الأحد، 25 ديسمبر 2016

واجهات براقة وخلفيات مظلمة


                        الموازنة التى تقدم بها السيد وزير ماليتنا ، كغيرها من موازنات دول العالم المغلوب على امرها ، تطالعك من خلال فصولها ، برائحة الوصفة العجوز النتنة لصندوق النقد والبنك الدوليين ، وهى وصفة تبدو حتى فى وعى صبيان المدارس مجرد دعوة الى انفلات الشوارع ، لأن مصمميها لا يعبأهون لحاجات الشعوب بقدر اهتمامهم بالمحافظة على رفاهية الغرب الذى يقف من خلفهما ، ويعلم ذلك المفكرون الاستراتيجيون فى الغرب كأمثال صمويل هنتجتون ، فكلما جاءت سيرتهما فى سياق نظرياتهما ، يمرون سريعا وبخجل يفضح النقصان الاخلاقى الملازم لتلك الرفاهية المنجزة بموارد الشعوب التى يكبلونها بتلك الوصفة وبأتفاقيات مجحفة فى التجارة الدولية قائمة على اسباب القوة .

                        ولا الومهم طالما ان الحكومات تلجأ اليهما طوعا وكرها ، وانما الوم هذا اللجوء المجانى الذى يشعل شوارع البلدان ويغمرها بالضحايا والدماء ، ثم يحشدها بالعطالى والمتسولين ، لهذا ليس غريبا ان تحظى ميزانية الامن والدفاع بالنصيب الاكبر ، فحالة البلدان فى ظل هذه الوصفة اشبه بحالة الحرب ، كأنها وصفة لفت عضد الدولة والشعب معا ، والمؤكد انها اداة استغلال ناجحة جدا ، فهل من دولة لجأت لهذه الوصفة خرجت بعدها من ازماتها الاقتصادية ام زادت ازماتها سوءا ، مصر القريبة خير شاهد .

                       
                      ان اسوأ متلازمات هذه الوصفة فى بلاد كبلادنا ، ظاهرة الجمع والالتقاط التى انتشرت وامتدت الى داخل الاحياء ، تتسابق الى اكياس القمامة لأنتقاء ما يمكن اعادة تدويره من بلاستيك وحديد ، والمؤسف انها ظاهرة تتشكل من جماعات معظمهم اطفال فى سن المدارس ، وان ظن حارسو هذه الوصفة من وزراء المالية ومدراء البنوك المركزية انها ستنهض بحال البلد ، فأن الواقع الراهن والمنظور على المدى القريب والبعيد ، سيكذّب هذا الظن ، فهذه وصفة صفوة كما وصفها هنتجتون احد كبار مفكرى الغرب ، فوصفة كهذه فى احسن الاحوال ستنتج لنا مدنا ذات واجهات براقة ، بينما شوارعها الخلفية غارقة فى العتمة والجريمة .

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2016

عبقرية الخبثاء


                          رغم ان هذا الموضوع يخص ضباط الشرطة المتقاعدين ، الا انه يعكس صورة جلية عن الاساليب الخبيثة التى يتبعها المتنفذون فى هذا النظام لأستلاب الحقوق ، حتى لو كانت هذه الحقوق تخص اضعف الشرائح فى المجتمع .

                          فى العام 1995 كنت قد انهيت اجراءات حقوقى فى فوائد ما بعد الخدمة ، وعلى ما فيها من ظلم بيّنت تفاصيله فى موضوعات سابقة بهذه المدونة ، كان معاشى الشهرى وقتها 8800 (ثمانية آلاف وثمانمائة دينار) وطرأت عدة زيادات رسمية معلنة فى الميزانيات الممتدة بعد العام 1995 ، والتى استفدنا منها وفقا لأحكام المادة 66 من قانون المعاشات التى تمنح الضابط المتقاعد 60% من الزيادات التى تطرأ على زملائه فى الخدمة .

                           عند تغيير العملة من الدينار الى الجنيه لم تتأثر معاشاتنا وقتها ، ولكن من تأريخ تغيير العملة ، والى ما قبل سبع سنوات ، لم تطرأ اى زيادة على المعاش رغم الزيادات التى اعلنت اكثر من مرة ، ليس هذا فحسب بل عاد المعاش الى ذات الفئة التى تقاضيتها فى العام 1995 اى 880 جنيها وهى التى تعادل وقتها 8800 دينار .

                           وبالبحث عن هذه العلة التى ادت الى اختفاء الزيادات التى طرأت على معاشى منذ العام 1995 ، لم اجد تفسيرا حتى هذه اللحظة ، رغم علمى بأن خبث مصادر القرار كانت قد استبعدت العلاوات الاساسية المحسوبة فى المعاش على الزيادات المقررة والتى نفذّت طيلة فترة السبع سنوات الفائتة تقريبا ، اى تعطيل غير مباشر للمادة 66 التى تمنحنا الحق فى زيادة مقدارها 60% ، عملية التفاف واضحة على حق مكفول بالقانون ، ولكنه التفاف لا يستطيع رغم تدثره القانونى بأزالة الزيادات التى سبق ان طرأت على معاشى ، فكيف عاد معاشى الى ذات الفئة التى تقاضيتها عام 1995 ؟

                           اعترف الآن بعيقرية هذا العقل الخبيث الذى نفّذ هذا الاستلاب الماهر لحقوقى ، واعترف بعجزى التام عن معرفة الكيفية التى تم بها هذا الاجراء ، لكنى اعلم يقينا وبحكم تجربتى المتواضعة بشئون الخدمة ، ان ميزانية الفصل الاول (المرتبات والاجور) ظلّت وعلى مدار سنوات طويلة ، ضحية لشره وفساد اصحاب الامتيازات ، اولئك الذين يمسكون بمفاصل الدولة ، ويفتحون افواها كالمؤخرات من اجل ما يأتى به ريعها ، حتى وأن كان هذا الريع من حقوق اضعف الشرائح ، حتى وان كان من حرام .

الأربعاء، 9 نوفمبر 2016

انتخابات الصفقة والصدمة والهلع


                              ان كان للأنتخابات المنتهية اليوم بفوز دونالد ترامب بالرئاسة الامريكية من ضحية  بأستثناء ناخبى الحذب الديمقراطى ، فهو الاعلام الامريكى ، وعلى عكس ما يقوله الكثيرون ، الا ان واقع الحال يقول ، ان الاعلام الامريكى الذى صاحب هذه الانتخابات فى رحلتها الطويلة ، لم يكذب ولم يضلل الناخبين ، وانما عكس الحقيقة التى رجحّت فوز هيلارى كلنتون منذ اوّل يوم فى الحملة او فوز الحذب الديمقراطى بالرئاسة ، وهى الحقيقة المدفونة الآن فى بطن صناديق الاقتراع ، او بالاحرى المدفونة فى بطن اغرب صفقة شهدها تأريخ الانتخابات الامريكية .

                             قبل يوم من بدء الاقتراع ، قام مكتب التحقيقات الفدرالى بتحريك ملف البريد الأليكتروتى لهيلارى كلنتون ابان توليها الخارجية الامريكية ، وكان دونالد ترامب ابان التراشق الانتخابى قد حمّل هيلارى كلنتون ، ضحايا القنصلية الامريكية بليبيا وعلى رأسهم القنصل الامريكى الذى شكّل مصرعه جوهر قضية ملف البريد الأليكترونى لهيلارى .

                            وفورا صرّح  الرئيس اوباما تصريحا مقتضبا وقاطعا نفى فيه ان تكون هنالك اى دوافع سياسية وراء اجراء مكتب التحقيقات الفيدرالى ! وجاء تصريح اوباما هذا فى ظنى . بمثابة راية بيضاء تعلن لخصمهم الجمهورى ، لقد قبلنا الصفقة ، وهى رئاسة دونالد ترامب مقابل قفل الملف الذى من شأنه ان يضفى على سياسة امريكا الخارجية فى عهد الحذب الديمقراطى ، قدرا كبيرا من الأساءة والفضيحة فضلا عن التبعات القانونية التى ستطال من تطال من الضالعين فى ذلك الملف .

                            قد يبدو مصدر رأيى هذا لدى الكثيرين ، مخيلة مسكونة بهوس المؤامرة ، وذلك نظرا لأن اخراج الصفقة تم وفقا لسيناريو غاية فى البساطة ، لم يحتاج من الطرفين سوى ألتزام الحذب الجمهورى  بعدم فتح ملف البريد الأليكترونى وألتزام الحذب الديمقراطى بعدم فتح صناديق الأقتراع ، ليسدل الستار على المشهد الختامى ودونالد ترامب يرتدى ربطة عنق زرقاء فى خطاب الفوز الذى ابتدره بمغازلة سياسية رائعة لخصمه هيلارى كلينتون ، لترد عليه مهنئة بفوزه باالصفقة .

                         ما يخيف فى سيناريو هذه الصفقة ان صناع السياسة فى الحذبين المتنافسين وقادة مؤسسات الدولة الحساسة فى امريكا ، متفقون تماما على هذا السيناريو ، متفقون على مشروع موحّد ، اختاروا له رئيسا مليارديرا لا يمكن شراؤه ، ويتفاخر بمساندة مئتى جنرال له ، اى لا يمكن ابتزازه ، وقادر على نشر الهلع فى اكثر من اتجاه ، اوروبا الان وأخرون فى حالة ما بين الصدمة والهلع .

                         
                         

                            

الجمعة، 2 سبتمبر 2016

بالبلدى البليد .. احاديث الوسوسة


                    مساء الخير يا حرامية عهد الانقاذ .. شنو حكاية بيع مستشفى امدرمان دى ؟ .. يا اخوانا حنو على البلد دى شوية .. الناس تتعالج وين تانى والمرض جائى بالكوم .. يعنى ما سمعتو بى فتة الكوارع فى مدارس الاساس ؟ ولا بى المنقة النية بالشطة ، البقت فطور وغدا ؟ ولا العدسية البقت تتباع بدل الفول ؟ لكن بينى وبينكم العدسية لما تتعمل بوش حاجة ما تخلص .. طعم وذوق .. ابداع جد ، اها دا بقى الغذاء الرئيسى لى ناس كتاااار ، يعنى شويتين زمن والناس دى عينها على المستشفيات عدل .

                   زمان .. ما بعيد خالص .. كنا بنقول ظهور الركشات فى شوارع الدول احدى مؤشرات الفقر .. وبعدها بى فترة بقينا نقول .. ظهور صاجات الطعمية فى الشوارع احدى مؤشرات فقر الناس .. هسة بقى العندو صاج طعمية زى العندو ركشة .. يعنى ناس مكتفين وقادرين على الرفاهية كمان .. وديل الاثنين بقى الحصول عليهم صعب المنال .

                   اخوتى فى الوطن حرامية عهد الانقاذ .. والله عينكم القوية دى ما عاجبانا .. لكن نعمل شنو ؟ وصلنا معاكم لى نقطة اضعف الايمان .. عشان كده .. نرجوكم ونتوسل اليكم .. اختاروا لينا واحد .. بس وااااحد من بين كل عشرة منكم يبقى لينا حرامى زى ارسين لوبين .. يحن على الناس المساكين ويديهم من البلهطو شوية .. صدقونى بتحل مشاكل كتيرة .. وبعد داك انشاء الله تلهطوا يحدى ما تنعدم اى حاجة تتلهط .. ودمتم الى يوم الزنقة والزرقة .  

الأحد، 28 أغسطس 2016

المفصولون قضية عاجلة


                      قضية المفصولين هى القضبة الاولى فى تأريخ الانقاذ وخكوماتها المتعاقبة ، وهى خطيئتعا الاولى التى وسمت تأريخها بالظلم فى مبتدأه ، ووسمت مسيرتها بالضعف الفنى والاخلاقى تجاه قضايا العدل والانصاف ، ووسمت مواقع مسئوليها فى الجهاز التنفيذى بالاستعلاء على قرارات مؤسساتها السيادية ممثلة فى رئاسة الجمهورية التى اقرت بكل وضوح بالظلم الذى وقع على المفصولين ، وبالاستخفاف بمؤسساتها العدلية ممثلة فى الاحكام التى اصدرتها المحكمة الدستورية كما فى حالة مفصولى البنوك .

                     ويبدو ان الذين وقفوا خلف سياسة الفصل الممنهج التى شهدتها سنوات التسعينات ، ووضعوا المتاريس المتحركة من عام لعام امام كل المحاولات الجادة والمخلصة لحلها ، رحمة بهذا الوطن واهله ، يبدو انهم ظنوا انها من القضايا التى ستنتهى بالتقادم وتموت كقضايا المساكين ، ولكن لم تكف يوما اصوات الرجال الذين يحبون هذا الوطن عن محاولاتها فى اختراق الوقر الذى سكن آذان هؤلاء الممسكين بمفاصل الدولة ، ليرخوا اسماعهم مرة للنصح لأجل الحق ولأجل الوطن ، 

                    بالامس القريب ، اصدر مفصولو القوات المسلحة بيانا سرد تأريخ مشوارهم مع هذه القضية ، وابانوا فيه الاسباب التى دفعتهم لتفويض الحركة الشعبية شمال بتبنى قضيتهم فى مفاوضات اديس ابابا ، وهو بلا شك تفويض شكّل صدمة للكتلة الصماء التى وقفت ضد معالجة هذه القضية المزمنة ، ولا شك فى ان هذه النقلة فى مسيرة المفصولين قد جاءت نتيجة منطقية لموقف الكتلة الصماء  الذى دفع المقاتلين سابقا ضد الحركة الشعبية ان يحتموا بظلها والحرب لم تضع اوزارها بعد ، وكيف ان موقفها هذا قد اهدى الحركة الشعبية ورقة ضغط مجانية .

                   مع احترامى وتقديرى لخطوة مفصولى القوات المسلحة هذه ، الا ان تأريخ المفصولين مع الحركة الشعبية الأم ، لا يدعو للطمأنينة مع شقها الشمالى ، فبعد (نيفاشا) لعبت الحركة بورقة المفصولين لمصلحتها واشترطت عليهم الانضمام لصفوفها لحل قضيتهم ضمن حصتها فى قسمة السلطة فى الشمال والبالغ قدرها 22% ، وكانوا واضحين حتى فى جلسات النقاش العادية بين الاصدقاء بأنهم لن يخوضوا حرب الآخرين بالوكالة ، ولا الومهم فلهم معاركهم الخاصة ليس المفصولون من ضمنها ويبدو لى انها لا تزال قاعدة ثابتة لدى الحركة الشعبية شمال .

                   ما يهمنى هنا ، ان قضية المفصولين لا تحتاج الى كثير قول ، وانما تحتاج الى فعل عاجل يعيد الحقوق لأصحابها فتداعياتها بعد هذا الصبر الطويل بكل ثقل الغبن الجاثم على ظهره ، تبدو مفاجئة فى نقلاتها وهى نقلات خطرة فى ظل اوضاع البلاد التى نعيشها الآن .

                  

                   

  
                     
                      

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

الشرطة الجامعية


                     قرار استحداث شرطة جامعية واحلالها محل الحرس الجامعى ، يبدو فى تقديرى افضل بديل لما كان سائدا ، لسبب بسيط وهو ، ان ثمة قوة شبه عسكرية هنا خاضعة لقانون معلوم ، لا تستطيع التصرف خارج نصوصه حتى لو شاءت ادارة الجامعة او غيرها منها تصرفا آخرا ، مما يعنى ان الشرطة اصبحت مسئولة قانونا امام كل ما يترتب على الاحداث التى ستقع داخل الجامعة ، وأن البناء على المجهول فى حالات الاصابات التى تلحق بالطلاب بما فيها حالات الوفاة ، لم يعد فعلا له مكانا فى الاحداث ، فالقوة معلومة بالاسم ، واسلحتها معلومة بالارقام ، وذخيرتها ايضا ، ووقت ومكان تواجدها معلوم ، لهذا يبدو افضل البدائل اذا نظرنا للقرار مصحوبا بتأريخ الاحداث التى وقعت بالجامعات فى السنوات الاخيرة .

                     فى تقديرى ان الشرطة قبلت تحديا كبيرا بتحملها لهذه المسئولية الكبيرة ، واتمنى ان تكون على قدر التحدى وهى على ذلك لقادرة ، ولا اشك فى حرصها على اختيار عناصر هذه القوة وفقا لمعايير خاصة و خضوعهم لأساليب تدريب خاصة تتسق مع حساسية العمل داخل المؤسسات الجامعية ، فنجاح هذه التجربة يتوقف فى تقديرى على مدى القبول الذى ستحظى به داخل الجامعات ، واهم عامل يمكنه ان يحقق هذا الفبول هو ، اطمئنان الطلاب وذويهم والمهتمين بأستقرار الدراسة فى الجامعات ، على ان مهمة القوة هى حماية الطلاب من العنف على اطلاقه ، وليس العنف الناشىء فيما بينهم وحسب .

                      استقرار الدراسة بالجامعات ليس حلما خاصا او عاما وانما حاجة اسرية ملحة ايضا ، اتمنى ان تتوفر لها البيئة اللازمة ، فالوطن فى حاجة الى عقول جديدة مبدعة تغير شيئا الى الامام فيه ، واتمنى ان يكون توفير الحماية للحرم الجامعى وللطلاب ممهدا لافساح مجالا اوسع للحرية داخله .


الاثنين، 15 أغسطس 2016

المدن السجون


                         ان تشك فى امر ما ،  يعنى ان ثمة غموض يحيط افكارك عند النظر لظاهرة او لظواهر مؤرقة ، وظاهرة كالهجرة من الريف الى المدن ، شغلت تفكير معظم القوى السياسية و الكثيرين من ابناء المدن والريف على السواء ، وسيقت فى شأنها كثير من النظريات والتحليلات والتبريرات ، استقر معظمها على ان اسبابها ناتجة من اختلال فى توزيع مشاريع التنمية وتمركزها دائما فى المدن الكبيرة لتوفر البنيات اللازمة لنجاحها كالطاقة والمواصلات والاتصالات والقوى البشرية المؤهلة ...الخ ، اى ان الظاهرة منتجة بأقتدار من قبل سياسات الحكومات قصيرة النظر ، او هكذا استقرت اسباب الظاهرة فى وعينا الى وقت قريب ، ولا زالت مستقرة فى وعى آخرين عنوانا رئيسا للثورة .

                          لست هنا بصدد تحليل لهذه الظاهرة ، وانما البحث عن مصادر هذا الشك الملحاح الذى يقودنى دائما الى انها مجرد مشروع كونى ، اعد بحرفية عالية من قبل قوى عظمى ، امتلكت مصادر التمويل والتقنية والمعرفة اللازمة والقدرة على انتزاع القرارات حتى من اعدائها ، وفرض شروطها الملغومة بأجندة لن يمض عليها وقت طويل ، حتى تصبح الارض ومن عليها فى خدمتها ، وأهم هذه الاجندة ، الاحتفاظ بأوسع المساحات بورا لمستقبل استثماراتها ، لذا سعت ومنذ وقت مبكر لحشر سكان الارياف داخل المدن الكبيرة ، التى تتمركز فيها الخدمات وسبل كسب العيش ، بفعل الشروط التى يمليها صندوق النقد والبنك الدولى وغيرها من مؤسسات التمويل العالمية .

                          اعلم ان الخوض فى هذا الموضوع يحتاج لوثائق واحصائيات رسمية ودراسات مستفيضة لعينات من السكان النازحين داخل المدن الى آخر ما تحتاجه دراسة علمية موثوقة ، ولكنى اتحدث هنا من واقع ملاحظات عادية لأمرء عايش تطورات هذه الهجرة حتى بلغت مستواها الحالى ، وهى فى تقديرى تكفى للتيقن من صحة مصادر شكى القائل بأن الهجرة من الريف الى المدن وهجرة العقول من الوطن الى الخارج ، عبارة عن مشروع كونى يهدف الى الاخلاء للاحتفاظ بمساحات واسعة من الارض لمستقبل استثماراته .

                          اولى هذه الملاحظات ، اننا ومنذ ان وافقنا على شروط صندوق النقد والبنك الدولى المعلنة منها والمخفية لأول مرة فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى ، ابتدأ كل شىء مستقر فى السودان يهتز ويبدأ تآكله بمقدار سريان تلك الشروط فى حياة الوطن ، فضلا عما اضافته عوامل الطبيعة كالجفاف والتصحر .

                         ثانى الملاحظات ، ان الحرب التى تعتبر اقوى العوامل المغذية للهجرة والنزوح الى داخل المدن ، فمسبباتها بجانب كونها ضمن الصناعات العالمية المحتكرة لتجارة السلاح وعملاء القوى العظمى المتصارعة فيما بينها على الموارد ، فهى ايضا ناتجة من تطبيقات تلك الشروط سيئة الذكر وآثارها السالبة التى تلقى بها على كاهل اهل الاقاليم .

                         ثالث هذه الملاحظات  ، .انه بعد ان تضاعفت اعداد النازحين نتيجة لخطل السياسات التى انتجتها تلك الشروط مضافا اليها عوامل الطبيعة ، ونتيجة للحرب ، تم التقنين لهذا الحشر داخل المدن من قبل الامم المتحدة بأنشاء مفوضية النازحين ، والتى نادت بألزام الحكومات حول العالم بحق النازحين فى سكن مخطط داخل المناطق التى استقروا فيها عشوائيا ، وهى دعوة حق اريد بها باطل ، فمعظم الحكومات التى عانت من هذه المشكلة ، عاجزة عن الايفاء بأحتياجات سكان المدن القائمة قبلا وفقا لمعايير الكرامة الانسانية ، فما بالك بما فعلته الاستجابة لهذه المقررات الاممية التى حفّزت الآخرين الصابرين على كفاف يومهم بالنزوح للحاق بالحصول على سكن بالمدن ، لم تنه معه معاناتهم بل واجهوا معانات جديدة تطلبت منهم جهودا كبيرة للتأقلم معها خاصة مع نمط الحياة الجديدة فى المدن .

                        يقلقنى الآن ان يكون ثلث سكان هذا الوطن وربما اكثر متمركزون داخل العاصمة ، ومعظم باقى الثلثين داخل المدن الكبيرة بالاقاليم او الولايات ، وباقى مساحات هذا الوطن تركت لمصير مجهول ، وما يقلق هنا ان اقوى الحكومات قدرة على الفعل لا تستطيع ان تلتفت لتلبية حاجات مواطنيها الى ابعد من حدود المدن ، فالحكومة ومواطنيها اصبحوا محصورين داخل هذه المدن ، وما تبقى من ارض الوطن عرضة لأستثمار اجنبى لا استبعد انه متى وضع يده عليها سيمنعنا حتى المرور عبرها ، لنصبح نحن وحكوماتنا مساجينا داخل مدن بالكاد تكفى حاجاتنا لحياة كريمة .

                         

                          

الجمعة، 29 يوليو 2016

بعيون افريقية


                         تم اليوم بجامعة اديس ابابا وبصالة الزعيم الراحل نلسون مانديلا ، تكريم الرئيس عمر البشير فى منتدى العزة و الكرامة والذى تقف خلفه مؤسسات وشخصيات اكاديمية و برعاية من الاتحاد الافريقى ، كأول رئيس افريقى ينال شرف التكريم بهذا المنتدى بطلا للكرامة الافريقية وفقا للمصوغات التى وردت بالاحتفال واهمها وقوفه بصلابة فى مواجهة محكمة الجنايات الدولية .

                         وقد بدا واضحا ان العقل الثقافى والفكرى والاكاديمى الذى وقف خلف هذا التكريم ، قد رأى فى محكمة الجنايات الدولية ، ذات الرؤية التى رسخت فى يقين القيادة السودانية ، بأن هذه المحكمة مجرد اداة استعمارية حديثة ، رغم تغطيها بجملة من المبادىء التى عادة ما تدغدغ مشاعر الشعوب التى تعانى من وطأة الاستبداد ، خاصة حينما يتعلق الامر بقضايا الحريات والحقوق ، بينما فى الحقيقة  تكمن تحت هذا الغطاء الجذاب افعى مبتزة الى حد اللدغ القاتل ، ويكفى ما كشفته وسائل الاعلام فى الايام الفائتة عن المرونة الاخلاقية العالية التى اتسمت بها عضويتها المنتقاة بعناية ودقة ، تعكس بجلاء خوف من وقف خلف تأسيسها على رفاهيته اكثر من خوفه على حقوق الشعوب التى ترزح تحت البطش والاستبداد .

                         وقد دفع موقف الرئيس البشير الثابت فى وجه هذه المحكمة ، معظم القادة الافارقة الذين انساقوا خلفها منذ اعلان روما ، الى وقفة مع الذات استعادوا من خلالها كرامتهم المنساقة خلف المؤسسات والمبادىء الغريبة على ثقافة وفكر وحكمة افريقيا ، استعادوا من خلالها العزة والكرامة الافريقية ، وبدأت انسحاباتهم وتحديهم لها ، استعادة لعزة وكرامة الاتحاد الافريقى ، لرأيه ومواقفه وصوته بين المؤسسات الدولية والاقليمية ، او بالاحرى لحقه الضائع بين هذه المؤسسات .

                          وما يهمنى هنا ، ان عيون افريقيا رأت فى الرئيس البشير ما غاب عن رؤيتنا بفعل الصراعات ومحركاتها الداخلية والخارجية ، وان هذا التكريم الصادر من عقل افريقيا الواعى والمدرك والباحث عن حقيقتها الزاهية بتجرد ، يبدو رسالة واضحة لبعض فرقاء الداخل الذين يجيرون  صراعاتهم حول السلطة بدعاوى عرقية وجهوية ، ان يقفوا مع الذات وقفة صدق قصيرة ، ليروا فيها كيف ان افريقيا المعتزة بسوادها ، قد وقفت  مع احد ابنائها بشمم واباء من اجل قضايا القارة الكبرى ، رغما عن كل ما اثير حوله من دعاوى .

الأربعاء، 20 يوليو 2016

التنقلات فى الخدمة العامة


                      فى الآونة الأخيرة اكتسبت التنقلات فى الخدمة العامة - مستثنى منها الجيش- حساسية مفرطة ، داخل المؤسسات وخارجها ، وذلك للتاثير الكبير الذى يترتب عليها ، فعلى صعيد الأداء العام للمؤسسة الملاحظ ان اضطرابا يطرأ عليه طيلة الفترة التى يجرى فيها تنفيذ النقل ، وعادة ما يحتاج الى وقت حتى تستقر الكوادر المنقولة وتستلم مهامها الجديدة وتتأقلم على طبيعة الوظيفة ، اما على صعيد الكوادر المنقولة ، فأن التأثير يبدو اكبر خاصة اذا كان النقل الى خارج ولاية سكنه ، حيث يمتد التأثير الى اسرته التى ستضطر لمواجهة مشكلات تحويل ابنائها لمدارس جديدة ، يحتاج معها الابناء لخلق علاقات جديدة مع مجتمع مختلف ، واساليب ووسائل تعليم مختلفة ، وتعانى الاسرة بمجملها من مواجهة نمط حياة جديدة الى آخر ما تواجهه من مشكلات .

                       اما اكبر تاثير فذلك الذى يلحق باصحاب المصالح خاصة فى تنقلات الوظائف المرتبطة معاملاتها بالنشاط التجارى والصناعى والمالى والخدمى ، فمع اكيد حسن الظن الا ان شاغلى هذه الوظائف شئنا او ابينا ، يشكلون صمام امان وحماية وضمان لأستمرارية المصالح التى تنتجها او تديرها وظائفهم ، كالمصرفيين والجمركيين والضرائبيين وباقى السلسلة المرتبطة بخدمات الجمهور ، فالنقل هنا من الممكن جدا ان يقضى على مصالح نهائيا ، او يرتقى بمصالح ، او يخلق مصالحا جديدة .

                       ونظرا لهذه التاثيرات المهمة التى تنتجها التنقلات ، فأن الضرورة تقتضى دائما فى معظم بلدان العالم ، وضع معايير صارمة للنقل من حيث تحقيق المصلحة العامة و تشمل الكادر المنقول ، ومن حيث تحديد فترة الخدمة التى يقضيها المنقول فى موقعه الجديد ، ومن حيث توقيت زمان النقل المفترض ارتباطه بالعام الدراسى ، والتنسيق مع المؤسسات ذات الصلة كوزارات التعليم والنقل والمواصلات ...الخ ، فالتنقلات فى ظل هذه المعايير،  تبدو موسم تغيير عريض معلوم ، تنتفى معه المعاناة التى تصاحب المنقولين .

                       اما التنقلات التى تتم تحقيقيا لأجندة خاصة وبعيدا عن المعايير المعلومة ، فأنها فى واقع الامر تتخذ شكلا مفزعا للعقوبة ، وشكلا مفزعا لهجمة مخططة ضد مصالح بعينها او دعما ملتويا لمصالح بعينها ، لذا فأن احد عوامل استقرار الخدمة العامة ، تقتضى ان تخضع التنقلات لمعايير صارمة سمتها الاساسية المصلحة العامة .   

الأربعاء، 6 يوليو 2016

افضل المصالح


                        تحمّل رئيس الوزراء الاسبق البريطانى تونى بلير كامل المسئولية عن مشاركة بريطانيا فى غزو العراق ، ومضى الى القول بأنه اختار افضل مصلحة لبريطانيا بمشاركته فى ذلك الغزو ، ونفى ان يكون الارهاب المتصاعد فى المنطقة من نتاج ذلك الغزو ، الى آخر ما ساقه من آراء فى التحقيق الخاص بغزو العراق .

                        كل التفاصيل المتعلقة بغزو العراق ، بما فى ذلك جلسات الامم المتحدة ومجلس امنها ، والخرائط التى قدمها وزير الدفاع الامريكى آنذاك كولن باول عن اسلحة الدمار الشامل ، الى آخر الحراكات التى صاحبت تلك الفترة والتى حاولت تغطية الهدف الحقيقى من الحرب على العراق بشرعية قانونية واخلاقية ، اختصرها تونى بلير فى عبارة موجزة (افضل المصالح) .

                        فافضل المصالح لأمريكا آنذاك وحليفها الاستراتيجى بريطانيا ، كانت غزو العراق وتدميره ليخرج علينا بحالته الراهنة التى يمسك الظلام بحاضره وبمستقبل ايامه ، انها الحالة التى تشكل افضل المصالح فى نظر العقل الغربى الذى شارك فى ذلك الغزو وحلفائه .

                        ان الحالة التى يعيشها العراق الآن ، والحالة التى تعيشها سوريا الآن ، والحالة التى تعيشها ليبيا الآن والحالة التى يعيشها اليمن الآن ، والحالة التى ستعيشها بقية الدول المرشحة لذات السناريو ، تشكّل افضل المصالح للغرب الذى لن يتنازل مثقال ذرة عن رفاهيته التى انتجها فى معظمها من موارد هذه المنطقة المنكوبة خلال فترة الاستعمار القديم بأدواته العنيفة ، والاستعمار الحديث يأدواته الناعمة الممثلة فى مؤسسات التمويل العالمى .

                       من ينتظر الغرب ان يحقق له سلاما واستقرارا فى البلاد الواقعة فى خط الحرب ، والمرشحة للوقوع فيه ، سينتظر طويلا ولن يظفر سوى بقيامته .

الأحد، 12 يونيو 2016

اجمل من الاغنيات


                      هذه التلة المعجونة من ليلات لامعة السواد ، تحكى عن استدارة الزمن ، عن يد ماهرة انسلّت من ايام فيدياس ، صقلتها كموجة عالية ، وبعناية وضعتها على جنب ،  وارسلت ليلات اخر لامعات السواد على الجنب الآخر من القمر ،  كحّل عينيك بأسم الله ، واطلق بصرك يطوف مزهوا ومذهولا حول منصات هذا الجمال الخرافى ، ستنطلق بك كل منصة فى رحلة محاطة بالقداسة الى الجمال الخالد ، وستعود بك محاطا بالايمان ، وجميلا كأغنية الحبيبات .

                      قال تأريخ العاشقين ، ان لم تمتلك يقين الصالحين فأتبع ضعف ايمانك وغض بصرك ، هذه السكة ليست لك ، خاتمتها ستوسّدك قعر كأس مر وستحترق فيه ، خاتمتها وسادة من نار .

                       قال العاشقون ، ليس فى الجمال غواية ، نظرة واحدة تكفى كى تغسل كل خطاياك وتفتح عينيك على  اقصر الطرق الى الله .
                       
                                   قال المندهشون  الخائفون انا لله وانا اليه راجعون . 
                       

                     

                      

الخميس، 26 مايو 2016

الكلام المر


                   الدكتور نافع على نافع ، اتسم خطابه بأستفزاز صارخ ، و تكتسى عباراته فى اغلب الاحيان مرارة ملحوظة ، تستحيل سريعا فى سياقاته الى كلام مر مرسل ، ولأنه مرسل دون تخصيص ، يستعجل بعض الناشطين فى المعارضة بمختلف الوان طيفها بالتصدى له ، بأعتبارهم المعنيين بخطابه .

                  لست هنا بصدد الدفاع عن الدكتور نافع فلسان الرجل ليس فى حاجة الى ذلك ، ولكنى اسعى لتوضيح حقيقة فائتة على الناشطين الذين يتصدون له كثيرا ، وعلى اولئك الذين تصدوا فى وقت سابق لحديث السيد رئيس الجمهورية الخاص (بالبيتزا) و (الهوت دوغ) .

                 والحقيقة ببساطة ان هذا الخطاب المستفز ، سواء الذى صدر من السيد رئيس الجمهورية او الدكتور نافع ، موجه بكلياته لجمهور الانقاذ ، ذلك  المنسى فى قاع المدن والارياف ، والذى انتشلته من حالة الفقر المتوارث جيلا بعد جيل ، و نظاما بعد نظام وحكومة بعد حكومة ، واخرجته فى ولادة جديدة عرف معها لأول مرة ، الكهرباء والغاز والبيتزا والهوت دوغ .

                  والحقيقة فى وجهها البسيط ، ان هذا الخطاب بكل سماته ، يبدو تعبيرا غاضبا لنكران هذا الجمهور لجميل الانقاذ ، التى نقلته من قاع المدن والارياف الى واجهة مدن جديدة تطاول فيها البنيان واطلّت فيها الاموال بأعناقها .

                   هذا الخطاب المستفز كله صدق ، فالسياسة فى معظمها من واذى لن يسلم منه المرء الا بالولاء المطلق .

الثلاثاء، 26 أبريل 2016

المستعبدات

         
                  ان كان الكلام مليئا بالغرابة ، فدعه يمتلىء بالغرابة حد الجنون ، واسترسل فى الحكى ، فالقضية تستحق اكثر من ذلك ، لا تخشى ان يخونك التعبير ، او تخونك الصياغة ، اويستخف بك ناقد حاقد مدجج بمعايير مستعارة من ثقافة غريبة تسعى جاهدة على مر القرون ، لتشكيل اساليب حياتنا بما يخدم مصالحها ، ابدأ الحكاية من حيث شئت ولا تأبه للحبكة ولا تفسح لها مجالا يؤدى الى هروب الفكرة ، لا تكترث لتداخل الاصوات ، فالمهم فى هذه الحكاية ان يصل الصوت بكل محموله ، ولا تهتم كثيرا لغرابة الوقائع ونقص اسانيدها ، فمعطيات واقعنا ستضفى عليها منطقا  يجعل حقيقتها ساطعة فى اكثر العقول ظلاما ، اعتمد على ما شئت من اقوال ، فالباحثون  المتمردون  المهووسون بالمسكوت عنه فى التأريخ كثر ، ولديهم ما يكفى من الزخيرة لصد اى فعل مضاد ، ومتأهبون دوما للتصدى ، اذهب مع الحقيقة الى المدى الذى يحررك من غبنك ، واذهب مع الخيال حتى يتسع الافق امامك فضاءا ساطعا لا يخفى صغيرة او كبيرة ، فليس فى هذا الوجود اعزّ من المرأة ، المرأة الأم والمرأة البنت ، المرأة هى العز ، فلتسقط كل دعاوى الجندر الساعية للتمييز ، ولتسقط دعاوى التمكين الملأى بشبهات الاستغلال ، ولتسقط دعاوى رعاية المرأة الريفية التى ظلت تنتج عبر القرون على صعيدها الاسرى وفى الحياة العامة  تحت رعاية مجتمعها البسيط ، علماء ومبدعين ومحاصيلا رفدت خزينة الدول بعملات صعبة .

                 قال الشاعر احمد شوقى  ( الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق) ترى هل كان يتباهى فى تلك اللحظة التى صاغ فيها بيته هذا ، هل كان يتباهى بأمه واعدادها الطيب الذى انتج شاعرا طيب الاعراق زائع الصيت ؟ ام ترى انه كان زائغ العقل لحظتها ؟ فالأم مدرسة منذ ان عرف البشر الأسرة كأولى مؤسسات المجتمع ، وظل  حالها هكذا مدرسة رائعة منذ بدايات الزمان و الى اللحظة التى انجبته فيها ورعته حتى غدا شاعرا زائع الصيت ، يصيغ شعرا مريبا يدعو لأعادة صياغة وظيفة الأم لتنتج شعبا طيّب الاعراق ونسى نفسه ، اىّ فكرة مجنونة تلك التى بثها على الملأ وامسك بها المجرمون عقيدة ثابتة وفعلوا بأسمها بالمرأة الأفاعيل ؟

                   المرأة عنوان المدن ، اذا رأيتها فى الشوارع تمشى واثقة ، تمشى ملكا كما غنت ام كلثوم ، فأعلم انها تمشى بين شعب طيّب الاعراق ، فأعلم انها تمشى فى شوارع امدرمان القديمة ، تمشى امنا وامانا ، تمشى عزة وكرامة ، اما امدرمان اليوم فحالها اسوأ من حالها عقب ذاك النهار الذى انتهت فيه اكبر مجزرة شهدتها البشرية فى خواتيم القرن التاسع عشر .

                  الباحث المندس فى حكايات المدينة قال ( انزعج مجلس اللوردات البريطانى من الاخبار التى تحدثت عن استباحة امدرمان عقب الهزيمة فى كررى ، فأرسل استيضاحا شديد اللهجة لكتشنر ، كان بمثابة صفعة قوية لقائد عسكرى ، افسدت عليه استباحة المدينة ، متعة الاحتفال بأنتصاره ) ضحك سرى ضحكة ذات مغزى ، وانتهز الباحث  هذه الضحكة لينحرف بحديثه الى ما دار بمسجد الخليفة عقب الهزيمة ، قال ( ان ابن خلدون  ذكر انه بعد سقوط الدولة الفاطمية بمصر ، اتجه بعضها ناحية المغرب العربى ، واتجه بعضها جنوبا الى السودان حيث عاثوا فسادا ) وذكر تفاصيلا لا يليق ذكرها ، اما تفاصيل ما حدث بمسجد الخليفة ، سأكتفى بتلخيصها فى عبارات موجزة تقول ، ان ابن خلدون لو رأى ما تم فى مسجد الخليفة ، لأعاد النظر فى معانى كلمة فساد ، فلقد تدفقت علي المسجد خلائق علّموا الفساد ما معنى الفجور وما الرزيلة ، واستفرغوا كل قذارات البشر من امامهم وخلفهم ، واعتقد والله اعلم انهم اوّل من ابتدع الاغنيات البذيئة المبتذلة ، بأختصار تعجز اقذر مواخير العالم ان تقترب من تلك القذارة التى غطت فناء المسجد.

                 وما يهمنى هنا ، ان تلك االمشاهد التى سوّدت ساحة اكبر الرموز الدينية آنذاك ، بدت لى ملهمة للبعض لأتخاذها  ثقافة يومية فى حياتنا ، ويحلم بتسويقها على اوسع نطاق مستقبلا ، ثقافة ارادوها ان تسود مجتمعا عرف منذ الممالك النوبية بأعتزازه بخلقه النبيل ، الا ان لطف الله على السودان والسودانيين كان عظيما ، فقد اصيب هذا المسعى بخيبة فى مبتدأه ، اذ احترم الانجليز وقتها اخلاق هذا البلد ، وحاصروا تلك الرغبات المنفلتة من منفلتى الشعور ، ورموا بها فى مواخير معترف بها ، قام معظمها حول سوق امدرمان ، من الجهة الجنوبية المتاخمة لحى اليهود والجهة الشرقية ، وبعض (الانادى) المتفرقة شماله جهة حى العرب ، واخرى جهة القماير فى اطراف امدرمان القديمة ، وبعض الجيوب ذات التأريخ الاسود  داخلها .

                 ولم تمض سنوات قليلة حتى استقرت الاوضاع فى البلاد على النحو الذى خطط له الانجليز ، وبدا سوق امدرمان يتخذ شخصية مميزة لازالت بعض ملامحها باقية الى يومنا هذا ، الا ان تركيبة تجاره قد تغيّرت ، فقد كان اليهود والهنود والشوام واليمنيين وجنسيات اخرى و قليل من السودانيين هم اسياد السوق ، و بعد الاستقلال ، كانت المدينة فى حالة سيولة ، فثمة انكشارية مقطوعة الرأس  كان قد خلّفها الاتراك ، واخرى واخرى ، وجدت نفسها و العزلة تمضى بها الى قطيعة كاملة مع مجتمع البلاد ، لأن السياسة التى اتبعها الانجليز والتى لخصها احد قادة الادارة البريطانية فى السودان ، كانت تقضى  بأن يكون اصحاب المصلحة الحقيقية فى هذا البلد هم الانجليز والسودانيون .

                 تتعبنى تفاصيل المراحل التى تمر بها المجتمعات ، وما يهمنى هنا ان تأريخ المدينة احتشد بعدد من الابطال بعضهم ، هو ذلك البطل الذى قال عنه الفيتورى ( كلما زيّفوا بطلا قلت قلبى على وطنى ) قال الباحث المندس فى حكايات المدينة  ( حملة الامير عبد الرحمن النجومى على مصر والتى انهزمت فى توشكى ، احدثت اثرا كبيرا فى بنية المجتمع السودانى ، اذ خسر الكثير من الابطال ، فقد حكى لى جارى القادم من نواحى النيل الابيض ، انه كان طفلا رضيعا من ضمن الاسر المصاحبة للحملة ، وانه ووالدته كانا ضمن الاسرى القابعين فى سجون مصر ، وان الاسرى جميعهم كانوا سيباعون عبيدا لولا تدخل مولانا السيد على الميرغنى ، وهكذا خرجت هذه الجماعة من السودانيين مع الحملة انصارا وعادت ختمية ).

               المدهش فى الامر ان الجاليات التى قدمت للبلاد مع موجة غزوة محمد على باشا وغادر منهم من غادر ايام المهدية ، عادت ثانية مع كتشنر وصارت جزءا من منظومة الغزاة الحاكمة ، ورغم ذلك ، استطاعت هذه المدينة الصغيرة ان تستوعبها داخلها فى فترة قصيرة وفى سلاسة لم تدع لمفردات الكراهية التى يولدها الاحتلال عادة اى مجال لتشكل مانعا امام اندماجها فى المجتمع ، وتبدو هذه السماحة التى وسمت امدرمان هى التى جعلت منها مركز الجذب الكبير ليس لأهل السودان على مختلف اعراقهم فحسب ، وانما امتد الى خارجها الافريقى ايضا .

                  قال سرى ( ليس فى الأمر سلاسة ولا سماحة ولا يحزنون ، صبى اليهودى العائد من الاسر ، هو من زج ببقايا الجاليات مقطوعة الرأس داخل عائلات امدرمان الكبيرة ، بأغراء كبارها الطاعنين فى السن من اصحاب المال والجاه والكلمة النافذة ، بمزايا الفتيات البيض على الاسّرة وفى المطابخ ، ولم تمض فترة الا وبيوت امدرمان الكبيرة قد وجدت نفسها مصاهرة لعدد كبير من بقايا التركية ومن بنات اليهود ، واكتشفوا لاحقا ان صبى اليهودى كان ايضا قد صاهر اليهود ابتداءا ، ويعتبر اول السودانيين الذين اكتشفوا قدرة المرأة الفائقة فى الاختراق ، فصارت المرأة مشروعه الوحيد ، مركز الجذب الوحيد كان سريرا وحلة ملاح )

                   كلام سرى يشى بغضب كذلك الذى يصاحب حضور ورثة مجهولين لحظة توزيع الارث ، وقد يوافقه البعض بأعتباره اختراق للهوية والمال ايضا ، وقد يراه بعض آخر مأثرة تحسب للرجل تدعم قضايا التعايش .

              اما الباحث المندس فى حكايات المدينة قال (  ان بنات اليهود اضافة لما يتمتعن به من جمال اخاذ ، يتمتعن ايضا بذكاء حاد وقدرة فائقة على الاختراق ، واذا كانت ليفى سيبنى وزيرة الخارجية الاسرائيلية  السابقة ، تتباهى بأختراقها لبعض قادة منظمة التحرير الفلسطينية على طريق ما بين الساقين ، فأن لدينا من هى اشد دهاءا ومكرا منها ، لاتكتفى بالاختراق وانما تتربع على العرش ايضا ) .

                  الباحث  يرى ان اكبر الجاليات اليهودية فى العالم موجودة بالسودان ، بعضها ذاب تماما فى المجتمع السودانى وصاروا سودانيين يصعب فرزهم ، تتجسّد فى كثير منهم كل فضائل المجتمع السودانى من حيث التدين  وحسن الخلق ، وهذا القول صحيح ،  ولكن ليس بمنظور الباحث المنحصر ما بين 1821 وتأريخ اليوم ،  فثمة دم يهودى موغل فى القدم ، يجرى فى عروق كثير من العائلات السودانية ، ووجود اليهود فى هذا الوطن ابتدأ مع سيدنا موسى عليه السلام ، وربما مع سيدنا ابراهيم عليه السلام ، قال سرى ( ان هذا التأريخ سيدخلكم فى متاهة لا مخرج منها ، اذهبوا الى حوش الحريم ) .

                  ايقظ سرى السؤال المؤرق الذى طالما لازمنى كظلى ، كيف تأتى لمجتمع محافظ ان يطمئن على بناته فى مؤسسة مقفولة على المرأة ، تديرها عائلة وكادر من الرجال والنساء بعضهم خاضع لها تماما ؟ كيف اطمأن مجتمع امدرمان المحافظ على بناته فى هذه المؤسسة ، دون رقابة من ذوى هؤلاء الفتيات ؟ الم يكن من الأسلم  لمثل هذا المجتمع الذى ظل يخشى على المرأة للدرجة التى اخضعها لأسر منزلى طويل ، الم يكن من الاسلم لهذا المجتمع الذى اقتنع اخيرا بجدوى تعليم المرأة ، ان تتلقى تعليمها فى مؤسسات تعليمية مختلطة ؟ فهو على الاقل يضمن ان بناته تحت حماية اخوانهن ، بدلا من ان يزج بهن فى مؤسسات تعليمية  اشبه بحوش الحريم كما قال سرى ، حوش لا احد يدرى طبيعة الاجندة التى تصيغ عقولهن فيه .

                    قال الباحث  المندس فى حكايات المدينة ( لا احد خارج هذا الحوش يدرى طبيعة الاجندة التى تنحت فى عقول اولئك الفتيات ، ولكن بعض الشيوخ الذين عاينوا عددا من بنات هذه الجامعة برغبة ذويهن ، يعلمون طبيعة هذه الاجندة ) قال سرى ( بنات هذه الجامعة يفضلن الذهاب الى الشيوخ لمعالجة انهيارهن النفسى جراء الضغوط التى عانوا منها فى حرم الجامعة ، بدلا من مقابلة اطباء متخصصين ، لأنهن يعلمن ان خفافيش مدرسة علم النفس الكائنة هنالك والتى اتخذت من بنات الناس البريئات فئران تجارب لأخضاعهن لأجندة غامضة لا علاقة لها بالتحصيل الاكاديمى ، كانت قد خرّجت قطعانا من المستعبدات مندسات فى هذا المجال ، حتى صار معظمه من محتكرات هذه الجامعة وان مثل هذه المعاينات اذا عرف خباياها اولئك الخفافيش  قد تقضى على آخر نفس مقاومة لديهن )  

                  هذا الكلام يبدو غريبا ومجافيا للحقيقة ، ولكنى رأيت بأم عينى ملامح كثير من الطالبات اللائى فى طريقهن الى محاضراتهن بهذه الجامعة ، ولم اجد مثيلا لهذه الملامح الا فى وجوه الفتيات الفلسطينيات اللائى خرجن للتو من اسر السجون الاسرائيلية ، يا للهول   أمستعمرة اسرائيلية فى قلب امدرمان ؟ .

                  قال سرى ( اعتقد بعض بسطاء الناس ، ان للأمين العام للأمم المتحدة مكتب داخل حوش الجامعة ، بعد ان شاهدوا عدد العربات المتراصة بعلامات الUN المميزة ) قال الباحث  ( الأمم المتحدة تشكل منظماتها مظلة مخابراتية آمنة للدول الكبرى ولغيرها ) واحدى الناجيات  تقول ( علّمونا كيفية كتابة الشفرة ) واخرى قالت (الحبكة كلها تكمن فى قصة ال (family attachment) و ال ( field trip ) وتفاصيل المهام التى تدور فيهما شبيهة بالافلام السينمائية الامريكية ، لعنة الله على ال (community medicine ) كل الطبيخ القذر يتم طهيه على نيران هادئة وساخنة فى هذا القسم ، واكثرها سخانة نتائج الامتحانات ) انتهى كلام الناجية ولم تنته علامات الاستفهام .

                    التعليم الخاص مشكلة كبيرة ، فأولياء الامور ينتظرون من ابنائهم النجاح مقابل ما يدفعونه من مبالغ طائلة ، والمجرمون الكامنون فى هذه المؤسسات يدركون جيدا ، ان فى هذه المعادلة تكمن نقطة الابتزاز المثلى ، لذلك تصبح نتيجة الامتحانات ورقة الابتزاز الكبرى ، يا حسرة على بنات الاسر المحافظة ، تدفعهم جدوى التعليم للخروج من اسر منزلى ، الى الوقوع فى شراك استعباد سيستمر ما حيين الا من رحم ربى ، قالت ناجية اخرى ( آلاف من خريجات هذه الجامعة مرتبطات بحبل سرى مع الخفافيش الكامنة بها ، بدايته من لحظة خضوعهن لأجندة غامضة قد يكون وراءها حذب ما او تنظيم ما او جهة اجرامية ، ونهايته فى القبر ، يستدعين فى اى وقت للقيام بأى مهمة داخل وخارج البلاد ، والطاعة العمياء دائما ما تكون عنوان الاستجابة  لهذا الاستدعاء ، طاعة عمياء حتى فى الحالات التى ارتبطت مهامهن فيها بمخاطر يتحسب لها العسكريون المحترفون الف مرة ) .

                     الجامعات المخصصة للبنات وحدهن ، حوش حريم ، لن تخرّج لنا سوى جيل من المستعبدات .
                  

الثلاثاء، 15 مارس 2016

حذب الله الأرهابى


                    يشفق المرء على مستقبل لبنان فى ظل تطور موقف المملكة العربية السعودية منه ، فبعد وقف مساعداتها التى كانت تشكل احدى الدعامات الامنية فى لبنان ، والتى جاءت على خلفية مواقف حذب الله من المملكة ، جاءت حملة الدبلوماسية السعودية التى نجحت فى ان تصدر قرارا من الجامعة العربية ، أعتبر حذب الله منظمة ارهابية ، وييدو ان المملكة فى ظل تطورات مواقفها تجاه لبنان ، تمضى  الى قطيعة تامة .

                   السعودية بلا شك لاعب اساسى فى المنطقة ، واتسمت سياساتها تجاه الصراعات التى تدور فيها ، بالهدوء والنعومة طوال العقود الفائتة ، ويشهد تأريخها ذاك على نجاحها فى تحقيق انجازات بارزة فى العديد من القضايا التى أرّقت المنطقة طويلا ، كما شهدنا ذلك فى حرب 1973 ، والحرب الاهلية فى لبنان ، وغيرها من القضايا التى حسمتها خلف الكواليس ، وهى تدرى بحكم موقعها الاقليمى كقوة اقتصادية ، وكأرض الحرمين الشريفين ، وراعية لشعيرة الحج التى تشكّل الركن الخامس فى الاسلام ، بحكم هذا الموقع الذى صعد بها الى مجموعة العشرين بكل ما تمثّله من ثقل ، لا شك انها تدرى حجم المخاطر التى تواجهها على صعيدها الخاص وعلى صعيد المنطقة ، وبالتالى فأن مواقفها ينبغى ان تتخذ بذات الدقة والاعتدال الذى اتسمت به .

                   الرئيس الامريكى اوباما ، دعا قبل ايام ، ان تعمل السعودية على تقاسم المنطقة مع ايران ، والنظر الى مواقف المملكة تجاه لبنان فى ظل هذه الدعوة ، يعنى ان لبنان الذى كان يشكل احد مراتعها ، فى طريقه الى الخروج نحو موقعه القديم ، النقطة الساخنة فى صراع فارس مع الروم .

                   حذب الله  يصنف فى النظر العام كتنظيم مسلّح ، صنعته الانتهاكات الاسرائيلية المتكررة على لبنان ، والتى اكتوى بنيرانها موطنه فى الجنوب المتاخم للحدود الاسرائيلية ، ولكنه كحذب سياسى مع السلاح الذى يحمله فى يده ، يبدو نشاذا فى ساحة الديمقراطية اللبنانية ، خاصة عندما وجه سلاحه الى الداخل فى عدة مرات للتأثير على القرار السياسى ، فسلاح حذب الله احدى مشكلات لبنان الكبرى التى تحتاج الى دعم اشقائه ، وتحتاج الى تطمين حذب الله من قبل المجتمع الدولى ، بتقديم الضمانات اللازمة لكى يتخلى عنه ، والارهابى فى النظر العام ، هو ذلك الذى يفجّر الاسواق والمساجد والدور الحكومية ، واى موقع يتجمهر فيه الناس ، ويسقط جراء هذا العمل الاجرامى مئات الضحايا الابرياء ، فالخلط السياسى هنا لا يخدم قضايا لبنان ولا قضايا الحرب على الارهاب .
                 لا ادرى ما الذى يدفع المملكة العربية السعودية الى هذه المواقف المتشددة ، وقد استطاعت ان تنجز فى زمن وجيز تحالفا عسكريا وسياسيا يعد الاكبر والاول تقريبا فى تأريخ المنطقة .

                   

                   

الأحد، 21 فبراير 2016

بأيدينا نصنع ازماتنا


                  عقب غزو العراق ، كان رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير ، قد صرّح تصريحه الخطير ، بان امريكا قد احكمت قبضتها على الشرق الاوسط ، ومجريات الامور فيه حتى الآن ، تشير الى صواب قوله ذلك ، فالتغييرات السريعة والمفاجئة والكبيرة المعنية بأنقسام دول ، والهادفة الى اعادة رسم خريطة المنطقة ، تجرى على نسق دقيق ، وتبدو احيانا ، انها تجرى بشكل تلقائى على يد دول المنطقة ، بمعنى آخر ، ان الخيارات المفتوحة امام هذه الدول ، فى الازمات التى تواجهها ، تقود مباشرة الى الخط الامريكى وان بدت معارضة له ، كأنما هذه الازمات صناعة امريكية بأمتياز .

                  صمويل هنتجتون يرى ، انه يكفى ان تراقب حضارة ما لفترة قصيرة لتقضى عليها ، وما نظنها ازمات من صنع امريكا ، هى فى الواقع من صنع ايدينا من حيث التأسيس والبناء ، وكل الذى تفعله امريكا عندما نخضع الامر لنظرية المؤامرة ، انها تقوم بتوسيع ثغرات هذا البناء ليخدم فى خاتمة المطاف مشروعها الكونى ، فالدولة الغبية هى تلك التى تظن انها ستترك سدى .

                 لنأخذ الآن القرار السعودى القاضى بأيقاف مساعداتها للبنان بسبب مواقف حذب الله المعادية لها ، وهى المساعدات التى يحظى الجيش اللبنانى بنصيب وافر منها ، اى الامن اللبنانى فى الواقع ، فهذا القرار بجانب انه يهدم اهم انجاز حققته الدبلوماسية السعودية ألا وهو الاتفاقية التى اوقفت الحرب الاهلية فى لبنان والتى استمرت لخمسة عشرة عاما ، فأنه يبدو كصافرة البداية لعنف جديد موعود به لبنان ، انها تعاقب بلدا بأكمله بجريرة حذب فيه ، ولكنها فى الواقع ستفتح جبهة جديدة عليها اذا انزلق لبنان للحرب الاهلية مرة اخرى لا قدر الله ، وهذه الجبهة ستكلفها اضعاف اضعاف ما تنفقه فى المساعدات التى اوقفتها ، و للغرابة أن هذا الموقف السعودى يبدو بديلا يلعب بالاوراق السورية فى لبنان ، الاوراق التى تخلّت عنها سوريا منذ خروج قواتها من لبنان .

                   ما لم تقدره المملكة العربية السعودية حق قدره ، ان القوى السياسية اللبنانية ، اتقنت فن اللعبة الديمقراطية الى حد بعيد ، وتبدو مراوغات هذه القوى لتفادى الوقوع فى فخ الحرب الاهلية مرة اخرى ، ولتفادى الخضوع لسلاح حذب الله ، احدى اجمل وامتع فضائل العقل السياسى التى تنتجها الديمقراطية ، وتبدو جليّة فى حركة الانتقالات السياسية من فريق الى آخر ، كما شهدناها من قبل عند وليد جنبلاط ونشهدها الآن مع سمير جعجع .

                   من الخير للملكة العربية السعودية ان تدع مساعداتها للبنان تستمر كما كانت ، وتدع اللبنانيين يديرون شئونهم على طريقتهم ، فهى فى اسوأ الاحوال ستتجنب اعباءا اضافية ، وحتى لا نصنع ازماتنا بأنفسنا ونرمى علآتها على الآخرين .

الاثنين، 15 فبراير 2016

نيرون يوجه جنوده الى سوريا


الى محمود درويش فى عليائه :

                  نيرون يستيقظ الآن مزهوا فى جحيمه الابدى ، يتمطى على مهل ، ويفتح نافذة على سوريا .

(ماذا يدور فى بال نيرون وهو يتفرج على حريق لبنان ؟)
لم يعجبه رماد بيروت ولا عنقاءها التى اكتشفت لعبة الحريق ، وعرفت كيف تراوغه ، وتنهض من جديد فاتنة المدن .

           لكنه الآن ينظر الى المشهد السورى بذات النظرة التى حكيتها بشعرك المستبصر :
(عيناه زائغتان من النشوة ، ويمشى كالراقص فى حفلة عرس :
هذا الجنون جنونى ، سيّد الحكمة .
فلتشعلوا النار فى كل شىء خارج طاعتى .
وعلى الاطفال ان يتأدبوا ويتهذّبوا ويكفوا عن الصراخ بحضرة انغامى) .

                   ولا يزال يا سيّدى يا سيّد الشعر ، يتكىء على احدى نوافذه الملتهبة و يتفرّج على حريق العراق .
(يسعده ان يوقظ فى تأريخ الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عدوا لحمورابى وجلجامش و ابى نوّاس :
شريعتى هى أم الشرائع . عشبة الخلود تنبت فى مزرعتى) .

                   اما أمك الجريحة ، فلا زالت ترضع ثراها دما وارواحا واهات حرّى ، وهو ينظر اليها :
(يبهجه ان يدرج اسمه فى قائمة الأنبياء ، نبيّا لم يؤمن به احد من قبل) .

                   العالم المجنون الآن ، اجتمع بكل جنونه وطمعه وحقده ، وارتدى جسد وعقل نيرون المختل وأخذ يصيح :
((انا صاحب القيامة ) ثم يطلب من الكاميرا وقف التصوير لأنه لا يريد لأحد ان يرى النار المشتعلة فى اصابعه عند نهاية هذا الفلم الامريكى الطويل .) 

                   ارفعوا ايديكم عن سوريا ايها المجانين ، ان الله لا يحب المعتدين .

                 
                

السبت، 13 فبراير 2016

الحقيقة مندسة فى خوفك


                      تحيرنى اللغة المتدفقة بكل جمالها وعوارها وبذاءتها المخجلة ، حين تبحث عن الحقيقة ، واكثر ما يحيرنى ، هذه الحكمة التى تحملها ، ثم تقدمها لك فى صياغة متباهية ، لتحد من فعل او قول او لتحضك الى ذلك ، اهى حكمة فعلا ام خوف مستولد من قهر الحياة ومتغطى بالصياغات المحكمة ؟ ام ترى انها مجرد هروب من الحق ؟ شاعرى الجميل الدوش قال (الحق فى ساحة مجزرة) والهروب من الحق ، هو ان تحتمى من الموت المحتمل بالذل ، هو ان تحتمى بالأسوأ من الموت ، بينما الموت هو الوجه الآخر للحياة ، انه رحلة خارج عتمة هذه الدنيا ، تأخذك الى النور الأعلى ، انه بوابتك الزاهية التى تقودك الى الجمال الخالد ، فالحكمة  لغة عذبة كما قصص الحب ، ولكنها تبدو احيانا مجرد وسيط بارع فى منطقه ، يحاور فى عقول اخرستها الحقيقة ، انها محاولة حسنة النية ، تتلاعب باللغة كى تحمى البشر من جنونهم .

                   فمن اين تتدفق هذه اللغة بعجرفتها واستعلائها وقدرتها المرعبة على الدسائس ؟ هذه اللغة التى ظلّت تنبش فى اسرار الناس عبر القرون ولا زالت ، ولم تتعب بعد ، تتغطى احيانا بكل اكسسوارتها لتخفى وجه الحقيقة او لتكشفه ، تدور وتدور ثم تسقط فى النهاية ، صريعة لجاذبية الفضيحة ، انها الخديعة الكبرى فى حياة البشر ، اشعلت الحروب ، وحرّضت على القتل غيلة ، وجمّلت للخصام طريقا الى قلوب الناس ، وغشتنا .

                    هذه الفضفاضة حمّالة الاوجه ، غشتنا بأروع مفرداتها عن قصص حب ، توهمنا معها ان الحب هو قدر الانسان الجميل ، وصدقناها ساذجين ، فأكتشفنا لاحقا ان الحب هو عذابه وتعاسته ، وانه لم يكن سوى استثناءا فى حياة الشعوب ، استثناءا قى كل هذا العالم الواسع ، استثناءا مذكورا فى قصص معدودة على الاصابع ، يحفظها صبيان المدارس .

                  غشتنا بأكثر مفرداتها قوة وحزما ونصاعة وجلاء ، عن العدل الموجود والقائم حكما بين الناس ، ثم نكتشف ان تأريخنا ، ومنذ ان عرف شيئا اسمه الدولة ، وعلى مدى اكثر من الف وخمسمائة عام ، لم يتحقق فيه العدل الا على فترتين لم تتجاوز مدتهما عقدا ونيف ، الاولى على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب والثانية على يد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز ، وماتا مقتولين ولم يسلما من القيل والقال .

                   هذه اللغة المخادعة ، المتماهية مع فساد العالم ، قتلت من امسك بحقيقتها ، وطرحها شفافة وهى تنقب فى (السؤال المندس فى اليقين) على قول الشاعر المغربى الرائع كريم شياهنى ، واستدرجته بكل جماله وهو يخوض فى النور ، الى انفاق داكنة ، يتربص فيها حراس الازمنة المظلمة  ، ثم ساوت بينه والمجرمين القتلة على المشانق .

                   هذه اللغة المخادعة لن تعرف معها الحقيقة  فى المنشور منها ، لأن الحقيقة ساكنة فى بطن غريقة مختبئة فى السر ، واخرى محاطة بالخوف ومسكونة بالاستعارات ، واللغة الصادقة هى التى يلقى بها صاحبها فى سلة المهملات ، او تلك المحترقة على المواقد ، لأنها لغة خرجت متحررة من  تأثير الخوف او تأثير المعايير  او متمردة عليها ، ولأنها بهذه الصفات الخطرة ، أعدمها صاحبها قبل الآخرين .

                    ستجد الحقيقة فى بطن غريقة مسكونة بالخوف ومندسة فى السر ولا سبيل اليها ، ستجدها فى رماد المواقد فأنتظرها الى يوم القيامة لتقرأها ،  ستجد الحقيقة مندسة فى خوفك  .   

                   

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

تكاثر الذئاب فى البلد العفيف


       
                   لأنه لا ينظر الى وجهك ، فهو لا يكن لك اى مشاعر ، لا يحبك ولا يكرهك ، لايحترمك ولا يزدريك ، ومع ذلك فأنت تشكل فى نظره عنصرا هاما من عناصر رفاهه ، لذا كان من الطبيعى ان يتجه بصره فى اوّل لقاء الى جيوبك ، واذا وجدها كفؤاد ام موسى ، يتجه بنظره الثاقب ليتفحص بنيتك الجسمانية ، يتفحصها لا كما كان يفعل تجار الرقيق فى قرون خلت ، فتلك الذئاب المتوحشة ، كانت تجس عضلاتك بشغف انثى شبقة ، ثم تحسب عائدها منها وهى تلهث ككلب اجرب ، اما هو حين يرمى بصره عليك ، يكون قد حسب مقدار الطاقة المخزّنة فى عضلاتك ، ولأى المشاريع تصلح ، ومقدار ما تعود به من المال ، وقدر اسهاماته فى رفاهه الخاص .

                   الفارق الرئيس بينه وبين ذئاب التأريخ البشرى ، انه لا يعتصرك حتى الفناء ، بل يحرص ان يعطيك من الاجر ما يحافظ به على مخزون الطاقة فيك لأجل مشاريعه ، اما مشاريعك لا تجرؤ ان تحلم بتحقيقها فى معيّته ، ثراؤه لأجله فقط فى دائرته الضيقة ، ولا يعنيه اذا غرق المجتمع من حوله فى الفقر والجهل والمرض والفجور .

                   انه رأس المال السافل ، ذئب عصرنا الناعم ، المتكاثر كالاميبيا فى بلادنا .  رحم الله رجال المال السودانيين ، الذين بنوا المدارس والمراكز الصحية والمستشفيات ، وقاموا بأنفسهم ، اوأرسلوا ابناءهم فى هدأة الليل البهيم ، ليقدموا المساعدات لبيوت عفيفة .

الجمعة، 5 فبراير 2016

المجد لرأس المال


                   المبادىء تقف دائما عائقا امام المصالح ، انه قول مأثور لرأس المال العارى من اى اخلاق ، والمصالح شرهة ، لا تستحى ان تدخل ثقب نملة ، لتنال حبات ذرة محمولة على اصبع ، تماما كما يفعل الجياع فى زمن المسغبة مع مملكة النمل ، والصين اقدم تجار هذا الكوكب ، لم يحدث فى البلاد التى دخلتها مستثمرة ان سبق رساميلها ، كتاب احمر او رمادي ، ولم تهمها يوما الراية التى ترعى مصالحها فى ذاك البلد او هذا ، مهما تصادمت مبادىء تلك الراية مع جوهر مبادئها  ، المهم ان تكون رعاية المصالح ، قادرة على ان تراكم فوائدها بالقدر الذى تعجز ان تتحمله خزائن ذلك البلد ، وان تكون المصالح هى العقيدة المشتركة بينهما ، انها طبيعة العلاقات التى جمعتها فى السودان بالحركة الاسلامية ، مثلما جمعتها مع كل الدول التى يحظى فيها الاستثمار الصينى بمكانة بارزة ، او بتبادل تجارى بارز .

                   وعودة السيد عوض الجاز احد رموز الحركة الاسلامية ، الى مصاف السلطة مرة ثانية عقب تكريم الصين له ، تبدو فى احد وجوهها اشارة واضحة لما تتمتع به الصين من نفوذ فى السودان ، وتعكس مدى حاجة استثماراتها الى  ذات العقل الذى فتح امامها ما اغلق على غيرها من المستثمرين ، وادار مصالحها بحنكة اوصلتها الى ما وصلت اليه  من قوة ونفوذ ، كما تعكس حاجتها  لحماية هذا العقل لحماية استثماراتها وتوسعها المرتقب ، اى ان ثمة مهددات او ضرورات اوجبت هذه الخطوة ، وهو امر جاء متسقا مع موقعه الجديد المفصل بعناية ودقة ، وليس هذا ما يهمنى هنا .

                    ما يهمنى هنا ، ان مثل هذه الرساميل الاستثمارية ، تبدو  افضل قارىء للواقع او للأرض محل الاستثمار ، فرؤيتها للواقع تأتى مجردة من اى تأثير عاطفى ، وعلى ذات الاساس تختار كوادرها لمشروعاتها التى تبنيها هنا او هناك ، فلا مجد فى نظرها يستحق ان تضحى من اجله بالدم والروح سوى مجد رأس المال ، فالدكتور عوض الجاز الرمز الاسلامى البارز ، يعد فى نظرها من افضل الكوادر القادرة على خدمة رأس المال الشيوعى الصينى .

                    هذه هى عقيدة رأس المال فى راهننا و عقيدة من يرجو مصلحة منه ، ولا مفر لمن اراد شيئا من هذه المصالح ، ان يهتف ، المجد لرأس المال ، تماما كما يهتف كثير من الاهلة ، المجد للكاردينال .
                    

                   

                   

الأحد، 31 يناير 2016

تأريخ حالة موت


فى طفولته احب معلمته التى كان يحبها كل اطفال الروضة التى احتضنت طفولته الباكرة .فى صباه احب سبعة فتيات بذات الوله الذى احسه تجاه كل واحدة منهن .
فى مراهقته الاولى احب خمسة فتيات اتعبن مخيلته الى درجة الجنون .
فى شبابه احب ثلاثة فتيات تمنى ان يقضى معهن بقية عمره .
فى منتصف الثلاثينات بلغت حكمته سن النضج الذى عادة ما يصلها الآخرون فى الاربعينات ، فتشابه عليه البقر ، هكذا قال .
فى هذه الفترة صار ابا يحمل على كاهله هموما ميتة حسب وصفه .
فى فترة مراهقته الثانية والتى جاءت متأخرة ، احب امرأة واحدة بعنف ثورى ، وهى التى ستعلق به حتى القبر او كما قال .
فى هذه الفترة لم يكن للموت حضور فى تفكيره او مخاوفه ، خرج من حياته ولم يترك خلفه اى ملامح تدل عليه .
يقول ان الموت هو عدم القدرة على الحب ، لذا يؤرخ للفترة التى تشابه فيها البقر امام ناظريه بفترة موته الطبيعى .
ملحوظة :
  الكلام اعلاه قراءة اخرى مستوحاة من قصيدة للشاعر اللبنانى الرائع حسن العبد الله

الثلاثاء، 19 يناير 2016

كابوس مزمن


                    لا اذكر تأريخ بداية هذا الحلم بالضبط ، ولكنه تقريبا ابتدأ فى الفترة التى اعقبت خروجى من السجن ، والسجن  ليس كما يشاهده العابرون ، مجرد مبنى بأسوار عالية تمد اصبعها محذرة الناس ، او بالاحرى تقول لهم لستم احرارا كما تعتقدون ، فأنا هنا قيدكم الثابت ، او انا هنا اقصى مسافة يمكن ان تصلها حريّتكم ، وبعدها ستكونون مساجينا داخلى .

                    والسجن عموما ليس رمزا للبطولة ولا عقابا للجريمة ، ولا كما قال محمود درويش (معلمى الاول فى فقه الحرية) ، انه عالم آخر غارق بكلياته فى الحرمان ، مخاض قاس لولادة الآخر المختبىء فيك ، بأدنى نقطة ضعف فيه واعلى نقطة غضب ، هو مطاردة حامية مع الحنين ، الحنين الى الاهل ، والى  احبة ، الى اماكن ، الى اوقات يحظى وجودك فيها بمعنى جمال الحياة ، وهو ايضا مطاردة حامية بين الرغبة فى الانتقام من منتجى هذا الظلم العريض الذى يمشى بين هذه الجدران العالية ، وبين الجنوح الى التسامح عطفا على ضمور عقل الممسكين بالتشريع والاحكام والسلطة ، واملا فى ان يتيح التسامح مساحات اوسع للوعى ليحد ولو قليلا من الظلم .

                     ما اذكره عن سجن كوبر ، انه حاضنة  لأسوأ مستعمرة للباعوض عرفتها الطبيعة يوما ، ولا تستطيع مهما عانيت من الحمى ان تتخيّل  الحمى التى تسببها منتجاتها من الملاريا ، ملاريا تساكنها وتلازمها آخر سلالة (لايووقة) للجرب ، وكل هذه البلاءات يمكن ان تصادفها فى بيئة متخلفة وغارقة فى توحشها ، ولكنها فى سجن كوبر تبدو غيلانا تمسك أذنيك بغلظة ، وتفتح عينيك على نوافذ ترى من خلالها ، وطنا  غريبا لم تعرفه من قبل ، يساكنك فيه بشر اغراب لم تعرفهم من قبل ، وتسمع بانشطة غريبة ، قادت معظمهم الى هذا الداخل الغريب ، لم تكن تعرفها من قبل .

                    وفى الحقيقة ، كل ما ذكرته اعلاه كان واقعا معروفا بوعى كبير لدى الكثيرين ، وحدى الذى لم اكن اعرف نفسى فى هذا الوطن ، ولم اكن اعرف كذلك هذا الوطن ولا اهله كما يجب ، كل الذى كنت اعرفه عنه ، انه مراتع جميلة فى الصبا وفى الشباب ، ومن هنا بدأ كابوسى المزمن ، من الليلة التى قضيتها خارج اسوار هذا العدو اللدود للأنسانية ، لعنة الله على (كوبر) ذلك الانجليزى اللئيم ، فقد اختار من بين كل المساحات الخالية آنذاك ، هذا الموقع ليبنى عليه السجن ، فى خط واحد مع مدرج مطار الخرطوم ، فكل اقلاع او هبوط للطائرات كأنما يتم على رأسك .

                    والحلم او الكابوس كما لازمنى طوال هذه المدة ولا يزال ، و كما اعيشه كل ليلة ، عبارة عن  فضاء اخضر جميل ، تتوسطه شجرة ممتلئة وفارعة كفتاة رائعة الحسن ومعتدة بقوامها ، وبينما انا فى غمرة استمتاعى بهذا المشهد البديع ، تهب عاصفة عاتية ، تنحنى الشجرة لها فى صبر جميل حتى تمر ، ثم تتوالى العواصف ويتوالى الانحناء ، الى ان صارت الشجرة محدودبة الظهر ، وصوت مخيف يأتى من فراغ غامض  يقول ، ياله من مهبط مريح للنازلات ، ثم يلوح لى من بعيد ، مشهد انفجار سيارة مفخخة فى بلدة عربية ، واذا بشظاياه تتناثر على ظهر الشجرة ، ثم يلوح لى من جديد مشهد بناية تتهدم من قصف جوى فى بلدة اخرى ، واذا بغبارها واتربتها ودخاخينها يغطيان الشجرة ، ثم يلوح لى من جديد مشهد ومشهد من عدة نواحى الارض ، وكلها تنتهى اثارها على ظهر الشجرة ، حتى اذا ساد السكون وتجلّت الرؤية ، اذا بهذه النازلات تنهض وحشا قبيحا بستة اذرع ، يحمل بكل ذراع رمحا بستة رؤؤس ، ويرفعها ليهوى بها فى  قلب الشجرة ، ثم اكتشف فى اللحظة التى تسبق طعنتها ، ان قلب الشجرة هو قلبى ، فأستيقظ مذعورا مرددا ليرحمك ويرحمنى الله ايها الوطن .
                  

السبت، 16 يناير 2016

وسيم كأمنياتنا


                  حوت خرج الى الشارع من عمق الشارع
                 خرج ليسق الناس عذب الاغنيات
                 الحنجرة بحيرة من انغام ، نبعت منها مئات الانهار ، وحمل عليها الملايين منا
                 تصب الدفء والسكينة والراحة على الأفئدة المتعبة .
                وسيم كأغانيه ، وسيم كأمنياتنا ، ووسيم كاحتشادنا حوله بحرا هائجا.
                كنا له بحرا وضفافا ، لم نخش عليه الغرق ، ولكنّا غفلنا شر الاحتراق
                فأى نار خبيثة تلك التى تسللت ولوّثت عليه هذا الفيضان من المشاعر وأجبرته ان يسبح الى السماء ؟
                ايها الحوت السابح فى السماء
                بحرك يبكى عليك ويدعو
                الف رحمة والف نور تنزل عليك وتصعد بك الى جنات النعيم
               
                 
                  

                  

                 
                   

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...