الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

العنف القادم من المهاجر


                بلغ العجز فى ميزانية المملكة العربية السعودية لهذا العام اكثر من 360 مليار ريال سعودى ، الامر الذى اضطرها لأتخاذ اجراءات لم تفاجىء المراقبين كثيرا ، فالزيادات التى اعلنتها الحكومة ، فى الماء والكهرباء والوقود ، هى المتلازمة الحتمية المألوفة فى معظم دول العالم الثالث الفقيرة فى موسم تقديم الميزانية  ، او فى الحقيقة هى متلازمة حتمية لفساد السياسة ، او لخيلاء الملوك الذى يعمى البصر والبصيرة .

               فالمؤشرات لهذا التدهور الاقتصادى الذى اصاب المملكة ، عديدة وبارزة ، فاذا تخطينا سياستها فى سوق النفط ، فان اهمها هى الحرب التى تصدت لقيادتها فى اليمن ، فى الوقت الذى كانت ولا زالت منخرطة فيه بكلياتها ومن خلف الستار ،  فى صراعات سوريا والعراق ولبنان ، رغما عن  تكاليفها العالية ، ولم تحصد منها سوى الخسران الذى سيلازمها ايضا فى حربها على اليمن ،

               الآن يبدو مشروع ميزانيتها لهذا العام ، شبيها بمشاريع ميزانيات الدول العربية والاسلامية الفقيرة ، التى تكتظ مؤسسات المملكة بعدة ملايين من مواطنى تلك الدول من المغتربين الباحثين عن فرص حياة افضل ، بعد ان عجزت موارد بلادهم عن تلبية حاجاتهم وامانيهم .

              هذا الوضع السىء الذى انزلقت اليه المملكة بغفلتها السياسية ، لا يستدعى شماتة او تشفى ، انما يستدعى قدرا كبيرا من المخاوف ، على اوضاع تلك الدول التى ظلت المملكة ولعقود طويلة ، حاضنة لمشاكل فقرها وفقرائها ، فالأجراءات التى ستتخذها المملكة لمعالجة اوضاعها حتما ستطال العمالة الوافدة ، مما يعنى ان ثمة جيوش من العاطلين العائدين لبلادهم بشحنات عالية من الخوف والقلق على مستقبل ايامهم ، وبهاجس مقيم ان تكون كدابر ايامهم التى اجبرتهم على الهجرة ، هذه الجيوش العائدة ، تبدو فى الافق اقوى ادوات الفوضى التى تنبأت بها وزيرة الخارجية الامريكية الاسبق كونداليزا رايس .

              

              

الخميس، 24 ديسمبر 2015

تأخرت كثيرا


               يمشى نصفا فى الطرقات ، ويؤمن ان نصفه الآخر موجود فى منطقة غائبة عن بصره ، او فى عالم الغيب ، ويوما ما ، ستخرج الى الوجود مثل شمس اشرقت بعد شتاء طويل ، يمشى نصفا فى الطرقات حتى يجفّ حلقه ، يتلفت كنمر جائع يبحث عن فريسة ، فيرى سبيلا هنا وسبيلا هناك محاطة بالعطش ، يحن قلبه ويهم ان يسقيها ، لكنه يخشى البلل ، فيعود سريعا الى طريقه بلافتته البارزة  (عليك الانتظار) .

               وبدأ يتوهم انه فى مرحلة الشباب ، رأى رجلا وسيما يسير مع زوجة وسيمة الجمال ، ويرتدى زيّا  يليق بقصور رئاسية ، ولوهلة تراءى له انه رآها كامنة تلوّح له من صلبيهما ، فأخذ يهىء نفسه للقاء بعد عقد ونصف او ربما اكثر بقليل ، ويقنع  نفسه بأنها فترة لا تسوى شيئا مع ترحال الاعراب الطويل فى الصحارى القاسية ، ووقفتهم على مشارف خيام الاحبة .  

            ولما انقضى عقدان دون ان تصدق رؤيته ، اذّن مؤذّن الناس العاديين فى أذنه ، هيا على الزواج ، واستقبل العالم اسرة جديدة باردة العواطف . 

               وعلى مدى عقدين ونيف قضاهما انسانا عاديا ، بذات شكاوى الناس العاديين ، وبذات احلامهم الميتة ، التقاها صدفة فى مكان لم يكن يخطر على باله ولا فى اكثر شطحاته انفلاتا ، التقاها بشرا سويا ، ابهى جمالا من تصوير مخيلته المرهفة ، فأستيقظت فى داخله عاطفة وحشية مرعبة ، لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم ، انما تلاحق دقات قلبه المرسلة بعنف الى هذا القادم من احلام نقية فتية ، فصار تمثالا تتدفق من جوانبه عواطف عذبة تبدو بلا نهاية .

              لم يسعفه حاله هذا ان يبنى موقفا رزينا ، لا يهدر فيه عاطفته كما اهدر عمره من قبل فى رهان خاسر مع الزمن ،  ولا يطلقها بمراهقة مرهقة ، تقضى على ما تبقى من حيوية قلبه ، موقفا جديدا يرتقى بروحه الى ذرى صوفية ، يستمتع فيها بجمال رب العزة  والجلالة المتجل فى خلقه ، لم يسعفه حاله بشىء ، فدخل مأسوفا عليه فى عزلة مجنونة ، بالكاد تجده حاضرا ببهائه القديم ، فقط تلحظه سجينا فى عبارة وحيدة  يردد فيها صباحا ومساءا ( تأخرت كثيرا) .
 

               

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

قليلا من نورك يا الله


              من اين تأتى تلك اللحظة التى تعلّقك ما بين السماء والارض ،  وتدخلك فورا فى العتمة ، فترى الحياة مكللة بالسواد ، البنايات اشباحا ، والناس اشباحا ، والطرقات افاع خبيثة تتربص بالمارة ، وترى الحب كالعدل امان مستحيلة ، من اين تأتى بكل هذه الظلمة.. كل هذه العتمة ، كل هذا الليل الاعمى ؟!  

              ابحث الآن عن نورك ، عن شعاع ، عن ومضة ، عن برق خاطف ، ابحث واعرف اننى امضى فى طريق يقودنى الى قلب النار ، واعرف اننى متى القيت كلمتى هناك ، سأحترق متلاشيا فى كل ذرة متناثرة على هذا الكون الفسيح ، وحينها ستحمل كل ذرة قصة تحكى معنى الفناء فى العشق ، وتطوف بها بين الخلق تعويزة للخلاص .

              ما يحثنى بشدة الى نورك ،  الرغبة فى التحرر ،  ، التحرر من بصرى المجذوب نحو السواد ،  التحرر منى انا المعلّق بين السماء والارض ، ما يحثنى بشدة الى نورك ، الرغبة فى الهروب ، الهروب اليك ، الى ملكك ، الى حيث الاتساع والنقاء والآمان   .

              قليلا من نورك يا الله ، قبسا ، برقا خاطفا ، اريد ان ارى جمال خلقك كما كنت اراه ، اريد ان ارى الحياة كما كنت اراها قبل هذا التلوّث .

الأحد، 13 ديسمبر 2015

اغنية فاجرة فى سب الوطن


               يحكى انه فى القرون الوسطى ، او قبل ذلك بقرون ، ان شعبا بأكمله قد هاجر من وطنه ، لا ادرى ما الاسباب الحقيقية التى دعته الى ذلك ، ولكنها بالتأكيد اسباب قوية لا تحتاج الى جدال ، فقد رخص الوطن فى اعينهم للدرجة التى لم تعد سبل كسب عيشهم ، و لا ذكرياتهم ، ولا تراتيب مجتمعهم ، ولا تأريخهم فيه ، يعنى لهم شيئا ، كل الذى عناهم فى تلك اللحظة ، هو الهجرة ، فخرجوا تاركين وراءهم وطنا خاويا فى العراء .

                المشهد يحكى تأريخ البشر الغامض مع الغرابة ، شعب بأكمله توحدت فى لحظة الخروج همومه وآماله ، وسقطت عندها كل المشاريع الحالمة لمن ظنوا انهم امتلكوا الارض وما عليها ومن عليها ، وسقطت عندها الامتيازات الزائفة والظالمة التى انبنى عليها مجتمعهم فبل الرحيل ، الميزة الآن لمن يمتلك القدرة على تحمّل قسوة الطبيعة فى اكثر صورها جلاءا ، الميزة الآن لمن يمتلك القدرة على تحمّل الجوع والعطش وتعب المسير ، الميزة الآن لمن يصرع الخوف داخله فى مواجهاته مع المجهول .

                هذه المسيرة المكتظة بنصب الحياة ، تبدو حركتها من وجهة نظر متفائلة ، مخاضا لمولد ملك جديد ، وقادة جدد ، وشعر يؤرخ لمعاناة لم تعرف صورها صوالين المترفين ، ومغنى يحكى وجعه مع الطبيعة ، و يسب ارضه السابقة التى اوصدت كل ابواب الحياة امامهم ، وطردتهم اغرابا فى برية موحشة .

                لكنها فى ظل النظر العقلى ، تبدو جوقة من المغنيين اليائسين ، يتجولون فى خلاء عدائى ويرددون فى اغنية وحيدة فاجرة فى سب الوطن .

السبت، 12 ديسمبر 2015

الموت كلبا


                 السماء ليست فراغا ممتدا على مدى البصر ، انها مكتظة بدروب عجيبة ،  فالعاصفة الرملية التى نراها قادمة من افق بعيد ، هى فى الواقع ارض مهاجرة قادمة عبر طريق سماوى مثل غيره من الطرق التى تأتى عبرها الطيور  والجراد وانفاس الثورات والأوبئة ، وتأتى ايضا عبرها الأرض التى سئمت حكامها وسكانها وسوء العيش عليها .

                 والانهر الموسمية مصطلح خاطىء يتناقض مع حقائق الطبيعة ، الاصح ان نطلق عليها انهرا مهاجرة ، وعلى ذلك يمكننا ان نفسّر الامطار الغزيرة التى تصب فى مناطق  لم تألفها من قبل ، بأنهر ضلّت طريقها عن ضفافها ، فالسحب الممطرة فى الحقيقة ما هى الا انهر مهاجرة عبر طريق سماوى ، تغيب فصلا وتعود الى مجاريها مشتاقة لأحضان الضفاف .

                   ونحن نعلم ان رب العزة والجلالة كان قد مد عبر السماء منذ زمان سحيق ، طرقا سلّم عبرها رسالاته لأنبيائه المصطفين ، ومد طرقا خاصة لدعاء خلقه المستضعفين ، وطرقا تصعد بها الروح الى بارئها ، وطرقا تتنزل عبرها رحمته وعدله وتتنزل عبرها سكينته الى الأفئدة فى زمن الخوف ، وطريقا قدسيا اسرى عبره سيّد الخلق ثم طوى . 

                    والانسان فى محنته يكتشف مدى ضعفه وهشاشته ، فيتجه بكلياته الى السماء ليستقوى بعزيز مقتدر ، ويرى فيها وعلى امتداد بصره طريقا وحيدا الى الله عزّ وجل ، انه يقين المستضعفين فى الارض ، معلّق فى كثير من الاحيان على السؤال والطلب والرجاء ، اما اصحاب اليقين فلا يخشون شيئا ، ولا يرجون شيئا من خلق الله ، فعشقهم لله اقوى من كل فساد فى الارض ، قال عامر بن عبد قيس ( احببت الله حبا سهّل علىّ كل مصيبة ورضانى بكل قضية ) فقد بلغ يقينه حدا انه قال ( لو كشف لى الغطاء لما ازددت يقينا)  .

                    انهم يعشقون الله ويخشون حسابه ، ولو عرف الذين تاخذهم العزة بالأثم ، ما عرفه هؤلاء الصالحون عن حساب الله ، لكفوا عن ظلم الناس واكل اموالهم بالباطل ، وانقذوا انفسهم من عذاب الدنيا ، ومن عذاب يوم القيامة ، قال الفضيل بن عيّاض ( لو خيّرت ان اعيش كلبا واموت كلبا ولا ارى يوم القيامة ، لأخترت ان اعيش كلبا واموت كلبا ولا ارى يوم القيامة .)

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

مرتع الفاشلين


                  لازلنا نذكر بالحسرة والأسف الاحداث التى فجرتها سياسات رفع الدعم ! تلك التى انتهجها وزير المالية السابق ، والتى اطاحت به ، وتفآلنا خيرا بالوزير الحالى الذى تولى مهام الوزارة بعده ، مطمئنين الى انه قد وعى خطل تلك السياسة وان لديه القدرة على اتخاذ نهج اقتصادي آخر من شأنه ان ينشل البلاد من وهدتها الاقتصادية ، ويخفف العبء عن كاهل المواطنين الذين ابدوا مهارات فائقة  فى مباراتهم مع الصبر .

                  وهاهو الآن يعود الى ذات النهج الذى سلكه الوزير السابق ، بمطالبته لنواب البرلمان بالموافقة على رفع الدغم عن المحروقات والكهرباء والدقيق ، اى بصريح العبارة ، تعليق حياة الناس فى هذا البلد على جشع المستوردين ، وشره اللاهثين حول قسمة الثروة ، كأن الناس فى هذا البلد يدخرون كنزا سريا يعرفه الوزراء الذين تضيق آفاقهم عن رؤية المعالجات الاقتصادية بعيدا عن جيوب المواطنين .

                  انه لفشل زريع ان يمض وزير المالية فى ادارة شئون الاقتصاد طيلة الفترة من 2013 وحتى الآن ، ليصل الى ذات النقطة الجامدة التى وصل اليها سلفه فى 2013 ، ويحمد لسلقه انه كان اسرع منه فى الوصول الى نقطة الجمود .

                  ألا يوجد فى هذا الوطن عقل اقتصادى يخرجنا من هذه الازمة بدلا من ان تترك لعقول متحجرة لا تستطيع ادارة الاقتصاد الا على طريقة حكم التركية السابقة ؟

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...