الاثنين، 31 يناير 2011

( شعب عربى كريم )


        ( الاهداء
                 الى كل من وضع لبنة فى تشييد صرح النهضة الادبية . الى النفوس الطامحة للرقى والتقدم والفلاح ، الى القلوب النابضة بحب البلاد ، الى الضمائر الحية النقية ، الى المخلصين الاوفياء ، الى القائمين بواجب الجامعة القومية ، والرابطة السودانية بل الى شباب البلاد الناهض وزهرته اليانعة
                 بسم الله الرحمن الرحيم ( البلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه ) الآية قرآن كريم .
                 شعب عربى كريم يدين بالدين الاسلامى الحنيف . دين الاخاء والحرية والمساواة هطلت عليه من سماء العلم قطرات انعشت كمين روح الاجداد فأزهرت جنة ادابه واينعت وهذه فاكهة من ثمارها قيلت فى الليلة الحادية عشر من شهر ربيع الاول سنة 1342 ذكرى المولد النبوى الشريف  .
                 حدى بى الى جمعها ونشرها ما حازته من الاستحسان فأحببت الا يفوت النائين استنشاق هذه الزهور التى تتسرب رائحتها الى الافئدة والقلوب فتنعشها والذكرى تبعث الذكرى .
                                                                   الناشر : سليمان كشة
                                                        ام درمان فى 15 نوفمبر 1923 )
                 بين القوسين اعلاه نص المقدمة التى كتبها سليمان كشة لكتاب ( نسمات الربيع ) نقلتها حرفيا من مؤلفه ( سوق الذكريات ) الجزء الاول ص 128 ، ومن بين هذه المقدمة اجتزأ على عبد اللطيف من سياقها عبارة ( شعب عربى كريم ) محتجا على سليمان كشة بأنه كان يجب ان يكتب شعب سودانى كريم بدلا من ذلك ، والتقطت الباحثة اليابنية يوشيكو كوريتا هذه الواقعة دون ان تتعمق فى بحث جوانبها وبنت عليها فى اطار بحثها عن مصادر الثورة السودانية من خلال دراستها لعلى عبد اللطيف ، اساسا لصراع قائم حول الهوية فى عشرينات القرن العشرين ، واتخذت من سليمان كشة رمزا للطرف العربى فى هذا الصراع ، واتخذت من على عبد اللطيف رمزا للطرف الزنجى .

                 ومن ثم سار ركب طويل خلف طرح يوشيكو كوريتا هذا دون ان يكلف نفسه بأعادة النظر فى مدى واقعية هذا الطرح ولو بالبحث عن اجابة لسؤال بسيط وهو : كيف يمكننا ان نتيقن من وجود مثل هذا الصراع لو لم يقم سليمان كشة بذكر هذه الواقعة ضمن تسجيله للرحلة التى صاحبت جمع وطبع ونشر وتوزيع مادة كتاب ( نسمات الربيع ) ؟

                 لقد حذق سليمان كشة ارسال اشارات من خلال كتابته لوقائع تاريخية معينة عسى ولعّل ان تصل بنا الى حقائق مرجوة ، ففى تصديره لكتاب سوق الذكريات الجزء الاول ، يشير الى ماضى اكتنفه الغموض لعوامل واسباب شتى حالت دون جلائه ، وينبه بضرورة اشتغال الباحثين بالمعالم والنقاط التى تلقى ضوءا على تاريخ تلك الحقبة والتى حسب احاطته بها قدمها فى جرأة رائدها حسن النية وجلال الطلب ، واستجابة لهذا التنبيه تقتضى الضرورة ان نعيد قراءة الاهداء اعلاه بالدقة المطلوبة للبحث عن الحقائق الكامنة خلف المعالم والنقاط التى اشار اليها ولن يتأتى لنا ذلك الا بطرح الأسئلة حول كل كبيرة وصغيرة.

                 واولى الاسئلة التى تفرض نفسها : من هى الجهات المقصودة بالاهداء والتى اشار اليهم بشكل غامض  بواضعى لبنات صرح النهضة الادبية و بالنفوس الطامحة للتقدم و الفلاح و بالقلوب النابضة بحب البلاد و بالضمائر الحية النقية والمخلصين الاوفياء ؟

                 ومن هم القائمون بواجب الجامعة القومية والرابطة السودانية ؟ وما هى مبادىء وافكار واهداف هاتين المنظمتين اللتين تبرزان بوضوح تام من خلال سياق اهدائه ؟

                 والسؤال الذى قد يشفى  كثيرا من غليل نوايا ورغبات ركب يوشيكو كوريتا :  لماذا قدم سليمان كشة فى اهدائه كل هذه المنظومات  على الشعب العربى الكريم  ؟ وكيف نعتبره شكلا استعلائيا جسّد اقصاء الآخر السودانى ، و المناسبة مصدر الكتاب كانت مناسبة دينية اسلامية لنبى عربى  والكتاب جهد لعرب سودانيين ؟ اللهم الا اذا كان المراد هو اقصاء عرب السودان من الاسهام فى هذا الوطن .

                لقد حمّلت يوشيكو كوريتا ومن سار فى ركبها على عبد اللطيف وسليمان كشة اكثر مما احتملته الواقعة ، فكلا الرجلين كان انتماؤهما التنظيمى جامعا بين صفوفه كل اعراق السودان ، وكلا الرجلين يتمتعان بثقافة عربية اسلامية واحدة مثلهما فى ذلك مثل ركب يوشيكو الذين استطاعوا عبر هذه الثقافة ان يصعدوا نجوما مبدعة فى سماء هذا الوطن سواء فى الشعر او الرواية او غيرهما .
                 
                

الجمعة، 28 يناير 2011

مصر الثانية


                      موجة الثورة التى انطلقت من تونس ، شروطها قائمة على امتداد الوطن العربى من الخليج الى المحيط ، فخريطة هذه المنطقة ملأى بسلسلة طويلة من مهاوى السقوط ، تجدها باينة فى شوارع مدنها الخلفية ، وفى احاديث اغلبية بيوتها المحاصرة بقضايا لقمة العيش والعلاج والتعليم والعمل ، ومن قبل ومن بعد بالخوف الذى اصبح اساس الحكم فى نظر حكام منطقتنا ، حتى اصبحت الاوطان فى ظل هذا القهر كما قال مظفر النواب ( سجون متلاصقة سجان يمسك بسجان ) .

                     والمؤلم حقا ان حكومات المنطقة تبدو فى قيامها بأدارة شئون الحكم على عقيدة واحدة ، لا ترى فى المواطن سوى عدوها الاساسى ، وبلا خجل او حياء توثق نظرتها هذه وبيدها فى دساتيرها وقوانينها وميزانياتها ومؤسساتها الكابحة التى تعددت اوجهها ومهامها وازياؤها حتى اوشكت هذه الاوطان ان تصبح مجرد ثكنات عسكرية  فى حالة استعداد لحرب وشيكة مع مواطن مسكين كل احلامه هى عمل يؤمن له لقمة عيش شريفة ومسكن وعلاج وتعليم لأسرته .

                      والثورة التى تشهدها شوارع مصر الآن جاءت متأخرة من شعب صعد مع عبد الناصر من حفر الاقطاع التى رزح تحت نيرها طويلا الى ذرى حياة كريمة اشرأب اليها العالم برمته ، فشعب هذا تاريخه من العيب على قيادته التى ورثت هذا التاريخ ان تغمض عينها عن معاناته وعن قضاياه وعن تطلعاته وترمى به رهينة لنخب فاسدة لا ترى سوى بريق الذهب ولا تسمع سوى رنينه بينما اصوات جياع مصر شقت ليالى الدنيا .

                     مصر الآن هى الثانية فى قطار الثورة الذى لحق بموجة تونس ، وايا كانت مآلات هذه الثورة فلن تعود ثانية لحالتها الاولى ، ستعود بعدها مصر الثانية والتى اتمنى ان تكون صناعة حقيقية لأبنائها الحقيقيين .

الأربعاء، 26 يناير 2011

وثائق الجزيرة


                         التوقيت الذى اختارته قناة الجزيرة لبث وثائقها المتعلقة بمفاوضات السلطة الفلسطينية مع اسرائيل يدعو الى تسآؤلات كثيرة ، فقد جاء متزامنا مع وقف المفاوضات بسبب استمرار سياسة المستوطنات الاسرائيلية التى حظيت بنصيب خطير من هذه الوثائق ، وجاء متزامنا مع موجة اعترافات بالدولة الفلسطينية انطلقت من بلدان امريكا الجنوبية وبدا مدها مبشرا بالوصول الى بلدان اخرى فى قلب اوروبا وغيرها ، وتزامن ايضا مع اعلى حالة توتر واهتزازات تشهدها الدول العربية مع ثورة تونس التى لم ترس بعد على قرار فضلا عن الازمات المحيطة بعدد من الدول العربية والمنذرة بشر مستطير .

                         وايا كانت الاجندة الكامنة وراء هذا التوقيت ، فقد احسنت بنشرها هذه الوثائق حتى يقف المواطن الفلسطينى والعربى والمسلم على حقيقة طبيعة هذه المفاوضات ومدى قدرتها على تلبية الآمال المعقودة عليها فى ايجاد حل لهذه القضية التى استوطنت فى وجدانهم شعورا نازفا بالهزيمة عقودا طويلة ، وحتى يدرك الحكام الذين ظلوا يديرون فى ملفات هذه القضية منذ عام التقسيم فى 1947 والى يومنا هذا بما فيهم السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الناطقة بأسم العالم العربى والاسلامى ، اننا الآن دخلنا الفية جديدة طابعها الوضوح والشفافية فى التعاطى ليس مع هذه القضية المركزية وحسب وانما مع كل قضايا المنطقة التى تهم انسانها المطحون وحده بأعبائها .

                         من هنا فأذا صحت محتويات هذه الوثائق او لم تصح فأن اقدام قناة الجزيرة على نشرها ، مع الاخذ فى الاعتبار ما قام به موقع ويكيليس فى الفترة السابقة وما ظلّت تقوم به اعداد من الصحف ، يعنى ان عهد الكواليس الذى جنت من ويلاته البشرية ما جنت من مؤامرات وحروب ومجازر ، توجت بحقبة استعمارية مازلنا نرزح تحت كثير من اغلالها قد ولى الى غير رجعة ، وان  الشعوب لا تحتمل وصاية من احد او حذب او منظومة تطبخ قرارات تحديد مصيرها فى مطابخ خلف الكواليس ، لقد سقط عهد السرية .

صائب عريقات
                        كلمة اخيرة للسلطة الفلسطينية ، لا تحققوا ولا تبحثوا عن مصدر تسريبات هذه الوثائق فهذا امر لن يغير من حيث المبدأ شيئا طالما ان ثمة عروض سرية قد تضمنتها المفاوضات وغابت عن الانسان الفلسطينى والعربى والمسلم سواء اكانت هذه العروض مناورات اقتضتها ظروف التفاوض او خيارات صعبة املتها غايات اكبر ، فقط افتحوا ملفات التفاوض على مصراعيها و بيّنوا للرأى العام المهموم بهذه القضية اقصى ما وصلت البه قدراتكم التفاوضية فى منحنى الضعف الفلسطينى والعربى والاسلامى الذى اخذت تتجاذبه الاخطار من كل جانب ، فالحقيقة تحرركم وتحررنا . 

السبت، 22 يناير 2011

وليد جنبلاط


                      وليد جنبلاط هو رئيس الحذب الاشتراكى الديمقراطى وزعيم طائفة الدروز المنتشرة فى لبنان وسوريا واسرائيل ، والمتابعون للشأن اللبنانى يلحظون حضوره البارز فى احداثه المتلاحقة ، ويلحظون قدراته السياسية العالية فى اعتلاء الموجات الصاعدة فى لبنان ، ففى اعقاب مقتل الرئيس رفيق الحريرى صعد مع موجة فريق 14 آذار خطيبا مفوها ومناورا سياسيا ذكيا ومؤيدا متحمسا لتصعيد عملية الاغتيال الى تحقيق دولى افضى فى خاتمته الى تشكيل محكمة دولية هى الآن على اعتاب اعلان لائحة الاتهام التى من المرجح حسب التسريبات ان تطال اعضاءا فى حذب الله مما ادى الى التداعيات المعروفة التى ادت الى سقوط حكومة سعد الحريرى بعد انسحاب فريق 8 آذار بقيادة حذب الله .
                     
                     ولأن سقوط حكومة سعد الحريرى جاءت نتيجة لتطورات اجراءات المحكمة الدولية والتى يرفضها فريق 8 آذار بأعتبارها عملا مسيّسا يستهدف فريقهم فى المقام الاول فضلا عما صاحب اجراءات التحقيق فيها خاصة التداعيات المتعلقة بشهود الزور ، فقد فتحت على لبنان كل ابواب المخاطر والمخاوف من انفجار وشيك من شأنه ان يعيد سيناريو الحرب الاهلية بصورة اكثر بشاعة من سابقتها فضلا عن اشتعال المنطقة فى حرب مع اسرائيل ظلت احتمالاتها قائمة على مر الايام ، بأختصار اصبح لبنان امام ازمة تقود مباشرة الى انهيار الدولة ، وبدت معظم الطرق التى من الممكن ان تفضى الى حل مقبول لكل الاطراف قد اغلقت تماما بعد ان اعلنت المملكة السعودية انسحابها من جهودها المشتركة مع سوريا وعلت اجواء لبنان تكهنات بسيناريوهات وشيكة التحقيق ابرزها قيام انقلاب عسكرى يطيح بنظامها الديمقراطى او استيلاء حذب الله مع فريق 8 آدار على السلطة واخرى اشد خطرا.
        
                   فى هذا الجو الذى اتجهت فيه انظار قوى وطوائف لبنان لتحسس سلاحها وحلفاءها ومحيطها الجغرافى حتى بدا تقسيم لبنان نتيجة قوية الاحتمال ، قام وليد جنبلاط فى حركة مفاجئة بأعتلاء موجة 8 آذار واعلن رفضه للمحكمة الجنائية وانضمامه للمقاومة الامر الذى اصاب الساحة اللبنانية والمراقبين لها بصدمة من ذلك النوع الذى يخلط اوراق اللعبة ويصيب الممسك بها بحالة شلل مؤقت يحتاج معه لبعض الوقت لأعادة ترتيبها من جديد .

                   ولكن حركة وليد جنبلاط المفاجئة هذه اعادت بذكاء مدهش حالة التوتر التى لبست الجميع الى الدستور والى البرلمان الذى اختلت موازنته بخروجه الى الضفة الاخرى من بحر لبنان المتلاطم ، ولم يعد للسلاح حاجة للتدخل فى ازمته طالما ان فريق 8 آذار الممسك بزناده منذ فوز فريق 14 آذار بالانتخابات الاخيرة قد اصبح طريقه للسلطة ممهدا من داخل البرلمان دون الحاجة الى استعراض القوة بهذا التحوّل الدرامى لوليد جنبلاط .

وليد جنبلاط
                     فى تقديرى ان وليد جنبلاط  بحركته هذه قد نجح فى ان تصل رسالته الى كل الوان الطيف السياسى والطائفى والتى تقول ان معارك السياسة فى ظل النظام الديمقراطى  ادواتها الدستور وميدانها البرلمان ، وان النظام الديمقراطى و الدستور والبرلمان هو قلعة لبنان الحصينة وبدونها سينزلق الى الاقتتال والتمزق والخضوع تحت الوصاية الدولية فى خاتمة المطاف ، بأختصار استطاع ان يعلم الجميع ان الثابت فى السياسة هو سلامة وامن واستقرار لبنان اى ان امن وسلامة واستقرار الوطن مقدم على كل المبادىء والبرامج والمشاريع .

                  من المؤكد ان فريق 14 آذار بطبيعته الديمقراطية سيتعاطى مع هذا التحول وفق الاسس الدستورية داخل البرلمان وسيتعاطى سلميا مع نتائجه ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هلى يتعاطى فريق 8 آذار فى حالات مقبلة بذات تعاطى فريق 14 آذار ام سيظل يراهن على استبداد القوة فى الوصول الى غاياته ؟

الجمعة، 21 يناير 2011

الأميرة سارة


                       امدرمان مدينة ولدت من اقاليم هذا الوطن الحبيب ، حملت من كل اقليم لحما ودما وانبل ما فيه من قيم واخلاق ، ثم استوت بها قبلة آمنة لكل اهل السودان ، تمشى فى شوارعها فكأنك نمشى فى كل شوارع السودان فى ذات اللحظة ، من جنوبه الى شماله ومن غربه الى شرقه ، لذا متى حلّ ابناؤها فى اى بقعة بأرض هذا الوطن يحسون بها سهلة الالفة والتواصل ، ومتى حلّ بها ابن من اى بقعة بهذا الوطن يجد بها وطنه وقومه ولسانه وسحنته وطعامه المفضل .

                      مدينة مليئة بالسحر والجمال وبسر دفين يحبه ويحترمه اهلها على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية والاجتماعية ، سر يقودك الى اول امارة قامت داخلها وامتدت جذورها الى اعظم مملكات التاريخ ، ابوابها مفتوحة لكل قادم على مدار الساعة ليلا ونهارا ، وظلّ عطاؤها على مر الزمن مقدما لهذا الوطن وانسانه دون من او اذى ، انها بيت الامير نقدالله .

الاميرة سارة نقد الله
                      بيت امراء السودان العظام ، عفة فى اليد واللسان ، ووفاء للعهد والامانة من اجل هذا الوطن، يمشون بين الناس لا تفرزهم الا بنبل اخلاقهم واستقامتهم المستمدة من ارث تاريخى عظيم تنحنى له كل الحضارات اجلالا، لهذا تأتى مواقفهم دائما فى ظل صراعات الوطن اكثر ثباتا وعقلانية ورحمة به وبأهله ، التحية والتقدير لموقف الاميرة سارة نقد الله ممثل حذب الامة فى ندوة قوى الاجماع الوطنى التى عقدت يوم امس بدار المؤتمر الشعبى بالمنشية ، والتحية والتقدير لكل القيادات الوطنية التى ظل الوطن وسلامته وامنه وحرياته وحقوقه هما مقدما على كل شىء .

                  

                    

الخميس، 20 يناير 2011

من يعبث بالفيسبوك


                     نجحت بعض الايادى فى اختراق بريدى الاليكترونى وحرمتنى الدخول لصفحتى الاولى التى انشأتها بالفيسبوك وكذلك حرمتنى الدخول الى لوحة التحكم الرئيسة بمدونتى هذه ، وقد استطعت العودة الى مدونتى بعد ان قمت بمعالجات مع بريدى الاليكترونى الا ان دخولى الى صفحتى الاولى بالفيسبوك ظل متعذرا ، انشأت صفحة جديدة بحساب على ياهو وبدأت من خلالها استعادة قائمة اصدقائى واصدقاء جدد ، واليوم واثناء مراجعتى لبريدى على قوقل ومن خلال تصفحى لرسالة من صفحة د الفاتح عبد العليم بالفيسبوك افاجأ بعودتى لصفحتى الاولى ولكن بدون القدرة على ممارسة اى نشاط بها ، وفى ذات الوقت اختفت صفحتى الثانية التى حاولت من خلالها استعادة قائمة اصدقائى .
                   قد تبدو معرفتى بتقنية عالم الاتصالات متواضعة ولكن ثمة انتهاك جديد بدت ملامحه واضحة فى هذا التغيير الذى حدث ، وهذا التغيير يدعو للتساؤل عن وسائل ادارة الفيسبوك فى حماية مستخدميه ومدى قدرتها على تعقب المنتهكين لحسابات هؤلاء المستخدمين ، وينطبق الامر ايضا على ادارات البريد الاليكترونى فى كل من قوقل وياهو ، اذ يبدو لى ان الايادى التى تقوم بتنفيذ هذه الانتهاكات اياد  لها القدرة على هذا الفعل بأريحية تتخطى بها حتى الشركة التى تمدنى بخدمة الانترنت ، وهو امر يتطلب مقابلته من جهات قادرة مثل شركة قوقل وياهو لتعقب هؤلاء المنتهكين ومعرفة هوياتهم .
                  لا يغيب على وعيّ الظروف التى تمر بها بلادى ، وما تعنيه خدمة الانترنت فى مثل هذه الظروف ، وتبدو مثل هذه الانتهاكات ضربة مزدوجة للمتضررين منها وللسلطات المسئولة التى يمكن ان تؤخذ بجريرتها ، فالمسئولية هنا تطال ايضا الجهات المسئولة فى الهيئة القومية للاتصالات والاجهزة والشركات المعنية بهذه الخدمة .
                  وسائل الاتصالات اصبحت فى راهننا اسلحة شديدة التأثير سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ، ويتطلب التعامل معها وعيا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا موازيا لما يطرح بها دون اى مزايدات فى حب الوطن ، فأستقراره وامنه وسلامته هم يهمنا جميعا ، فالمخاوف التى تعترى البعض وتدفعهم الى مثل هذه الافعال الطائشة تدعو الى الشفقة والرثاء لحالهم وتدعو ان يهبهم الله شيئا من الوعى ليساعدهم على ادراك بؤس فعلهم هذا .
                 اتمنى ان تفعل ادارات الفيسبوك وقوقل وياهو شيئا يجنب مستخدميهم الضرر الناتج من مثل هذه الافعال .

الثلاثاء، 18 يناير 2011

سفينة نوح


                     عقد فى النجف بالعراق مؤتمرا لحوار الاديان بين مكونات العراق الدينية ، ورغم ان المؤتمر استهدف الوصول الى تعايش سلمى بين مختلف الوان الطيف الدينى والمذهبى فى العراق الا انه وللغرابة كادت ان تعصف به لاختلافات حول موقع رسو سفينة سيدنا نوح عليه السلام ، فسامى البدرى احد علماء الشيعة بالعراق قدم بحثا للمؤتمر اشار فيه الى ان استواء سفينة نوح كان فى النجف مؤكدا ان البشرية بعثت من جديد بعد الطوفان العظيم انطلاقا من ارض النجف ، ورد الملا عبد الله الملا سعيد رئيس اتحاد علماء مسلمى كردستان من خلال البحث الذى قدمه للمؤتمر ان تحليلات الباحث البدرى تتناقض تماما مع المسلمات والمعطيات العلمية التى تدعمها بحوث ودراسات اكاديمية تؤكد ان جبل الجودى الذى استقرت عليه سفينة النبى نوح عليه السلام يقع فى كردستان تركيا .

                     من الوهلة الاولى تلوح للناظر لهذا الخلاف فى ظل هذه البحوث المحمومة التى لا تخلو من شبهة علاقة سياسية فى الحالتين اعلاه ، صورة مريبة تدفعه لأعادة النظر فى المسلمات التاريخية والجغرافية التى ارتبطت بقصص القرآن الكريم ،  فدفوع الملا عبدالله يبدو منشأها التاريخى مرتبطا مع تحول الخلافة الاسلامية الى تركيا على يد العثمانيين ، ويبدو انهم احتاجوا حينها الى دعم دينى يضفى قداسة الى ارض الخلافة الجديدة ، اما نظرية سامى البدرى العالم الشيعى الجديدة والتى احالت رسو السفينة الى ارض النجف ، تبدو مرتبطة بشدة مع صعود الشيعة فى ايامنا هذه ، وكلنا يعلم ما تمثله النجف لأتباع المذهب الشيعى الذى لا يقل عدد زوارهم اليها كثيرا عن عدد الحجيج الى بيت الله الحرام ، و ما تزخر به ادبياتهم عنها  وكربلاء.

                      هذا الخلاف يدعو الى اسئلة مقلقة ليس عن صحة البحوث والدراسات التى تناولت قصص القرآن الكريم وحسب وانما عن تأثير هذا النزوع الى التوظيف التاريخى والجغرافى لهذه القصص لأغراض سياسية ومذهبية على قيمة العبرة المقصودة منها ؟ وعن مغزى هذا السعى لحصرية قصص القرآن الكريم على ديار الاسلام دون غيرها رغم صراحة النص القرآنى التى تشير الى صلتها بأمم وقرون بعيدة ؟ لماذا نخشى ان يشاركنا الآخر الدينى والآخر المذهبى وايا كان هذا الآخر قداسة المكان الذى اوردته قصص القرآن ؟ الا تحقق لنا هذه المشاركة مقصد القرآن فى التعارف مع امم وشعوب وقبائل ؟

صورة لسفينة تعود لمائة الف سنة يعتقد المختصون انها سفينة سيدنا نوح
                     

الاثنين، 17 يناير 2011

تراجيديا العرب


                  واخيرا سلّم المدعى دانيال بالمار القرار الاتهامى فى اغتيال الرئيس الحريرى لقاضى الاجراءات التمهيدية للمحكمة الدولية دانيال فرانسيس ، هذا مجرد خبر عاجل بثته فرانس برس قبل لحظات ، وهو فعلا مجرد خبر عاجل رغم ما ينطوى عليه من مخاطر حملها دانيال مغلفة لدانيال ، ولكن من يدلنا على بلد عربى واحد بمنأى من مثل هذه المخاطر التى تنتظر لبنان  ؟

                   العالم العربى الآن اصبح مصدرا رئيسا للاخبار ، وتحيطه الازمات من الداخل والخارج ، فسيناريو تشكيل الشرق الاوسط الجديد يبدو على وشك التنفيذ ، فقد انتهت فى 15 يناير الجارى اولى خطوات تغيير خريطة العالم العربى من السودان ولا ندرى موقع و موعد التغيير الثانى ، فالمرشحون من الخليج الى المحيط كثر ، اما فصلا للارض من الجسم العربى ، واما فصلا للارض من بعضه البعض لأسباب عرقية او لأسباب دينية او مذهبية ، حتى فلسطين المحتلة لم تنج من هذا الفصل للارض بل جسّدت حالته المبكرة المتجلية الآن فى ما بين غزة والضفة ، ويبدو لى ان الايدى المحركة لهذا السيناريو سواء اكانت اياد داخلية ام خارجية ام مجتمعة مع بعضها البعض قد وصلت الى قناعة بصعوبة تقبل العقل والوجدان العربى لامكانية التعايش الا فى ظل اطره القبلية القديمة ، بمعنى آخر كأننا موعودون بأكبر عملية تفكيك لوحدة الوجود العربى سواء على صعيد الارض الممتدة من الخليج الى المحيط او على صعيد ارض اقطاره الحالية .

                  فالانسان العربى الان مشدود الى آخر عصب لديه فى صراعه مع بعضه البعض ، وتربصه ببعضه البعض ومكائده لبعضه البعض فى مشهد كأنه مستلف من جاهلية غابرة ، حتى الدين الذى بهر العالم يوما بتوحيده لهذه الامة اصبح الآن مدعاة للتفرقة والقتل بعد ان اوّله كل على هواه .

                  اخشى ان يكون قولى هذا رافدا لهذا السيناريو الذى احكم قبضته على المنطقة ، ولكنى اخشى اكثر من غد نفقد فيه السيطرة على مفاجآت الفوضى .

الليل ..يا مصطفى


                     حين خرج صوته فى ظلمة تلك الليالى الحالكة ، صرخ كثيرون.. لقد آنسنا نارا ، ومن يومها صار دليلنا فى العتمة .. وانيسا حكيما لوحدتنا المحتشدة بالآلام وبالانكسارات .. انكسارات الأمل .. وانكسارات العشق ، و بعدها لم نعد نخشى .. لا الليل.. ولا طوله.. ولا ظلمته ، فصوته كان قد ( تشّ ) عين الظلام بالضو وفرهد آمالا دفعت دواخلنا تهتف بثقة انها آمال ممكنة التحقيق ، مصطفى سيداحمد اعادنا ثانية للحياة .. اعاد الينا الحياة ورحل   .. واليوم فى ذكراه نقول .. الليل يا مصطفى  .

الأحد، 16 يناير 2011

لو عادت الايام


                    لو عادت الايام قرونا بعيدة للوراء بيوليوس قيصر فمن المرجح انه سيقوم بأرسال بروتس ومن معه على ظهر مركب مثقوب فى مهمة عاجلة الى الاسكندرية ، ولو عادت قرونا عديدة للوراء بمارى انطوانيت لتعلمت ان الخطابة هى ( الكفاءة العالية فى رفع الكذب الى مرتبة الطرب ) وعلّقت على ثورة جموع الجوعى والفقراء مرددة عبارة ( ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ) حتى لا تدخل التاريخ من بوابة غبائها الذى صوّر لها عالما افتراضيا لمطابخ الفقراء متماثلا مع بدائل مطبخها ، ولو عادت الايام للوراء بالكثيرين فى عصرنا الحالى لتبدلت شواهد قبور ولافتات شركات وعناوين كتب .

                   لكن الايام لن تعود للوراء ، نحن الذين نعود اليها بين الحين والآخر بحثا عن اسباب شقائنا او حزننا او سعادتنا التى عشناها آنذاك ، وقد نجد فيها ما يشفى فضولنا ، ولكن كيف نشفى فضولنا حين تغيب علينا حقائق السقوط المروع لزعامات ودول ظلت تشهدها منطقتنا آنا بعد آن ، ما يخصنا من سيناريو السقوط قد نجد له اكثر من مفتاح لما اغلق علينا وقتها وقاد اليه ، ولكن كيف العمل حينما نجد ان خلف ابواب الداخل ما زال الغموض يتربع ساخرا يمد الينا لسانه ؟

                  تسارع الاحداث فى تونس ، ومشاهدها الدامية والمدمرة ، ومليشياتها الفجائية والطارئة على اختلاف اجندتهم ، وصعود وهبوط رموز سياسية من ذات منظومة الحكم ، تجعل من تونس لوحة سريالية يزيدها غموضا الخروج الدرامى لزين العابدين بن على ويزيدها غموضا اكثر وصوله الى ملجأ هو تجسيد حى ل ( صم بكم عمى ) او بعبارة اكثر مأساوية قبر مؤقت ، فماذا لو امتدت به الايام  قليلا للامام وتمكن من ان يقول شيئا ، فهو بلا شك مفتاح هام لكشف سر هذا السقوط المريع ؟

الخميس، 13 يناير 2011

تونس الحمراء


انتفاضة تونس..ما وراء الحدث
                     فخطاب الرئيس زين العابدين بن على يعكس صورة مروعة لغربة الحكام العرب عن قضايا شعوبهم ، وصورة مروعة  لطبيعة انظمة الحكم القائمة التى لا ترى سوءات اساليب حكمها الا فى لحظات الحريق الكبير الذى توشك السنة لهبه ان تطال اطراف ملابسهم ، ورغم احتشاد هذا الخطاب بعاطفة جياشة تحكى عن تاريخ نضالى طويل من اجل تونس ، قادها الى ان تتبوأ وفقا للمعايير الدولية مكانة ارفع من مصر باربعين مرة فى بعض المجالات الا ان وعيه بأهمية الديمقراطية والتعددية الحذبية وحرية التعبير والاعلام ووسائل الاتصال كعوامل اساسية لأستقرار نظام الحكم احتاج منه اكثر من عشرين عاما لأدراكه.

                    يبدو المشهد برمته رسالة مزدوجة المضامين ، ما يخص الشعوب منها لا يحتاج الى قراءة بقدر ما يحتاج الى التنظيم ، اما ما يخص الحكام منها فتحتاج منهم الى مواقف عاجلة ومتضامنة مع مطالب شعوبهم فى الحريات وكرامة العيش بعيدا عن الاتكاء الواهن على ادوات القمع التى عجزت فى تونس ان تحجب فجر الحرية الجامح الذى اوشك على البزوغ بأرضها ، والا فلينتظروا الحريق .


                     ما يجرى فى تونس الآن سيناريو قابل للانتقال لمعظم ان لم يكن لكل الدول العربية ، فأزمة الديمقراطية والحريات وغلاء المعيشة والعطالة وقضايا الفساد قاسم مشترك اعظم بين هذه الدول ، والمصيبة ان تعامل النخب الحاكمة مع هذه القضايا جسّده الرئيس زين العابدين بن على فى خطابه اليوم والذى بدا اشبه بأعلان هزيمة اكثر منه دعوة للتصالح والاصلاح بعد ان دفعته الى ذلك انتفاضة الشعب التى حوّلت تونس الخضراء الى ارض حمراء مخضبة بالدماء .


الأربعاء، 12 يناير 2011

قضايا ثقافية


                       الدكتور بكرى خليل استاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة النيلين ، ورئيس تحرير مجلة الثقافة الوطنية فى الفترة 1988 - 1989 ، لديه عدة مؤلفات فى الفلسفة والاستمولوجى والمنطق والتصوف والفكر العربى المعاصر والدراسات الحضارية صدرت عن دور نشر محلية وعربية ، وله بحوث ومقالات فى صحف ومجلات داخل الوطن العربى والمهجر اضافة لمشاركته فى العديد من المؤتمرات العلمية فى السودان والخارج وهو عضو المؤتمر القومى العربى والجمعية الفلسفية العربية .

                      اجرى معه الاستاذ الريح كشة حوارا حول قضايا الثقافة والهوية فى السودان الا ان هذا الحوار تعذر نشره لأسباب يعرفها الذين حالوا دون ذلك ، ولأن الساحة الثقافية فى السودان تحتشد الآن بزخم عالى حول قضايا الثقافة والهوية خاصة مع تداعيات انفصال الجنوب الذى بات على اعتاب ايام معدودات فأن الضرورة تقتضى طرحا اكاديميا عقلانيا مجردا من العاطفة حول هذه القضايا ، ارجو ان يكون نشر هذا الحوار فاتحة لأسهامات قادمة من مفكري واكاديميى السودان حول هذه القضايا ، والى مضابط الحوار :-

س : فى البدء ما هى اهم القضايا التى يثيرها الحراك الثقافى فى السودان من خلال محاوره الاساسية لا سيما تلك المتعلقة بحاجات التوازن فى هذا المجال ؟
ج : عند النظر الى اوضاعنا الثقافية سنكتشف تلك المساحة الواسعة بين واقعها وتطلعاتنا ، ربما لاتقل عما يناظرها من فجوة بين حركة المتغيرات التى تحيط بنا وممكنات اللحاق بها واستيعاب منظومات الفكر والثقافة لنتائج قفزاتها المتلاحقة وهى مشكلة حضارية على المستوى الانسانى .فأذا تمت اية مقاربة للحراك الثقافى ضمن هذه المعادلة سنشعر بنوع من الاشفاق الذى ينبغى ان لا يصل الى القنوط ، فلا مهرب من وضع لبنات اولى لعتبة الدخول الى حالة التوازن الثقافى وذلك بأدماج مختلف البيئات الثقافية والطاقات حتى تأخذ دورها فى عملية التنمية المعنوية والمادية واطلاق الابداعات الجماعية والفردية كشرط يتقدم غيره فى اصلاح او نهضة وطنية .

س : كيف يمكننا ان نحقق هذا المطلب فى ظل غياب وحتى انعدام التخطيط الثقافى وتضاؤل فرص التفاعل والتعاطى المتوازن بسبب اثارة نزاعات الهوية ؟

ج : هناك صعوبات ينبغى الاقرار بها ، بعضها عملى والبعض الآخر نفسى ومعرفى . ويتوقف الشروع بأتجاه التغيير على المنطلقات والوعى بطبيعة المشكلة ، واعداد المستلزمات التى من شأنها تحقيق استراتيجية ثقافية واقعية . اننى ادرك درجات الاثارة والتهويل التى تحيط بالمسألة الثقافية فى واقع التنوع ووجود اما نزعات اقصائية متبادلة او مشاعر مساواتية لم تنضج خطاباتها ، فالمطلوب ليس مجرد التعاطف او التجاوب مع هذا او ذاك ، وانما المفاعلة مع قوى الدفع لتخطى حالات التشويش والارتجال كى يتأمن قدر من التمييز بين المصاعب الحقيقية والعوائق المصطنعة وبالتالى التعرف على ما نريد وما لا نريد .
 س : فى هذا الخصوص اود السؤال عن الفوارق بين المصاعب والعوائق بشىء من التفصيل .
 ج : تتصف العوائق بقدر اكبر من التشابك والتعقيد وربما بالناحية الارادية بينما تكون المصاعب اقل حدة ، المهم ان هناك مستويين فى اطار الرؤية النقدية الى قضايا التطور والتنمية الثقافية يتعلقان بمنهج التحليل يجدر الوقوف عندهما فى تقدير المعالجات ، خذ على سبيل المثال الافراط فى تبسيط مفهوم التنوع ودعاوى احياء اللهجات واللغات وطرح موضوع الهويات ، عند التدقيق سنجد الامر وكأنه بحث عن بدائل للثقافة السائدة يتعدى مواجهة اختلالات بيئتها وما يترافق بها من شئون السياسة والحكم ، فمع اهمية ادراك ان امرا من هذا يعكس اضطرابا فى جدلية البناء الذاتى فى مراحل التحولات الانتقالية لأى مجتمع ، فأن الاهم استشفاف الشق الايديولوجى لمطالب التوازن الثقافى وفهمه ضمن منظور معرفى لأغناء الشخصية الوطنية . ومما لاشك فيه ان اصطناع النقائض والمبالغة فى توصيف واقع التنوع والاختلاف على حساب الهوية الوطنية يعد عائقا للارتقاء المأمول واضعافا لفرص التواصل والتعبير المشترك عن الشخصية السودانية .
 س : الا يؤدى التأكيد على الهوية الجامعة الى مضاعفات التسلط الثقافى واذكاء الاستعلاء الذى توصف به الثقافة الغالبة التى هى العربية الاسلامية ؟
ج : فى كل دورات التأريخ ومساراته ليس هناك دليل واحد على انسياب منسجم للثقافات او وجود وتائر متساوية فى تطورها ، فالانثروبولوجيا الثقافية تأخذ بفكرة الدوائر الثقافية من خلال الاقرار بمسلمات تفاوت الكثافة والتأثير بين مختلف الدوائر ، وارى ان تطور الثقافة العربية الاسلامية فى السودان مثال انموذجى لما يسمى بالتثاقف الودى ( friendly accumulation ) اذ لم تأت غلبة الثقافة العربية الاسلامية الا نتاجا لتفاعلات غير قسرية لمئات السنين ، هكذا ارى ان الهوية الجامعة بمعنى التأكيد على نسيج الخصائص المشتركة لا صلة له بمفهوم الاستعلاء ، لأن الاستعلاء تعبير عن نوعية علاقات او اسلوب يفصح عن واقع سالب . ونحن فى السودان لا نشذ عن سوانا فالثقافة هى اهم مقومات توحيد الهوية الوطنية ، فنحن شعب له دائرة وطنية بمستويين ثقافيين : الثقافة المشتركة وثقافات التنوع . وهذه الخاصية تجمعنا بحوالى تسعين فى المائة من شعوب الارض . فوجود ثقافة جامعة مصدر قوة وتمتين وابراز لمعالم الوطنية واجلاء حيوية المواطنة .
س : ولكن ما اشرت اليه لا يمنع من وجود تسلط واسعلاء للثقافة العربية الاسلامية فى السودان ، وهو امر اصبح مثار مناقشات وحوارات متفجرة .
ج : ديمقراطية الثقافة هى معيار تحددنا الوطنى ، ولا سبيل اليها الا بالمزيد من اضاءة اركان الحوار حتى وان اشتدت حماوته . وفى هذا الصدد لابد من افساح المجال للتعاطى الموضوعى مع الثقافة العربية الاسلامية بدون ان يكون الداعى الى ذلك الدفاع عن تلك الثقافة التى هى حالة حضارية وتاريخية متكاملة ، فلا يوجد عاقل يتناطح مع ثقافة كاملة . ما اشرت اليه لا يعنى ان الثقافة العربية الاسلامية لا تحمل بقايا جاهلية وندوب عصور الانحطاط ، وكل الموروث الذى يحسب عليها لا شأن له بمحاكمة اخلاقية تضعها فى خانة الاستعلاء او التواضع ، ففى مجرى زمانها واعتقاداتها واجتماعياتها وصراعاتها لحق بالمجتمع العربى الاسلامى الكثير من الامراض التى اصابته وهذه سوف تظل تفعل فعلها الى ان تكسب معركة الحداثة والتقدم . فأنبثاق الروح النقدية هو احد المقدمات الايجابية اذا توفرت لها الاجواء العقلانية كى نبتعد عن دوامة الشوفينية الثقافية وتوابعها .
س : هل تعمل هذه الدوامات فى محيط واه ؟ وما هو دور بعض النخب السودانية فى اثارتها ؟
ج : اعتقد ان طبيعة التثقيف الشوفينى واحدة مهما اختلفت مقاديره ودرجاته . والذى يهمنا فى هذا ، هو المحيط الثقافى لأن طبقات النخب السودانية قد تكونت فى ظروف صعبة ومرحلة عريضة من التقلبات وتراجع المؤسسات التربوية بفعل التسلط والتجهيل والفساد السياسى والاجتماعى ، لذا فأن فئات كثيرة هى ضمن هذه الظروف لأن اجزاء مهمة من نظام القيم والتضامن فى كل النظم الشمولية الجائرة قد نقلت الانتماء من رحاب الوطنية الى ازقة الولاء للسلطة غير ان الوطن نفسه قد تحول بدوره الى ضحية ، انه اشبه بتوصيف الطيب صالح لبندر شاه ضو البيت ، ضحايا بالتبادل . ولكن المسئولية تقع على هذه النخب ، لأن دورها المفترض ان تتقدم وتقوم بواجبات التصحيح وهو دور تفتقد اليه احيانا الى مستوى العجز .
س : اين تقع المنادون بالسودانوية فى هذه المعادلة التى توزعت فيها القطاعات السلبية بين النخب السودانية بحسب تقديراتك ؟
ج : لم اقصد فى اجابتى السابقة فتح محضر اتهام وانما حاولت ايراد واقع نعايشه جميعا . لكن الوسط الذهبى ما يزال موجودا وهو الاغلبية الصامتة التى تراقب الامور دون ان تدلى برأيها خاصة فى اوساط الاكاديميين اما عزوفا او انتظارا للوقت المناسب او حتى ترددا ، والذى نتمناه ان لا يطول الانتظار حتى تسهم فى اعطاء ما لديها ولو بأضعف الايمان .
اما الخطاب السودانوى فهو تعبير عن خيار فى ترتيب الاولويات بتقديم ما هو وطنى على الابعاد والمكونات الحضارية وذلك اتقاءا لأمكانية الجذب والاستقطاب الذى يضاعف مشكلات السودان ، وعليه فأن السودانوية ترى فى ان لتلك المكونات الحضارية ايماءات خلافية لا ضرورة لها ولا طائل من ورائها ، وعليه فهو تصور خلاصى لأشكالية تدور فيها الهوية الوطنية عبر ازدواجية الانتماء . والبعض من امثال فرانسيس دينق ومنصور خالد يصل الى ان هذه الاشكالية هى التى تدور حولها سائر القضايا ، لذا فلابد من الخروج من حلقتها .
س : ولكن أليس فى هذا التصور ما يغنينا عن عواقب الفرقة التى نجنيها من اعطاء الهوية السودانية تلك الابعاد ؟
ج : بطبيعة الحال فأن تبرير الهوية السودانوية بهذا النحو هو من قبيل تحصيل الحاصل ، ولو كان الامر كذلك لهانت المشاكل ، فالخلاف فى هذا الصعيد ليس تأكيد الوطنية السودانية ومجرد تقديمها وترسيخ مفاهيمها ، فمشكلة الهوية ليست قضية تعريف حدى ، ذلك ان المسألة ليست امرا منطقيا او نظريا لتحديد عما اذا كنا عربا ام افارقة . وكما ان الوجود لايستوعبه تعريف ، فأن العكس هو المطلوب اى ان نستوعب كوننا عربا وافارقة اى نقر بهويتنا دون عراك مع مكوناتها .
 اما اذا كان تعددية خصائص هذه الهوية هى مشكلة حد ذاتها ، فأن استقرارنا على واحدية السودانوية لن ينجينا من الدوران فى اشكالية التنوع فى الذاتية السودانية نفسها بما فيها ما فيها من اثنيات وجهويات ومعتقدات وخلافها ، ومن هذا التصور فأن تأكيد الذات السودانية او مشكلة الهوية ينبغى ان تقرأ قراءة صحيحة لا تجعل من التكوين التعددى مشكلة فى نفسها ، وانما البحث عن ادارة صحيحة للحالة الوطنية وهى تمشى على الارض وبين الناس ، حتى لا تتعطل ديناميكية الهوية السودانية ، وذلك ان عناصر الهوية لا تستبعد بعضها فليست المسألة معادلة جبرية نبحث فيها عن مجهول ، وانما علينا النظر الى المعلوم .
س : هذه النقاط تستدعى المزيد من التوضيح خاصة من زاوية التأسيس المعرفى للسودانوية ، فما معنى ما اشرت اليه فى هذا المجال ؟
ج : يبدو ان هناك ما يشبه العوائق المعرفية قد انتصب امام الوعى السودانى لأسباب كثيرة فى هذا الشأن وذلك لدخوله منذ امد طويل فى مجالات دلالية حساسة خاصة ما يتصل بالتفسير العرقى ووسم كل من العروبة والافريقية بسمات سلالية مما ادى الى احتجاب لب الوعى الذاتى احيانا وراء ضبابية التفسير العرقى للتاريخ سواء لقطاعات مهمة بين المثقفين او بين الرأى العام ، وبالطبع فأن تلك الرؤى تستنزف قوة التكوين المعرفى سواء جاءت من واقع المختلفة او جاءت ترديدية لأصداء نقد الحداثة ومناهجها فى تحليل سلطة المعرفة بالسياق الاجتماعى ، فى الوقت الذى تمتد فيه جذور مشكلاتنا الثقافية الى اوضاع ما قبل الحداثة والتى لم ندخلها بمعنى الكلمة .
فالسودانوية نشأت فى بلد ينتمى لوطن لم تنطبق خارطته الاقليمية  الواحدة على قومية واحدة او شعب ذو ثقافة واحدة ، ومن هنا نشأ التفكير فى بناء الدولة الامة فطالما ان الامة الدولة ليست حالة قائمة لدينا .
والاتجاه السودانوى بهذا المعنى الذى تفهم منه بناء الامة من خلال وحدة الدولة الوطنية ، هو تقدير نظرى احلالى عبر واحدية المفهوم السودانوى للانتماء بحيث لا تكون هناك اية ابعاد اخرى تنشد اليها الوطنية السودانية . ولكن ضعف هذا التصور يتمثل فى قناعته العميقة بوجود نزاع هويات بالفعل ، وهذا قائم على قدر من التجريد . وفى هذا الجانب لابد من الاشارة الى ان الاسراف فى تعداد اوجه وجذور التنوع يتناقض مع دعوة السودانوية لأيجاد متحد واحد للهوية الفسيفسائية . لذا ثمة وضع الصيف والشتاء على سطح واحد لأن المعركة تدور رحاها فى غير معترك .
س : هل فيما قلتم بعض تداعيات العودة الى سنار او مدرسة الغابة والصحراء على الاقل اللقاء معها بافق التكامل الحضارى ؟
ج : يستلزم كل مشروع وطنى ايجاد مرجعية تاريخية وارادة مستقبلية حتى يشكل منظوره ويعلن مبرراته . لذا انفتحت بعض النخب بعد الاستقلال على البحث فى الذات من خلال التوجه للمخزون التاريخى والتراثى ، فرأت فى سنار بداية التكوين الوطنى الحديث ولقاء بين الوافد والتالد على حد اجتهادها ، كلقاء بين حضارتين او بيئتين ايكولوجيتين لهما قسماتهما ومميزاتهما .
لكن لهذه المقاربة مزاياها التحليلية والواقعية وكذلك عيوبها ونقائصها فى سعيها الى ايجاد رمزيات عصر التكوين الابتدائى للسودان الحالى خاصة بما يتعلق بمعنى ابراز مغزى التعاقد التاريخى للتعايش الحضارى بين اهل السودان بمختلف تكويناتهم .
هذا تأسيس مهم بلا شك ولكن نقاط التحول والمحطات الحاسمة فى القرن السادس عشر تجعل من تلك الفترة بكل اضلاعها وعناصرها ، هى التى تبدو اكثر تعبير عن المقصود بتلك المقاربة ، مع اهمية سنار كواسطة عقد متلألئة . ومع كل ذلك تبقى فكرة العودة الى سنار او العودة الى المنطلق البيئى الحضارى الطبيعى فى الغابة والصحراء نوعا من اتباع المنهج الاستردادى الذى قد يحسم الحاجة الى تأصيل فكرة الوطنية التعاقدية و ايجاد مرتكزات عقلانية لتأسيسها من واقع المكونات والتاريخ الذى لا يعيد نفسه الا بطريقة تمثيلية فى احسن الاحوال ذلك ان التاريخ هو دائما قراءة معاصرة للماضى .
س : هل بوسعنا ان نتصور امكانية سيطرة حضارة واحدة على غيرها ؟ والغاء ما عداها ؟
ج : سيطرة الحضارة الغربية على العالم حالة قائمة منذ القرن الثامن عشر لكن بقاء هذه الحالة الى ما لانهاية امر غير وارد اذ استبعدنا حكمة التاريخ ونظرنا الى ممكنات حضارة المعرفة وطاقاتها العلمية والتقنية التى لا ترشح التمركز الحضارى للاستمرار . يبقى السؤال عن كيفية الافادة من قوة المعرفة ووصفها على طريق احراز التكافؤ والمنافسة البناءة لمصلحة الانسان ولتخفيف الواحدية وجبروتها .
س : الى اى مدى يمكن تحقيق نبوءة صمويل هنتجتون او اطروحته فى صراع الحضارات وهيمنة القوة الامريكية على العالم ؟
ج : فى ظرف ثلاث سنوات طوّر هنتجتون اطروحته عن صراع الحضارات ثلاث مرات ، وكلها ترمى الى تعبئة الغرب حضاريا بوجه الاسلام والكونفوشيوسية وضمان وحدة الغرب بعد زوال الخطر الشيوعى . وقد صدرت افكاره عن موقع ينم على نوع من الهجوم الدفاعى ( الوقائى ) واستثمار القطبية الآحادية للحيلولة دون ظهور مراكز قوى دولية جدية ومؤثرة على الهيمنة الامريكية ، بعكس فرانسيس فوكوياما الذى عبّرت كتاباته الاولى عن روح الثقة بالنفس ونشوة الانتصار فى الحرب الباردة .
غير ان كليهما قد عدل بشكل او بآخر عن خطابه ، فنجد هنتجتون قد اقر بأن المستقبل سوف لن يشهد حضارة كونية ، وان على الغرب ان يقلع عن اوهامه فيها ، وذلك لأن للحضارات الاخرى طاقات كبيرة بينما يعترى الغرب العديد من اوجه القصور التى ينبغى مواجهتها ، اما فوكوياما فقد ابدى نقدا لتصوراته السابقة التى انطلقت من النمذجة الحضارية ، واعترف بأن نهاية التاريخ لا تأتى الا بنهاية العلم وليس ثمة نهاية منظورة للعلم .
س : كيف تنظر للجدل الدائر بشأن العولمة ؟ وهل اوشك ذلك الجدل الى الدخول فى دنيا المابعديات ؟
ج : لقد القت ثقافة العولمة بظلالها بسرعة خارقة وكأنها تسابق الريح لأحتواء وابتلاع المجال الانسانى برمته ، ولهذا كان لذلك الفعل رد فعل فى الاتجاه المضاد . ويكفى ان المناظرة العالمية قد بلغت ذروتها فى منبرى ( دافوس ) و ( بورت اليجرى ) الاول يمثل الرأسمال المعولم وشيعته ، والثانى يمثل قوى الرفض وتيار الاستنارة المناهضة للعولمة . لكننا علينا ان نولى الابعاد العالمية دون ايديولوجيا العولمة الثقافية والاقتصادية اهتمامنا ، فهناك متغيرات هائلة تجرى حاليا ولم تتبلور نتائجها بصورة متكاملة . فأن تناولنا مثلا التجارة الاليكترونية ، فسنجد انها ترسى دعائم تبدل آليات التسويق وتوزيع السلع بأشكال مبتكرة سوف لا تقف آثارها عند تغيير جذرى لمكونات المشروع الرأسمالى ومفاهيم التنافس والربح والمشاركة ودورة مبادلاته ، وانما ستمتد الى آثارها الى كل النظم الادارية والمعاملات الانسانية ، ستشمل حتى مفهوم التنظيم فى النشاط السياسى . وارى ان ما بعد العولمة اذا اتى سوف يكون عصرا جديدا بكل ما فى تلك الكلمة من معنى ، لأنه سوف لن يكون على غرار المابعديات الذائعة الصيت فى دائرة المفاهيم والصيغ النظرية والقضايا الجزئية .      
      

الثلاثاء، 11 يناير 2011

دعوة للأمل



                   


                      اللون الذى يطغى على سماوات السودان هذه الايام لون برتقالى ، هو ذات اللون الذى نشاهده عند اشارة المرور ، فأما اعقبه لون اخضر يفتح امامك طريقا آمنا واما اعقبه لون احمر يعنى مكانك قف ، ونحن الآن امام اللون البرتقالى والجميع يترقب لون الاشارة القادمة بتوجس وخوف وقلق ، وهو موقف قادتنا اليه قضايانا التى عجزت نخبنا السياسية فى الوصول معها الى حلول ناجعة تنشل انسان هذا الوطن من ازمتنا الراهنة .
وردى
                    
                      ولأن السياسة تبدو فى اطار النشاط الانسانى اكثر مناشطه تخلفا وعقما فى اختراع الآليات الكفيلة لمعالجة قضايا البشر على عكس العلوم والفنون والرياضة والآداب ، فما يهمنى هنا ضرورة ان يعلو فى مثل هذه الايام صوت مبدعينا وعلى وجه الخصوص فى مجال الفنون والاداب والرياضة ، فهى ساحات تطغى عليها السلطة الاهلية مما يعنى ان مساحات الحرية المتاحة لها تبدو اكثر اتساعا من تلك التى تتبناها اجندة سياسية ، فالشارع السودانى فى مثل هذه الظروف التى تمر بنا يبدو فى حاجة ماسة وملحة لأبداعات نجوم هذه المناشط الذين احتلوا مكانة خاصة فى وجدانه حتى تدعم للبعض تماسكهم وتستعيده للبعض الآخر ليكون قادرا على مواجهة ما تنتجه الازمة القائمة التى استدعت علينا العالم بأجندته المكشوفة والمخفية .


                      فى لبنان وفى اتون حربها الاهلية كان صوت فيروز يعلو على اصوات البنادق وتسترق طوائفه المتناحرة السمع اليه رغم العرق والطائفة والدين ، ويذكرهم يوميا بأن لبنان وطن لهم جميعا رغم اختلافاتهم العديدة ، وفى هذه الايام التى يعيش فيها ازمة منذرة بحريق قد لا يتوقف عند حدوده ، استطاع مبدعوه التحرر تماما من مقابض هذه الازمة ، وانطلقت كلماتهم و موسيقاهم والحانهم واصواتهم بأجمل الاغنيات ، ومن يستمع الى اليسا تغنى يخال اليه انه يستمع لأغنية خارجة من ارض سابحة فى بحور من سلام ومحبة وهذا ما يجعل اللبنانى يبدو فى ظل جميع الازمات التى يمر بها وطنه اكثر ثباتا وتمسكا بحياته .

                     نحن الآن فى حاجة الى مبدعينا  للتحرر من مقابض هذه الازمة التى احاطت حياتنا بكل اشكال الكآبات للدرجة التى تبدو معها شوارعنا فى ساعات الليل الاولى اشبه بشوارع فى مدن مهجورة ، وتبدو معها وجوه الناس فى هذه الشوارع لافتات متحركة لملامح القلق والخوف والحذر من مقبل ايامهم ، وتلوح فى مراياهم السياسية حينا صور سقوط وانهيار زعامات ودول وتلوح فيها حينا آخر صور  امراء حرب يتأهبون للأمساك بهذه الشوارع ، فلنستعيد لهذه الشوارع حياتها وفرحها لنمنع سقوطها غنيمة سهلة لمغامرى الداخل والخارج .

                    

الجمعة، 7 يناير 2011

موسم الهجرة الى الجنوب




              

                   1904 و1981 و2005 و 2007 ، اربعة  تواريخ تحكى قصة اربعة هجرات لأربعة شماليين الى الجنوب ، التقطتها عين رويترز الراصدة للذى غفلته عيون الآخرين ونشرتها على موقعها اليوم 7\1\2011 ، وانطلقت رحلة هذه الهجرات من اربعة مناطق هى حسب ترتيب التواريخ اعلاه ، شندى ، جبال النوبة ، النيل الابيض ، الجزيرة وجميعهم مسلمون لم يمنعهم التمسك بأداء شعائر دينهم ولا اختلاف اعراقهم من كسب العيش والتزاوج هناك وبناء عائلات ظلت اعمالها فى حالة تطور مستمر ، كما لم يمنع ذلك بعضهم حق التصويت فى الاستفتاء ، وجميعهم من الرافضين العودة الى الشمال فى حالة انفصال الجنوب رغم المخاوف التى تثار هنا وهناك.

                  قد يبدو هذا الموضوع فى نظر البعض امرا عاديا يحدث بأستمرار فى بقاع الدنيا ، ولكنى لا اشك لحظة فى ما يفعله بوجدان الاف الاسر الشمالية التى اضطرتها ضغوط الحياة فى الشمال وضيق فرص كسب العيش به طوال القرن الماضى اللجوء الى الجنوب ، وكيف كشفت براءة انسانه ومودته وتقبله لهؤلاء الشماليين هناك عورات كثير من النوايا هنا ، ويا له من تاريخ  طويل ينطوى على كثير من الحكايات التى تستدعى الشجون والآلام .

                 ولكن الموضوع ليس كما يبدو فى ظاهره مجرد ذكريات تدعو للشجن وانما رسالة تحمل قضية على درجة عالية من الاهمية والخطورة على انسان الشمال ، خاصة فى ظل تداعيات الانفصال والتى بدأت اولى تأثيراته اشبه بمقدمة قيامات قادمة على السودان فضلا عن الازمة الاقتصادية والمالية العالمية والتى اصبح فيها ارتفاع اسعار المواد الغذائية هاجسا امميا دفع غلاة المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولى ان يدعو الى تدخل الامم المتحدة للحد منه مخافة نتائجه الخطيرة التى ستحيط بخناق كثير من الدول ، ففى ظل هذه الظروف نجد اننا وللأسف محاطون بجوار ظل السودان الموحد يشكل لأنسانه ملاذا آمنا على مر العقود من كوارثه الناتجة بفعل الطبيعة والناتجة بفعل السياسة ، وهذا يعنى ألا رجاء ينتظر من هذا الجوار الذى تسكن بعضه المجاعات والعطالة وتسكن بعضه الصراعات وسكنت بعضه اخيرا فوبيا اللجوء السودانى المتوقع عقب انفصال الجنوب .

                  كل هذه الظروف تشير الى اننا نبدو فى حالة حصار محكم تستوجب الحكمة التى فاتت على اولى الامر حتى وصل صراعنا الداخلى الى حد الانفصال ان تتدارك ما تبقى منه وتدعم كل خطوة من شأنها ان ترمم طرق ترابطنا مع الجنوب التى اوشكت على انقطاع نهائى فقريبا جدا سيبدأ موسم الهجرة الى الجنوب.


                  

الثلاثاء، 4 يناير 2011

السودان للسودانيين


                     يشهد العالم هذه الايام حركة نزوع عرقى تخطت مواطنها المألوفة فى الشرق الاوسط وافريقيا التى ظلت تتبعها مجازر مخزية ، لتمتد الى قلب اوروبا سافرة عن وجهها المخيف احيانا ومتخفية احيانا اخرى تحت قضايا الهجرة وتبعاتها . وفى روسيا خرج الآلاف من قطاعاتها المستنيرة  محتجين على صعود شعار ( روسيا للروس ) الذى تجاهل عن عمد حوالى 179 عرقية ظلّت تشكل الشعب الروسى على مدى قرون من الزمن ولم تسلم الصين بعقيدتها المنتمية للطبقة اكثر من العرق من هذا النزوع ، وربما هنالك الكثير من الحالات فى العديد من الدول لم تطالها اجهزة الاعلام بعد ، المهم ان ثمّة حركة نزوع عرقى اخذت موجته تعلو فى انحاء العالم وحتما ستعلو معها حركة هجرة تجسّد مشهدا مؤلما يجرد البشرمن اى عاطفة ويلقى بها الى الجغرافيا .. الحاضنة التاريخية للعرق .

                      لست هنا بصدد مناقشة اسباب هذا النزوع الذى يعزيه البعض للعولمة ويعزيه البعض الآخر لفاتحة صراع الحضارات ويعزيه الكثيرون هنا لعدم توازن التنمية والتزاحم على الموارد ، وقد يعد آخرون سلسلة طويلة من الاسباب لن تستطيع كلها فى نهاية الامر ان تنفى هذا النزوع العرقى حتى وان نجحت فى اعادة خطاويه خطوات الى الخلف .. الى حسن الظن بالآخر وامكانية التعايش معه فى امن وسلام ، ولكنى مجاراة مع هذه الموجة اريد ان احظى بنصيبى منها فى هذا البلد المترامى الاطراف الذى لم نحظ فيه بنصيب الا بما يبثه فينا من آلام حينا بعد حين اما من جانب حكوماته او معارضاته ، فكلاهما يبدوان احيانا كأنما يتبادلان فيما بينهما السلطة والثروة لمن يحكم والثروة فقط لمن يعارض ، اما بقيتنا فما علينا الا الوقوف فى طوابير احد الفريقين فى انتظار ما يرمى له من فتات ،و اما الوقوف محايدا ايجابيا مشجعا اللعبة الحلوة فقط ليحظى بالحفاظ على كفافه الخاص او الصبر على مكارههما الى ان يقضى الله  امرا كان مفعولا .


                   فاذا كان الروس قومية عريضة سميت الارض بهم واخذوا تبعا لذلك يطالبون بالارض علنا لتكون حصرية للروس ، فلمن اطالب بالارض فى السودان ؟ نصفى نوبى ونصفى عربى ، تماما مثل ابى وجدى وسلسلة طويلة يعود بها نصف منى متعاليا الى سيدنا العباس والى رسول الله عليه افضل الصلاة و السلام ويعود بها نصفى الآخر متعاليا الى بيا او بعانخى وتهارقا وهمسا الى تاريخ زاخر برسل وصالحين كثر ، ثم ان هذين النصفين ارتبطت دماؤهما و وشائجهما بدماء كثيرة ، شرقا وغربا وجنوبا حتى تجاوزت حدود السودان ، فلمن يكون السودان ؟

                   لم اجد ما اجارى به هذه الموجة العرقية المتصاعدة سوى العودة الى شعار قديم بدا لى انسب شعار لأهل هذا الوطن ، وهو ( السودان للسودانيين ) ايا كان عرقهم ودينهم ولونهم ولسانهم ، فآباؤنا الذين تحمّلوا عبء تأسيس هذا الوطن كانوا اكثر ادراكا لمقصد الخلق فلم يقفوا عند حدود التعارف بين الشعوب والقبائل وانما تخطوا ذلك الى المصاهرة والتجانس لينبسط امامهم وطنا (حدادى مدادى) كما يقولون ، فهل يا ترى يجدى هذا الشعار مع من تأخذهم ذات الموجة هروبا الى احضان جغرافيا لها لونها الخاص وطعمها الخاص ورائحتها الخاصة ؟

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...