموال او الحريات ، طالما ان هذا الفعل يتيح لآخرين فرصة التمتع بتلك الحقوق والاموال والحريات ، او بمعنى اكثر سخرية ان النظام الاخلاقى للمجتمع السودانى ، انجز بسكوته المبكرعلى قضية المفصولين ، معيارا جديدا يتيح تداولا انتهازيا و اقصائيا للثروة  وللسلطة ايضا ، وعلى المغرمين بتناول حكايات الفساد ، والذين استفزهم ناتجه من الاموال ، وما بنته من رفاهية ، ابحثوا عن العلّة فى النظام الاخلاقى الذى انهارت قيم الطهارة فيه ، بحيث اصبح من العسير التمييز بين ما هو حلال وما هو حرام ، بين الشرعى والمحتال ، فالقدرة على تزييف الحقائق كما يقولون ، فاقت قدرتنا على اكتشافها ، وما عاد الخوف والحذر والابتعاد من تبعات عبارة (من اين لك هذا) قائما ، التملّك يمضى قدما ليصبح سيّد المجتمع ، طالما ان العدل والانصاف فى حالة سبات طويل .
                          

                          

                           

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...