السبت، 16 فبراير 2013

حد الحرابة فى زماننا


                       عقب انتفاضة ابريل 1985 كان الجمهوريون الوحيدون من دون كل القوى فى السودان ، الاكثر صمتا وكمونا على الساحة السودانية بالرغم من ان اعدام زعيمهم الروحى والفكرى محمود محمد طه كان احد الاسباب المباشرة التى قادت الى الثورة ، ومنطقهم فى ذلك ، ان القوانين التى كانت مثار جدل طويل وادت فى خاتمة الامر الى اعدام زعيمهم الذى كان له النصيب الاكبر فى مواجهة تلك القوانين بالرفض لا زالت سارية ، وهى القوانين المعروفة بأسم قوانين سبتمبر والتى ادخلت عقوبات الحدود ضمن عقوباتها .

                       ولا شك ان كثيرين قد تفاجأوا يوم الخميس الماضى 14\2\2013 بتنفيذ حكم حد الحرابة بالقطع من خلاف على احد المدانين بقطع الطريق والنهب تحت تهديد السلاح ، واستغرقت اجراءات هذه المحاكمة قرابة السبع سنوات حتى تاريخ تطبيق الحكم ، وهى فترة كافية للتيقن من سلامة الاجراءات الشكلية والموضوعية وتطابقها مع مقاصد شرع الله ، ولست هنا بصدد الجدل حول صحة هذا التطابق والتطبيق لشرع الله مع حالة المدان الذى نفّذ فيه الحكم يوم الخميس الماضى ، فهو امر يحتاج الى علماء وفقهاء فى الشرع والقانون لهم قدراتهم الفنيّة والاخلاقية التى تمكنهم من الحكم على هذه الحالة فى ظل زماننا هذا ، فلكل مجتهد نصيب .

                       ما يهمنى هنا ، هذا التماهى الغريب للدولة فى اى مكان فى عصرنا الراهن مع فكر المجرمين شكلا وموضوعا وعلى وجه التحديد فى حالة المجرمين المدانين فى جرائم الحرابة ، فأذا نظرنا الى نقاط التفتيش المنصوبة على الطرق السريعة او فى مداخل المدن ومخارجها ، هى من حيث الشكل شبيهة بقطع الطريق خاصة بعد ان اصبحت مرتكزا للجبايات ، فالأفراد فى هذه النقاط مسلحون ايضا وثمة اموال تنتزع من العابرين بالبضائع والفرق الوحيد هو اليونفورم المعبّر عن رسميّة وشرعية الفعل ، ولكن رسميّة وشرعية الفعل تصاب فى كثير من المواقف بالتجاوزات المعلومة سواء اكانت فردية نابعة من ضمائر خربة او مع سبق الاصرار والتحدى لقرارات رسميّة ، كما فى حالات بعض الجبايات التى سبق للسيّد رئيس الجمهورية ابطالها وظلّ تحصيلها يتم تحت الاكراه بقوة نقطة التفتيش ، فكيف يطال الشرع مثل هذه الحالات الناتجة من بنية الدولة والمماثلة لحالة قطع الطريق ؟

                      ولكن هذا التماهى الغريب للدولة مع فكر المجرمين يقابله تماه غريب للمجرمين مع بعض الفكر الدينى الوارد فى بعض المأثورات كالقول الذى ينسب تارة لسيدنا على بن ابى طالب وتارة للصحابى الجليل ابو ذر الغفارى والذى يقول ( عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج للناس شاهرا سيفه ) فالفساد فى بنية الدولة يقابله فساد فى فكر الرعية اما جهلا بمقاصد القول واما جهلا بصحة القول ونسبته ، وهو امر يدعو للحيرة عما وصل اليه حال المسلمين مقارنة بما كان عليه فى الزمن الراشد حيث كان تعثر بغلة فى اقاصى الامصار يخشى اولو الامر ان يسآلوا عليه .

                      لا اعتقد ان هناك من يكابر ان الاديان السماوية بمختلف عقائدها قد حمت البشرية من اكثر جرائمها بشاعة منذ عهد القرابين البشرية الى عهد العبودية ، وقد اختص ديننا الاسلام من بين كل الاديان بالسعة فى كل ما يخدم الناس ويصلحهم ، وهاهو ربعى بن عامر وهو يجيب على اسئلة كسرى يقول ( ان الله ابتعثنا لأخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ، ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة ) ، ولا اعتقد ان هنالك من يتعاطف مع قاطع طريق طالما نحن فى سعة من دنيانا ، ولكننا بلا شك اكثر حرصا على عدل ديننا حتى وان اقتضى ذلك الحرص قطعا من خلاف شريطة ألا يدخلنا  فى زمرة جور الاديان .

                     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...