الثلاثاء، 1 مارس 2011

حرب الفساد


                   الدعوة الى محاربة الفساد تجد دائما طريقها الى وجدان اغلبية الناس الذين يمنعهم تدينهم وتمنعهم قيمهم واخلاقهم الولوغ فى مستنقعه ، ذلك المستنقع الذى يطبع الوالغين فيه بسمات بارزة على الوجوه والقسمات وساير البدن ، ولا تزيل نتانته ارقى العطور الباريسية ، كما لا تزيل ملامحه فخامة الازياء والاكسسوارات وعمليات ( الميك اب ) التى تحيط بحياة الفاسدين والتى اصبحت ماركة مسجلة لهذا الصنف من البشر .

                  ومحاربة الفساد ليس كما يتراءى للكثيرين بالأمر السهل ، انها حرب شعواء مترامية الاطراف ، تبدأ من مكتب صغير فى وحدة حكومية لتمتد الى داخل غرف النوم ، ولا تستطيع الدولة مهما عظمت آلياتها ان تنتصر عليه انتصارا نهائيا مالم تجد الدعم اللازم من كافة مكونات شعبها ، ولكنها وبما تمتلكه من آليات ، قادرة على ان تقضى على الكثير من اوكاره ، خاصة تلك الاوكار التى تقع تحت مظلتها ، فبعض الوحدات الحكومية  بما تمتلكه من سلطات و صلاحيات ، قادرة على صناعة الثراء العريض والسريع جدا ليس لمنسوبيها فحسب  وانما لآخرين ، و تستطيع تصديقاتها فى مجال التجارة ، استيرادا وتصديرا وفى مجال الاراضى ، سكنا واستثمارا وفى مجال التمويل، انتاجا او خدمات ، ان تصعد بطبال الى مصاف مليونيرات  قادرين ان يفسدوا الحياة فى دولة عمرها آلاف السنين كما تكشف ذلك عقب ثورة شباب مصر .

                   ولكن هذه الوحدات لن تستطيع وحدها صناعة هذا ( الفساد ) الا بقصور اجهزة الدولة الرقابية ، و المصيبة الكبرى هنا ،  ان يكون اداء هذه الاجهزة غاية فى النزاهة ، ولكن السلطات العليا بتجاهله تحيله الى مجرد ديكور مكمل لمؤسسات الدولة ، ليصبح الفساد نهجا رسميا لا تجدى معه اى دعوة لمحاربته ، بل يصبح سيد القرار السياسى ، من هنا ليس هناك ضرورة الى انشاء اجسام جديدة لها تكاليفها العالية لمحاربته ، ففى ظل القوانين القائمة على ما فيها من ثغرات ، وفى ظل الاجهزة المناط بها مكافحة كافة اشكال الفساد ، يمكن توجيه ضربات قوية على مكامنه والحد من انتشاره اذا منحت هذه الاجهزة الصلاحيات والسلطات المطلوبة ، ووفرت السلطة القضائية الكوادر والامكانيات الكفيلة لمواجهته .

                   وللحقيقة فأن شبكة الفساد لا يقف تأثيرها وسيطرتها عند مؤسسات الدولة وانما تتغلغل الى داخل المجتمع فى محاولة  لصنع  مكانة اجتماعية تحظى بالأحترام ، وتبدو اساليبها هنا اكثر جلاءا فى التصاقها المستميت فى رموز المجتمعات التى تحظى باحترام ومحبة فى وجدان الغالبية ، سواء اكانت هذه الرموز فى مجال الفن او الرياضة او غيرها ثم تبدأ العمل عبرها فى بسط ثقافتها ، كما تتجلى ايضا فى الحملات التى تعلو فجأة وتسعى لتشويه صورة كل من تأبى نفسه الانزلاق الى مستنقعات الفساد ، فللمجتمع دور كبير فى محاربة الفساد ولو بأضعف الايمان الذى يقضى بعزل غيلانه من حياتهم ، ففى الماضى القريب كان الفاسدون اشبه بفايروس قاتل ، يتحاشى الجميع الاقتراب منهم بما فى ذلك افراد اسرهم ، فلنعد الى ذلك الماضى الذى يستجوبك فيه والداك واخوتك على عتبة الباب عن مصدر ما تحمله لهم قبل السماح لك بأدخاله الى البيت ، ولنلاقى ونتعامل مع اولئك الفاسدين بالاحتقار الذى يستحقونه ، فهى آلية اجدى من كل حملة فى القضاء على هذا الغول الذى ينخر بنيان الدول ويؤدى بها الى الانهيار .


                   

                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...