الأحد، 21 فبراير 2016

بأيدينا نصنع ازماتنا


                  عقب غزو العراق ، كان رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير ، قد صرّح تصريحه الخطير ، بان امريكا قد احكمت قبضتها على الشرق الاوسط ، ومجريات الامور فيه حتى الآن ، تشير الى صواب قوله ذلك ، فالتغييرات السريعة والمفاجئة والكبيرة المعنية بأنقسام دول ، والهادفة الى اعادة رسم خريطة المنطقة ، تجرى على نسق دقيق ، وتبدو احيانا ، انها تجرى بشكل تلقائى على يد دول المنطقة ، بمعنى آخر ، ان الخيارات المفتوحة امام هذه الدول ، فى الازمات التى تواجهها ، تقود مباشرة الى الخط الامريكى وان بدت معارضة له ، كأنما هذه الازمات صناعة امريكية بأمتياز .

                  صمويل هنتجتون يرى ، انه يكفى ان تراقب حضارة ما لفترة قصيرة لتقضى عليها ، وما نظنها ازمات من صنع امريكا ، هى فى الواقع من صنع ايدينا من حيث التأسيس والبناء ، وكل الذى تفعله امريكا عندما نخضع الامر لنظرية المؤامرة ، انها تقوم بتوسيع ثغرات هذا البناء ليخدم فى خاتمة المطاف مشروعها الكونى ، فالدولة الغبية هى تلك التى تظن انها ستترك سدى .

                 لنأخذ الآن القرار السعودى القاضى بأيقاف مساعداتها للبنان بسبب مواقف حذب الله المعادية لها ، وهى المساعدات التى يحظى الجيش اللبنانى بنصيب وافر منها ، اى الامن اللبنانى فى الواقع ، فهذا القرار بجانب انه يهدم اهم انجاز حققته الدبلوماسية السعودية ألا وهو الاتفاقية التى اوقفت الحرب الاهلية فى لبنان والتى استمرت لخمسة عشرة عاما ، فأنه يبدو كصافرة البداية لعنف جديد موعود به لبنان ، انها تعاقب بلدا بأكمله بجريرة حذب فيه ، ولكنها فى الواقع ستفتح جبهة جديدة عليها اذا انزلق لبنان للحرب الاهلية مرة اخرى لا قدر الله ، وهذه الجبهة ستكلفها اضعاف اضعاف ما تنفقه فى المساعدات التى اوقفتها ، و للغرابة أن هذا الموقف السعودى يبدو بديلا يلعب بالاوراق السورية فى لبنان ، الاوراق التى تخلّت عنها سوريا منذ خروج قواتها من لبنان .

                   ما لم تقدره المملكة العربية السعودية حق قدره ، ان القوى السياسية اللبنانية ، اتقنت فن اللعبة الديمقراطية الى حد بعيد ، وتبدو مراوغات هذه القوى لتفادى الوقوع فى فخ الحرب الاهلية مرة اخرى ، ولتفادى الخضوع لسلاح حذب الله ، احدى اجمل وامتع فضائل العقل السياسى التى تنتجها الديمقراطية ، وتبدو جليّة فى حركة الانتقالات السياسية من فريق الى آخر ، كما شهدناها من قبل عند وليد جنبلاط ونشهدها الآن مع سمير جعجع .

                   من الخير للملكة العربية السعودية ان تدع مساعداتها للبنان تستمر كما كانت ، وتدع اللبنانيين يديرون شئونهم على طريقتهم ، فهى فى اسوأ الاحوال ستتجنب اعباءا اضافية ، وحتى لا نصنع ازماتنا بأنفسنا ونرمى علآتها على الآخرين .

الاثنين، 15 فبراير 2016

نيرون يوجه جنوده الى سوريا


الى محمود درويش فى عليائه :

                  نيرون يستيقظ الآن مزهوا فى جحيمه الابدى ، يتمطى على مهل ، ويفتح نافذة على سوريا .

(ماذا يدور فى بال نيرون وهو يتفرج على حريق لبنان ؟)
لم يعجبه رماد بيروت ولا عنقاءها التى اكتشفت لعبة الحريق ، وعرفت كيف تراوغه ، وتنهض من جديد فاتنة المدن .

           لكنه الآن ينظر الى المشهد السورى بذات النظرة التى حكيتها بشعرك المستبصر :
(عيناه زائغتان من النشوة ، ويمشى كالراقص فى حفلة عرس :
هذا الجنون جنونى ، سيّد الحكمة .
فلتشعلوا النار فى كل شىء خارج طاعتى .
وعلى الاطفال ان يتأدبوا ويتهذّبوا ويكفوا عن الصراخ بحضرة انغامى) .

                   ولا يزال يا سيّدى يا سيّد الشعر ، يتكىء على احدى نوافذه الملتهبة و يتفرّج على حريق العراق .
(يسعده ان يوقظ فى تأريخ الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عدوا لحمورابى وجلجامش و ابى نوّاس :
شريعتى هى أم الشرائع . عشبة الخلود تنبت فى مزرعتى) .

                   اما أمك الجريحة ، فلا زالت ترضع ثراها دما وارواحا واهات حرّى ، وهو ينظر اليها :
(يبهجه ان يدرج اسمه فى قائمة الأنبياء ، نبيّا لم يؤمن به احد من قبل) .

                   العالم المجنون الآن ، اجتمع بكل جنونه وطمعه وحقده ، وارتدى جسد وعقل نيرون المختل وأخذ يصيح :
((انا صاحب القيامة ) ثم يطلب من الكاميرا وقف التصوير لأنه لا يريد لأحد ان يرى النار المشتعلة فى اصابعه عند نهاية هذا الفلم الامريكى الطويل .) 

                   ارفعوا ايديكم عن سوريا ايها المجانين ، ان الله لا يحب المعتدين .

                 
                

السبت، 13 فبراير 2016

الحقيقة مندسة فى خوفك


                      تحيرنى اللغة المتدفقة بكل جمالها وعوارها وبذاءتها المخجلة ، حين تبحث عن الحقيقة ، واكثر ما يحيرنى ، هذه الحكمة التى تحملها ، ثم تقدمها لك فى صياغة متباهية ، لتحد من فعل او قول او لتحضك الى ذلك ، اهى حكمة فعلا ام خوف مستولد من قهر الحياة ومتغطى بالصياغات المحكمة ؟ ام ترى انها مجرد هروب من الحق ؟ شاعرى الجميل الدوش قال (الحق فى ساحة مجزرة) والهروب من الحق ، هو ان تحتمى من الموت المحتمل بالذل ، هو ان تحتمى بالأسوأ من الموت ، بينما الموت هو الوجه الآخر للحياة ، انه رحلة خارج عتمة هذه الدنيا ، تأخذك الى النور الأعلى ، انه بوابتك الزاهية التى تقودك الى الجمال الخالد ، فالحكمة  لغة عذبة كما قصص الحب ، ولكنها تبدو احيانا مجرد وسيط بارع فى منطقه ، يحاور فى عقول اخرستها الحقيقة ، انها محاولة حسنة النية ، تتلاعب باللغة كى تحمى البشر من جنونهم .

                   فمن اين تتدفق هذه اللغة بعجرفتها واستعلائها وقدرتها المرعبة على الدسائس ؟ هذه اللغة التى ظلّت تنبش فى اسرار الناس عبر القرون ولا زالت ، ولم تتعب بعد ، تتغطى احيانا بكل اكسسوارتها لتخفى وجه الحقيقة او لتكشفه ، تدور وتدور ثم تسقط فى النهاية ، صريعة لجاذبية الفضيحة ، انها الخديعة الكبرى فى حياة البشر ، اشعلت الحروب ، وحرّضت على القتل غيلة ، وجمّلت للخصام طريقا الى قلوب الناس ، وغشتنا .

                    هذه الفضفاضة حمّالة الاوجه ، غشتنا بأروع مفرداتها عن قصص حب ، توهمنا معها ان الحب هو قدر الانسان الجميل ، وصدقناها ساذجين ، فأكتشفنا لاحقا ان الحب هو عذابه وتعاسته ، وانه لم يكن سوى استثناءا فى حياة الشعوب ، استثناءا قى كل هذا العالم الواسع ، استثناءا مذكورا فى قصص معدودة على الاصابع ، يحفظها صبيان المدارس .

                  غشتنا بأكثر مفرداتها قوة وحزما ونصاعة وجلاء ، عن العدل الموجود والقائم حكما بين الناس ، ثم نكتشف ان تأريخنا ، ومنذ ان عرف شيئا اسمه الدولة ، وعلى مدى اكثر من الف وخمسمائة عام ، لم يتحقق فيه العدل الا على فترتين لم تتجاوز مدتهما عقدا ونيف ، الاولى على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب والثانية على يد الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز ، وماتا مقتولين ولم يسلما من القيل والقال .

                   هذه اللغة المخادعة ، المتماهية مع فساد العالم ، قتلت من امسك بحقيقتها ، وطرحها شفافة وهى تنقب فى (السؤال المندس فى اليقين) على قول الشاعر المغربى الرائع كريم شياهنى ، واستدرجته بكل جماله وهو يخوض فى النور ، الى انفاق داكنة ، يتربص فيها حراس الازمنة المظلمة  ، ثم ساوت بينه والمجرمين القتلة على المشانق .

                   هذه اللغة المخادعة لن تعرف معها الحقيقة  فى المنشور منها ، لأن الحقيقة ساكنة فى بطن غريقة مختبئة فى السر ، واخرى محاطة بالخوف ومسكونة بالاستعارات ، واللغة الصادقة هى التى يلقى بها صاحبها فى سلة المهملات ، او تلك المحترقة على المواقد ، لأنها لغة خرجت متحررة من  تأثير الخوف او تأثير المعايير  او متمردة عليها ، ولأنها بهذه الصفات الخطرة ، أعدمها صاحبها قبل الآخرين .

                    ستجد الحقيقة فى بطن غريقة مسكونة بالخوف ومندسة فى السر ولا سبيل اليها ، ستجدها فى رماد المواقد فأنتظرها الى يوم القيامة لتقرأها ،  ستجد الحقيقة مندسة فى خوفك  .   

                   

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

تكاثر الذئاب فى البلد العفيف


       
                   لأنه لا ينظر الى وجهك ، فهو لا يكن لك اى مشاعر ، لا يحبك ولا يكرهك ، لايحترمك ولا يزدريك ، ومع ذلك فأنت تشكل فى نظره عنصرا هاما من عناصر رفاهه ، لذا كان من الطبيعى ان يتجه بصره فى اوّل لقاء الى جيوبك ، واذا وجدها كفؤاد ام موسى ، يتجه بنظره الثاقب ليتفحص بنيتك الجسمانية ، يتفحصها لا كما كان يفعل تجار الرقيق فى قرون خلت ، فتلك الذئاب المتوحشة ، كانت تجس عضلاتك بشغف انثى شبقة ، ثم تحسب عائدها منها وهى تلهث ككلب اجرب ، اما هو حين يرمى بصره عليك ، يكون قد حسب مقدار الطاقة المخزّنة فى عضلاتك ، ولأى المشاريع تصلح ، ومقدار ما تعود به من المال ، وقدر اسهاماته فى رفاهه الخاص .

                   الفارق الرئيس بينه وبين ذئاب التأريخ البشرى ، انه لا يعتصرك حتى الفناء ، بل يحرص ان يعطيك من الاجر ما يحافظ به على مخزون الطاقة فيك لأجل مشاريعه ، اما مشاريعك لا تجرؤ ان تحلم بتحقيقها فى معيّته ، ثراؤه لأجله فقط فى دائرته الضيقة ، ولا يعنيه اذا غرق المجتمع من حوله فى الفقر والجهل والمرض والفجور .

                   انه رأس المال السافل ، ذئب عصرنا الناعم ، المتكاثر كالاميبيا فى بلادنا .  رحم الله رجال المال السودانيين ، الذين بنوا المدارس والمراكز الصحية والمستشفيات ، وقاموا بأنفسهم ، اوأرسلوا ابناءهم فى هدأة الليل البهيم ، ليقدموا المساعدات لبيوت عفيفة .

الجمعة، 5 فبراير 2016

المجد لرأس المال


                   المبادىء تقف دائما عائقا امام المصالح ، انه قول مأثور لرأس المال العارى من اى اخلاق ، والمصالح شرهة ، لا تستحى ان تدخل ثقب نملة ، لتنال حبات ذرة محمولة على اصبع ، تماما كما يفعل الجياع فى زمن المسغبة مع مملكة النمل ، والصين اقدم تجار هذا الكوكب ، لم يحدث فى البلاد التى دخلتها مستثمرة ان سبق رساميلها ، كتاب احمر او رمادي ، ولم تهمها يوما الراية التى ترعى مصالحها فى ذاك البلد او هذا ، مهما تصادمت مبادىء تلك الراية مع جوهر مبادئها  ، المهم ان تكون رعاية المصالح ، قادرة على ان تراكم فوائدها بالقدر الذى تعجز ان تتحمله خزائن ذلك البلد ، وان تكون المصالح هى العقيدة المشتركة بينهما ، انها طبيعة العلاقات التى جمعتها فى السودان بالحركة الاسلامية ، مثلما جمعتها مع كل الدول التى يحظى فيها الاستثمار الصينى بمكانة بارزة ، او بتبادل تجارى بارز .

                   وعودة السيد عوض الجاز احد رموز الحركة الاسلامية ، الى مصاف السلطة مرة ثانية عقب تكريم الصين له ، تبدو فى احد وجوهها اشارة واضحة لما تتمتع به الصين من نفوذ فى السودان ، وتعكس مدى حاجة استثماراتها الى  ذات العقل الذى فتح امامها ما اغلق على غيرها من المستثمرين ، وادار مصالحها بحنكة اوصلتها الى ما وصلت اليه  من قوة ونفوذ ، كما تعكس حاجتها  لحماية هذا العقل لحماية استثماراتها وتوسعها المرتقب ، اى ان ثمة مهددات او ضرورات اوجبت هذه الخطوة ، وهو امر جاء متسقا مع موقعه الجديد المفصل بعناية ودقة ، وليس هذا ما يهمنى هنا .

                    ما يهمنى هنا ، ان مثل هذه الرساميل الاستثمارية ، تبدو  افضل قارىء للواقع او للأرض محل الاستثمار ، فرؤيتها للواقع تأتى مجردة من اى تأثير عاطفى ، وعلى ذات الاساس تختار كوادرها لمشروعاتها التى تبنيها هنا او هناك ، فلا مجد فى نظرها يستحق ان تضحى من اجله بالدم والروح سوى مجد رأس المال ، فالدكتور عوض الجاز الرمز الاسلامى البارز ، يعد فى نظرها من افضل الكوادر القادرة على خدمة رأس المال الشيوعى الصينى .

                    هذه هى عقيدة رأس المال فى راهننا و عقيدة من يرجو مصلحة منه ، ولا مفر لمن اراد شيئا من هذه المصالح ، ان يهتف ، المجد لرأس المال ، تماما كما يهتف كثير من الاهلة ، المجد للكاردينال .
                    

                   

                   

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...