السبت، 30 مارس 2013

شظايا غامضة


                    اول امس شاهد كثيرون احتراق احد الشهب وهو يتجه من الشرق الى الغرب فى سرعة فائقة ، فى مشهد يملأ المرء بشتى المشاعر ، اهمها شعور بالخوف فى ان يتحوّل هذا الجرم السماوى الى حاصب من السماء ، فشرور الناس فى هذا الزمان بلغت حدا يعيد الى الأذهان قصص القرآن الكريم عن امم قصفت بهم الارض وجعل اسفلها عاليها ، فحواصب السماء لم تتوقف ولكن لطف الله يحيل معظمها الى الصحارى والقفار ، تماما كما حدث مع نيزك عكاشة الذى سقط وتشتت شظاياه فى الصحراء النوبية فى 7 اكتوبر 2008 ، وكما يحدث فى كثير من مناطق امريكا وروسيا ، واخرى حول العالم ، وكثير من الناس ينسى ويجهل قسم الله عز وجل (والنجم اذا هوى) فعلماء (ناسا) وعلماء الفلك ووكالات الفضاء ومن قبلهم الراسخون فى العلم ، يعرفون جيّدا معنى الرعب المطلق الكامن فى هذا القسم ، ويعرفون ما ينتظر البشرية اذا النجم هوى .

                     ولا اشك لحظة ان شهاب الأمس المحترق قد تمّ رصده من عدة مراصد متفرقة فى انحاء العالم اهمها مراصد (ناسا) واقمارها الصناعية ذات القدرة الفائقة على تحديد مساره بدقة متناهية تستطيع ان تبيّن موضع سقوطه بالمليمتراذا كان نيزكا  ، هذا الرصد الدقيق بما له من فضائل على البشرية ، يثير الانتباه الى اهتمام وكالة (ناسا) الغامض بجمع شظايا هذه النيازك وكتلها التى سقطت على الارض ، حيث ذهب بها الاهتمام الى تصوير الحفر التى احدثتها النيازك قبل آلاف السنين كما فى حالة حفرة الصحراء الغربية بمصر والتى اكتشفها علماء من جامعة (بوسطن) الامريكية اثناء دراستهم للصور التى التقطتها الاقمار الصناعية المخصصة لهذا الغرض .

                      هذا الاهتمام من وكالة (ناسا) كان جليّا فى حالة نيزك عكاشة حيث حضر احد منسوبيها كما اعلن حينها وقاد فريقا من المختصين بجامعة الخرطوم وبعض طلابها وآخرين توجه الى الصحراء النوبية فى اغرب عملية لجمع ما تبقى من النيزك وشظاياه ، عملية الجمع هذه التى تضطلع بها اكبر وكالات الفضاء فى العالم ، تلاقى قدرا كبيرا من الاحترام والمساندة نظير المعرفة والتجارب الكبيرة التى قدمتها هذه الوكالة للبشرية ، ونظير رصدها المتواصل على مدار الدقيقة للأجرام السماوية الحائمة فى الفضاء والمهددة كوكبنا بالفناء ونظير قيامها بوضع الاحتياطات اللازمة لمقابلة اخطارها ، فهى مهمة سامية وذات تكاليف عالية تستحق عليها الوكالة بالفعل التقدير والدعم ، ولكن هذا الغموض الذى يلف لهفة هذه الوكالة فى عملية الجمع هذه يثير تسآؤلات وفضولا كبيرا حول قيمة هذه الاحجار المتساقطة من السماء ؟ .

الخميس، 21 مارس 2013

اليك ربى


                         من غيرك يعرف سرى ، من غيرك يعرف تلك الغرف المستقرة فى عمق الاعماق ولا صورة معلّقة على جدرانها سوى صورة واحدة هى كل شىء ( لن اسميك امرأة سأسميك كل شىء يا أمى ) -صدقت يا درويش-، هنالك فى تلك الغرف المستقرة فى عمق الاعماق ترقد كل شىء ، ترقد هنالك من اودعت فيها سرّك العظيم ، وحملته وهنا على وهن ، فصارت سرا عظيما يخرج منه الذكر والأنثى ، يخرجون منها ويقطعون حبلها السّرى ولا يستطيعون ان يقطعوا حبل ودادها .. حبل مودتها .. حبل حنانها وحبل امانيها الغالية التى تأخذنا الى اعالى الأعالى ، وحدها من بين خلق الله اجمعين تهون فى عينها الدنيا من اجلنا .

                          (أمّك ثم أمّك ثم أمّك) حين سمعناه اول مرة اهتزت تلك الغرف المستقرة فى عمق الاعماق كأن صوته اعظم الخلق تدفق علينا من اعلى الفراديس بهذا النشيد السماوى القادر على تنظيم ايقاع اكثر خطاوى الخلق (شتارة) ليقودهم مباشرة الى جنات عرضها السموات والارض ، حينها كانت امنيتى ان تكون منيتى قبلها ، فلم اكن قادرا على تصوّر ان افتح عينىّ يوما واجد كل شىء قد اختفى مرة والى الابد من ناظرىّ ، تخور رجلاى ( لدرجة اشعر معها بأننى لم اعد قادرا حتى على مجرد التقدم فى العمر )ولكنها كانت الحضور الدائم ، حتى عندما رحلت فتحت نفاجا مع احلامنا لتطل علينا فى ليالينا التعيسة سعدا وسرورا ومسرّة فتصحو من فرط بهجتك ممتلئا بطفولة تصيب حواليك بالذهول .

                          ليس هنالك كلمات تكفى لنقول عنها ، فبكلمتك العليا اللّهم اعفو عنها واغفر لها وادخلها جناتك التى ادخرتها لخير خلقك ، فقد دعتك عند كل صلاة ان تجعل رحيلها اليك سهلا سريعا وقد اجبتها ، فأجب دعائى ، أمى قد رحلت اليك ربى .

الخميس، 14 مارس 2013

رسالة من القرن الثانى عشر


                      تأريخ الكنيسة فى امريكا اللاتينية القريب يضعها ضمن القوى الطليعية الثائرة من اجل قضايا العدالة الاجتماعية ، وتكاد تخلو من اى دور فى مسلسل الفضائح الجنسية التى اجتاحت عددا من الكنائس حول العالم ، الفضائح التى هزّت ايمان المسيحيين فى طهارة قساوستهم ومجمل رجال الكنيسة ، وكادت ان تدفعهم الى اجبار صبيانهم ان يلبسوا احزمة عفة عند اداء صلواتهم فيها ، وصارت القضية الرئيسة التى واجهت البابا المستقيل ، فى ظل هذه الزلزلة التى اصابت الكنيسة الكاثوليكية ، جاء انتخاب الكاردينال خورجى ماريو بيرجولى الارجنتينى الجنسية الذى يعيش فى شقة متواضعة ببوينس ايرس ، بابا للفاتيكان ليكسر قبضة اوروبا التى استمرت عدة قرون على كرسى البابوية حسب رويتر .

                      الرسالة البارزة فى هذا الانتخاب ، ان امريكا اللاتينية التى سبق وان صعدت صناعيا واقتصاديا عبر البرازيل لمجموعة العشرين ، وصعدت ثقافيا عبر مبدعيها فى الرواية مع جابريل غارثيا ماركيز وغيره ، وصعدت رياضيا عبر تفوق لاعبيها المشهود لهم بالكفاءة والابداع على نطاق العالم ، وصعدت سياسيا مع زعماء ورؤساء من النقاء والطهارة امثال خوسي موخيكا وغيره ممن ظلوا يعيشون وسط العامة دون اى تمييز كأنما كان الفاروق عمر قدوتهم ، تصعد الآن دينيا عبر بابا الفاتيكان الجديد ، وكأن العالم على موعد مع تحوّلات كبيرة قد تخبو فيها قارات وتبرق فيها قارات منسية ، اما الرسالة الأبلغ كانت تلك التى استدعاها البابا الجديد من القرن الثانى عشر وجعلها هويته (فرانسيس الأول) ، وفرانسيس هذا حسب ما اوردته رويتر ، قديس عاش فى القرن الثانى عشر ، تخلى عن ثروته ليحيا حياة الفقراء ، ويبدو واضحا ان اختياره لهذا القديس اسما استهلّ به مهامه البابوية يعنى ضمن ما يعنى مشروعا اهم اجندته قضايا العدالة الاجتماعية ، العدالة التى  ترآءت فيها ثروة ذلك القديس ظلما وظلاما قيدّت خطاويه فى بحثه عن الحق والنور فتخلى عنها طوعا وزهدا ، انها بحق رسالة جاءت فى وقتها ، فالعالم يعيش احلك ايامه شراهة نحو الثروة ، اشعل الحروب من اجلها واستغلّ كل شىء من اجلها بدءا من خوف الانسان وانتهاءا بأستباحته لمقدساته التى اتخذها تجارة ومطيّة لمصالحه.

                       البابا فرانسيس الاول رسالة جديدة يحتاجها العالم ، يحتاجها الصراع الدائر الآن حول الاصلاح الاقتصادى بين البيت الابيض والكونجرس الامريكى ، ويحتاجها الصراع الدائر فى مجلس الامن حول بؤر النزاع فى العالم ، وتحتاجها دول العالم الواقعة تحت رحمة مؤسسات التمويل العالمى ، فهل ترى تمضى الى غاياتها ام تتلاشى فى فنجان قهوة ؟.

الأربعاء، 13 مارس 2013

حريق الزيت القادم


                     انابيب البترول فى السودان وجنوب السودان فى هذه الاثناء تشبه امعاء كثير من ابناء شعبيهما ، خاوية وتتلهف متى يبدأ ملؤها ، واللهفة ليست قاصرة على الجوعى هنا وهناك ، فثمة لهفة اخرى اكثر تشعبا واشد خطرا دفعت الرئيس الراحل جعفر نميرى حينما نجحت شركة شيفرون فى اكتشاف البترول بوقف كافة عملياتها بعد ان اكتشف حجم اللهفة المخيف الذى صعد متوثبا ومتلفحا بكل ما يستطيع من اجل نصيبه فى حصص الذهب الاسود القادم ، واكتشف قلة حيلته فى مواجهة تلك اللهفة المخيفة ، فلا عذر لرئيس يجرى من تحت يديه زيت النفط دولارات امام مطالب شعبه .

                     مخاوف الرئيس الراحل نميرى مع النفط صارت واقعا ماثلا امامنا الآن فى فصل الجنوب وفى النزاعات المسلحة شرقا وشمالا وغربا وجنوبا جديدا ، وتبدو اكثر مظاهرها قبحا ودمامة متجسدة فى طبقة جديدة منعزلة تماما عن المكونات العامة لمشاعر الشعب كما يتجلى ذلك فى مسكنها الذى يتفوق بعضه على مساكن اثرياء دول الخليج من حيث الجمال والحداثة والذى اختارت له مدنا خاصة لا استبعد ان تتمنطق قريبا بأسوار عالية بعد ان تمنطقت مساكنها بأحدث اجهزة الرقابة والتأمين المدعومة بحراسات خاصة ، هذا المظهر الخائف والمنعزل عن بقية مكونات الشعب لايشى بان ثمة خيانة وطنية قد تمت فى حق الشعب فحسب وانما يشى كذلك بتمزيق بنية العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية التى ربطت عامة الناس فى السودان بأثريائهم ، هذا المظهر وحده يدعو ان ينتبه من بيدهم الامر الى ان علاقة باطلة جرت بسلاسة بين المال والسلطة ، بين طلاب الثراء والسلطة ، وهى العلاقة التى ظلت مستنكرة على مر التأريخ منذ عهد افلاطون وحتى عهد سقوط انظمة مصر وليبيا وتونس لما انتجته من دمار اقتصادى واجتماعى وثقافى لا زالت هذه البلدان تعانى منه .

                      هذه الطبقة المنعزلة اجتماعيا والمترابطة بقوة بين السلطة والسوق والتى ارتوت من انابيب النفط وما انتجته انابيب النفط فى الفترة الماضية ولم تشبع بعد ، تبدو الخطر الاكبر على حقوق الناس فى هذا البلد ، والخطر الاكبر على حاضر هذا الوطن ومستقبله ، وما لم تغل يدها القابضة على مفاصل رئيسة فى الدولة ، فأن الخشية ان يصبح المال القادم عبر خط الانابيب ما هو الا زيت الحريق القادم . 

الأحد، 10 مارس 2013

حلم الحكماء


                      ( السلام حلم الحكماء اما الحرب فتأريخ البشر ) وتاريخ البشر فى جنوب هذا الوطن او كما كان يعرف الى وقت قريب جدا ، كان مهرجانا للوحشية والخراب ، لم يسلم منه المعتدى او المعتدى عليه ، وانبت فى مجرى هذا النيل ادغالا من الكراهية والحقد اكتشفنا هشاشتها ويباسها وسهولة احتراقها مرة ،عندما استحال حلم الحكماء فى اديس ابابا 1972واقعا يمشى على رجلين يجوب البلاد آمنا شمالا وجنوبا ، ومرة ثانية فى نيفاشا 2005 قبل ان تقفز شياطين الشمال والجنوب ومن شايعهما فى الخارج الى قلب تفاصيلها لتمضى فى اتجاه قاد احدى ارجل البلد الى الغابة والثانية الى الصحراء ، وقالوا ان السلام يستحق مهرا اكبر واكثر من ذلك ، وقلنا خيرا ، املنا فى الجغرافية والتأريخ وفى وشائج الرحم والدم ان تحفظ فى وعى الطرفين مصالحهما المشتركة فى الماء والكلأ والنار

                      ولكن السلام فى نيفاشا لم يكن حلم الحكماء ، كان حلم تجار الحروب واحتكار الثروات الذين اتقنوا اشعال نيرانها فى خط التماس الاثنى والعرقى بعرض هذه القارة المغلوب على امرها ، ومنذ الانفصال بلغ جهد الحكماء فى تحقيق سلام مستدام عددا من الاتفاقيات لم يكن الطرفان فى حاجة الى التعنّت والمماطلة للوصول اليها ، لأنها ببساطة من ضروريات الحياة لشعبيهما ومن ضرورات استقرارهما ونمائهما ، وبدا ان حكمة الطرفين النزاعة للسلام ليست فى حاجة الى اتفاقيات لم تعجز يوما فى الوصول اليها ، ولكنها فى حاجة الى حماية هذه الاتفاقيات من الاختراقات من هنا وهناك ومن محيطنا القريب والبعيد .

                      صراعات السلطة والثروة فى الشمال والجنوب ، وتجار الحروب واحتكار الثروات حول العالم ، وقضايا المياه العذبة فى الاقليم وارتباطاتها بقضية الشرق الاوسط ، وغير هذه من العوامل ، تمد اياديها الآثمة لتستنزف البلدين بشرا وثروات ، وما يدعو للحيرة والغرابة ، ان دولا مثل امريكا ودول الاتحاد الاوروبى وبعض الدول الاوروبية المعنية بهذا الصراع والتى اقحمت نفسها فيه طوعا وعمدا ، تقف عاجزة عن حماية الاتفاقيات العديدة التى وقعّت منذ اانفصال الجنوب .

                       السلام هو امانى الشعوب واغانيها الغالية ، والاتفاق الاخير الذى وقّع بالامس باديس ابابا يستحق ان يحظى بالحماية من اشرار الداخل فى البلدين ومن اشرار العالم المتربصين الآن بقتله كما اعتادوا فى كل مرة ، ويستحق ان يحشد المجتمع المحلى فى البلدين وان يحشد المجتمع الاقليمى والدولى كل القوة اللازمة لحمايته .

السبت، 9 مارس 2013

كل وجوه الفوضى


                         كل وجوه الفوضى تجمعّت فى مصر الآن ، وأخذت تخط فى شوارعها معنى جديدا لغياب الأمن ، اضرابات الشرطة المصرية ووقفاتها الاحتجاجية دعوة مفتوحة لزلزلة الشارع المصرى ، فمعلوم انه حينما تتشتت القوة تنتشر البلبلة ،  وحدهم الاخوان المسلمون ومناصروهم كامنون خلف هذا المشهد المؤلم كأنهم يعرفون حدود منتهاه او يعرفون ان فى منتهاه قبضتهم الاخيرة الطويلة على ارض مصر ، او ربما يعرفون مواقيت قيامته الكبرى القادمة من خلف حرائقه وفوضاه ، فأتخذوا لأنفسهم استراحة محارب استعدادا لأيام ، الله وحده يعلم ويلاتها .

                          من يصنع الفوضى الآن فى مصر ؟ سؤال يمكن الاجابة عليه بنظرة خاطفة ، الاخوان وتيار الاسلام السياسى ، جبهة الانقاذ ، احذاب الموالاة ، التراس الاهلى والتراس المصرى وكذا التراس قادم فى الطريق ، ولكن حين تعيد النظر كرة وكرتين يتراءى لك كل هذا الحشد المحاط بالفوضى ، مجرد خيوط تمسك بها يد ماهرة مدربة وتدرى الى اين تقود مصر ، المعرفة الظاهرة من لعبة الخيوط هذه ، ان مصر الآن فى حالة تمزق ، وهذه الحالة ضربت بقوة هويتها الحضارية التى عرفها الناس على مدى قرنين من الزمان ، والتحوّل الذى يريده الاسلاميون بمختلف الوان طيفهم لهذه الهوية ، يصطدم بشدة مع تأريخ طويل انتج ما انتج من نخب سياسية واقتصادية وعسكرية ودينية تستطيع ان ترى تأثيرها فى الحياة المصرية بدءا من سعر العملة وانتهاءا بسعر ساندوتش الفول ، هذه النخب وبكل هذا التأثير لن تستطيع قوة الاسلاميين تخطيها لتصيغ هوية مصر وفقا لمشروعها الاسلامى ، واليد الماهرة المدربة تعلم ذلك واكثر ، ولكنها تعلم علم اليقين ان حالة التمزق والفوضى هى افضل آلية تتيح السيطرة على محيط دولة التأثير ، ومصر الكبيرة بنخبها الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية ، هى الدولة المؤثرة على العالم العربى والاسلامى ، والخشية ان تظل غارقة فى الفوضى الى المدى الذى يتيح السيطرة على محيطها بالكامل .

                       يبدو لى ان من يصنع الفوضى الان فى مصر لا يستهدف مصر فى الوقت الحاضر ، انما الهدف الاكبر هو محيطها الاقرب الملتهب جنوبا وشرقا وغربا ، ومحيطها الابعد الذى يلوّح لها بين الفينة والاخرى بعصا الظمأ الطويل ، فهل تستيقظ مصر من حلم السلطة ونشوته الكاذبة ام تستغرق فى فوضاه لتجد نفسها حين تصحو غريبة ديار وغريبة اهل .

الأربعاء، 6 مارس 2013

حكمة العرب الضائعة


                      الحرج يحيط الآن بالجامعة العربية احاطة السوار بالمعصم ، مواقفها من الازمة السورية التى انتهت بتجميد عضوية سوريا حوّلتعا الى حلف اكثر منها جامعة معنية بالقضايا العربية ، لتحوّلها من وسيط لحل الازمة الى طرف معاد للنظام السورى ، وبالرغم من القناعة العامة الرافضة لنهج النظام السورى السىء مع الازمة الدائرة فى بلاده الا ان الدول احيانا تكون فى حالة حرب ومع ذلك تحتفظ بعلاقاتها الدبلوماسية قائمة ، فما بالك بمنظمة مناط بها معالجة الازمة وتتخذ موقعها مع احد اطرافها ؟!

                       المجتمع الدولى والاطراف النافذة فى المعارضة السورية بشقيها السياسى والعسكرى اضافة للنظام القائم وصلوا الى قناعة ان الحوار هو السبيل الاقوى لحل الازمة ، ولا سبيل لجامعتنا بسياستها المرتبكة تجاه هذه الازمة  وبموقفها الراهن منها ، ان تحتضن طاولة هذا الحوار، وليس امامها لكى تكون طرفا فى ادارته سوى ان ترفع تجميد عضوية سوريا منكسرة ومعتذرة عن خطأها الفادح فى تعاطيها مع هذه الازمة بذلك الشكل المنحاز والا تصبح متفرجا كبيرا ينتظر جهود المجتمع الدولى فى ادارة حوار يخرج بالشعب السورى من جحيمه الحالى الى بر آمن .

                      وفى الحقيقة البحث عن تاثير هذه الجامعة فى مجريات السياسة الدولية تجاه القضايا العربية كالبحث عن قطرة ماء فى سراب صحاريها ، فهى غالبا ما تكون صدى لصوت المجتمع الدولى او صدى لصوتها المخنوق داخل جدرانها ، ولو كان جهدها منذ تأسيسها اقتصر على النواحى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكان اجدى للعرب من تمثال سياسى الكل يعلم ان خطواته على الصعيد الاقليمى والدولى تحركها جملة العلاقات المتشابكة مع اللاعبين الرئيسيين فى المجتمع الدولى .

                        من الخير لسوريا وللشعب السورى ان تحل ازمته بأيادى السوريين نظاما ومعارضات تحت مظلة المجتمع الدولى ، فهى اكثر توازنا واكثر قوة من جلسات القمة العربية ، ولتتجه الجامعة فى هذه الاثناء للأضطلاع بنجدة اللاجئين السوريين من الجوع والمرض والانتهاك الفظيع لكرامتهم فى المنافىء والملاجىء العربية وغير العربية ، وليست هنالك حاجة لسرد وقائع حال المرأة السورية مع موت الضمير العربى الحاكم والمحكوم فى تلك الملاجىء .
 

الاثنين، 4 مارس 2013

على ضوء فوربس


                     نشرت رويتر فى موقعها اليوم ما تضمنته قائمة مجلة فوربس لأغنى اغنياء العالم لعام 2013 م والبالغ عددهم 1426 مليارديرا بزيادة 210 مليارديرا جديدا، منهم 27 مليارديرا من امريكا من اصل 442 مليارديرا امريكيا ، يا لها من معركة صعبة تلك التى تخوضها ادارة الرئيس اوباما فى الكونجرس الامريكى مع الجمهوريين الذين يتمترسون بقوة حماية لأمتيازات اولئك المليارديرات من مشاريع الاصلاح الاقتصادى التى تقوم بها ادارة اوباما ، ولأن الجمهوريين يمثلون اغلبية فى الكونجرس الامريكى فغالبية الامريكيين الذين صعدوا بأوباما للمرة الثانية للبيت الابيض املا فى تنزيل برامجه الاقتصادية ، اعادتهم صدمة هذه الحقيقة الى مربعهم الاول بلا صوت انتخابى يرجح كفة رئيسهم فى هذه المعركة ، انها معركة الرئيس وطاقمه مع مؤسسات عريقة سيّدها جميعا القانون رغم انف الاغلبية وما اسفرت عنه صناديق الاقتراع .

                   الواشنطون بوست فى عددها الصادراليوم على موقعها ، قالت ان اوباما اندفع تجاه القضاء ، السلطة العليا فى امريكا ، آخر الميادين التى تنتهى عندها معارك المؤسسات ، وللفوز بهذا الميدان الذى ستنتقل اليه معركته مع الكونجرس حول الاصلاحات الاقتصاديه جاءت ترشيحاته للمحكمة الفيدرالية بفلوريدا بمثلى اسود ، وفى نيويورك رشّح سحاقية من اصل اسيوى ، ولدائرة محكمة استئناف دى سى كان مرشحه امريكى اصله من جنوب اسيا اضافة الى عشرات الترشيحات الاخرى ، وترى الصحيفة انه بأتكاله القوى على المرأة والاقليات العرقية والمثليين سيغيّر وجه القضاء الفدرالى انتظارا لمواجهته الاخيرة مع الجمهوريين الذين سيضعون فى طريقه العقبات بما لديهم من سلطات قادرة ان تحول او تعطّل مسعاه .

                     غالبية الامريكيين الذين صوّتوا لأوباما والاقليات العرقية والمجتمع المثلى الامريكى والمرأة ، هذا الحشد الاوبامى فى مواجهة حذب عريق له قاعدة جماهيرية كبيرة مسنودة بمئات المليارديرات ، انه التحدى الامريكى العظيم الذى يصعب التكهن بخاتمته ، ويخشى من خاتمته ليس على صعيد الداخل الامريكى فحسب وانما على نطاق العالم المرتبط طوعا وكرها بالاقتصاد الامريكى ، فأذا نجح اوباما وهذا ما يرجوه غالبية الامريكيين وغالبية شعوب العالم التى ما انفك الاقتصاد الرأسمالى المسيطر يستولد مليارديراته من تعبها وعرقها ودمها ، وكاد ان يصل به استبداده فى اوروبا ان يعرض فى المزاد العلنى بلدا عريقا كاليونان تدين له البشرية فى مشارق الارض ومغاربها بكثير من سمو حضارتها ، فأذا نجح اوباما فسوف نشهد تحولا ايجابيا فى الفكر الرأسمالى تجاه قضايا العدالة الاجتماعية والا انقلبت مطالب العدالة الاجتماعية الى ثورة فى المجتمع الامريكى الذى انهارت داخله بفعل الازمة الاقتصادية ، نظم الرقابة الباطنية التى سبق ان اشار اليها هربرت ماركوزا واصبحت اطراف الصراع فيه عارية من اى غطاء .

                      

الجمعة، 1 مارس 2013

غربة اليوم التالى


                      ( الجيش عاد .. ساعات قصار
                                                       وتكثر علامات الطريق
                        لا تعطف يمين .. لا تعطف يسار
                                                         الوسط يحتمل الحريق
                        ممنوع الوقوف هنا.. ممنوع هناك الانتظار
                        ممنوع التجمهر اثناء النهار ... حظر التجوّل حتى الشروق
                        الف ممنوع قد علمت فتقيّد تغدو حرا طليق )

   الكلمات اعلاه كانت تعزيتى للديمقراطيين الموريتانيين عندما وقع الانقلاب الذى اطاح بالرئيس المنتخب سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله فى 2008 ، وكان قد فاز فى انتخابات وصفها العالم بالنزاهة والشفافية بعد غياب قرابة العقدين من الزمان ، الا ان قادة الانقلاب اخذوا عليه اعاقته لعمل مؤسسات الدولة ومحاولته طرد قادة الجيش وتدهور الاحوال المعيشية اضافة الى عدم تمكنه من تأسيس حكومة ائتلافية متماسكة ، وهى تقريبا جوهر مشاكل عالمنا العربى التى عصفت بأستقرار نظم الحكم فى كثير من البلدان .

                      ويمكن لأى راصد لأوضاع دول الربيع العربى ان يرى مصوغات الانقلاب اعلاه حاضرة فى حراكاتها ، سواء فى مصر او تونس او اليمن ، فقوى المعارضة التى صعدت الى السلطة فى اعقاب ثورات الربيع العربى ، بدت عارية تماما من اى معرفة عما ينتظرها فى اليوم التالى لأستلام السلطة سواء على الصعيد السياسى او الاقتصادى او الاجتماعى او الامنى وعارية تماما عن معرفة شبكة العلاقات الاقليمية والدولية المرتبطة ارتباطا وثيقا بهذه الصعد ، فجاء اداؤها المرتكز على مفهومها الآحادى الضيّق للسلطة كقميص يجب ان يفصّل على مقاسها ، مرتبكا ومربكا وينم عن غربة مفجعة بما تعنيه السلطة .

                       انّ مطلوبات اليوم التالى لأى سلطة جديدة بالنسبة لحياة المواطنين هى ذات مطلوبات ايام السلطة السابقة مع الأخذ فى الاعتبار اخفاقاتها تجاه بعض او معظم تلك المطلوبات ، وايام السلطة السابقة مرتبطة بشبكة مصالح داخلية واقليمية ودولية ، وبالتالى فأن ادارة هذه المطلوبات على الوجه الامثل يقتضى ان تتم فى ظل تراضى حتى لا تصطدم ادارتها بأرادات شبكة المصالح الداخلية والاقليمية والدولية ، اذ ان التجربة الماثلة الآن على ارض سوريا لم تدع مجالا للشك ان هذا الاصطدام هو سيّد الفوضى الدامية القاتلة المدمرة ، والعاقل من اتعظ بغيره .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...