الأربعاء، 12 يناير 2011

قضايا ثقافية


                       الدكتور بكرى خليل استاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة النيلين ، ورئيس تحرير مجلة الثقافة الوطنية فى الفترة 1988 - 1989 ، لديه عدة مؤلفات فى الفلسفة والاستمولوجى والمنطق والتصوف والفكر العربى المعاصر والدراسات الحضارية صدرت عن دور نشر محلية وعربية ، وله بحوث ومقالات فى صحف ومجلات داخل الوطن العربى والمهجر اضافة لمشاركته فى العديد من المؤتمرات العلمية فى السودان والخارج وهو عضو المؤتمر القومى العربى والجمعية الفلسفية العربية .

                      اجرى معه الاستاذ الريح كشة حوارا حول قضايا الثقافة والهوية فى السودان الا ان هذا الحوار تعذر نشره لأسباب يعرفها الذين حالوا دون ذلك ، ولأن الساحة الثقافية فى السودان تحتشد الآن بزخم عالى حول قضايا الثقافة والهوية خاصة مع تداعيات انفصال الجنوب الذى بات على اعتاب ايام معدودات فأن الضرورة تقتضى طرحا اكاديميا عقلانيا مجردا من العاطفة حول هذه القضايا ، ارجو ان يكون نشر هذا الحوار فاتحة لأسهامات قادمة من مفكري واكاديميى السودان حول هذه القضايا ، والى مضابط الحوار :-

س : فى البدء ما هى اهم القضايا التى يثيرها الحراك الثقافى فى السودان من خلال محاوره الاساسية لا سيما تلك المتعلقة بحاجات التوازن فى هذا المجال ؟
ج : عند النظر الى اوضاعنا الثقافية سنكتشف تلك المساحة الواسعة بين واقعها وتطلعاتنا ، ربما لاتقل عما يناظرها من فجوة بين حركة المتغيرات التى تحيط بنا وممكنات اللحاق بها واستيعاب منظومات الفكر والثقافة لنتائج قفزاتها المتلاحقة وهى مشكلة حضارية على المستوى الانسانى .فأذا تمت اية مقاربة للحراك الثقافى ضمن هذه المعادلة سنشعر بنوع من الاشفاق الذى ينبغى ان لا يصل الى القنوط ، فلا مهرب من وضع لبنات اولى لعتبة الدخول الى حالة التوازن الثقافى وذلك بأدماج مختلف البيئات الثقافية والطاقات حتى تأخذ دورها فى عملية التنمية المعنوية والمادية واطلاق الابداعات الجماعية والفردية كشرط يتقدم غيره فى اصلاح او نهضة وطنية .

س : كيف يمكننا ان نحقق هذا المطلب فى ظل غياب وحتى انعدام التخطيط الثقافى وتضاؤل فرص التفاعل والتعاطى المتوازن بسبب اثارة نزاعات الهوية ؟

ج : هناك صعوبات ينبغى الاقرار بها ، بعضها عملى والبعض الآخر نفسى ومعرفى . ويتوقف الشروع بأتجاه التغيير على المنطلقات والوعى بطبيعة المشكلة ، واعداد المستلزمات التى من شأنها تحقيق استراتيجية ثقافية واقعية . اننى ادرك درجات الاثارة والتهويل التى تحيط بالمسألة الثقافية فى واقع التنوع ووجود اما نزعات اقصائية متبادلة او مشاعر مساواتية لم تنضج خطاباتها ، فالمطلوب ليس مجرد التعاطف او التجاوب مع هذا او ذاك ، وانما المفاعلة مع قوى الدفع لتخطى حالات التشويش والارتجال كى يتأمن قدر من التمييز بين المصاعب الحقيقية والعوائق المصطنعة وبالتالى التعرف على ما نريد وما لا نريد .
 س : فى هذا الخصوص اود السؤال عن الفوارق بين المصاعب والعوائق بشىء من التفصيل .
 ج : تتصف العوائق بقدر اكبر من التشابك والتعقيد وربما بالناحية الارادية بينما تكون المصاعب اقل حدة ، المهم ان هناك مستويين فى اطار الرؤية النقدية الى قضايا التطور والتنمية الثقافية يتعلقان بمنهج التحليل يجدر الوقوف عندهما فى تقدير المعالجات ، خذ على سبيل المثال الافراط فى تبسيط مفهوم التنوع ودعاوى احياء اللهجات واللغات وطرح موضوع الهويات ، عند التدقيق سنجد الامر وكأنه بحث عن بدائل للثقافة السائدة يتعدى مواجهة اختلالات بيئتها وما يترافق بها من شئون السياسة والحكم ، فمع اهمية ادراك ان امرا من هذا يعكس اضطرابا فى جدلية البناء الذاتى فى مراحل التحولات الانتقالية لأى مجتمع ، فأن الاهم استشفاف الشق الايديولوجى لمطالب التوازن الثقافى وفهمه ضمن منظور معرفى لأغناء الشخصية الوطنية . ومما لاشك فيه ان اصطناع النقائض والمبالغة فى توصيف واقع التنوع والاختلاف على حساب الهوية الوطنية يعد عائقا للارتقاء المأمول واضعافا لفرص التواصل والتعبير المشترك عن الشخصية السودانية .
 س : الا يؤدى التأكيد على الهوية الجامعة الى مضاعفات التسلط الثقافى واذكاء الاستعلاء الذى توصف به الثقافة الغالبة التى هى العربية الاسلامية ؟
ج : فى كل دورات التأريخ ومساراته ليس هناك دليل واحد على انسياب منسجم للثقافات او وجود وتائر متساوية فى تطورها ، فالانثروبولوجيا الثقافية تأخذ بفكرة الدوائر الثقافية من خلال الاقرار بمسلمات تفاوت الكثافة والتأثير بين مختلف الدوائر ، وارى ان تطور الثقافة العربية الاسلامية فى السودان مثال انموذجى لما يسمى بالتثاقف الودى ( friendly accumulation ) اذ لم تأت غلبة الثقافة العربية الاسلامية الا نتاجا لتفاعلات غير قسرية لمئات السنين ، هكذا ارى ان الهوية الجامعة بمعنى التأكيد على نسيج الخصائص المشتركة لا صلة له بمفهوم الاستعلاء ، لأن الاستعلاء تعبير عن نوعية علاقات او اسلوب يفصح عن واقع سالب . ونحن فى السودان لا نشذ عن سوانا فالثقافة هى اهم مقومات توحيد الهوية الوطنية ، فنحن شعب له دائرة وطنية بمستويين ثقافيين : الثقافة المشتركة وثقافات التنوع . وهذه الخاصية تجمعنا بحوالى تسعين فى المائة من شعوب الارض . فوجود ثقافة جامعة مصدر قوة وتمتين وابراز لمعالم الوطنية واجلاء حيوية المواطنة .
س : ولكن ما اشرت اليه لا يمنع من وجود تسلط واسعلاء للثقافة العربية الاسلامية فى السودان ، وهو امر اصبح مثار مناقشات وحوارات متفجرة .
ج : ديمقراطية الثقافة هى معيار تحددنا الوطنى ، ولا سبيل اليها الا بالمزيد من اضاءة اركان الحوار حتى وان اشتدت حماوته . وفى هذا الصدد لابد من افساح المجال للتعاطى الموضوعى مع الثقافة العربية الاسلامية بدون ان يكون الداعى الى ذلك الدفاع عن تلك الثقافة التى هى حالة حضارية وتاريخية متكاملة ، فلا يوجد عاقل يتناطح مع ثقافة كاملة . ما اشرت اليه لا يعنى ان الثقافة العربية الاسلامية لا تحمل بقايا جاهلية وندوب عصور الانحطاط ، وكل الموروث الذى يحسب عليها لا شأن له بمحاكمة اخلاقية تضعها فى خانة الاستعلاء او التواضع ، ففى مجرى زمانها واعتقاداتها واجتماعياتها وصراعاتها لحق بالمجتمع العربى الاسلامى الكثير من الامراض التى اصابته وهذه سوف تظل تفعل فعلها الى ان تكسب معركة الحداثة والتقدم . فأنبثاق الروح النقدية هو احد المقدمات الايجابية اذا توفرت لها الاجواء العقلانية كى نبتعد عن دوامة الشوفينية الثقافية وتوابعها .
س : هل تعمل هذه الدوامات فى محيط واه ؟ وما هو دور بعض النخب السودانية فى اثارتها ؟
ج : اعتقد ان طبيعة التثقيف الشوفينى واحدة مهما اختلفت مقاديره ودرجاته . والذى يهمنا فى هذا ، هو المحيط الثقافى لأن طبقات النخب السودانية قد تكونت فى ظروف صعبة ومرحلة عريضة من التقلبات وتراجع المؤسسات التربوية بفعل التسلط والتجهيل والفساد السياسى والاجتماعى ، لذا فأن فئات كثيرة هى ضمن هذه الظروف لأن اجزاء مهمة من نظام القيم والتضامن فى كل النظم الشمولية الجائرة قد نقلت الانتماء من رحاب الوطنية الى ازقة الولاء للسلطة غير ان الوطن نفسه قد تحول بدوره الى ضحية ، انه اشبه بتوصيف الطيب صالح لبندر شاه ضو البيت ، ضحايا بالتبادل . ولكن المسئولية تقع على هذه النخب ، لأن دورها المفترض ان تتقدم وتقوم بواجبات التصحيح وهو دور تفتقد اليه احيانا الى مستوى العجز .
س : اين تقع المنادون بالسودانوية فى هذه المعادلة التى توزعت فيها القطاعات السلبية بين النخب السودانية بحسب تقديراتك ؟
ج : لم اقصد فى اجابتى السابقة فتح محضر اتهام وانما حاولت ايراد واقع نعايشه جميعا . لكن الوسط الذهبى ما يزال موجودا وهو الاغلبية الصامتة التى تراقب الامور دون ان تدلى برأيها خاصة فى اوساط الاكاديميين اما عزوفا او انتظارا للوقت المناسب او حتى ترددا ، والذى نتمناه ان لا يطول الانتظار حتى تسهم فى اعطاء ما لديها ولو بأضعف الايمان .
اما الخطاب السودانوى فهو تعبير عن خيار فى ترتيب الاولويات بتقديم ما هو وطنى على الابعاد والمكونات الحضارية وذلك اتقاءا لأمكانية الجذب والاستقطاب الذى يضاعف مشكلات السودان ، وعليه فأن السودانوية ترى فى ان لتلك المكونات الحضارية ايماءات خلافية لا ضرورة لها ولا طائل من ورائها ، وعليه فهو تصور خلاصى لأشكالية تدور فيها الهوية الوطنية عبر ازدواجية الانتماء . والبعض من امثال فرانسيس دينق ومنصور خالد يصل الى ان هذه الاشكالية هى التى تدور حولها سائر القضايا ، لذا فلابد من الخروج من حلقتها .
س : ولكن أليس فى هذا التصور ما يغنينا عن عواقب الفرقة التى نجنيها من اعطاء الهوية السودانية تلك الابعاد ؟
ج : بطبيعة الحال فأن تبرير الهوية السودانوية بهذا النحو هو من قبيل تحصيل الحاصل ، ولو كان الامر كذلك لهانت المشاكل ، فالخلاف فى هذا الصعيد ليس تأكيد الوطنية السودانية ومجرد تقديمها وترسيخ مفاهيمها ، فمشكلة الهوية ليست قضية تعريف حدى ، ذلك ان المسألة ليست امرا منطقيا او نظريا لتحديد عما اذا كنا عربا ام افارقة . وكما ان الوجود لايستوعبه تعريف ، فأن العكس هو المطلوب اى ان نستوعب كوننا عربا وافارقة اى نقر بهويتنا دون عراك مع مكوناتها .
 اما اذا كان تعددية خصائص هذه الهوية هى مشكلة حد ذاتها ، فأن استقرارنا على واحدية السودانوية لن ينجينا من الدوران فى اشكالية التنوع فى الذاتية السودانية نفسها بما فيها ما فيها من اثنيات وجهويات ومعتقدات وخلافها ، ومن هذا التصور فأن تأكيد الذات السودانية او مشكلة الهوية ينبغى ان تقرأ قراءة صحيحة لا تجعل من التكوين التعددى مشكلة فى نفسها ، وانما البحث عن ادارة صحيحة للحالة الوطنية وهى تمشى على الارض وبين الناس ، حتى لا تتعطل ديناميكية الهوية السودانية ، وذلك ان عناصر الهوية لا تستبعد بعضها فليست المسألة معادلة جبرية نبحث فيها عن مجهول ، وانما علينا النظر الى المعلوم .
س : هذه النقاط تستدعى المزيد من التوضيح خاصة من زاوية التأسيس المعرفى للسودانوية ، فما معنى ما اشرت اليه فى هذا المجال ؟
ج : يبدو ان هناك ما يشبه العوائق المعرفية قد انتصب امام الوعى السودانى لأسباب كثيرة فى هذا الشأن وذلك لدخوله منذ امد طويل فى مجالات دلالية حساسة خاصة ما يتصل بالتفسير العرقى ووسم كل من العروبة والافريقية بسمات سلالية مما ادى الى احتجاب لب الوعى الذاتى احيانا وراء ضبابية التفسير العرقى للتاريخ سواء لقطاعات مهمة بين المثقفين او بين الرأى العام ، وبالطبع فأن تلك الرؤى تستنزف قوة التكوين المعرفى سواء جاءت من واقع المختلفة او جاءت ترديدية لأصداء نقد الحداثة ومناهجها فى تحليل سلطة المعرفة بالسياق الاجتماعى ، فى الوقت الذى تمتد فيه جذور مشكلاتنا الثقافية الى اوضاع ما قبل الحداثة والتى لم ندخلها بمعنى الكلمة .
فالسودانوية نشأت فى بلد ينتمى لوطن لم تنطبق خارطته الاقليمية  الواحدة على قومية واحدة او شعب ذو ثقافة واحدة ، ومن هنا نشأ التفكير فى بناء الدولة الامة فطالما ان الامة الدولة ليست حالة قائمة لدينا .
والاتجاه السودانوى بهذا المعنى الذى تفهم منه بناء الامة من خلال وحدة الدولة الوطنية ، هو تقدير نظرى احلالى عبر واحدية المفهوم السودانوى للانتماء بحيث لا تكون هناك اية ابعاد اخرى تنشد اليها الوطنية السودانية . ولكن ضعف هذا التصور يتمثل فى قناعته العميقة بوجود نزاع هويات بالفعل ، وهذا قائم على قدر من التجريد . وفى هذا الجانب لابد من الاشارة الى ان الاسراف فى تعداد اوجه وجذور التنوع يتناقض مع دعوة السودانوية لأيجاد متحد واحد للهوية الفسيفسائية . لذا ثمة وضع الصيف والشتاء على سطح واحد لأن المعركة تدور رحاها فى غير معترك .
س : هل فيما قلتم بعض تداعيات العودة الى سنار او مدرسة الغابة والصحراء على الاقل اللقاء معها بافق التكامل الحضارى ؟
ج : يستلزم كل مشروع وطنى ايجاد مرجعية تاريخية وارادة مستقبلية حتى يشكل منظوره ويعلن مبرراته . لذا انفتحت بعض النخب بعد الاستقلال على البحث فى الذات من خلال التوجه للمخزون التاريخى والتراثى ، فرأت فى سنار بداية التكوين الوطنى الحديث ولقاء بين الوافد والتالد على حد اجتهادها ، كلقاء بين حضارتين او بيئتين ايكولوجيتين لهما قسماتهما ومميزاتهما .
لكن لهذه المقاربة مزاياها التحليلية والواقعية وكذلك عيوبها ونقائصها فى سعيها الى ايجاد رمزيات عصر التكوين الابتدائى للسودان الحالى خاصة بما يتعلق بمعنى ابراز مغزى التعاقد التاريخى للتعايش الحضارى بين اهل السودان بمختلف تكويناتهم .
هذا تأسيس مهم بلا شك ولكن نقاط التحول والمحطات الحاسمة فى القرن السادس عشر تجعل من تلك الفترة بكل اضلاعها وعناصرها ، هى التى تبدو اكثر تعبير عن المقصود بتلك المقاربة ، مع اهمية سنار كواسطة عقد متلألئة . ومع كل ذلك تبقى فكرة العودة الى سنار او العودة الى المنطلق البيئى الحضارى الطبيعى فى الغابة والصحراء نوعا من اتباع المنهج الاستردادى الذى قد يحسم الحاجة الى تأصيل فكرة الوطنية التعاقدية و ايجاد مرتكزات عقلانية لتأسيسها من واقع المكونات والتاريخ الذى لا يعيد نفسه الا بطريقة تمثيلية فى احسن الاحوال ذلك ان التاريخ هو دائما قراءة معاصرة للماضى .
س : هل بوسعنا ان نتصور امكانية سيطرة حضارة واحدة على غيرها ؟ والغاء ما عداها ؟
ج : سيطرة الحضارة الغربية على العالم حالة قائمة منذ القرن الثامن عشر لكن بقاء هذه الحالة الى ما لانهاية امر غير وارد اذ استبعدنا حكمة التاريخ ونظرنا الى ممكنات حضارة المعرفة وطاقاتها العلمية والتقنية التى لا ترشح التمركز الحضارى للاستمرار . يبقى السؤال عن كيفية الافادة من قوة المعرفة ووصفها على طريق احراز التكافؤ والمنافسة البناءة لمصلحة الانسان ولتخفيف الواحدية وجبروتها .
س : الى اى مدى يمكن تحقيق نبوءة صمويل هنتجتون او اطروحته فى صراع الحضارات وهيمنة القوة الامريكية على العالم ؟
ج : فى ظرف ثلاث سنوات طوّر هنتجتون اطروحته عن صراع الحضارات ثلاث مرات ، وكلها ترمى الى تعبئة الغرب حضاريا بوجه الاسلام والكونفوشيوسية وضمان وحدة الغرب بعد زوال الخطر الشيوعى . وقد صدرت افكاره عن موقع ينم على نوع من الهجوم الدفاعى ( الوقائى ) واستثمار القطبية الآحادية للحيلولة دون ظهور مراكز قوى دولية جدية ومؤثرة على الهيمنة الامريكية ، بعكس فرانسيس فوكوياما الذى عبّرت كتاباته الاولى عن روح الثقة بالنفس ونشوة الانتصار فى الحرب الباردة .
غير ان كليهما قد عدل بشكل او بآخر عن خطابه ، فنجد هنتجتون قد اقر بأن المستقبل سوف لن يشهد حضارة كونية ، وان على الغرب ان يقلع عن اوهامه فيها ، وذلك لأن للحضارات الاخرى طاقات كبيرة بينما يعترى الغرب العديد من اوجه القصور التى ينبغى مواجهتها ، اما فوكوياما فقد ابدى نقدا لتصوراته السابقة التى انطلقت من النمذجة الحضارية ، واعترف بأن نهاية التاريخ لا تأتى الا بنهاية العلم وليس ثمة نهاية منظورة للعلم .
س : كيف تنظر للجدل الدائر بشأن العولمة ؟ وهل اوشك ذلك الجدل الى الدخول فى دنيا المابعديات ؟
ج : لقد القت ثقافة العولمة بظلالها بسرعة خارقة وكأنها تسابق الريح لأحتواء وابتلاع المجال الانسانى برمته ، ولهذا كان لذلك الفعل رد فعل فى الاتجاه المضاد . ويكفى ان المناظرة العالمية قد بلغت ذروتها فى منبرى ( دافوس ) و ( بورت اليجرى ) الاول يمثل الرأسمال المعولم وشيعته ، والثانى يمثل قوى الرفض وتيار الاستنارة المناهضة للعولمة . لكننا علينا ان نولى الابعاد العالمية دون ايديولوجيا العولمة الثقافية والاقتصادية اهتمامنا ، فهناك متغيرات هائلة تجرى حاليا ولم تتبلور نتائجها بصورة متكاملة . فأن تناولنا مثلا التجارة الاليكترونية ، فسنجد انها ترسى دعائم تبدل آليات التسويق وتوزيع السلع بأشكال مبتكرة سوف لا تقف آثارها عند تغيير جذرى لمكونات المشروع الرأسمالى ومفاهيم التنافس والربح والمشاركة ودورة مبادلاته ، وانما ستمتد الى آثارها الى كل النظم الادارية والمعاملات الانسانية ، ستشمل حتى مفهوم التنظيم فى النشاط السياسى . وارى ان ما بعد العولمة اذا اتى سوف يكون عصرا جديدا بكل ما فى تلك الكلمة من معنى ، لأنه سوف لن يكون على غرار المابعديات الذائعة الصيت فى دائرة المفاهيم والصيغ النظرية والقضايا الجزئية .      
      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...