فى الحياة العادية لا تخلو بعض احاديث الناس من التحفظ على بعض اداء الشرطة ، سواء اكان هذا الاداء ناتج من حالات فردية او من شح الامكانات التى تعانى منها الشرطة او من طبيعة عملها المنفّذة لقوانين لم تحظ بالرضا والقبول من قطاعات مقدرة من الشعب السودانى ، ومجمل هذه التحفظات حتى وان تضاعفت لا تنفى الضرورة الحيوية لوجود اقسام الشرطة بالمدن والاحياء ، فهى الملاذ الذى يتوجه اليه الناس حينما تنتهك حرماتهم ، فضلا عن ان غيابها يعنى دعوة مفتوحة للجريمة .
من ضمن الملاحظات المؤسفة التى صاحبت التظاهرات القائمة الآن ، تبدو اخطرها على الاطلاق ، المحاولات المستميتة لأقتحام اقسام الشرطة ومقارها كما جرى ذلك بقسم شرطة الحارة الرابعة بالثورة بامدرمان ، وكأنى بالعقل الذى وجه مسار التظاهرات الى تلك الاقسام والمقار ، اغفل فى غمرة تماهيه مع التجربة المصرية القريبة ، العواقب والتبعات الجسيمة التى ترتبت على تلك التجربة قبل وبعد انتصار الثورة والتى شاهد مآسيها الملايين من الناس على القنوات الفضائية ، مثلما شاهدوا وتابعوا قدر الجهود التى بذلت حتى تتمكن الشرطة من استعادة وجودها ثانية فى الشارع المصرى .
القوة الموجودة داخل اقسام الشرطة مدربة ومؤهلة لأدارة نزاعات الناس حول ملكياتهم وامنهم واعراضهم بغض النظر عن اى تحفظات ، وهى بهذه الوظيفة تعتبر ملاذا آمنا للمواطنين ، فلا تهدموا ملاذاتكم بأيديكم وتزجوا بأبنائكم الى معترك استفزازى يستدعى عليهم عنفا معاكسا يزهق ارواحهم .
حتى نهار الامس ، ومن واقع مشاهداتى للتظاهرات التى قامت بالثورة شارع النص ، كان اداء القوة المرتكزة بكبرى النص غاية فى الحكمة وضبط النفس ، فقوام المجموعات التى تحلّقت على بعد امتار من القوة ، يغلب عليه اطفال دون الخامسة عشر وشباب فى مقتبل العمر ، كل وسائلهم فى الاحتجاج حجارة لقفل الطريق وحجارة فى الايادى ، لم يلجا احدهم للتعدى على المحلاّت التجارية التى تفتح على الشارع ، ولم يبد احدهم نزعة للتخريب ، وكان تقديرا سليما ان تنسحب القوة دون ان تحدث خسائرا فى الارواح او تصعيدا يؤدى الى ما لاتحمد عقباه .
للثورة شرط واحد يؤدى الى انتصارها ، انه السلمية ، عدا ذلك فلن يعدو الامر ان يكون سوى دعوة للفوضى والعنف ، وتهيئة الارض لسيناريوهات نسأل الله ألا تغشى بلادنا .