الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

لاتهدموا ملاذاتكم


                       فى الحياة العادية لا تخلو بعض احاديث الناس من التحفظ على بعض اداء الشرطة ، سواء اكان هذا الاداء ناتج من حالات فردية او من شح الامكانات التى تعانى منها الشرطة او من طبيعة عملها المنفّذة لقوانين لم تحظ بالرضا والقبول من قطاعات مقدرة من الشعب السودانى ، ومجمل هذه التحفظات حتى وان تضاعفت لا تنفى الضرورة الحيوية لوجود اقسام الشرطة بالمدن والاحياء ، فهى الملاذ الذى يتوجه اليه الناس حينما تنتهك حرماتهم ، فضلا عن ان غيابها يعنى دعوة مفتوحة للجريمة .

                        من ضمن الملاحظات المؤسفة التى صاحبت التظاهرات القائمة الآن ، تبدو اخطرها على الاطلاق ، المحاولات المستميتة لأقتحام اقسام الشرطة ومقارها كما جرى ذلك بقسم شرطة الحارة الرابعة بالثورة بامدرمان ، وكأنى بالعقل الذى وجه مسار التظاهرات الى تلك الاقسام والمقار ، اغفل فى غمرة تماهيه مع التجربة المصرية القريبة ، العواقب والتبعات الجسيمة التى ترتبت على تلك التجربة قبل وبعد انتصار الثورة والتى شاهد مآسيها الملايين من الناس على القنوات الفضائية ، مثلما شاهدوا وتابعوا قدر الجهود التى بذلت حتى تتمكن الشرطة من استعادة وجودها ثانية فى الشارع المصرى .

                        القوة الموجودة داخل اقسام الشرطة مدربة ومؤهلة لأدارة نزاعات الناس حول ملكياتهم وامنهم واعراضهم بغض النظر عن اى تحفظات ، وهى بهذه الوظيفة تعتبر ملاذا آمنا للمواطنين ، فلا تهدموا ملاذاتكم بأيديكم وتزجوا بأبنائكم الى معترك استفزازى يستدعى عليهم عنفا معاكسا يزهق ارواحهم .

                         حتى نهار الامس ، ومن واقع مشاهداتى للتظاهرات التى قامت بالثورة شارع النص ، كان اداء القوة المرتكزة بكبرى النص غاية فى الحكمة وضبط النفس ، فقوام المجموعات التى تحلّقت على بعد امتار من القوة ، يغلب عليه اطفال دون الخامسة عشر  وشباب فى مقتبل العمر ، كل وسائلهم فى الاحتجاج حجارة لقفل الطريق وحجارة فى الايادى ، لم يلجا احدهم للتعدى على المحلاّت التجارية التى تفتح على الشارع ، ولم يبد احدهم نزعة للتخريب ، وكان تقديرا سليما ان تنسحب القوة دون ان تحدث خسائرا فى الارواح او تصعيدا يؤدى الى ما لاتحمد عقباه .

                          للثورة شرط واحد يؤدى الى انتصارها ، انه السلمية ، عدا ذلك فلن يعدو الامر ان يكون سوى دعوة للفوضى والعنف ، وتهيئة الارض لسيناريوهات نسأل الله ألا تغشى بلادنا .

الاثنين، 23 سبتمبر 2013

صهوة الحق الشفيف


                       ولى زمان الانتظار ، الساعات تدق على وتر النزيف .

                        الساعة الآن ، بيوت تفتح ابوابها على شوارع ملتهبة وشوارع متأهبة وشوارع منسلة من عقل مجنون تقذف فى الحجارة وتشعل فى النيران .

                       الساعة الثانية ، مدن محبطة تصحو متكاسلة على هتافات المدن القريبة و تمد اعناقها الطويلة لتسترق النظر والسمع وتسرق العدوى و الحريق .

                       الساعة الثالثة ، اقاليم مجروحة يجتاحها انتباه مثير ، تتسلل اطرافها خلسة وتطرق ابواب الجراحات طرقا عنيفا ، يستيقظ ماض محتشد بكل ما تخشاه كتب السلام .

                        الساعة الرابعة ، تزدحم ردهات البنوك بمسئولين ورجال مال واعمال قدامى وجدد ، التوتر على محياهم يتقطر فزعا وخوفا وبدت حالهم اقرب الى حالة لصوص على وشك الوقوع فى كمين محكم ، ينشط سرا حولهم سماسرة العملات وخطوط الطيران العالمية الموصولون بأجهزة رسمية ، فجأة تلاحظ شركات الاتصالات ان مكالمات خارجية جديدة طرأت على خارطة مكالماتها المعتادة .

                        الساعة الخامسة ، سائقون ماهرون يعرفون اقصر الطرق الى مطار الخرطوم ومطارات الولايات ، وسائقون آخرون متمرسون على السفر فى طرق الصحراء الغامضة وطرق الحدود المقفولة على مافيات سرية ، تمت مشاهدتهم يحملون عدة السفر وهم يرتدون ملابسا باهتة .

                        الساعة السادسة ، اكتشف كثيرون ان بيوتهم تخلو من اى مؤونة تكفى حاجتهم لأيام مقبلات الله وحده يعلم مآلاتها و مداها ، واكتشف كثيرون ان كثيرين مثلهم اكتشفوا ذلك .

                        الساعة السابعة ، البقوليات والزيوت والدقيق والسكر والتمر ترتفع الى اعلى سلّم المبيعات والاسعار .

                        الساعة الثامنة ، صلى كبار السن العشاء ثم ذهبوا الى اسرتهم لأول مرة دون ان يتفقدوا ابناءهم وبناتهم ، وبعد ان انتهوا من اورادهم المعهودة خرجت منهم زفرات حارة (آه يا بلد) .

                      الساعة التاسعة ، انتهى من الكتابة واعاد القراءة مرة واثنتين وقال ( ثمة عناصر هامة مفقودة فى هذا السيناريو ولكنه واقعى وقابل للتطور سريعا ) ثم طبّق الورقة ووضعها تحت مخدته ونام .

الجمعة، 20 سبتمبر 2013

للموظفين فقط


                     قضى الأمر ولم تعد هنالك جدوى من الخصام ، ستستيقظ فى صباح قريب وتجد ان الشوارع التى الفتها زمنا قد تغيّر شكلها وضجيجها وسحنات الحائمين والهائمين فيها ونواياهم ايضا ، الحى الذى تقطنه ستراه غريبا كأنك تراه لأول مرة ، والمتجر الصغير الذى اعتدت الشراء والاستدانة منه وبينكما اريحية لا يخدشها حياء او خجل ، سيحل محلها جفاء معلق على ظهر كرتونة بسكويت اطفال مكتوب عليها ( ممنوع الدين قطعيا ) منتهى الحزم والحسم ، بعدها سيصيبك الارهاق حين تنوى تحديد اولويات صرفك ، وستصل لتلك الحالة التى تصبح خياراتك فيها متصادمة بين حاجتك للصرف على المعدة وحاجتك للصرف على الوظيفة ، بمعنى ان يكون كل ما تبقى لك من المرتب يكفى قيمة مواصلاتك لمكان العمل لما تبقى من الشهر ، وهى قيمة تعادل قيمة ما تحتاجه من وجبات لما تبقى من الشهر ، لا تحزن ، لدى الله خزائن السموات و الارض فهى افضل من خزائن الدول المقدودة التى لم تسمن يوما ولم تغن عن جوع لأمثالك الطاهرين .

                       اكتب قائمة بضرورياتك ثم ابدأ الشطب ، انت الآن فى زمن الألغاء ، الصحيفة الصباحية ، القهوة ، السجارة وكيس التمباك ترف لا يليق بك ، اشطب بلا شفقة ، اما اغلى امانى العمر ، فأنت وهى تعلمان جيدا ان الوظيفة لم تعد  سوى سجن محكم بدقة ، لا يتيح لكما سوى هذا الامل المخادع الذى لازمكما منذ ايام الدراسة بأن الوظيفة ستحقق لكما ذلك الحلم الذى صوّره بنك (باركليز ) يوما قديما فى اعلان يمكن بناءا عليه ان تبنى منزلا وتقتنى عربة وتنشىء مزرعة وتجول العالم ايضا ، وقتها كانت البنوك قادرة على فعل ذلك بسلفيات على ضمان المرتب ، ووقتها كان المرتب قادر على تحقيق الضمانة الكافية لطمأنة البنك ، فوقتها كان المرتب يتم تحديده وفقا لمعايير عالمية وكان الجنيه يعادل 3 دولارات ونيف ، ووقتها كانت الطهارة هى معيار الحاكمين والعدل والانصاف اساس الحكم .

                        نعم ، اغلى امانى العمر ضمن القائمة ايضا ، فليعلق كل منكما صورة الآخر على نجمة قريبة ويزرف ما يشاء من الدموع كل مساء ويكتب ما يشاء من قصائد ثم يشطب بقوة ، او ربما تملكان الشجاعة لتعيشا معا مثل سارتر وسيمون دى بوفوار مع تعديل بسيط لا يكلفكما سوى مائة جنيها اجرة مأزون حتى لا تخرجا من الملة ، ملة القهر والعذاب المتوارث قرونا وقرونا .

                        اشطب .. اشطب .. اشطب واستمر فى الشطب الى ان تصل سريعا الى شطب الوظيفة من حياتك مرة والى الابد .
                         


                  
             
                   

الاثنين، 9 سبتمبر 2013

عقل روسى مبدع


                      عقل روسيا السياسى والدبلوماسى عقل مبدع ، ففى كل مناطق النزاع المستعصية من كوريا الى ايران الى سوريا ، ظلّ هذاالعقل يلوح ضوءا مبهرا فى نهاية انفاقها المظلمة المسدودة وذلك بتقديمه أطروحات سياسية ودبلوماسية تنقل اطراف النزاع الى فضاء سلمى مستقر او على الاقل تمنع ولوغهم فى الدماء والخراب ، وهاهو الآن والعالم يترقب محموما الضربة الامريكية الغربية المقررة على سوريا ، يخرج علينا بطرح عقلانى مبدع فى واقعيته ، من شأنه ان يجنّب الانسان السورى ويلات عذاب السلاح الكيماوى ، ويجنّب المنطقة والعالم تداعياته فى ظل الضربة المرتقبة ، ويوفّر على اصحابها جهدا ودماءا واموالا .

                      وضع الآسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية ، مقترح يقطع الطريق اولا على تلك الايادى الآثمة التى ادمت قلوبنا بأستخدامه فى ريف دمشق ويمنعها من استخدامه ثانية طالما ان المخزون الرئيسى بات تحت السيطرة ، ويمكّن بالتالى من الكشف عما اذا كانت هنالك جهة أخرى تمتلكه سواء عن طريق التسريب او الامداد من مصادر مجهولة وكبحها سريعا ، ويقطع الطريق ثانية على بارونات الحرب المنتشرين فى الغرب والذين يحسبون فى هذه الاثناء قدر الفوائد التى يمكن جنيها من الضربة المقررة على سوريا حتى وان كان ضحاياها بالالاف ، ويمكّن وهذا هو الأهم من معرفة ومعاقبة مرتكبى تلك المجزرة البشعة .

                      موافقة الحكومة السورية على المقترح الروسى ليست خطوة ايجابية فحسب وانما دعم مباشر للأمن والسلم الدوليين يأتى  فى اللحظات الحرجة ، فالمنطقة لا تتحمّل حرائقا جديدة ، يكفيها تلك التى تخوض فيها داخل كل قطر ، وعلى العالم ان يقول كلمته الآن بالشروع فورا بأتخاذ الترتيبات اللازمة لوضع تلك الاسلحة تحت الرقابة الدولية ليغلق نافذة من نوافذ الرعب فى المنطقة .

                      التحية والتقدير للحكومة الروسية على جهودها السياسية والدبلوماسية التى ما انفكت تدعم السلم والامن الدوليين بعقلها السياسى الدبلوماسى المبدع وبتوظيفها الدقيق لعلاقاتها التأريخية بالمنطقة من اجل ذلك .

                       

الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

لكل ألفية محرقة


                        كل الذى اتمناه ان اكون مخطئا فى قراءتى لهذا الزخم البرلمانى المتعلق بالضربة المقبلة على سوريا ، فثمة خوف كبير يحيط بحراكات قادة الدول الغربية الكبرى (امريكا ، بريطانية ، فرنسا ) واصرارها للتغطى بشرعية برلمانية لقيامها بالضربة العسكرية المقررة على سوريا بالرغم من ان قيامها بتلك الضربة العسكرية المحدودة كما اعلنوا ، لا يشكل خرقا لأى من قوانينهم ، فلماذا الأصرار على هذه التغطية ؟

                        فى تقديرى ان هذا الأصرار ناتج من طبيعة الضربة العسكرية التى ينوون توجيهها لسوريا ، فهى ليست كما يتخيّلها البعض تلك المغلّفة بكلمات ناعمة فى توصيف الرئيس الامريكى اوباما (limited surgical strike ) ففى هذه الضربة الجراحية المحدودة ، يختبىء  كما اعتقد سلاح سرىّ جديد سيشغل احاديث الألفية الثالثة عقودا طويلة مثلما فعلت من قبل قنبلتى هيروشيما ونجازاكى .

                         فهذا المشهد السياسى التشريعى المؤسساتى الذى اتحفتنا امريكا بمشهد مبهر منه ، يتراءى من خلاله ان ثمة فحص لمسألة اخلاقية على قدر عال من التأثير يجرى فى سياقات قانونية وسياسية واقتصادية ظلّت ملامحها واضحة فى النقاشات التى جرت بالكونجرس الامريكى امس الاول ، وكلها يمكن اختزالها فى سؤال ، اين تقف مصالح الغرب من هذه الضربة ؟

                          فأذا كانت مخاوف الغرب من هذه الضربة على مصالحهم بهذا القدر الكبير من التوجس الذى بدا جليّا فى المناقشات المفتوحة فما بالك بتلك المغلقة التى سينفتح النقاش حول اكثر اسرارهم خطرا ؟

                           بأختصار العالم الغربى مقدم على صناعة محرقة للألفية الثالثة تؤكد للعالم اجمع ان الأمر حينما يتعلق بمصالحه فقانون القوة هو السيّد .

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...