الجمعة، 25 مارس 2011

سوريا والعاصفة


                       ما يجرى فى سوريا الآن ، يجعلنى اشفق على تلك البلاد التى لم تصلها هذه العاصفة بعد ، فهذه العاصفة لها رئيس وشرطة وعناصر امنية داخل النظام القائم ، ولها متظاهرون مسالمون ومسلحون شرسون داخل صفوف الثورة ايضا ، فبشار الاسد يوجه بأطلاق سراح المعتقلين ويأمر بعدم اطلاق النار على المتظاهرين ، لنشهد فى اليوم التالى تطبيقا حرفيا مضادا لما قال ، ونكتشف ايضا ، ان للعاصفة سلطة اقوى واكثر شراسة وقسوة من النظام الذى خرج الابرياء المسالمون التواقون للحرية والعدل للتظاهر ضده ، فالعاصفة التى ضربت حتى الآن اكثر من بلد وتمضى فى طريقها لتضرب المزيد ، تجيد وتتقن حصار الانظمة والشعوب على حد سواء ومن داخلها .

                       فمتى ضربت ارضا تتكشف فى سمائها هشاشة هذه الانظمة التى طالما تباهت بقدرة أيدولوجيتها الحاكمة وبقدرة مؤسساتها على تأمين الحياة فى بلادها ، فمع اول هبة، سرعان ما نرى ان هذه الحياة قد اصبحت فى كف عفريت لا يجيد سوى التغذية على دماء الشعوب ، عفريت يمسك فى كفه حياة الشعب وحاكمه ومعارضيه ومسلحيه ، ويعتصر دماءهم قطرة قطرة حتى يؤمنوا على مختلف اطيافهم واعراقهم واديانهم ان لدمهم مصير مشترك فى الارض التى يتشاركون فيها الحياة ، فاولى بهم ان يمضوا بهذه الشراكة الى مواطن الرضا والقبول قبل فوات الآوان وقبل ان تتفرق بهم الارض نفسها .

                      ما يحزن حقا ان تمتلك الامة العربية ثقافة زاخرة بقيم الحريات والعدل والتسامح والاخاء ولا تجد طريقها الى يد الملوك والامراء والحكام ، فتاريخها لا يزال يبكى على عهد العمرين ،كأنه فى مسيره الطويل لم يكن سوى صدى كريها لحرب داحس والغبراء .
                     

الخميس، 24 مارس 2011

المشهد العربى


                   الشعب الليبى محاصر بين نيران ثلاثة ، نيران الثوار المسلحين على اختلاف اطيافهم ونيران كتائب القذافى ونيران قوات التحالف ، واصبح من الصعوبة التعرف على مكان اختباء هذا الشعب الاعزل والعثور على الشباب الذى فجّر انتفاضته السلمية وكيف يمكن ان يتم الفرز بينهم وبين حاملى السلاح ؟ وما يدعو للغرابة ان جميع هؤلاء المقاتلين يدعون انهم يقاتلون من اجل الشعب الليبى المحاصر بين نيرانهم ، ولكن لا احد منهم اقترح طريقا آمنا ليمر به هذا الشعب المسكين الى مكان آمن ، واصبح تبعا لذلك درعا بشريا لجميع الاطراف المتقاتلة وزريعة لبلوغ غاياتها التى يتربع على عرشها النفط ، لا شك ان نيرون قد ادهشه وهو يشاهد من نافذة جحيمه الابدى تطور جنون الحريق عند انسان الالفية الثالثة وسعى بعض الحكام الحثيث للتماهى مع تاريخه الكريه .


                   بعض الحكومات العربية  والمنظمات العربية والمعارضات العربية  التى تستقوى بالخارج لحسم نزاعاتها الداخلية ، تدعونا للشك فى سلامة عقلها ، ولكن استجابة هذا الخارج فى كثير من الحالات ، تجعلنا نشك فى سلامة عقلنا ، فالمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية التى صادفت رضا وقبول معظم الشعوب بأعتبارها افضل آلية لجعل العالم مكانا آمنا وعادلا ، تصبح حبرا على ورق فى لعبة الاستقواء هذه ، ليعود العالم بنا الى لعبة توحشه الاول ، لا حق الا مع القوة .

                   الامن الداخلى فى معظم الدول العربية يبذل مافى طاقته وفوق طاقته لملاحقة اصحاب الرأى المسالمين فى كافة حقول انشطتهم التى لم تتعد اسلحتهم فيها عن كلمة او اغنية او لوحة او حتى نكتة ، ويحشد لهم كل الوسائل المتاحة والمصادر المتاحة ، وينجح فى الحصول على تفاصيل ادق التفاصيل فى انشطتهم العامة والخاصة ، ولكنه يكتشف متأخرا حينما تنفجر الاوضاع فى بلده ان كل جهوده التى بذلها فى تغطية انشطة اصحاب الرأى لم تكن تلك الانشطة تمثل خطرا على الأمن العام مثلما مثلته  حالة الخوف التى زرعها وسط شعبه بفعل هذه الملاحقات والتى حوّلت مجتمعاتهم الى حاضنات آمنة لمليشيات مسلحة لا يقف عداؤهاعند حدود نظام الحكم القائم فحسب بل يتعداه الى مكونات الشعب نفسه كما شاهدنا ذلك فى تونس ومصر ولن نعدم مشاهدته فى معظم ان لم يكن كل البلاد العربية المرشحة لذات السناريو ، فلماذا نغفل دائما مخزوننا من الحكمة ؟ ( رحم الله امرءا اهدى الىّ عيوبى ) .

                  كثير من انظمتنا اغرتها مظاهر الهدوء والسلام فى بلادها لتستمر فى تصريف شئون البلاد والعباد على ذات السياسة التى ظلت تتبعها دون ان تكلف نفسها بالبحث عن مصادر الشرر الكامنة  بين رماد وسجم هذه السياسة ، كى لا تتفاجأ ذات يوم بقيامة لا تدرى مصدرها، والقيامات التى تشهدها عدد من البلاد العربية الآن اضافة لمسبباتها التى لم تعد تخفى حتى على اطفالنا فأن اقوى اسبابها غفلة حكومات تلك البلدان التى حسبت ان الدول تترك سدى ، فالأختراقات طالت معظم مؤسسات الدول و وصلت حدا فى مراقى السلطة يعف اللسان عن ذكرها ، وطالت اجهزة مخابراتية  تراءت لنا يوما اسطورة لن يجود التاريخ بمثلها فاذا بقائدها يطل علينا اشبه ببيدق تحركه اياد لم ندرك كنهها بعد .

                 باب الأمل ما زال فاتحا على مصراعيه لتدارك مخاطر هذا الطوفان ، وتدارك مخاطره لا يحتاج سوى الوصول الى حقيقة ازلية تقول ( العدل اساس الحكم ) فأرفعوا المظالم وردوا الحقوق واجبروا الضرر .






الأحد، 20 مارس 2011

صنعاء .. لابد من الرحيل


                       يبدو ان معظم انظمة الحكم فى منطقتنا برمجت على التعاطى مع شئون الحكم بنمط وحيد ، نمط لا ينتظر من شعوبها سوى الطاعة العمياء رغم الضراء التى استوطنت هذه الشعوب عقودا طويلة ، نمط لا يعرف مقابلة الاحتجاجات على سوء ادارته الا بأكثر اساليب القمع وحشية ،و لا ينتج فى خاتمة المطاف سوى طاغية  ترعبه اغنية بذات القدر الذى يرعبه  فيه ابحار اساطيل الغرب نحو شواطئه ، واكثر ما يدعو للغرابة هذا التطابق فى نظرتهم وتعاطيهم مع ثورات شعوبهم بحيث لا تستطيع ان تميّز ايهم حاكم تونس وايهم حاكم اليمن ، اشبه  بربوتات تمت برمجتها على ضوء احتياجات حرب القرن الماضى الباردة واستعصت على اى برمجة جديدة تواكب الالفية الثالثة ، الفية الحريات والحقوق والديمقراطية .

                      على عبد الله صالح فى اليمن لو نظر فى المرآة لرأى صورة حسنى مبارك او زين العابدين بن على ولو تمادى اكثر سيرى القذافى يلوح له من بين كثبان رمال الصحراء الكبرى ويناديه انج سعد فقد هلك سعيد ، فهو لن يستطيع ان يفعل شيئا ليخرج اليمن من ازمته التى صنعها بيديه الا برحيله ، فليتحلى بقدر من الشجاعة التى خانته فى التحول الديمقراطى استجابة لرغبة شعبه وصون ارواحه ودمائه ويعلن عن تنحيه ليخط سابقة يستحق عليها الثناء ويحفظها له التاريخ ويفتح بها طريقا آمنا للاحقيه .

                       الشعب اليمنى الآن يلوح فى آفاق المشهد العربى ذلك المارد الذى بنى يوما سد مأرب ، فلن يستعصى عليه هدم نظام فى لحظات سقوطه الاخيرة ، واكاد ارى انتصاره بالخط المضىء على كوكبه التاريخى الزهرة .

الأربعاء، 16 مارس 2011

البحرين بين ملفين


                    مأزق كبير تواجهه انتفاضة البحرينيين ، فمن جهة تحاصرها تداعيات الصراع الدائر حول الملف النووى الايرانى ومخاطره المحيطة بدول الخليج ومن جهة ثانية تحاصرها تداعيات الصراع المذهبى الذى علا مع صعود الشيعة فى العراق الى السلطة ليرفد الثورة الايرانية بجناح عربى له امتداداته فى معظم الدول العربية و تحظى البحرين بنصيب وافر من هذا الامتداد تليها المملكة السعودية التى تشكل المنطقة الشرقية منها احد مواطنه المهددة لمنظومتها المذهبية والامنية .

                    من هنا كانت الحشود التى احتواها دوار اللؤلؤة فى النظر الخليجى وبعض الاطراف الدولية احد المشاهد المجسّدة  لتداعيات هذين الملفين ، فايقظت فى مجلس التعاون الخليجى كل المخاوف التى نشأت مع انتصار الثورة الشيعية فى ايران اضافة للمخاوف الراهنة والناتجة من رياح الثورات التى هبت على معظم شعوب المنطقة و اعلت من سقوف المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية  ، فكان من الطبيعى ان تدفعه هذه المخاوف الى تحريك اذرعه العسكرية والدفع بها الى البحرين فى تظاهرة لم يسبق ان شهدها العالم العربى حتى فى اكثر منعطفاته خطرا ابان حروبه مع اسرائيل ، لتحيط الانتفاضة بمأزق شديد التعقيد والخطر ومن شأنه ان يصبح مقدمة لحرب اقليمية مدمرة .

                     ولكن هذا المأزق الذى يحيط بأنتفاضة البحرينيين والذى فات على قياداتهم ان يولوهوا الاعتبار اللازم ، لن ينفى  وجود ازمة حقيقية قادت الاوضاع فى البحرين الى ما آلت اليه الآن ، وهى ازمة تشكل فى مجملها مأزقا محيطا بمركز الحكم ايضا ، لن تستطيع الآلة العسكرية مهما عظمت ان تخرج البحرين من مخاطره ، فثمة حاجة هنا الى وقفة عاقلة من طرفى النزاع تجرد هذه الازمة من كافة
علاقاتها الاقليمية وتحصرها فى شأن بحرينى محض ، وتجردها ثانية من محركاتها المذهبية والطائفية بالتعاون معا على ان يكون فضاء البحرين العام فضاءا حرا من اى قبضة مذهبية وعرقية ، فخطاب الطرفين فى هذه الازمة يحتشد بأكثر مفردات المذهب والعرق حدة واقصاءا تجاه الآخر ، فالدولة المدنية حتى فى ظل النظام الملكى تبدو الاكثر امانا وعدالة فى بلاد التعدد .

                       المنطقة برمتها تبدو فى مواجهة عاصفة ما زالت فى بداياتها ، ولن يصدها عن فضائنا سوى احترامنا للآخر الوطنى ولحقوقه سواء اكان هذا الآخر دينى او عرقى او مذهبى ، فأولى المخاوف التى صاحبت خلق الانسان وقالت بها الملائكة ، الخوف من ان ننزلق الى الفساد وسفك الدماء .

الأحد، 13 مارس 2011

الغرب يريد التقسيم


                 اكاد اجزم ان معظم شعوب هذه الامة ان لم يكن كلها تحفظ عن ظهر قلب بيت الشعر القائل :
                  ( وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق )
ولكنها ما ان تحين لحظة الحرية هذه لشعب من شعوبها ، حتى نجدها تلجأ هى وحكامها وجامعتها العربية المبجلة الى ابواب الغرب تطرقها بجرأة لتحسم لها الصراع وفقا لما تريده ، كأنما اسلحتها وجيوشها التى اهدرت فيها مليارات الدولارات تقتصر مهمتها على رغبة الحاكم فى قهر شعبه فقط وليس تحرير شعب شقيق من بطش حاكمه وليبقى الشعر تعبيرا عن عزيمة خائبة .

                  فرنسا حجزت مبكرا موقعا فى شرق ليبيا ، وامريكا قدمت بكل شفافية كشف حساب بتكلفة الحظر التى تحتاج لأيرادات بئر او بئرين من آبار البترول لتغطيتها ، ويان كى مون يستجدى فى القذافى ليسمح بدخول ممثليه الذين تشغلهم فى هذه المهمة مستحقاتها المالية اكثر من نزيف الدم وهدر الارواح الذى يغطى ارض ليبيا الآن ، والى حين ان يستجيب مجلس الامن لطلب جامعتنا الموقرة ، اخشى ان تكون آخر ارض استردتها قوات العقيد القذافى هى آخر نقطة حدود فى مملكته شرقا ، وننام ونصحو لنجد ان ليبيا الامس اصبحت بفضل حاكمها وحكامنا وشعبها وشعوبنا دولتين متحاربتين .

                  لا احد يلوم الغرب ، فقد تعامل مع مصالح الغالبية العربية المنادية بأنهاء حكم القذافى بمنطق مصالحه ، فلجنوده اسر يبكون لفقدهم ولآلياته ثمن تدفعه شعوبه من حر مالها وتحاسب عليه حكامها ولن ينجيهم من عسر حسابها سوى قدر المصالح المتحققة من مشاركتهم فى حرب هنا وهناك ، فالحرب فى حاضرنا اصبحت استثمارا له عائده العاجل والآجل .

                  فأذا الشعب يوما اراد التغيير عليه ان يعلم ان الغرب يريد التقسيم ، فليتوكل على عقله ودمه وروحه .

الثلاثاء، 8 مارس 2011

اليوم العالمى للمرأة


                   الاحتفال بيوم عالمى للمرأة لا يكفى لتعويضها عما قاسته على مدى قرون طويلة من ظلم وقمع واضطهاد ، رغم انه يبدو فى احد وجوهه تكفيرا عن خطيئة كبرى ارتكبت فى حق المرأة  شاركت فيها مجتمعات العالم شرقا وغربا عبر التاريخ  واورثتها لأجيالها المتعاقبة ، ورغم انه يبدو من وجه آخر تطور كبير فى وعى البشرية  تجاه دورها فى الحياة التى تحملّت فيه العبء الاكبر للحفاظ عليها واستمراريتها ، الا ان الاحتفال الحقيقى يجىء حينما تتمتع المرأة بكافة حقوقها ، ولن يتأتى لها ذلك الا بتحرير العقل الانسانى من قبضة التمييز التى اورثته سمة الاستغلال ليس تجاه المرأة فحسب وانما تجاه بعضعه البعض رجلا كان او امرأة ، واصبح اكبر منتجى الفساد فى المجتمعات .

                  فتحرير العقل الانسانى من قبضة التمييز يعنى تحريره من موروثات الماضى التى تتجلى فى اكثر صورها توحشا تجاه حقوق المرأة ، ويعنى تحرير الحياة من اكثر قيودها التى تحد من تقدم المجتمعات بخطى واثقة الى الامام تزيل آثار العرج التى وسمت خطاوى الكثير منها بتكبيلها لحق المرأة فى المشاركة وحرمانها من الاسهام فى صنع شكل الحياة التى تشاركنا فيها السراء والضراء ، ويعنى اننا استعدنا نصفنا المكمّل لديننا ودنيانا .

                  فلنحرر القوانين من كافة النصوص التى ادمنت هضم الحقوق ليجىء احتفالنا القادم بيوم المرأة العالمى احتفالا بيوم تحرير الانسان والتحية والتقدير لكل نساء العالم امهات واخوات وبنات وخالات وعمات وكل سنة والمرأة السودانية بألف خير .

الثلاثاء، 1 مارس 2011

حرب الفساد


                   الدعوة الى محاربة الفساد تجد دائما طريقها الى وجدان اغلبية الناس الذين يمنعهم تدينهم وتمنعهم قيمهم واخلاقهم الولوغ فى مستنقعه ، ذلك المستنقع الذى يطبع الوالغين فيه بسمات بارزة على الوجوه والقسمات وساير البدن ، ولا تزيل نتانته ارقى العطور الباريسية ، كما لا تزيل ملامحه فخامة الازياء والاكسسوارات وعمليات ( الميك اب ) التى تحيط بحياة الفاسدين والتى اصبحت ماركة مسجلة لهذا الصنف من البشر .

                  ومحاربة الفساد ليس كما يتراءى للكثيرين بالأمر السهل ، انها حرب شعواء مترامية الاطراف ، تبدأ من مكتب صغير فى وحدة حكومية لتمتد الى داخل غرف النوم ، ولا تستطيع الدولة مهما عظمت آلياتها ان تنتصر عليه انتصارا نهائيا مالم تجد الدعم اللازم من كافة مكونات شعبها ، ولكنها وبما تمتلكه من آليات ، قادرة على ان تقضى على الكثير من اوكاره ، خاصة تلك الاوكار التى تقع تحت مظلتها ، فبعض الوحدات الحكومية  بما تمتلكه من سلطات و صلاحيات ، قادرة على صناعة الثراء العريض والسريع جدا ليس لمنسوبيها فحسب  وانما لآخرين ، و تستطيع تصديقاتها فى مجال التجارة ، استيرادا وتصديرا وفى مجال الاراضى ، سكنا واستثمارا وفى مجال التمويل، انتاجا او خدمات ، ان تصعد بطبال الى مصاف مليونيرات  قادرين ان يفسدوا الحياة فى دولة عمرها آلاف السنين كما تكشف ذلك عقب ثورة شباب مصر .

                   ولكن هذه الوحدات لن تستطيع وحدها صناعة هذا ( الفساد ) الا بقصور اجهزة الدولة الرقابية ، و المصيبة الكبرى هنا ،  ان يكون اداء هذه الاجهزة غاية فى النزاهة ، ولكن السلطات العليا بتجاهله تحيله الى مجرد ديكور مكمل لمؤسسات الدولة ، ليصبح الفساد نهجا رسميا لا تجدى معه اى دعوة لمحاربته ، بل يصبح سيد القرار السياسى ، من هنا ليس هناك ضرورة الى انشاء اجسام جديدة لها تكاليفها العالية لمحاربته ، ففى ظل القوانين القائمة على ما فيها من ثغرات ، وفى ظل الاجهزة المناط بها مكافحة كافة اشكال الفساد ، يمكن توجيه ضربات قوية على مكامنه والحد من انتشاره اذا منحت هذه الاجهزة الصلاحيات والسلطات المطلوبة ، ووفرت السلطة القضائية الكوادر والامكانيات الكفيلة لمواجهته .

                   وللحقيقة فأن شبكة الفساد لا يقف تأثيرها وسيطرتها عند مؤسسات الدولة وانما تتغلغل الى داخل المجتمع فى محاولة  لصنع  مكانة اجتماعية تحظى بالأحترام ، وتبدو اساليبها هنا اكثر جلاءا فى التصاقها المستميت فى رموز المجتمعات التى تحظى باحترام ومحبة فى وجدان الغالبية ، سواء اكانت هذه الرموز فى مجال الفن او الرياضة او غيرها ثم تبدأ العمل عبرها فى بسط ثقافتها ، كما تتجلى ايضا فى الحملات التى تعلو فجأة وتسعى لتشويه صورة كل من تأبى نفسه الانزلاق الى مستنقعات الفساد ، فللمجتمع دور كبير فى محاربة الفساد ولو بأضعف الايمان الذى يقضى بعزل غيلانه من حياتهم ، ففى الماضى القريب كان الفاسدون اشبه بفايروس قاتل ، يتحاشى الجميع الاقتراب منهم بما فى ذلك افراد اسرهم ، فلنعد الى ذلك الماضى الذى يستجوبك فيه والداك واخوتك على عتبة الباب عن مصدر ما تحمله لهم قبل السماح لك بأدخاله الى البيت ، ولنلاقى ونتعامل مع اولئك الفاسدين بالاحتقار الذى يستحقونه ، فهى آلية اجدى من كل حملة فى القضاء على هذا الغول الذى ينخر بنيان الدول ويؤدى بها الى الانهيار .


                   

                 

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...