الثلاثاء، 4 يناير 2011

السودان للسودانيين


                     يشهد العالم هذه الايام حركة نزوع عرقى تخطت مواطنها المألوفة فى الشرق الاوسط وافريقيا التى ظلت تتبعها مجازر مخزية ، لتمتد الى قلب اوروبا سافرة عن وجهها المخيف احيانا ومتخفية احيانا اخرى تحت قضايا الهجرة وتبعاتها . وفى روسيا خرج الآلاف من قطاعاتها المستنيرة  محتجين على صعود شعار ( روسيا للروس ) الذى تجاهل عن عمد حوالى 179 عرقية ظلّت تشكل الشعب الروسى على مدى قرون من الزمن ولم تسلم الصين بعقيدتها المنتمية للطبقة اكثر من العرق من هذا النزوع ، وربما هنالك الكثير من الحالات فى العديد من الدول لم تطالها اجهزة الاعلام بعد ، المهم ان ثمّة حركة نزوع عرقى اخذت موجته تعلو فى انحاء العالم وحتما ستعلو معها حركة هجرة تجسّد مشهدا مؤلما يجرد البشرمن اى عاطفة ويلقى بها الى الجغرافيا .. الحاضنة التاريخية للعرق .

                      لست هنا بصدد مناقشة اسباب هذا النزوع الذى يعزيه البعض للعولمة ويعزيه البعض الآخر لفاتحة صراع الحضارات ويعزيه الكثيرون هنا لعدم توازن التنمية والتزاحم على الموارد ، وقد يعد آخرون سلسلة طويلة من الاسباب لن تستطيع كلها فى نهاية الامر ان تنفى هذا النزوع العرقى حتى وان نجحت فى اعادة خطاويه خطوات الى الخلف .. الى حسن الظن بالآخر وامكانية التعايش معه فى امن وسلام ، ولكنى مجاراة مع هذه الموجة اريد ان احظى بنصيبى منها فى هذا البلد المترامى الاطراف الذى لم نحظ فيه بنصيب الا بما يبثه فينا من آلام حينا بعد حين اما من جانب حكوماته او معارضاته ، فكلاهما يبدوان احيانا كأنما يتبادلان فيما بينهما السلطة والثروة لمن يحكم والثروة فقط لمن يعارض ، اما بقيتنا فما علينا الا الوقوف فى طوابير احد الفريقين فى انتظار ما يرمى له من فتات ،و اما الوقوف محايدا ايجابيا مشجعا اللعبة الحلوة فقط ليحظى بالحفاظ على كفافه الخاص او الصبر على مكارههما الى ان يقضى الله  امرا كان مفعولا .


                   فاذا كان الروس قومية عريضة سميت الارض بهم واخذوا تبعا لذلك يطالبون بالارض علنا لتكون حصرية للروس ، فلمن اطالب بالارض فى السودان ؟ نصفى نوبى ونصفى عربى ، تماما مثل ابى وجدى وسلسلة طويلة يعود بها نصف منى متعاليا الى سيدنا العباس والى رسول الله عليه افضل الصلاة و السلام ويعود بها نصفى الآخر متعاليا الى بيا او بعانخى وتهارقا وهمسا الى تاريخ زاخر برسل وصالحين كثر ، ثم ان هذين النصفين ارتبطت دماؤهما و وشائجهما بدماء كثيرة ، شرقا وغربا وجنوبا حتى تجاوزت حدود السودان ، فلمن يكون السودان ؟

                   لم اجد ما اجارى به هذه الموجة العرقية المتصاعدة سوى العودة الى شعار قديم بدا لى انسب شعار لأهل هذا الوطن ، وهو ( السودان للسودانيين ) ايا كان عرقهم ودينهم ولونهم ولسانهم ، فآباؤنا الذين تحمّلوا عبء تأسيس هذا الوطن كانوا اكثر ادراكا لمقصد الخلق فلم يقفوا عند حدود التعارف بين الشعوب والقبائل وانما تخطوا ذلك الى المصاهرة والتجانس لينبسط امامهم وطنا (حدادى مدادى) كما يقولون ، فهل يا ترى يجدى هذا الشعار مع من تأخذهم ذات الموجة هروبا الى احضان جغرافيا لها لونها الخاص وطعمها الخاص ورائحتها الخاصة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...