الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

العنف القادم من المهاجر


                بلغ العجز فى ميزانية المملكة العربية السعودية لهذا العام اكثر من 360 مليار ريال سعودى ، الامر الذى اضطرها لأتخاذ اجراءات لم تفاجىء المراقبين كثيرا ، فالزيادات التى اعلنتها الحكومة ، فى الماء والكهرباء والوقود ، هى المتلازمة الحتمية المألوفة فى معظم دول العالم الثالث الفقيرة فى موسم تقديم الميزانية  ، او فى الحقيقة هى متلازمة حتمية لفساد السياسة ، او لخيلاء الملوك الذى يعمى البصر والبصيرة .

               فالمؤشرات لهذا التدهور الاقتصادى الذى اصاب المملكة ، عديدة وبارزة ، فاذا تخطينا سياستها فى سوق النفط ، فان اهمها هى الحرب التى تصدت لقيادتها فى اليمن ، فى الوقت الذى كانت ولا زالت منخرطة فيه بكلياتها ومن خلف الستار ،  فى صراعات سوريا والعراق ولبنان ، رغما عن  تكاليفها العالية ، ولم تحصد منها سوى الخسران الذى سيلازمها ايضا فى حربها على اليمن ،

               الآن يبدو مشروع ميزانيتها لهذا العام ، شبيها بمشاريع ميزانيات الدول العربية والاسلامية الفقيرة ، التى تكتظ مؤسسات المملكة بعدة ملايين من مواطنى تلك الدول من المغتربين الباحثين عن فرص حياة افضل ، بعد ان عجزت موارد بلادهم عن تلبية حاجاتهم وامانيهم .

              هذا الوضع السىء الذى انزلقت اليه المملكة بغفلتها السياسية ، لا يستدعى شماتة او تشفى ، انما يستدعى قدرا كبيرا من المخاوف ، على اوضاع تلك الدول التى ظلت المملكة ولعقود طويلة ، حاضنة لمشاكل فقرها وفقرائها ، فالأجراءات التى ستتخذها المملكة لمعالجة اوضاعها حتما ستطال العمالة الوافدة ، مما يعنى ان ثمة جيوش من العاطلين العائدين لبلادهم بشحنات عالية من الخوف والقلق على مستقبل ايامهم ، وبهاجس مقيم ان تكون كدابر ايامهم التى اجبرتهم على الهجرة ، هذه الجيوش العائدة ، تبدو فى الافق اقوى ادوات الفوضى التى تنبأت بها وزيرة الخارجية الامريكية الاسبق كونداليزا رايس .

              

              

الخميس، 24 ديسمبر 2015

تأخرت كثيرا


               يمشى نصفا فى الطرقات ، ويؤمن ان نصفه الآخر موجود فى منطقة غائبة عن بصره ، او فى عالم الغيب ، ويوما ما ، ستخرج الى الوجود مثل شمس اشرقت بعد شتاء طويل ، يمشى نصفا فى الطرقات حتى يجفّ حلقه ، يتلفت كنمر جائع يبحث عن فريسة ، فيرى سبيلا هنا وسبيلا هناك محاطة بالعطش ، يحن قلبه ويهم ان يسقيها ، لكنه يخشى البلل ، فيعود سريعا الى طريقه بلافتته البارزة  (عليك الانتظار) .

               وبدأ يتوهم انه فى مرحلة الشباب ، رأى رجلا وسيما يسير مع زوجة وسيمة الجمال ، ويرتدى زيّا  يليق بقصور رئاسية ، ولوهلة تراءى له انه رآها كامنة تلوّح له من صلبيهما ، فأخذ يهىء نفسه للقاء بعد عقد ونصف او ربما اكثر بقليل ، ويقنع  نفسه بأنها فترة لا تسوى شيئا مع ترحال الاعراب الطويل فى الصحارى القاسية ، ووقفتهم على مشارف خيام الاحبة .  

            ولما انقضى عقدان دون ان تصدق رؤيته ، اذّن مؤذّن الناس العاديين فى أذنه ، هيا على الزواج ، واستقبل العالم اسرة جديدة باردة العواطف . 

               وعلى مدى عقدين ونيف قضاهما انسانا عاديا ، بذات شكاوى الناس العاديين ، وبذات احلامهم الميتة ، التقاها صدفة فى مكان لم يكن يخطر على باله ولا فى اكثر شطحاته انفلاتا ، التقاها بشرا سويا ، ابهى جمالا من تصوير مخيلته المرهفة ، فأستيقظت فى داخله عاطفة وحشية مرعبة ، لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم ، انما تلاحق دقات قلبه المرسلة بعنف الى هذا القادم من احلام نقية فتية ، فصار تمثالا تتدفق من جوانبه عواطف عذبة تبدو بلا نهاية .

              لم يسعفه حاله هذا ان يبنى موقفا رزينا ، لا يهدر فيه عاطفته كما اهدر عمره من قبل فى رهان خاسر مع الزمن ،  ولا يطلقها بمراهقة مرهقة ، تقضى على ما تبقى من حيوية قلبه ، موقفا جديدا يرتقى بروحه الى ذرى صوفية ، يستمتع فيها بجمال رب العزة  والجلالة المتجل فى خلقه ، لم يسعفه حاله بشىء ، فدخل مأسوفا عليه فى عزلة مجنونة ، بالكاد تجده حاضرا ببهائه القديم ، فقط تلحظه سجينا فى عبارة وحيدة  يردد فيها صباحا ومساءا ( تأخرت كثيرا) .
 

               

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

قليلا من نورك يا الله


              من اين تأتى تلك اللحظة التى تعلّقك ما بين السماء والارض ،  وتدخلك فورا فى العتمة ، فترى الحياة مكللة بالسواد ، البنايات اشباحا ، والناس اشباحا ، والطرقات افاع خبيثة تتربص بالمارة ، وترى الحب كالعدل امان مستحيلة ، من اين تأتى بكل هذه الظلمة.. كل هذه العتمة ، كل هذا الليل الاعمى ؟!  

              ابحث الآن عن نورك ، عن شعاع ، عن ومضة ، عن برق خاطف ، ابحث واعرف اننى امضى فى طريق يقودنى الى قلب النار ، واعرف اننى متى القيت كلمتى هناك ، سأحترق متلاشيا فى كل ذرة متناثرة على هذا الكون الفسيح ، وحينها ستحمل كل ذرة قصة تحكى معنى الفناء فى العشق ، وتطوف بها بين الخلق تعويزة للخلاص .

              ما يحثنى بشدة الى نورك ،  الرغبة فى التحرر ،  ، التحرر من بصرى المجذوب نحو السواد ،  التحرر منى انا المعلّق بين السماء والارض ، ما يحثنى بشدة الى نورك ، الرغبة فى الهروب ، الهروب اليك ، الى ملكك ، الى حيث الاتساع والنقاء والآمان   .

              قليلا من نورك يا الله ، قبسا ، برقا خاطفا ، اريد ان ارى جمال خلقك كما كنت اراه ، اريد ان ارى الحياة كما كنت اراها قبل هذا التلوّث .

الأحد، 13 ديسمبر 2015

اغنية فاجرة فى سب الوطن


               يحكى انه فى القرون الوسطى ، او قبل ذلك بقرون ، ان شعبا بأكمله قد هاجر من وطنه ، لا ادرى ما الاسباب الحقيقية التى دعته الى ذلك ، ولكنها بالتأكيد اسباب قوية لا تحتاج الى جدال ، فقد رخص الوطن فى اعينهم للدرجة التى لم تعد سبل كسب عيشهم ، و لا ذكرياتهم ، ولا تراتيب مجتمعهم ، ولا تأريخهم فيه ، يعنى لهم شيئا ، كل الذى عناهم فى تلك اللحظة ، هو الهجرة ، فخرجوا تاركين وراءهم وطنا خاويا فى العراء .

                المشهد يحكى تأريخ البشر الغامض مع الغرابة ، شعب بأكمله توحدت فى لحظة الخروج همومه وآماله ، وسقطت عندها كل المشاريع الحالمة لمن ظنوا انهم امتلكوا الارض وما عليها ومن عليها ، وسقطت عندها الامتيازات الزائفة والظالمة التى انبنى عليها مجتمعهم فبل الرحيل ، الميزة الآن لمن يمتلك القدرة على تحمّل قسوة الطبيعة فى اكثر صورها جلاءا ، الميزة الآن لمن يمتلك القدرة على تحمّل الجوع والعطش وتعب المسير ، الميزة الآن لمن يصرع الخوف داخله فى مواجهاته مع المجهول .

                هذه المسيرة المكتظة بنصب الحياة ، تبدو حركتها من وجهة نظر متفائلة ، مخاضا لمولد ملك جديد ، وقادة جدد ، وشعر يؤرخ لمعاناة لم تعرف صورها صوالين المترفين ، ومغنى يحكى وجعه مع الطبيعة ، و يسب ارضه السابقة التى اوصدت كل ابواب الحياة امامهم ، وطردتهم اغرابا فى برية موحشة .

                لكنها فى ظل النظر العقلى ، تبدو جوقة من المغنيين اليائسين ، يتجولون فى خلاء عدائى ويرددون فى اغنية وحيدة فاجرة فى سب الوطن .

السبت، 12 ديسمبر 2015

الموت كلبا


                 السماء ليست فراغا ممتدا على مدى البصر ، انها مكتظة بدروب عجيبة ،  فالعاصفة الرملية التى نراها قادمة من افق بعيد ، هى فى الواقع ارض مهاجرة قادمة عبر طريق سماوى مثل غيره من الطرق التى تأتى عبرها الطيور  والجراد وانفاس الثورات والأوبئة ، وتأتى ايضا عبرها الأرض التى سئمت حكامها وسكانها وسوء العيش عليها .

                 والانهر الموسمية مصطلح خاطىء يتناقض مع حقائق الطبيعة ، الاصح ان نطلق عليها انهرا مهاجرة ، وعلى ذلك يمكننا ان نفسّر الامطار الغزيرة التى تصب فى مناطق  لم تألفها من قبل ، بأنهر ضلّت طريقها عن ضفافها ، فالسحب الممطرة فى الحقيقة ما هى الا انهر مهاجرة عبر طريق سماوى ، تغيب فصلا وتعود الى مجاريها مشتاقة لأحضان الضفاف .

                   ونحن نعلم ان رب العزة والجلالة كان قد مد عبر السماء منذ زمان سحيق ، طرقا سلّم عبرها رسالاته لأنبيائه المصطفين ، ومد طرقا خاصة لدعاء خلقه المستضعفين ، وطرقا تصعد بها الروح الى بارئها ، وطرقا تتنزل عبرها رحمته وعدله وتتنزل عبرها سكينته الى الأفئدة فى زمن الخوف ، وطريقا قدسيا اسرى عبره سيّد الخلق ثم طوى . 

                    والانسان فى محنته يكتشف مدى ضعفه وهشاشته ، فيتجه بكلياته الى السماء ليستقوى بعزيز مقتدر ، ويرى فيها وعلى امتداد بصره طريقا وحيدا الى الله عزّ وجل ، انه يقين المستضعفين فى الارض ، معلّق فى كثير من الاحيان على السؤال والطلب والرجاء ، اما اصحاب اليقين فلا يخشون شيئا ، ولا يرجون شيئا من خلق الله ، فعشقهم لله اقوى من كل فساد فى الارض ، قال عامر بن عبد قيس ( احببت الله حبا سهّل علىّ كل مصيبة ورضانى بكل قضية ) فقد بلغ يقينه حدا انه قال ( لو كشف لى الغطاء لما ازددت يقينا)  .

                    انهم يعشقون الله ويخشون حسابه ، ولو عرف الذين تاخذهم العزة بالأثم ، ما عرفه هؤلاء الصالحون عن حساب الله ، لكفوا عن ظلم الناس واكل اموالهم بالباطل ، وانقذوا انفسهم من عذاب الدنيا ، ومن عذاب يوم القيامة ، قال الفضيل بن عيّاض ( لو خيّرت ان اعيش كلبا واموت كلبا ولا ارى يوم القيامة ، لأخترت ان اعيش كلبا واموت كلبا ولا ارى يوم القيامة .)

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

مرتع الفاشلين


                  لازلنا نذكر بالحسرة والأسف الاحداث التى فجرتها سياسات رفع الدعم ! تلك التى انتهجها وزير المالية السابق ، والتى اطاحت به ، وتفآلنا خيرا بالوزير الحالى الذى تولى مهام الوزارة بعده ، مطمئنين الى انه قد وعى خطل تلك السياسة وان لديه القدرة على اتخاذ نهج اقتصادي آخر من شأنه ان ينشل البلاد من وهدتها الاقتصادية ، ويخفف العبء عن كاهل المواطنين الذين ابدوا مهارات فائقة  فى مباراتهم مع الصبر .

                  وهاهو الآن يعود الى ذات النهج الذى سلكه الوزير السابق ، بمطالبته لنواب البرلمان بالموافقة على رفع الدغم عن المحروقات والكهرباء والدقيق ، اى بصريح العبارة ، تعليق حياة الناس فى هذا البلد على جشع المستوردين ، وشره اللاهثين حول قسمة الثروة ، كأن الناس فى هذا البلد يدخرون كنزا سريا يعرفه الوزراء الذين تضيق آفاقهم عن رؤية المعالجات الاقتصادية بعيدا عن جيوب المواطنين .

                  انه لفشل زريع ان يمض وزير المالية فى ادارة شئون الاقتصاد طيلة الفترة من 2013 وحتى الآن ، ليصل الى ذات النقطة الجامدة التى وصل اليها سلفه فى 2013 ، ويحمد لسلقه انه كان اسرع منه فى الوصول الى نقطة الجمود .

                  ألا يوجد فى هذا الوطن عقل اقتصادى يخرجنا من هذه الازمة بدلا من ان تترك لعقول متحجرة لا تستطيع ادارة الاقتصاد الا على طريقة حكم التركية السابقة ؟

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

هرطقات سافرة


                    يحدثنا حسين مروة فى سفره الرائع (النزعات المادية فى الفلسفة العربية الاسلامية ، طبعة الفارابى - الطبعة الثانية 2008 - المجلد الثانى - الفصل السادس ص 389 ( بأن المنهج العلمى يرشدنا الى حقيقة مهمة فى تأريخ تطور المجتمعات البشرية والحضارات ، هى ان التراكمات الكمية ضمن مجرى هذا التأريخ يمكن ان تتخذ اشكالا مختلفة فى تحولها الكيفى . يمكن مثلا ان تتحول الى كيفية سياسية ، او اجتماعية ، او فكرية نظرية ، او الى نوع من العنف الثورى . 

               لقد تابع انجلز اشكال المعارضة الثورية لأقطاعية القرون الوسطى كلها ، فوجد ان الظروف الزمنية كانت تظهر هذه المعارضات حينا فى شكل تصوّف ، وحينا فى شكل هرطقات سافرة ، وحينا فى شكل انتفاضات مسلحة . 

               ان شكل التحوّل الكيفى فى هذا المجتمع او ذاك ، وفى هذا الزمن او ذاك ، انما تحدده طبيعة الظروف الملموسة فى الواقع المحسوس . وربما كانت الظروف هذه مؤهلة وناضجة احيانا لحدوث تحولات كيفية مختلفة الاشكال فى وقت واحد ، اى قد تجتمع فى ظروف معينة تحولات سياسية واجتماعية وفكرية معا ، قد ترافقها انتفاضات مسلحة ، وقد تأتى هذه التحولات تمهيدا لأنتفاضات مسلحة ، وقد يستغنى بها التطور عن اشكال العنف الثورى كليا .)

                      اتمنى ان يستغنى تطورنا السياسى والاجتماعى والفكرى عن اشكال العنف الثورى كليا ، ولكن يظل هذا التمنى فى ظل ظروفنا المعاشة ، مواجها بالمعارضات التى اشار اليها انجلز اعلاه ، وتبدو ظاهرتى الانتفاضات المسلحة والهرطقات السافرة  فى راهننا ، المعوق الابرز امام تطور مجتمعاتنا ، بأعتبار ان التصوف يشكل الاساس الدينى العريض لاغلبية اهل السودان المسلمين ، وهو ليس بذلك الفهم الذى يشكل عائقا امام التطور ، بل يبدو سباقا فى هذا المجال رغم ان معظم نشاطه كما يبدو ، يدور داخل الاطر الاجتماعية بعيدا عن دوائر السلطة وتأثيرها .

                        ولأن ظاهرة الانتفاضات المسلحة كما نعايشها الآن مجسدة فى الحركات المسلحة ، محل نظر ومعالجة محليا واقليميا ودوليا ، فان ظاهرة الهرطقة السافرة التى اخذت فى الآونة الاخيرة تتخذ شكلا طبيعيا من اشكال السلوك الاجتماعى تحتاج النظر بعمق الي المخابىء التى اخرجتها .

                والهرطقة فى هذا السياق ليست تلك التى ارتبطت تأريخيا بالدين فحسب ، فثمة فيديوهات وتسجيلات صوتية وكتابات ورسومات ، منتشرة بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعى والاجهزة المحمولة تتناول مواضيعا مختلفة ، يبدو الحياء معها اثرا من الماضى ، ولكنها وللأسف تبدو تعبيرا حقيقيا عن رفض لواقع مزرى ، وشكلا من اشكال المعارضة لهذا الواقع ، او بمعنى آخر تبدو اكثر الادوات فعالية فى تجريد المجتمع من القيم والمبادىء السامية التى تضبط سلوك الناس فى الفضاء العام ، اذ انه حينما يكون هذا الفضاء العام حكرا لفئة بعينها ، فأن ضوابطه التى صعدت بهم الى قمته بسلاسة ، لن تكون فى نظر المهرطقين سوى وسائل قهر وتضليل واحتيال ، ومن هنا تكتسب شكلها المعارض ، او شكلها المتحرر  من اى قيود ، اجتماعية كانت او غيرها ، وما يخيف فيها ، وبعيدا عن اى ظلال سياسية ، هو ان تصبح ثقافة راسخة فى المجتمع من شأنها ان تعوّق اى تطور حتى اذا تغيرت الظروف التى انتجتها .

                      المجتمع السودانى فى مجرى تأريخه ، محتشد بقدر هائل من التراكمات ، يجب ان تكون مدعاة لتطور سياسى واجتماعى وفكرى ، لا يحوجنا سوى متسع من الحريات لمتسع من الحوارات ، بدلا من ان تكون مدعاة لصراعات بلا نهاية .

الاثنين، 27 يوليو 2015

كهرباء لله



                  وزير الكهرباء يصر على زيادة الاسعار لتصل الى نسبة 100% بدلا عن سعرها الحالى البالغ قدره 20% للكيلوات ، والمواقع على الانترنت والصخف افادت ان السيد رئيس الجمهورية فال ان الكهرباء خط احمر ، ورغم ذلك عاود الوزير اصراره على وجوب الزيادة حسبما تناقلته الصحف .

                 لا يهمنى هنا كثيرا ما يقال عن كفاءة ومؤهلات العاملين فى بعض الوظائف القيادية بالكهرباء واثر ذلك على اداء هذا المرفق ، بقدر ما يهمنى اصرار السيد الوزير على هذه الزيادة ، وهو اصرار يعنى بصريح العبارة ، عجزه عن ادارة هذا المرفق بالصورة التى تديم امداد التيار الكهربائى فى ظل اسعار الكهرباء الحالية .

                 بفهمى البسيط والمتواضع جدا ، ان اهم واجبات السيد الوزير هو ادارة وتشغيل هذا المرفق بالصورة المحددة اهدافها سلفا ووفقا للميزانيات المقترحة من ادارة المرفق ايضا سلفا ، واذا كان هنالك ثمة فرق بين المقترح والمرصود فى هذه الميزانيات  قد يؤدى بدوره الى عجز فى التوليد والامداد ، فأن مهمة الوزير تنحصر فى المطالبة بهذا الفرق ، ووزارة المالية الممسكة بالايرادات العامة للدولة هى المسئولة عن تغطية هذا الفرق من وفوراتها ان كان لديها وفورات ، او احالة الامر للجهات المختصة بتحديد اسعار السلع الاستراتيجية التى تمس حياة المواطنين بشكل مباشر ومؤثر للغاية ، كالخبز والماء والكهرباء وغيرها ، فما مغزى اصراره على هذه الزيادة ؟ .

                  

الأحد، 26 يوليو 2015

اسرار الخلاص


                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها تفتح على اسلحة مغرية مصوبة على رأسك وصدرك ، فالخروج موت والبقاء موت يسبقه جنون ، انه محتل استوطن آخر خلاياك وانت لم تزل تحت تأثير دهشتك الاولى ، فأستدعى بما تبقى من عقلك وروحك اسرار الخلاص .

             قل : يا موسى قد غلبنى البحر فأدعو رياحك لتعبر بى الى مريم تفترش ضفائرها انتظارا لقلب ادماه الانتظار ، ويتوق لمسحة من يديها ، وان اتت الرياح بما لم ترتج سفنك ، فأنده : يا ابن مريم علّمنى كيف اسير على الماء ، فثمة حلم ينتظرنى على الضفة الاخرى ، وان شقّ ثقل حنينك ظهر الماء ، ارفع كفيك ونادى : يا حبيبى يا محمّد ، يا من يسرى بى شوقى اليك ويعرج بى اليك ويأخذنى الى النور الأعظم ، نور السموات والارض ، انا مشتاق مشتاق مشتاق .

            


              

              

الأحد، 12 يوليو 2015

كلب من الجحيم


                  ينبح وينبح وينبح ولا يكف عن النباح ابدا ، ينبش وينهش فى القلب كفلاح يقلّب فى حقله ، ينبش وينهش حتى لا يبقى فيه اثرا لذكرى ، ثم يتسلل الى شرايينك وهو ينبح وينبش وينهش ما تبقى من اطياف لذكرى ايامك ، هكذا دأبه الى ان يصيبك بسعر يطبق على رئتيك ويصارع انفاسك ليلا ونهارا ، فيشتعل صدرك بالحمى لتتنفس مثل فرن ملتهب ، ثم يفترسك الاعياْْْْْء والتعب ، وتصبح حالتك هى ذات المصدر القديم للشعر والحكايات والقصص ، امرأة اطلقت داخلك كلبا من الجحيم .

                    هذا كل ما استطعته من تفسير وتصوير لكلب الشاعر والقاص والروائى  الامريكى من اصل المانى تشارلس بوكوفسكى 1920 - 1994 حينما قرأت عنوان احد دواوين شعره ( الحب كلب من الجحيم ) .

              ولو قدر لى ان ارسم لوحة غلافه ، لرسمت تلك المرأة التى استهلك جمالها  القصص والروايات والاشعار ، وهى تمسك بيد رسنا مربوطا على حلقة حول رقبة كلب ضخم قاتم اللون ، ويتدلى من فمه لسان احمر وتنفث عيناه شرا مستطيرا ، وتشير بيدها الاخرى محرضة الكلب على قلبك .

الجمعة، 10 يوليو 2015

حق الحياة وحق العمل


                  لا شك ان كثيرين مثلى قد احتفوا قبل ايام بقرار المحكمة الدستورية الصادر قى 3\7\2015 والقاضى بفتح دعوى جنائية بأسم الطاعنين من ذوى قتلى احداث بورتسودان التى وقعت فى 29 يناير 2005 ضد من تسفر عنه التحريات وتقديم من توجه اليه التهمة الى القضاء ، فالقرار اشاع طمأنينة عامة وخاصة ، وأكد ان فى هذا الوطن الحبيب مؤسسات قادرة على حماية الحقوق ، ومهتمة اكثر من السلطات التنفيذية الحاكمة بتحقيق العدالة ، لهذا استحق الاحتفاء به ، والافتخار والاعتزاز بالسبعة الكرام اعضاء المحكمة الدستورية الذين وافقوا على القرار بالاجماع ، الاجماع على حق التقاضى لضمان حماية حق الحياة .

                ما يهمنى هنا ، ان الطرف الثانى فى هذه القضية هى وزارة الداخلية ، وما يهمنى فى هذا الشأن على وجه التحديد ، التسويات التى اجرتها مع بعض اهالى القتلى ، وما يهمنى فى هذه التسويات ، هذا الشعور بالمسئولية عن تحمّل تبعات اداء وحداتها للدرجة التى الجأتها لعقد تسويات مع ذوى القتلى ، مستبقة بذلك الاجراات القانونية التى تعى جيدا حجم فداحتها عليها خاصة عند الادانة .

                ولا تثريب فى قيام وزارة الداخلية بتلك التسويات ، طالما ان اولى الامر قد ارتضوا بها ، فهو نظام معمول به فى ارقى دول العالم التى يحظى عندها مبدأ سيادة القانون بقدسية تامة .

               لكن المؤسف هنا ، ان التسوية كأجراء مستبق لآجراءات تطبيق القانون ، كان قد سعى اليها ضباط الشرطة المفصولين منذ تسعينات القرن الماضى ، وصبروا عليها سنينا عددا ، وتحملّوا فى سبيلها كل الوعود الخلّب التى اعلنت فى اجتماعاتهم بدار الشرطة طيلة هذه الفترة ، وآخرها ان جميع ملفات الضباط المفصولين على مكتب النائب الاول لرئيس الجمهورية السابق ، وانها محل نظره واهتمامه ، ويبدو انه كان قد ادمن وجودها على مكتبه فابقاها امام ناظريه حتى رحيله عن منصبه ، ولا ندرى فى اى الاضابير قد اغلق عليها الآن .

             و الآن بدا جليا ان التسوية مع وزارة الداخلية ، لايكفها قرار جمهورى صادر بخطل سياسة الفصل التى طبقت واصابت هؤلاء الضباط كى تتم ، التسوية مع وزارة الداخلية تحتاج الى محفز ، الى بلاغات مفتوحة ضد وزارة الداخلية ، او ضد اشخاص بعينهم لعبوا ادوارا فى عمليات الفصل التى تمت ، وهو امر لا يستطيعه احد سوى الضباط المفصولين انفسهم .

                 

                 

                 

                 

الأحد، 28 يونيو 2015

قيود النظر


                  فى حلقة (قيد النظر) التى استضاف فيها الطاهر على التوم الشيخ علاء الدين غبد الله ابو زيد وآخرين حول قضايا المرأة والولاية العامة ، كان ما يدعو للتسآؤل ، الاهمية التى تستحقها هذه القضية لتطرح فى بلد وصلت فيه المرأة اعلى الرتب والدرجات الوظيفية ، من وزير الى قاضى محكمة عليا ، ومن لواء فى المؤسسات العسكرية الى رئيس تحرير الصحف ، الى آخر ما وصلت اليه فى بلادنا من مكانة . هل نما الى علم الاستاذ الطاهر على التوم ، ان ثمة تراجع عن هذا التقدم الذى وصلت اليه قضايا المرأة فى بلادنا قد بات وشيكا حتى يثير هذه القضية فى برنامجه قيد النظر ام ان الامر مجرد اثارة اعلامية ؟

                   فالاثارة حاضرة بقوة فى القنبلة التى فجرها الشيخ علاء الدين ، بأستدعائه لأحدى مرويات التراث عن سيدنا عمر بن الخطاب ، والقصة بأختصار ارجو ألا يخل بأصل الحكاية ، ان سيدنا عمر حين اراد ان يمنع زوجه ارتياد المسجد ، تخفى عند بابه وضربها على مؤخرتها ، وامتنعت فى اليوم التالى عن الذهاب بحجة ان الناس قد فسدوا .

                    ما يهمنى فى هذه القصة التى ساقها الشيخ ابو زيد لتعزيز موقفه من القضايا مثار الجدل فى البرنامج ، ان النقل لم يزل يشكل حضورا وسندا قويا لدى البعض ، حتى وان كان مضمونه يشكل اساءة بالغة لأحد الخلفاء الراشدين ولعهد الصحابة بأسره .

                   فلنصحب العقل هنا لنرى نقائص هذه القصة بعيدا عن قيود النظر ، ونسأل انقسنا هذه الاسئلة :

1- هل كان عمر بن الخطاب (رض) وهو الخليفة الثانى من الخلفاء الراشدين ، فى حاجة الى التخفى ليأتى بفعل كفعل سفهاء الناس حتى يقنع زوجته بعدم ارتياد المسجد ، وهو الخليفة الذى امر الجيوش التى فتحت الامصار شرقا وغربا ؟

2- هل يعقل ان يكون ذلك الزمان من عهد الصحابة الابرار ، قد بلغ به السفه درجة تضرب فيه مؤخرات النساء على ابواب المساجد ، وتدفع زوج خلبفة المسلمين ان تشهد بفساده ؟ وهو ذات الخليفة الذى يخشى على نفسه ان يسأل اذا عثرت بغلة بأرص العراق لماذا لم يمهد لها الطريق ؟

                    لا شك ان الحاجة اصيحت ملحة للنظر الى التراث الاسلامى بعين فاحصة ومدققة ومحققة ، وفقا لمعايير علمية لم يعجز العقل الاسلامى يوما فى ابداعها ، تسد ابواب الزرائع التى صارت فى عالمنا الآن نصالا سامة تطعن فى جوهر الدين ورموزه .

الأربعاء، 17 يونيو 2015

نجونا


                     (سأل اعرابى ابن عباس : من يحاكم الناس يوم القيامة ؟
                                    ابن عباس : الله
                                   الاعرابى :  نجونا ورب الكعبة)

                     هذا الفرح الهتافى الجميل ، المؤكد بالقسم المحبب لأهل ذلك الزمان ، بقدر ما يؤكد سعة يقين وايمان ذلك الاعرابى بعدل الله احكم الحاكمين ، بقدر ما يعكس يأسه من عدل خلقه من حكام هذه الدنيا .

                     نجونا ، يا لها من فرحة انتقلت من مكانها وزمانها قبل اربعة عشرة قرنا لملاقاة يوم لا يعلم ميقاته الا الله ، ولكن الطمانينة التى ملأته بها فكرة ان يكون ميزان عمله بين يدى الله عزّ وجلّ ، استحقت انطلاقتها فرحة مدى الحياة .

                      الله ارحم الراحمين ، وهو ليس بهذا البعد الذى تنتظره فيه الى يوم القيامة ، فهو اقرب الينا من حبل الوريد ، وكريم كرما دائما على مدى خلوده ، واكثر كرما فى هذا الشهر الفضيل ، شهر رمضان شهر التوبة والغفران .

                     يقول رب العزة فى الحديث القدسى (كل عمل ابن آدم له الا الصوم ، فأنه لى وانا اجزى به) يا لهذا العطاء العظيم ، ان يهديك رب الخلق شهرا فى كل عام لتكون بين يديه خاصة ، وحدك بحالتك التى تشبه حالتك الاولى او الاخيرة فى يوم القيامة ، عطش وجوع وحرمان ، حالة الانسان المفقودة فيك بفعل اطماع الدنيا ، الانسان الذى فى حاجة دائما الى سقيا واطعام واشباع ، الى حميمية ، الى اخاء تؤثر فيه غيرك على نفسك ، الحالة التى ارادك الله ان تكون عليها فى هذه الحياة .

                     فأسق عطشك عطشا ، والقم جوعك جوعا ، وارم شهواتك بحجر او ارم بها فى بحر ، وكن بين يدى الله ونل جزاءك ، قال عليه افضل الصلاة والسلام (صوموا تصحوا) فالصحة هى حرصنا المستمر فى الحياة احدى هدايا هذا العطاء الجزيل فى هذا الشهر الفضيل .

الاثنين، 25 مايو 2015

انا الآن هناك


                  انا الآن هناك ، عصفور شقى على نافذتك ، سيحكى بعد قليل للعالم مشاهداته الفاجرة داخل مخدع الاميرة ، الستائر المسدلة تسد الرؤية كقواد عنيد ، والثريات التى تدلت عناقيدا من ضوء ، لم تقض على العتمة بعد ، لم لا اراك وانت الكائن المضاء من اخمص قدميه الى اعلى موضع التاج ؟! لم لا ارى شيئا سوى السكينة تنام على المكان ؟ وما هذه السكينة التى تسرى فى الخلايا كخدر لزيز ؟ 

                  انا الآن فى مكمنى ، اسمع حسيسا كعبور شبح ، كنسمة انفلتت من عقابيل رياح هائجة فى قارة بعيدة ، واتت متعبة تبحث عن وسادة ، ثمة اضطراب اصاب مكر الستائر ، فأخذت تتلّص بحثا عن مصدر الصوت ، أزاحت حواف اطرافها بأغوائية بريئة ، كفعل بلقيس فى عرش سليمان ، فضول الستائر ازاح من العتمة مقدار ما يسمح لعين واحدة بالنظر ، فرأيتها .

                  مستلقية على ظهرها ام واقفة ام جالسة ، لاادرى ، لكنى رأيتها وهى تعرى فى كتاب ، صفحة صفحة ، تعرّى فيه كطفل صغير ، على وشك ان تغسله بطهر نواياها وتودعه مرقدا آمنا ، فيا لأغواء الكتابة والقراءة بين  اناملك .

                   هذه الانامل لا يليق بها خاتم كى تكون رفيقتى او رفيقتك ، نحن فى حاجة ان تمسك هذه الانامل قلما ، وتدع قلبها وعقلها يحكى لنسمع صوتنا المفقود عبر الحقب .

الجمعة، 22 مايو 2015

شبهات حول العمل الطوعى


                 مجتمعنا السودانى مثله مثل بقية المجتمعات التى تعانى من مشكلات الفقر والحروب ، يظل عرضة او حقلا خصبا لنشاط المنظمات الطوعية ، محلية و اقليمية و عالمية ، فالمشكلات كبيرة ، ودائما ما تصعد فيها حاجة البشر داخل هذه المجتمعات الى عون انسانى ، وتحت هذه المظلة عادة ما تجرى اجندات متقاطعة مع العمل الانسانى بشدة ، الامر الذى ظلّ يثير حساسية عالية  لدى الحكومات من حيث الاختراقات المخابراتية ، ولدى القوى السياسية  خاصة مع الاجندة المتعلقة بالتنافس السياسى والجارية تحت مظلة العمل الانسانى ، ومن اراد الامثلة ، عليه الرجوع لأنشطة هذه المنظمات الطوعية فى خريف العام 2013 ويراجع  التصادمات  التى حدثت بشأنها .

                  فالعمل الطوعى صار اكثر الادوات فعالية فى عملية الاستقطاب السياسى محليا ودوليا ، ويبدو الاسلاميون هنا ، القوة الاولى التى فطنت الى هذه الميزة التى يوفرها ، فكثّفت جهودها تجاه هذا النشاط فى اطراف المدن والقرى والارياف ، وخرجت بقواعد عريضة ملحوظة ، ليس على نطاق السودان فحسب وانما على نطاق معظم الدول العربية والاسلامية المشابهة ، وقد اكدت هذه الحقيقة نتائج الانتخابات التى جرت فيها ، وبالتالى فأن المزايا التى حققتها من خلال العمل الطوعى ، تجعلها اكثر القوى حساسية امام اى نجاح يحققه آخرون فى هذا النشاط ، سواء أكانوا فى السلطة او خارجها ، وواقعة افتتاح غرفة العناية المكثفة لشباب شارع الحوادث بالامس القريب خير شاهد على ذلك .

                   ما يهمنى هنا ، ان العمل الطوعى يعيش فى حاضرنا مخاضا عسيرا لا ادرى الى اين سينتهى به ، فالشبهات حوله ظلت فى تزايد مستمر وعلى نطاق العالم ، وتدعو للمخاوف والقلق والارتياب حتى لدى المستفيدين منه ، كتلك التى نشأت من حملات التطعيم فى بعض مناطق النزاعات بما فى ذلك دارفور ، حيث اعتبرها البعض  ومن ضمنه منظمات اجنبية ، ان ثمة اجندات لا علاقة لها بالعمل الانسانى قد صاحبتها ، كالتجارب المعملية التى تخص شركات الادوية الكبرى وغيرها من الشبهات والتهم .

                    ثمة توجهات عقلانية بدأت تعيد النظر فى اطار سياسى اوسع عن جدوى العمل الطوعى ، ويبدو لى المقال الرائع للأستاذة ميسون النجومى (طوعنة النضال) والمنشور بمدونتها بتأريخ 19 ابريل 2015 والذى عرضت فيه طرح الباحثة الهندية ارندوتى روى حول العمل الطوعى ، رحلة ممتعة جدا ودقيقة جدا حول تضاريس هذا النشاط .
                

الخميس، 21 مايو 2015

شباب شارع الحوادث


                  لم يكذب شعراء بلادى ابدا حين تغنوا بأمجاد وعظمة هذا الشعب ، انها الحقيقة الواجب حضورها كلما دنت منا فكرة ، فهى حتما ستكون عظيمة ومذهلة فى عظمتها ، فمن فكرة بسيطة راودت شبابا آمنوا بربهم وشعبهم ، فزادهم ربهم هدى وزادهم شعبهم ثقة ، من فكرة بسيطة ، تطورت من سعى حميم ، لتوفير الدماء والدواء وتكلفة العلاج للمرضى الفقراء المحتاجين ، تطورت الى بناء غرفة عناية مكثفة بأحدث الاجهزة ، وبتكلفة لا تقدر عليها بعض الحكومات ، وهم ما هم عليه ، شباب متطوع ، يتخذ من مقاعد (ست شاى) فى ظل شحيح ، مركزا لأدارة عمليات النجاة لكثير من المرضى التى وقفت الحاجة دائما عائقا امام شفائهم .

                 و(ست شاى) لم يكفها  ما تعانيه من نصب الدنيا وضيقها ، فأفسحت فى ضيق مجلسها ، مقاعدا لفتية حين رأتهم ،  رأت فيهم ملائكة الرحمة ، فالرحماء يعرفون بعضهم البعض ، سيماؤهم فى وجوههم قلوبا تنبض بالعطف والتعاضد ، مجلس تتوسطه (ست شاى) دلالة على بساطته ، ارغم المستحيل ان يكون ممكنا ، وعلّمنا ان كل شىء ممكنا .

                 انه بحق انجاز عظيم تستحق الكوكبة التى انجزته ، الشكر والتقدير والامتنان ، ويجب ألا يأخذنا  هجوم الهندى عزالدين على مشهد الافتتاح ودفاع المدافعين عن المشهد ، بعيدا عن قيمة الانجاز الثمينة ويغطى على روعته وعلاماته المضيئة فى حراك ابناء هذا الشعب العظيم .

                

الاثنين، 11 مايو 2015

بلاغ الى نجمة عالية


                   تغرب الشمس وتودع لهيبها لمواطن الغياب ، يأتى الليل مترنحا من مخابئه الداكنة خلف الشمس ، يأتى محمّلا بأوجاع الرحيل والبعاد والسفر والاغتراب ، ويلقى بمحمولته على قلب العاشقين ، يستيقظ القلب المسكين مثقلا بالحمى والألم ، ويصرخ : من يستدرج هذا الليل البهيم الى حافة العالم ويشق له طريقا الى العدم ؟ .

                   الليل مصباح الكون الاسود ، يضىء لك زينة السماء الغاربة فى الصباحات والنهارات الهجير ، ما يؤلمك ليس الليل ، انه الغياب ، ولو كان الغياب رجلا لقتلته ، فالغياب عقاب ، كل منا يحمل قائمة بالعقوبات التى اوقعت عليه بسبب الغياب ، فى المدرسة وفى العمل وفى التشكيلات الاجتماعية التى ينخرط فيها ، بعضها تظل جروحا غائرة وبعضها تدفعك للضحك والتبسم ، وكلها عقوبات نعرف مصدرها ومنفذها ألا العشق .

                   الغياب فى العشق هو العقوبة الأكثر ألما ، هو العقوبة مجهولة المصدر والمنفذ ، عقوبة تصلى البدن بالحمى وتذهب بالعقل بعيدا بعيدا ، واذا لم تتمرد عليها تملّكتك تماما ، وما أهون التمرّد على عقوبة الغياب فى العشق ، ارفع رأسك الى السماء وبث شكواك الى نجمة بعيدة واوجز بقدر ما تستطيع . ايتها النجمة العالية المعطونة فى الضوء ، المنتفضة بين رمشة ورمشة بالأضواء :
                                                           الغياب عذاب

                   وفى لحظة انتهائك من نطق آخر حرف فى العبارة ، ستكتشف ما فاتك فى ملحمة الألم والعذاب ، وستصرخ فرحا : الصلاة .. الصلاة.. الصلاة .

الجمعة، 8 مايو 2015

اخرجوا المملكة من هذا الفخ


                    يبدو العقل الحاكم فى السعودية فى حالة غياب تام ، فلأول مرة فى تأريخ المملكة ، تتصدع اسس ومعايير انتقال الملك للدرجة التى بانت صراعاته على الفضاء الطلق منذرة بشرخ كبير فى العائلة المالكة ، سيمتد عموديا بين مكونات الشعب ، ويجىء هذا الحدث الكبير فى الوقت الذى تلعب فيه المملكة ادوارا مكلفة فى ازمات المنطقة المشتعلة فى سوريا والعراق وليبيا ، وكأن كل ذلك لم يكفها ، فترمى فى هذا الوقت بكل مبادراتها لحل الازمة فى اليمن خلف ظهرها وتنخرط فى حرب مدمرة ضده ، وهى تعلم ان داخلها يتململ بأطياف عديدة طابعها العنف ، وكل هذا العبء الكبير الذى تخوض فيه ، يجىء واسعار النفط تتدنى الى حد مهدد ، من لم ير الفخ بعد ، فهذه ارجله تمشى هونا على ارض المملكة .

                    فالصامتون الآن فى الوطن العربى وهم يشاهدون اصرارها على المضى قدما فى حربها ضد اليمن ، ويشاهدون كيف اخذت الحرب تمتد الى الداخل السعودى ، هم فى الواقع يشاهدون ايدى هذا الفخ اللعين تحمل اسلحة الدمار لكلا البلدين ، واذا ظنوا لحظة انهم بمنأى عن مخاطر ما يسفر عن اهتزاز اوضاع المملكة او انهيارها نتيجة لهذه الحرب ، عليهم مراجعة ميزانيات بلادهم ، ويقرأوا جيدا ما تضخه المملكة سواء على صعيد الاستثمارات او تحويلات المغتربين ، او تحملّها لهذا العدد الهائل من كتلة العاطلين فى البلاد العربية والاسلامية .

                   ان الصمت على استمرار الحرب  السعودية اليمنية ، وترك المملكة تنزلق اكثر فى اوارها ، او تشجيعها ومؤآزرتها على ذلك ، هو للأسف آخر الادوار المتبقية لآتمام الفخ المنصوب بدقة وعناية ، وهو الخطوة الاخيرة لأغلاق باب اكبر الموارد المادية التى تعيش عليها اعداد مقدرة من الشعوب العربية والاسلامية ، ولن تجد هذه الشعوب امامها حينذاك من مفر سوى ان تبدأ رقصها المتوحش على طبول الفوضى التى سبق وان انذرنا بها ، فالسعودية ودول الخليج هى العقدة التى وقفت حتى الآن امام الفوضى فلا تحلوها بأيديكم وايديها .
              
                   اوقفوا هذه الحرب واخرجوا المملكة وفقراء العرب والمسلمين من هذا الفخ اللعين .   


                   

الخميس، 30 أبريل 2015

ممنوع الاقتراب والتصوير


                  العنوان اعلاه كان معلوما لدينا ومنذ الصغر ، ان خلف اللافتة التى تحمله ، توجد منطقة عسكرية ، سواء أكانت مزروبة بسلك شائك ام تغطيها الشجيرات ، وكم اثارت هذه اللافتة مخيلاتنا وفضولنا عما يجرى خلفها ، او ما يجرى داخل تلك المنطقة العسكرية الحصينة ، ثمة سحر كان يختبى فى طياة العبارة تبدو جاذبيته اقوى من الزى العسكرى بدبابيره ونياشينه اللامعة ، فضلا عن الهيبة التى يحيط بها المنطقة العسكرية ، مكانا وعسكريين واسلحة ومعدات ، لم نسمع يوما ان احدا من خارج المؤسسات العسكرية ، تجرأ وأخترق واحدة من تلك المناطق العسكرية وقام بالتصوير .

                   بالأمس اصدرت السيّدة مريم الصادق المهدى اعتزارا لأبناء السودان (لبث صور القتلى والاسرى من ابناء الشعب السودانى ، ولبذىء القول الذى صدر عن اشخاص يحتلون مواقع المسئولية فى الدولة السودانية ، ولتراقصهم وانتشاؤهم حول جثث ابنائنا واخوتنا الشهداء . هذه افعال واقوال قبل ان تكون خروجا على القانون الدولى الانسانى واعراف الفروسية العالمية ، تشين لأعرافنا السودانية واخلاقنا السمحة التى نعرف .. )

                     من حيث المبدأ ، اضم صوتى لصوت السيدة مريم الصادق المهدى ، واعتبر كل ما بث عبر قنواتنا الفضائية حول الاحتفال الذى اعقب نصر القوات المسلحة والنظامية على مسلحى حركة العدل والمساواة بجنوب دارفور ، اختراقا فظا لمنطقة عسكرية كان يجب ان تخضع  لضوابط منع اكثر تشددا ، فميادين القتال تطغى عليها الحماسة الزائدة ، والحماسة الزائدة هى زاد المقاتلين فى المعارك ، لذلك يحرص قادة الجيوش فى العالم على حظر تواجد وسائل الاعلام قبل واثناء وبعد المعارك ، ولقد رأينا كيف ادار الجيش الامريكى عمليات غزوه للعراق بتكتم تام ، لا يدرى العالم حتى الآن كثيرا من تفاصيلها ، وكل التغطية التى حظيت بها وسائل الاعلام ، خرجت من منظومات متخصصة داخل الجيش ، حريصة على سد الثغرات التى من شأنها ان تعرّض سلامة الجيش وقواته لمخاطر عسكرية او تجره لتبعات قانونية ستطارد منتسبيه حتى بعد انتهاء خدماتهم .

                      الاقوال والافعال التى اثارت السيّدة مريم الصادق واستدعت اعتزارها ، هى جزء من ثقافة الجيوش فى العالم ، ولكنها تظل محميّة دائما باللافتة المعلومة (ممنوع الاقتراب والتصوير) ، فالفريق سعد الدين الشاذلى ، وكما اذيع ونشر عقب حرب 1973 مع اسرائيل ، اتهم بما يرقى لأعتباره مجرم حرب ، وهو الفارس الذى شفى كثيرا من جراح الهزيمة التى ادمنت سكناها فى الوجدان العربى ، ولكن كتيبا صغيرا كان قد وزعه على قواته عشية المعركة ، تسرّب بطريقة ما واشعل كل تلك الضجة التى اثيرت حول احد اعظم قادة الجيوش العربية .

                      كل ما يتصل بالتعبئة العامة ورفع الروح المعنوية للمقاتلين ، يجب ان يكون امرا حصريا للقوات المسلحة ، ويحظر بثه لعامة الناس ، خاصة اذا كان الطرف الآخر جزء من الشعب السودانى ، اذ ان البث فى هذه الحالة غير انه يوّسع من جراحات ابناء الوطن الواحد ، فهو يعزّز من زرائع امثال صمويل هنتجتون الذى طالما اتكأ على عنف المسئولين اللفظى فى النزاعات الداخلية فى بعض البلدان ، واتخذه حجة للفصل والتقسيم ، فضلا عن ان بث مثل هذه الاقوال اخذت طريقها من قبل الى لاهاى  محمولة على كاميرا ومايك ، اجد صعوبة حتى الآن فى استيعاب كيفية اختراقهما لمنطقة عسكرية .

                       الحرب مهما طالت ، سيجلس اطرافها فى الختام على طاولة مفاوضات ، فالى ذلك الحين ، لتحرص الاطراف الضالعة فيها على تغطية بشاعاتها .

الأربعاء، 22 أبريل 2015

اسطورة الحوثيين


                 يوما ما ، سيحكى طفل صغير من نواحى صعدة ، شهد الجحيم الذى يخوض فيه اليمن العزيز ، سيحكى لأبنائه او لأحفاده ،  عن اول حدث فى تأريخنا الحديث ، ان رئيسا مستقيلا هاربا ، يطلب من العالم ان يقاتل احد مكونات شعبه ، ولأول مرة فى تأريخنا الحديث ، يستجيب العرب العاربة والمستعربة والمستغربة للمشاركة فى حرب على وطن عربى حر مستقل ، ويغمضوا اعينهم عن وطن محتل ، احوج ما يكون لأضعف ايمانهم ، وعن جزر واراض تبكى ليلها ونهارها ذل الاحتلال ومهانته .

                سيحكى لهم ، عن مخازى مجلس الامن الدولى ، المجلس المناط به حفظ الامن والسلم الدوليين لا عرضهم فى السوق كعروض النفط ، سيحكى لهم كيف انه ترك كل قضايا العالم المشتعلة ، واصدر قراره العجائبى ، بمنح حرب مجموعة الاعراب على اليمن ، الشرعية اللازمة ، ويتمادى فى غيّه بالدعوة لتجريد جزء من الشعب اليمنى من سلاحه ، فى الوقت الذى تنهال عليه القنابل والصواريخ كالمطر ، و يقرر هذا دون ان يكلّف نفسه بأستشعار ولو قليلا من الحس الانسانى المسئول ، كى يضيف قرارا صغيرا بوقف بموجبه اطلاق النار على كل الاطراف ، رحمة بأبرياء الشعب اليمنى .

                 سيحكى لهم ان مجموعة تشكل حوالى 20% من الشعب اليمنى ، يعرفون بالحوثيين ولم يكن يعرفهم الا القلة ، يحالفهم رئيس مخلوع مرفوض ، كانوا محل هذا الاستهداف ، واصبحوا  اسطورة فى حكايات الشارع العربى .

                  ثمة فخ محكم التدبير يبدو للوهلة الاولى انه صمم خصيصا للحوثيين وحلفائهم ، ولكن بقليل من النظر يبدو انه وضع المملكة السعودية لأول مرة فى تأريخها امام خيارات ضيّقة ، ليس فيما يختص بأمنها الداخلى فحسب ، وانما امنها الاقليمى ايضا ، وكأنى بواضع الفخ يتفرج على دماء ودمار اليمن مبتسما ويقول لهم : اختاروا ، اليمن ام البحرين ، ام الاثنين معا ، لقد قلت من قبل ( لا شىء قبل الحوثى فى اليمن يستحق المغامرة من اجله ) .

الاثنين، 20 أبريل 2015

مياه النيل الازرق دماء على شاطىء الابيض المتوسط


                 فآجأت (داعش) العالم بقتلها 30 اثيوبيا مقيما بليبيا ، والمفاجأة تأتى من انهم مقيمون عابرون ، فما علاقتهم بصراعات قيام دولة الخلافة حتى يلاقوا هذا المصير المفجع ؟

                 البحث عن اسباب او مبررات دينية لهذا الفعل الصادم ، جهد لا طائل من ورائه ، اذ يبدو هذا القتل الجماعى ، فعل مستولد من موقف سياسى صريح ، موقف سياسى مدرك ومتابع بدقة لحركة اللاعبين الاساسيين فى ليبيا ، قدامى وجدد ، ليس على صعيد التراب الليبى فحسب ، وانما على مجمل الاقليم .

                  ففى اواخر شهر مارس الماضى ، اجاز البرلمان الاثيوبى اتفاقية التعاون العسكرى مع تركيا ، وهى اتفاقية لم تجد حظا من الاهتمام والتحليل فى ظل الزخم الذى احاط (بعاصفة الحزم) وان بدت الاتفاقية فى احد وجوهها جزءا من هذه العاصفة ، فمعلوم ان تركيا احد اللاعبين القدامى على ارض ليبيا ، ولها حضورها الملحوظ فى الازمة الليبية ، وتأريخ ليبيا زاخر بوقائع بارزة ابان الحكم العثمانى .

                  فالحراكات الاقليمية بطابعها الدبلوماسى والعسكرى ، حراكات منخرطة بعمق فى ازمات المنطقة ، واى اتفاقيات فى هذا التوقيت ، لها تداعياتها على حركة مواطنى دول الاتفاقية ، وعلى تواجدهم فى مناطق النزاع ، حتى وان كانوا خارج دائرة الصراع ، ويبدو ان اثيوبيا وهى تحتفى بهذه الاتفاقية لم يتعد وعيها بتداعيتها ابعد من دائرة صراعها الذى خاضته ولا زالت تخوضه حول سد النهضة خاصة مع مصر ، وفات عليها ان لتركيا اجندة أخرى فى ليبيا ، وللأسف فأن معظم دول المنطقة الضالعة فى ازماتها ، او تلك التى لم تحسب مدى تأثيرات اتفاقياتها ، لم تقتد بدول الغرب التى دأبت على تنبيه مواطنيها من مخاطر تواجدهم فى مناطق النزاع تفاديا لمثل هذا القتل المريع .

                  خالص العزاء لأسر القتلى الاثيوبيين .

السبت، 18 أبريل 2015

الدين .. حرية ام احتكار


                 حلقة الامس من برنامج (ممكن) على قناة السى بى سى المصرية ، والتى انتظرها ملايين المسلمين على امتداد العالم الاسلامى ، استضافت كلا من الشيخ الدكتور اسامة الازهرى والحبيب على الجفرى والباحث اسلام بحيرى الذى اثار جدلا واسعا بهجومه اللفظى العنيف على التراث الاسلامى وأئمته ، واستمرت حتى الساعات الاولى من صباح اليوم ، هذه الحلقة خرجت عن اطارها المرسوم لها ، رغم امنيات الاعلامى القدير خيرى رمضان ، الرامية الى تأسيس خطاب دينى معافى من كل لبس الماضى واستهزاءات الحاضر ، وقادر على السجال متجردا من احمال السياسة والمصالح الذاتية او الدنيوية ، ليكون الامر فى النهاية خالصا لله رب العالمين ، وهاديا لعامة المسلمين والناس اجمعين ، فى امكانية التعايش مع بعضهم البعض دون خوف من فكر الآخر .

                 خرجت الحلقة عن مسارها المرسوم لها ، لأن الحملة العنيفة التى قادها الباحث اسلام بحيرى على التراث الاسلامى وأئمته وامتدت شهورا ، كانت هى الأساس التى بنى عليه المستضافون استعداداتهم للحوار ، فجاءوا اليها مدججين بكل ما يملكون من نصوص واسانيد دفاعا عن مواقفهم من الدين ، بأعتبارها ثوابتا تعلو على كل هدف مهما سما ، وضاع فى معتركها الأمل فى الوصول الى خطاب دينى عقلانى .

                 اسامة بحيرى جاء بمسألة زواج القاصرات وسفّه الأئمة الذين اجازوه استنادا على ان الرسول عليه افضل الصلاة والسلام دخل على السيدة عائشة وهى فى سن التاسعة ، وتحجّج بآية فى القرآن الكريم تشترط البلوغ والرشد لزواج البنت ، وفى الحقيقة يحتار المرء ، كيف فات على أولئك الأئمة الأخذ بها حكما قاطعا فى هذه المسألة ، بدلا من مسايرة اعراف وتقاليد هى الضرر بعينه ، وقد عزّز موقفه من زواج القاصرات بمبحث يستحق الاهتمام والتقدير ، وهو ما توصل اليه من خلال نظره فى تأريخ ذات النطاقين السيّدة اسماء ، وتوصّل من خلاله بان السيدة عائشة رضى الله عنها ، عندما دخل بها الرسول عليه افضل الصلاة والسلام ، كانت فى سن بين الثامنة عشرة والعشرين ،
فهذه النتيجة تبدو متسقة تماما مع نص الآية (وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فأن آنستم منهم رشدا فأدفعوا اليهم ..) فكيف يخرج على هذا النص ، من بلّغ القرآن وكان خلقه القرآن ؟! .

                  ليت الحلقة بدأت بهذه المسألة ، فهى فى نظرى تشكّل مدخلا طيبا للوصول الى خطاب دينى عقلانى يراجع ما ألتبس فى التراث ويعيد النظر فى كل ما ترتب عليه ، وهذا ما يحتاجه المسلمون فى هذا العصر ، فلسنا فى حاجة الى الأساءة لأئمة فات عليهم نص فى مسألة هنا وهناك ونغمط اجتهاداتهم الطيبة فى عدة مسائل ، او الدفاع عنهم بمبررات لا تخدم قضايا عصرنا فى شىء وتكرّس لمفهوم احتكار الدين لطبقة ما او مدرسة ما او منهج ما ، فالحرية التى اتى بها الاسلام اوسع من ان تحتوى فى اطر او منهج او افراد ، مع حاجتنا الفعلية لأسهام تلك الأطر , والمناهج ، والافراد ، للأرتقاء بالمسلمين بخطاب متصالح مع الآخر ، وبلا تقاطعات تخدم اجندة لا ناقة لنا فيها ولا جمل .

                ينسب الى سهل بن عبد الله التسترى (لو اعطى العبد بكل حرف من القرآن الف فهم ، لم يبلغ ما اودعه الله فى ’ية من كتابه ، لأنه كلام الله وكلامه صفته ، وكما انه ليس لله نهاية ، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه ، وانما يفهم كل بمقدار ما يفتح عليه .)

الجمعة، 3 أبريل 2015

صبح نووى جديد


                   وأخيرا توصلّت مجموعة 5 + 1 لأتفاق اطارى مع ايران حول برنامجها النووى ، سيتم بموجبه رفع العقوبات التى اثقلت كاهل بلد ، اراد ان يلحق بركب العلم وتوظيفه لرفاهية شعبه ، تماما كما فعلت الدول الغربية الكبرى التى تفاوضه ، ولا يستطيع المرء ان يهنىء ايران على حق انتزعته ، وانما يهنئها على صبرها وعزيمتها وشجاعتها فى مواجهة قوى احتكارية ، نازلتها فى ميدان من ميادينها المفضلة التى طالما طالبت بها المجتمعات البشرية بالنزوع اليها فى حالة النزاعات ، واعنى به ميدان الحوار والتفاوض .

                   وبالطبع لا يفوتنى ان اهنىء مجموعة الدول الغربية التى خاضت هذه المفاوضات الطويلة دون ان تلجأ الى غطرسة القوة التى شاهدناها مع العراق الجريح الذى لا يزال يدفع اثمانها الباهظة من ارواح ودماء ومكتسبات شعبه ، فهذا الاتفاق الاطارى  سابقة جديرة بالتقدير والاحترام .

                   وتستحق الادارة الامريكية و وزير خارجيتها ، تقديرا خاصا لوقوفهم بشجاعة امام كل الضغوطات الامريكية وغير الامريكية ، ومضيهم قدما لأنجاز هذا الملف الذى اثّر كثيرا على مجريات الامور فى منطقتنا ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وامنيا ، فهو موقف جدير بالشكر والاحترام والتقدير .

                    وآخر الكلمات للكونجرس الامريكى الذى لم يستطع ان يخفى نواياه تجاه نتائج المفاوضات قبل صدورها ، عليه ان يتخذ موقفه من هذا الاتفاق الاطارى ، بما تمليه عليه مصلحة امريكا ، ومصالح العالم ، ومصالح الشعب الايرانى الذى انهكته العقوبات ومصالح شعوب منطقتنا التى جرتها تبعات هذا الملف لتكون ميادينا للقتال ، يجب ألا يكون موقفكم من هذا الاتفاق مبنيا على مخاوف الآخرين او طموحاتهم .

الثلاثاء، 31 مارس 2015

بعد سكون العاصفة


                  (عاصفة الحزم) تبدو فى وجهها الاقرب ، اقوى وسيلة دفاعية هجومية ، ابتدعتها المملكة العربية السعودية لمواجهة تحديات النفوذ الايرانى المتسع شيئا فشيئا ، فنتائجها فى تقديرى حتى الآن ، تسير فى اتجاه ان يكون اليمن خاليا من اى قواعد او بنيات عسكرية يمكن ان تشكل تهديدا مباشرا لأمنها ، ليس اذا تمكن الحوثيون وحلفاؤهم من السيطرة على الحكم فى اليمن فحسب ، وانما اذا انزلق اليمن ايضا الى حرب اهلية ، وهى المواقع المستهدفة الآن من قبل الطيران الحربى للدول العشرة المتحالفة معها .

                   الحوثيون الآن فى تقديرى لا يشكلون اولوية للمملكة وحلفائها ، وانما حرق الارض التى يمكن ان تكون موطىء قدم لأيران ، والا لكانت (عاصفة الحزم) التى ضمّت عشرة من الدول شرقا وغربا ، استعارة ساذجة من تأريخ قريش الخائب الذى اراد ان يفرق دم الرسول عليه افضل الصلاة والسلام على القبائل ، فشاء رب العزة والجلالة ان تشيع رسالته بين الشعوب فى كل انحاء المعمورة .

                   لاشك ان السعودية قد نجحت نجاحا كبيرا فى توظيف قدراتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية فى تشكيل هذا الحلف بقوته الضاربة ، ونجحت فى قطع الطريق امام التهديد الايرانى الذى  بدا وشيكا حسب بعض المصادر ، وهى الآن تقوم مع حلفائها بعملية تطويق بارعة للوجود الايرانى فى منطقة القرن الافريقى ، ويبدو اجازة البرلمان الاثيوبى لأتفاقية التعاون العسكرى مع تركيا انجازا مهما يكاد يقارب خروج السودان من محور التعاون مع ايران ان لم يكن احترازا مستقبليا .

                   وكل هذا الانجاز الضخم الذى حققته المملكة العربية السعودية فى فترة وجيزة ، لا ينفى ان الازمة العنيفة بينها وايران قد انتهت ، ولا يعنى ان الازمة اليمنية فى طريقها الى الحل ، وانما يشير وللأسف ان ارضا عربية رابعة صارت ميدانا لقتال جديد ، يراق فيه الدم العربى ، جوا وبرا وبحرا ، وتبدو امتداداته بلا حدود ، وحتى تسفر مفاوضات لوزان عن نتائجها ، سيظل هذا الواقع الدموى المتغطى بالمذاهب قدرا محتوما .
                 

الأحد، 22 مارس 2015

المفصولون خارج البرامج


                   المرشحون للبرلمان تخلو برامجهم من اى اشارة لقضية المفصولين ، فأى شأن عام يسعى هؤلاء المرشحون للتصدى له وقضية المفصولين لا تزال احدى اهمّ القضايا التى ستظل تطارد هذه السلطة واى سلطة قادمة ؟! وهى اهم القضايا التى شغلت الرأى العام طوال عقد التسعينات ولسنوات بعده ، ولم تكن فى يوم من الايام مجرد حدث عابر قابل للنسيان ، انها قضية تهز وبشكل مباشر اساس الحكم المفترض قيامه على العدل ، فأى ذاكرة يحملها هؤلاء المرشحين الذين تقدموا للتصدى للشأن العام واهم قضايا العدالة فيه لا زالت معلّقة رغم القرارات الجمهورية التى صدرت بشأنها ، ورغم الاحكام القضائية الصادرة بما فى ذلك حكم المحكمة الدستورية الخاص بمفصولى البنوك .

                    لم يحدث فى تأريخ الخدمة العامة بالسودان ان واجهت تعقيدات مثل تعقيدات هذه القضية ، فبالرغم من وجود الاسانيد القانونية والسيادية الكافية لحلها ، الا ان غياب الارادة من قبل المسئولين القابضين على مفاصل السلطة لحلها ، يظل سؤالا محيّرا عن ماهية السلطة القائمة التى يتسابق عليها الآن مرشحون لاتشغل قضايا العدل والانصاف ذرة من اهتمام فى تفكيرهم .

                   معظم المفصولين الآن قد بلغوا او تجاوزوا السن القانونية للتقاعد ، واصبحت القضية ذات بعد ادبى ومادى ، اى ان المخاوف التى دفعت فى اوقات سابقة اولئك الذين تسلموا قيادات مؤسسات الدولة فى اعقاب سياسات الفصل الممنهجة ، للوقوف بشدة امام عودة المفصولين ، قد زالت الآن وزالت معها ايضا القيادات الغرة التى انتجتها تلك السياسة ، فما الذى غيّب هذه القضية عن خطاب الحراك السياسى ، الرسمى منه والمعارض والمستقل ؟!

                    ان من امارات تهاوى الحالة السياسية السودانية فى الحضيض الاخلاقى ، عجزها المفجع فى معالجة قضية كل استحقاقاتها  الادبية اجراءات لا تعدو ان تكون فى افضل حالاتها سوى حبر على ورق ، ومستحقات مالية تبدو مع حجم الميزانية الحالى  مجرد مصروفات عادية .

الثلاثاء، 10 مارس 2015

موعد مع بوكو حرام


                    (بوكو حرام) يقال ان ترجمتها (البحث عن المعرفة حرام) ولا ادرى عما اذا كانت هذه الترجمة صحيحة ام ان للمكايدة نصيب فيها ، المؤكد ان وحشية هذه المنظمة المفرطة والعمليات التى نفذتها وصنفّت على اثرها منظمة ارهابية ، تعكس جهلا مريعا بتعاليم الاسلام وقيمه ومقاصده ، وتؤكد صدق الترجمة اعلاه ، اى انها منظمة ظلامية يكفى ذكر اسمها لنشر الرعب فى دائرة تواجدها ، ولقد استشعرت دول جوار نيجيريا الخطر المرتبط بها ، فانشأت تحالفا عسكريا وامنيا لملاحقتها حتى داخل الاراضى النيجيرية ، كما فى العمليات المشتركة بين تشاد والنيجر ، مما يشير بأن تمدد (بوكو حرام) داخل اراضيهم استقر فى وعى الدولتين امرا حتميا فآثرتا استباقه برصاء تام من الحكومة النيجيرية .

                    والانباء التى تناقلت بيعة زعيمها لأبى بكر البغدادى زعيم الدولة الاسلامية او خليفة المسلمين ، تعنى بوضوح ان منطقة افريقيا جنوب الصحراء ، اضافة للسودان وبعض دول المغرب العربى على موعد مع داعش افريقية ، اذا اخذنا فى الاعتبار حجم الجاليات النيجيرية المنتشر فيها ، واخذنا فى الاعتبار بقية الجاليات من مسلمى غانا وغينيا ومالى وغيرها من الدول الافريقية التى عانى مسلموها على مر الحقب شظفا فى العيش والقهر والاضطهاد وعنت الهجرات والتشرد ، فأن هذه المجاميع من المسلمين تبدو قد استوفت كافة الشروط  للألتحاق بهذه المنظمة التى تستبيح كل شىء .

                      الفكرة المختبئة خلف كل هذا العنف المفرط الذى جاءت به المنظمات المتغطية بالأسلام ، واشعلت به منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، وتنحدر به الآن الى افريقيا جنوب الصحراء ، هى فكرة الخلافة ، وقد تبدو ساذجة فى نظر اعداد مقدرة من المسلمين ، ولكنها فكرة متوهجة ليس فى نظر فقراء المسلمين الذين عانوا من ضنك الحياة وقهرها فى معظم بلدان العالم العربى والاسلامى ، وانما فى نظر المخططين لخرائط عالمنا ، ولم يخف منظروهم الكبار امثال صمويل هنتجتون الحلم والرغبة فى انزالها على الارض تحت مسميات ناعمة كتقارب وتجمع الدول ذات الثقافات المتشابهة ، فبعض العالم الغربى يرى فى قيام خلافة اسلامية تسيطر على منطقة الثروات والمعابر البحرية والبرية ، فرصة ذهبية تتيح له التعامل مع حكومة واحدة او نخبة صغيرة او رجل واحد يسهل التعامل معه بدلا من حكومات دول متفرقة ، وبالتالى يمكنه السيطرة على ثروات المنطقة وعلى المعابر الحيوية القائمة بها والجارية عبرها ، اى السيطرة على قلب العالم النابض .

                       الموضوع على قدر كبير من التعقيد والتشعّب ، والنظر اليه بأستهانة ، يبدو غفلة مماثلة للغفلة التى صاحبت حكومات ما بعد الاستقلال والتحرر ، فى تجاهل تعزيز قيم الحريّات والتسامح والعدالة الاجتماعية التى نادى بها ديننا ، وانتجت فى حاضرنا هذا الخروج الكبير للعنف المفرط من داخل مجتمعاتنا التى اهملها النظر ردحا طويلا من الزمن .

                    

الاثنين، 9 مارس 2015

قنّاص النخيل


                  هذا القنّاص لا يحمل بندقية بمنظار كتلك التى شاهدناها فى الفيلم الامريكى (shooter) ، وانما يحمل فى يده عود ثقاب ، وربما قنينة جاز تساعده فى انتشار واتساع  دائرة اشتعال النيران فى مزارع النخيل بقرى اهلنا النوبيين الممتدة على المساحات المستهدفة للأستثمار من خلال مشروعى سدى دال وكجبار .

                   وقصة الفيلم الامريكى (shooter) بأختصار شديد ، ان الشركات العابرة للقارات حين تفكر فى استثمارات كبيرة على مشاريع كبيرة ، تضع خارطة المنطقة المستهدفة بالأستثمار امام عينيها ، وتكون المرحلة الاولى للمشروع عبارة عن دراسة وافية للتكلفة المترتبة على وجود سكان لهم مصالح قائمة فى قلب المشروع من حيث الترحيل والتعويض ، وفى الفيلم كان القرار ابادة قرية بأكملها واخفاء رفاتها تحت خط ناقل للبترول ، هروبا من التكلفة المترتبة على الترحيل والتعويض .

                    ومثل هذا القرار عادة تشارك فيه اطراف غير مرئية فى مستويات عليا لأجهزة السلطة التشريعية والتنفيذية لديها حصانات عصيّة على الأختراق ، وهى اطراف دينها المصالح التى يحققها المشروع ، وينظرون للبشر الذين يسكنون فى مساحات اراضيه المستهدفة ، مجرد عقبات فى الطريق يجب ازالتها ، وفى الفيلم كانت تلك الاطراف محل ملاحقة القنّاص الذى نجح فى تصفيتها آخر المطاف .

                     والآن حين انظر الى حرائق النخيل فى قرى اهلنا النوبيين فى الشمال ، تتراءى لى اشباح من المجرمين المتخفيين تحت بدل انيقة وجلاليب وعمامات فاخرة ، وفى داخلهم توجد عضلة تبث سموما قاتلة لكل من يقف فى طريقهم ، وهم بكل هذه الوجاهة لا يمثلون سوى وسطاء او مجرد متسولين فى مائدة اللئام ، ولكنهم قرأوا حكاية المناصير التى لم تنته بعد مع سد مروى جيدا ، فأرادوا ان يهيئوا لسدى كجبار ودال اقل تكلفة ممكنة على طول المساحة المستهدفة بالأستثمار .

                       الجشع يعمى البصر والبصائر ، والمكر السىء يحيق بأهله .

الخميس، 5 مارس 2015

سمراء عبدالرحمن الريّح


                  (فى مطلع عشرينات القرن الماضى ، نشأت وعاشت فى مدينة امدرمان ، فتاة مضت طفولتها على نحو لا يختلف عن طفولة نديداتها بأى حال من الاحوال ، الا ان واقعا استثنائيا طرأ على حياة تلك الفتاة عندما بلغت التاسعة عشرة من عمرها حينما استأجرت جمعية الاتحاد السودانى جزءا من منزل اسرتها . ما صنع تحولا كبيرا فى حياة هذه الفتاة لدرجة ان تكون صاحبة اشهر صالون للآداب والفنون والسياسة والذى هو سابق لصالون "مى زيادة") د. حسن الجزولى _ نور الشقايق .. السيّدة فوز .. هجعة فى صفاتها ودارها وزمانها . ص 14 .

                    وهذه الفتاة التى نقّب فى عالمها الدفين حسن الجزولى فى مؤلفه اعلاه ، هى الشول بت حلوة الشهيرة ب(فوز) ، ولأن اسم (فوز) ما ان يطرق الآذان حتى يتجه السامعون بأفكارهم الى جمعية الاتحاد السودانى ، والى تأريخ النضال فى مواجهة الاستعمار
والى صفوة المحاربين السودانيين الأول الذين شقوا فى ظلمة تلك الايام طريقا منيرا لأهل هذا الوطن لاتزال اضواؤه تشع فى كل مكان .ولكن ما يهمنى هنا هو الامساك بمفاتيح حسن الجزولى التى نثرها فى طيات كتابه وابحث عن (فوز) فى منزل آخر.

                     يقول حسن الجزولى : ويبدو ان فتنتها وجمالها ألاخاذ وهى فى تلك السن قد شغل الكثيرين ، فأضافة للأغنيات التى كتبها فيها خليل فرح ، واشعار كل من توفيق صالح جبريل ومكاوى يعقوب فأن الشاعر (عبد الرحمن الريّح قد افتتن بها ايضا لدرجة انه كتب فيها الأغنية الشهيرة : ما رأيت فى الكون يا حبيبى اجمل منك.) بين القوسين افادة عبد الرازق ابراهيم احد مصادر حسن الجزولى .

                     فعبد الرحمن الريّح احد الذين فتح قلبه منزلا (لفوز) ، وفيه يمكن ان نجد وصفا شاملا لهذه الفتاة الآسرة فى عدد من اغنياته الرائعة (مالى غيرك حياة) (خدارى) (زهرة الروض) و (يا اسمر يا رمز الضياء) وكل الاغنيات التى ترد فيها السمرة لونا جميلا لرجل تحرر بصره من عقدة اللون ، هذه الاغنيات وغيرها تبدو فيها (فوز) صورة واضحة المعالم تنبض بالروح ، وكثيرا ما تبدو لى اغنية (هيجتنى الذكرى) لأبراهيم عوض حنين جارف (لفوز) وزمانها . (مرفق تسجيل لاغنية هيجتنى الذكرى ابراهيم عوض ووردى)
                     

الأربعاء، 4 مارس 2015

كونجرس قابل للتحريض


                  عندما اوشكت الادارة الامريكية ان تمسك بمفتاح حل القضية الفلسطينية عبر مفاوضات مضنية استغرقت سنوات طويلة ، لجأ رئيس الوزراء الأسرائيلى الى مخاطبة الكونجرس الامريكى بمجلسيه -النواب والشيوخ- فى مايو 2011 ، وقد كان بحق خطابا محرجا جدا للأدارة الامريكية التى حاولت ان تقترب اكثر من حل القضية الفلسطينية بعيدا عن المسار الذى ارادته رؤية نتنياهو السياسية او من يمثلهم ، ولكنه - اى نتنياهو - نجح فى اصابة الهدف ، فالقضية الفلسطينية لم تشهد فى تأريخها جمودا كما تشهده الآن .

                  الآن يعيد نتنياهو ذات السيناريو مع الملف النووى الأيرانى ، وقد تبدو اعادته هذه المرة مصاحبة بدعم باطنى عربى او على الاقل مصاحبة بأرتياح عربى واسلامى سنى ، نتيجة للدور الايرانى فى صراعات المنطقة ، ولقضايا الجزر العالقة (ابو موسى وطنب الكبرى والصغرى) اضافة لتداعيات مذهبية لا تخفى على احد .

                   ما يهمنى هنا ، ان نجاح نتنياهو فى مسعاه هذه المرة سيضعه فى مسار قضية الملف النووى الايرانى ، قوى عظمى كامنة خلف الكونجرس الامريكى بمجلسيه ، فضلا عن اعتباره رمزا لقوى اقليمية منفردة لا تقبل ندا جديدا بالاقليم ، عربيا كان هذا الند او فارسيا ، سنيا او شيعيا ، ولكن نجاحه يعنى ايضا ان دولة عظمى كأمريكا كنا نظنها تدير شئون العالم الخارجية وفقا لأستراتيجيات موضوعة غير قابلة للمس بها سواء من خصوم الداخل الامريكى او حلفاء الخارج ، انما فى ظل سيناريوهات نتنياهو يبدو انها تدير الشأن الدولى بقدرة تأثير اطراف صراعاته على كونجرس قابل للتحريض بمجلسيه .

                   علي العقل العربى ان يعى جيدا ان عدم التوصل الى تسوية مقبولة لأيران فى ملفها النووى ، قد تؤدى فورا الى توسعة الصراعات الدائرة بحيث تتخطى كافة حدودها الآنية ، فالتمدد الايرانى فى احد وجوهه يبدو احدى وسائل ضغطها او احد اوراقها المفضلة  فى لعبة التفاوض الطويلة ، وسيكون احد اوراقها المفضلة فى لعبة الحرب اذا وقعت بينها واسرائيل .

                    من هنا فأن اخطر تداعيات انهيار مفاوضات الملف النووى الايرانى قد تقع على عاتق الدول العربية وحدها .

الجمعة، 27 فبراير 2015

الرجل الذى فقد قلبه


                   هل كان صيّادا ماهرا أم تابعا ذليلا لقلب مسكون بالغواية ؟ يا لأنحيازات الأسئلة القاهرة ، ليس فيه مكر الصيادين ولن يكون ، فمثله يخرج للبريّة جائعا ويكتفى بجمال الغزال ، يكتفى راضيا بحذره ويحظى من الاياب بعزرية بندقيته ، ومثلما اعتاد دائما ، يقضى ليله ، لا عطر فى الكف يعبىء رئتيه حين يقطع الليل انفاسه ، لا نظرة لاصقة فى عينيه تصد لذعات السهر ، ولا تحية تهدهده حتى السحر بدلا عن اغنيات بهتت على اذنيه .

                    لا .. لم يكن صيادا ولا تابعا ذليلا للقلب يوما ، كان كما اراد ان يكون  دوما امام الله ،  نقيا كهواء البرّية ، عاشقا اكتشف  لحظة سقوطه عاريا فى ازل بعيد ، الجاذبية المختبئة خلف التفاحة ، فهاب الاقتراب ، كان مفتونا بالجمال ولكنه يخشى غوايته المنفردة ،  يقاومها  بالهروب ، يقاومها بالبعاد ، ويقاومها كأنه يقاوم الدنيا بأكملها .

                     جسده بنية من لحم وعظم ودم ، تعرف جيدا ما الألم ، يحب الحياة ويريدها حرة بلا تعقيد وبلا تابوهات ، ولكنه ايضا جسد كقلعة حجرية قديمة ، يسكنها معتزل قديم للحياة ، يسكنها قبل ان يعرف الرهبان معنى الخلوة ، العشق عنده هو ان تترك مشاعرك تتدفق  شوقا  نحو وجهه الكريم بلا تحفظ ، تتدفق مثل شلال ، مثل نهر جديد يشق بريّة بكرة ، مثل ضوء يستقر فى عقلك وقلبك حزمة من نور .

                     لا .. لم يكن صيّادا ولا تابعا ، كان الرجل الذى فقد قلبه .  
                    

                    

                    
                   

الخميس، 19 فبراير 2015

عورات على شاطىء المتوسط


                  كلما تناقلت الميديا عملية انقاذ للمهاجرين غير الشرعيين الى اوروبا من الساحل الجنوبى للبحر المتوسط ، او خبرا عن غرق مجموعات منهم ، كلما انكشفت عورة حكومات البلدان التى اتوا منها وعورة تأريخ اوروبا فى تلك البلدان ، وعورة الضمير العالمى الذى ظل يتفرج طوال سنوات هذا الهروب الجماعى على البحر المتوسط  كقباصرة روما فى حلبة الكلوزيوم .

                  لست هنا بصدد الحديث عن حق هؤلاء المهاجرين فى مشاركة الاوروبى ولو قليلا فى رفاهيته التى اسسها آباؤه الاستعماريون من ثروات بلدان هؤلاء المهاجرين بأبخس الأثمان ، ولا بصدد الحديث عن حكومات المهاجرين الذين جعلوا بلدانهم فى نظر مواطنيهم كرنتينات مكتظة بالأوبئة ، وأن الحياة فيها عبارة عن جهد مستمرللحصول على فرصة هروب تعيد لذواتهم المقهورة انسانيتهم الضائعة ، ولا بصدد الحديث عن موقف الاوروبيين المخزى تجاه هذه الهجرة التى تقفت آثار ثرواتها المنهوبة .

المهاجرون الذين تمَّ إنقاذهم جاؤوا على متن سفن متداعية من السواحل الليبية بحسب قائد في البحرية الإيطالية (الجزيرة)
البحرية الايطالية تنقذ مهاجرين (موقع الجزيرة)
                 ما اريد الحديث عنه هنا ، ان قصة هؤلاء المهاجرين ، فصة مبتورة ، لم نشاهد فى جميع القنوات التى تسابقت على نقل احداثهم القاتلة مع امواج المتوسط ، تتمة القصة ، فقط تبتدىء كصراع مع بحر هائج على مراكب خردة تعتبر فى تلك المرافىء مجرد نفايات واجب التخلّص منها ، وتنتهى اما بنشل جثث الغرقى او انقاذ العشرات منهم .

                 ما مصير هؤلاء المهاجرين الذين تم انقاذهم ؟ وما مصير المنتظرين منهم على الساحل الجنوبى للمتوسط ، والكثير منا  يعلم ، ان يأسهم قد بلغ بهم حد المخاطرة بأرواحهم وارواح زوجات واطفال بعضهم لركوب اهوال بحر معاد ؟ والحكومات المطلّة على هذا البحر تعلم ان شبكة او شبكات من المجرمين تمتد من شمال افريقيا الى جنوبها ، ظلت تتاجر بآمال هؤلاء البشر وتهريبهم من بلدانهم على طريقة تهريب الاسلحة والمخدرات طوال سنوات وسنوات ولم تحرّك ساكنا ، وكم يا ترى بلغت اعدادهم طوال هذه السنوات على طول الساحل الجنوبى ؟

                 اما السؤال الأهم هو : هل هنالك ثمة علاقة بين حشود هؤلاء المهاجرين المتكدسة على هذا الساحل وبين المليشيات التى تقتحم فضاءات البلدان المطلة عليه فجأة وبأعداد كبيرة ومن جنسيات مختلفة ؟
                 

الاثنين، 16 فبراير 2015

اقنعة المدينة


                      رجل من المدينة يرتدى قناعا قال : الشفق روج تناثر من شفة الشمس .. بقايا الدم الذى اغوته فى النهارات الشحيحة العطاء ، الشفق آخر اقنعة الشمس ، والمدينة الماكرة تخدعنا بأغنية عن جماله ونصدقها .

                   وقال ايضا : المدينة تقدمنا الى باب الليل بأغنية ، وتتركها تسير عارية بجوار اسرّتنا ، تهتز وتتمايل وتتراقص حتى يثقب ايقاعها الملتهب ذمّة الليل ، فينزلق الامل والرجاء والشكوى فى قاعها الحصين ، كثيرون يمضون الليل بحثا عن مخرج ، وكثيرون يرون اقربه كبعد المسافة ما بين الأبط ونجمة الليل البعيدة ، و حين يبلغ التعب بهم مبلغه ، يتغطى بعضهم بالأغنية وينام ، ثم يرتديها قناعا فى الصباح .

                  اما بعضهم الآخر ، فيتسلل فى عتمة الليل الى ملاهى المغامرين ، يضعون ضمائرهم على مناضدها راقصات تعرّى ، كلما تجردت احداهنّ من قطعة ، انجبت مستذئبا متعطّشا للدماء ، حتى اذا انقضى الليل ، انقضّ جيش من المستذئبين على دماء هنا وهناك  ، وارتقى المتسللون بفضل هذه الدماء درجة الى اعلى ، وليتسع بعدها قاع المدينة ما شاء له الاتساع .

                      المدينة غامضة ، هكذا نراها فى النهار ، وفى الليل نراها اكثر غموضا ، فمعايير العطاء فيها لا يدركها الكثيرون ، والمعلوم منها بالمشاهدة انها معايير بلا تمييز ، لايهمها من تكون ، المهم ما تكون عليه انت وحاجتها ، وما تكون عليه يجب ان تكونه على دينها واخلاقها ، فكلما اقتربت من معاييرها الحاكمة ، كلما ارتقيت درجات ودرجات بعيدا عن قاعها ، وبعيدا عن دينك واخلاقك واحلامك ايضا ، انه اختيارك ، تمضى اليه بأرادتك ، فلا تتذمر ولا تلعنها ، وكن كما انت اينما كنت ، سواء  أكنت فى قاعها او فى قمتها ، فهى تحتضن الناس بفجورهم وتقواهم ، فقرهم وثرائهم ، انها راعية ترتدى قناعا فضفاضا على وجهها ، حين تنظر اليها من قاعها او قمتها ، تتراءى لك سيّدتك الفضلى .

                      قال رجل من المدينة بلا قناع : المدينة كلها مكان مظلم ، لا يضيئه الا صلاة العاشقين ، الا مديحهم لسيّد هذا الخلق العظيم ، لا قاع فيها ولا قمة ، مكانك فيها ان شئت هو جنتك وان شئت هو جحيمك اليومى ، لا تخدعك مخيلة الظالمين التى هندست المدينة كما تراها فى غدوك ورواحك ، انها مجرد مخيلة صبيانية ناقصة عقل ودين وجمال .

                     رجل المدينة الذى بلا قناع قال قوله هذا وصار لى ولآخرين قناعا ومضى .








السبت، 7 فبراير 2015

خيارات اليمن


                الواقع الجديد الذى انتقلت اليه الازمة فى اليمن بعد استيلاء الحوثيين وحلفائهم على سلطة مأزومة وفى حالة سيولة شبيهة بالسيولة الناتجة عن انهيار سد كمأرب ، هذا الواقع الجديد فى تقديرى لم ولن ينهى الازمة فى اليمن وانما ضيّق امامها الخيارات ، فالحكمة اليمنية الآن امام خيارين لا ثالث لهما ، فأما الصبر على خطوة الحوثيين وحلفائهم والانتظار لمدة عامين (العمر المقرر للفترة الانتقالية) ، وهى فى تقديرى لن تكون اسوأ من الفترة التى عاشتها اليمن عقب سقوط على عبد الله صالح ، او الفترة التى عاشتها فى ظل سنواته العجاف ، وهى فترة كافية لأختبار مصداقية الحوثيين حول مبدأ المشاركة من جهة ، وفترة كافية لقوى المجتمع اليمنى لترتيب اوضاعها بعيدا عن ارهاق الحراكات التى خاضتها خلال الفترة الماضية .

                اما الخيار الثانى فهو المواجهة ، والمواجهة طريق تبدو منزلقاته شبيهة بما نشاهده الآن فى سوريا والعراق وليبيا والله وحده يعلم ما سيستجد على ساحتها من جرائه ، ولا اتصور ان الحكمة اليمنية ستعجز عن استجلاء قدر المخاطر التى ستترتب على اوضاعها الداخلية فى ظل هذا الخيار ، ولا اتصوّر ان حكمة دول الجوار وحكمة العقل الاقليمى والدولى سيغفل عن مخاطر الانزلاق فى حرب اهلية تبدو دائرة انتشارها اوسع مما يتخيله البعض بأنها قاصرة على اليمن وحده ، ويكفى الموقف المصرى المتخوّف من مآلات الصراع الذى سيقودهم حتما الى الدخول طرفا فيه اذا بلغ حدود قفل باب المندب امام الملاحة الدولية وتعطيل قناة السويس وما يحدثه ذلك من خسائر كبيرة على الاقتصاد المصرى ، يكفى هذا الموقف دليلا على قدر المخاطر المترتبة على هذا الخيار وما خفى يبدو اخطر .

                لا شىء قبل الحوثيين يستحق المغامرة من اجله ، فالحكومة لم تكن قادرة على حل الازمة وهربت بأستقالتها ، و الدستور ام يكن قادرا على تحقيق الرضا والقبول لمكونات اليمن حتى يتحاكم اليه الجميع فى ظل ازماتهم ، والبرلمان المنحل لم يكن قادرا على حل الازمة خاصة وانها خرجت بحواراتها من اطره القائمة حتى وصلت الى الوساطة الاممية ، كانت اطراف الازمة بمواقفها العمياء تدعو الحوثيين وحلفائهم للأسيلاء على السلطة ، وهو الواقع الذى انتجوه ببراعة ، وعليهم الآن التعامل معه بكثير من العقل لتجنيب اليمن اوضاع يصعب تداركها لاحقا .

الأربعاء، 14 يناير 2015

حمقى يُقتلون وحمقى يتظاهرون


                  حادثة صحيفة (شارلى ابيدو) تبدو فى احد وجوهها ، اشارة واضحة لأنزلاق عالمنا الى قاع مخز ، يديره مجموعة من الحمقى ، هذا الوجه المشين تجلى فى التظاهرة المتهافتة التى اعقبت الحادث ، وشارك فيها عدد من قادة الدول ، وتجلت ايضا فى الحملة التى تزامنت معها تأييدا لصحيفة يديرها حمقى قضوا نحبهم على ايدى حمقى ادارهم جميعا احمق اراد ان ينتج واقعا ينتظره صف من الحمقى لتمرير سياسات يخشون ان تكشف مرونة ضمائرهم اذا مرروها فى الظروف العادية ، وهذا اعتقادى الذى ترسّخ عقب هذا الحادث المشين .

                  كيف لعقل يحترم الانسان وحقه فى الاعتقاد ، ان يصنّف صورة مبللة بدم وجدان ملايين الملايين من المسلمين ، وخارجة من مخيلة مختلة ، كأحدى صور حرية التعبير ؟ 

                  محرروا (شارلى ابيدو) لديهم اشكالية مع الدين ، هذا واضح من تأريخ اصداراتها ، وكذلك لديهم اشكالية اكبر فى ضمور وعيهم ليس على صعيد استيعابه فحسب وانما ايضا على صعيد مواجهته بالحجة ، فأختاروا الاستفزاز بدلا عنها ، وهو سلوك بكل المعايير يعد سلوكا متخلفا وهمجيا وموغلا فى عنفه تجاه الآخر ، وهو سلوك مماثل تماما لسلوك مجموعة المسلحين المسلمين الذين هاجموهم ، وفى اعتقادى ان العالم فى هذا الحادث لم يفقد سوى مجموعة من الحمقى فى طريقها الى الجحيم الذى يستحقونه .

                  احترام اديان الآخرين وكريم معتقداتهم ، حق وواجب انسانى ، واى انتهاك يتم على صعيده لن نحصد منه سوى ابشع المجازر .

الأربعاء، 7 يناير 2015

احتفالى بك


                كلما تنفّس صبح من قبضة الليل الطويل ، تبدأ طقوس احتفالى بك ، اشحذ فى البدء حنجرتى بينابيع الفرح المتدفقة على هذا الكون البديع ، ثم اعطّرها بقول رحيم ، واشرع بفتل حروف اسمك على حبالها حبلا حبلا ، حتى اذا اتاك صوتى مناديا ، يبدأ مطر الاغنيات تجواله بين راحتيك الى صبح اليوم التالى .

                 ساكنة انت فى حنايا القلب ، واذا خرجت ، فلتخرجى متى شئت وكيفما تشائين ، سيكون خروجك  حضورا جديدا على مدى بصرى المسكون بكل تفاصيلك الساحرة ، سيكون خروجك عيدا لمساجين غيابك فىّ ، سيكون خروجك جمهرة من جمال يبدد وحشة وحدتهم ويجدد انس احتشادى بك ، اينما ابتعدت اجد نفسى حيزك المحتوم ، اينما ابتعدتُ اجدك حيزى الابدى ، واينما كنا ، تكون الحياة اغنية كاملة ، تمسك بك لحنها الفرائحى ، وتمسك بى ايقاعها الراقص.

                  هذا احتفالى اليومى بك ، يمتد امامى طريقا منك اليك ، ثم يأخذنى الى من اودع سر الجمال فيك وفى الكون دليلا جميلا على جماله ، هو الله نورى ونور السموات والارض ، وكل من اهتدى بنوره اهتدى ، وكل من اهتدى بنوره ، رآك نورا فى المدى .

                 

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...