بلغ العجز فى ميزانية المملكة العربية السعودية لهذا العام اكثر من 360 مليار ريال سعودى ، الامر الذى اضطرها لأتخاذ اجراءات لم تفاجىء المراقبين كثيرا ، فالزيادات التى اعلنتها الحكومة ، فى الماء والكهرباء والوقود ، هى المتلازمة الحتمية المألوفة فى معظم دول العالم الثالث الفقيرة فى موسم تقديم الميزانية ، او فى الحقيقة هى متلازمة حتمية لفساد السياسة ، او لخيلاء الملوك الذى يعمى البصر والبصيرة .
فالمؤشرات لهذا التدهور الاقتصادى الذى اصاب المملكة ، عديدة وبارزة ، فاذا تخطينا سياستها فى سوق النفط ، فان اهمها هى الحرب التى تصدت لقيادتها فى اليمن ، فى الوقت الذى كانت ولا زالت منخرطة فيه بكلياتها ومن خلف الستار ، فى صراعات سوريا والعراق ولبنان ، رغما عن تكاليفها العالية ، ولم تحصد منها سوى الخسران الذى سيلازمها ايضا فى حربها على اليمن ،
الآن يبدو مشروع ميزانيتها لهذا العام ، شبيها بمشاريع ميزانيات الدول العربية والاسلامية الفقيرة ، التى تكتظ مؤسسات المملكة بعدة ملايين من مواطنى تلك الدول من المغتربين الباحثين عن فرص حياة افضل ، بعد ان عجزت موارد بلادهم عن تلبية حاجاتهم وامانيهم .
هذا الوضع السىء الذى انزلقت اليه المملكة بغفلتها السياسية ، لا يستدعى شماتة او تشفى ، انما يستدعى قدرا كبيرا من المخاوف ، على اوضاع تلك الدول التى ظلت المملكة ولعقود طويلة ، حاضنة لمشاكل فقرها وفقرائها ، فالأجراءات التى ستتخذها المملكة لمعالجة اوضاعها حتما ستطال العمالة الوافدة ، مما يعنى ان ثمة جيوش من العاطلين العائدين لبلادهم بشحنات عالية من الخوف والقلق على مستقبل ايامهم ، وبهاجس مقيم ان تكون كدابر ايامهم التى اجبرتهم على الهجرة ، هذه الجيوش العائدة ، تبدو فى الافق اقوى ادوات الفوضى التى تنبأت بها وزيرة الخارجية الامريكية الاسبق كونداليزا رايس .