الأحد، 28 أغسطس 2016

المفصولون قضية عاجلة


                      قضية المفصولين هى القضبة الاولى فى تأريخ الانقاذ وخكوماتها المتعاقبة ، وهى خطيئتعا الاولى التى وسمت تأريخها بالظلم فى مبتدأه ، ووسمت مسيرتها بالضعف الفنى والاخلاقى تجاه قضايا العدل والانصاف ، ووسمت مواقع مسئوليها فى الجهاز التنفيذى بالاستعلاء على قرارات مؤسساتها السيادية ممثلة فى رئاسة الجمهورية التى اقرت بكل وضوح بالظلم الذى وقع على المفصولين ، وبالاستخفاف بمؤسساتها العدلية ممثلة فى الاحكام التى اصدرتها المحكمة الدستورية كما فى حالة مفصولى البنوك .

                     ويبدو ان الذين وقفوا خلف سياسة الفصل الممنهج التى شهدتها سنوات التسعينات ، ووضعوا المتاريس المتحركة من عام لعام امام كل المحاولات الجادة والمخلصة لحلها ، رحمة بهذا الوطن واهله ، يبدو انهم ظنوا انها من القضايا التى ستنتهى بالتقادم وتموت كقضايا المساكين ، ولكن لم تكف يوما اصوات الرجال الذين يحبون هذا الوطن عن محاولاتها فى اختراق الوقر الذى سكن آذان هؤلاء الممسكين بمفاصل الدولة ، ليرخوا اسماعهم مرة للنصح لأجل الحق ولأجل الوطن ، 

                    بالامس القريب ، اصدر مفصولو القوات المسلحة بيانا سرد تأريخ مشوارهم مع هذه القضية ، وابانوا فيه الاسباب التى دفعتهم لتفويض الحركة الشعبية شمال بتبنى قضيتهم فى مفاوضات اديس ابابا ، وهو بلا شك تفويض شكّل صدمة للكتلة الصماء التى وقفت ضد معالجة هذه القضية المزمنة ، ولا شك فى ان هذه النقلة فى مسيرة المفصولين قد جاءت نتيجة منطقية لموقف الكتلة الصماء  الذى دفع المقاتلين سابقا ضد الحركة الشعبية ان يحتموا بظلها والحرب لم تضع اوزارها بعد ، وكيف ان موقفها هذا قد اهدى الحركة الشعبية ورقة ضغط مجانية .

                   مع احترامى وتقديرى لخطوة مفصولى القوات المسلحة هذه ، الا ان تأريخ المفصولين مع الحركة الشعبية الأم ، لا يدعو للطمأنينة مع شقها الشمالى ، فبعد (نيفاشا) لعبت الحركة بورقة المفصولين لمصلحتها واشترطت عليهم الانضمام لصفوفها لحل قضيتهم ضمن حصتها فى قسمة السلطة فى الشمال والبالغ قدرها 22% ، وكانوا واضحين حتى فى جلسات النقاش العادية بين الاصدقاء بأنهم لن يخوضوا حرب الآخرين بالوكالة ، ولا الومهم فلهم معاركهم الخاصة ليس المفصولون من ضمنها ويبدو لى انها لا تزال قاعدة ثابتة لدى الحركة الشعبية شمال .

                   ما يهمنى هنا ، ان قضية المفصولين لا تحتاج الى كثير قول ، وانما تحتاج الى فعل عاجل يعيد الحقوق لأصحابها فتداعياتها بعد هذا الصبر الطويل بكل ثقل الغبن الجاثم على ظهره ، تبدو مفاجئة فى نقلاتها وهى نقلات خطرة فى ظل اوضاع البلاد التى نعيشها الآن .

                  

                   

  
                     
                      

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

الشرطة الجامعية


                     قرار استحداث شرطة جامعية واحلالها محل الحرس الجامعى ، يبدو فى تقديرى افضل بديل لما كان سائدا ، لسبب بسيط وهو ، ان ثمة قوة شبه عسكرية هنا خاضعة لقانون معلوم ، لا تستطيع التصرف خارج نصوصه حتى لو شاءت ادارة الجامعة او غيرها منها تصرفا آخرا ، مما يعنى ان الشرطة اصبحت مسئولة قانونا امام كل ما يترتب على الاحداث التى ستقع داخل الجامعة ، وأن البناء على المجهول فى حالات الاصابات التى تلحق بالطلاب بما فيها حالات الوفاة ، لم يعد فعلا له مكانا فى الاحداث ، فالقوة معلومة بالاسم ، واسلحتها معلومة بالارقام ، وذخيرتها ايضا ، ووقت ومكان تواجدها معلوم ، لهذا يبدو افضل البدائل اذا نظرنا للقرار مصحوبا بتأريخ الاحداث التى وقعت بالجامعات فى السنوات الاخيرة .

                     فى تقديرى ان الشرطة قبلت تحديا كبيرا بتحملها لهذه المسئولية الكبيرة ، واتمنى ان تكون على قدر التحدى وهى على ذلك لقادرة ، ولا اشك فى حرصها على اختيار عناصر هذه القوة وفقا لمعايير خاصة و خضوعهم لأساليب تدريب خاصة تتسق مع حساسية العمل داخل المؤسسات الجامعية ، فنجاح هذه التجربة يتوقف فى تقديرى على مدى القبول الذى ستحظى به داخل الجامعات ، واهم عامل يمكنه ان يحقق هذا الفبول هو ، اطمئنان الطلاب وذويهم والمهتمين بأستقرار الدراسة فى الجامعات ، على ان مهمة القوة هى حماية الطلاب من العنف على اطلاقه ، وليس العنف الناشىء فيما بينهم وحسب .

                      استقرار الدراسة بالجامعات ليس حلما خاصا او عاما وانما حاجة اسرية ملحة ايضا ، اتمنى ان تتوفر لها البيئة اللازمة ، فالوطن فى حاجة الى عقول جديدة مبدعة تغير شيئا الى الامام فيه ، واتمنى ان يكون توفير الحماية للحرم الجامعى وللطلاب ممهدا لافساح مجالا اوسع للحرية داخله .


الاثنين، 15 أغسطس 2016

المدن السجون


                         ان تشك فى امر ما ،  يعنى ان ثمة غموض يحيط افكارك عند النظر لظاهرة او لظواهر مؤرقة ، وظاهرة كالهجرة من الريف الى المدن ، شغلت تفكير معظم القوى السياسية و الكثيرين من ابناء المدن والريف على السواء ، وسيقت فى شأنها كثير من النظريات والتحليلات والتبريرات ، استقر معظمها على ان اسبابها ناتجة من اختلال فى توزيع مشاريع التنمية وتمركزها دائما فى المدن الكبيرة لتوفر البنيات اللازمة لنجاحها كالطاقة والمواصلات والاتصالات والقوى البشرية المؤهلة ...الخ ، اى ان الظاهرة منتجة بأقتدار من قبل سياسات الحكومات قصيرة النظر ، او هكذا استقرت اسباب الظاهرة فى وعينا الى وقت قريب ، ولا زالت مستقرة فى وعى آخرين عنوانا رئيسا للثورة .

                          لست هنا بصدد تحليل لهذه الظاهرة ، وانما البحث عن مصادر هذا الشك الملحاح الذى يقودنى دائما الى انها مجرد مشروع كونى ، اعد بحرفية عالية من قبل قوى عظمى ، امتلكت مصادر التمويل والتقنية والمعرفة اللازمة والقدرة على انتزاع القرارات حتى من اعدائها ، وفرض شروطها الملغومة بأجندة لن يمض عليها وقت طويل ، حتى تصبح الارض ومن عليها فى خدمتها ، وأهم هذه الاجندة ، الاحتفاظ بأوسع المساحات بورا لمستقبل استثماراتها ، لذا سعت ومنذ وقت مبكر لحشر سكان الارياف داخل المدن الكبيرة ، التى تتمركز فيها الخدمات وسبل كسب العيش ، بفعل الشروط التى يمليها صندوق النقد والبنك الدولى وغيرها من مؤسسات التمويل العالمية .

                          اعلم ان الخوض فى هذا الموضوع يحتاج لوثائق واحصائيات رسمية ودراسات مستفيضة لعينات من السكان النازحين داخل المدن الى آخر ما تحتاجه دراسة علمية موثوقة ، ولكنى اتحدث هنا من واقع ملاحظات عادية لأمرء عايش تطورات هذه الهجرة حتى بلغت مستواها الحالى ، وهى فى تقديرى تكفى للتيقن من صحة مصادر شكى القائل بأن الهجرة من الريف الى المدن وهجرة العقول من الوطن الى الخارج ، عبارة عن مشروع كونى يهدف الى الاخلاء للاحتفاظ بمساحات واسعة من الارض لمستقبل استثماراته .

                          اولى هذه الملاحظات ، اننا ومنذ ان وافقنا على شروط صندوق النقد والبنك الدولى المعلنة منها والمخفية لأول مرة فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى ، ابتدأ كل شىء مستقر فى السودان يهتز ويبدأ تآكله بمقدار سريان تلك الشروط فى حياة الوطن ، فضلا عما اضافته عوامل الطبيعة كالجفاف والتصحر .

                         ثانى الملاحظات ، ان الحرب التى تعتبر اقوى العوامل المغذية للهجرة والنزوح الى داخل المدن ، فمسبباتها بجانب كونها ضمن الصناعات العالمية المحتكرة لتجارة السلاح وعملاء القوى العظمى المتصارعة فيما بينها على الموارد ، فهى ايضا ناتجة من تطبيقات تلك الشروط سيئة الذكر وآثارها السالبة التى تلقى بها على كاهل اهل الاقاليم .

                         ثالث هذه الملاحظات  ، .انه بعد ان تضاعفت اعداد النازحين نتيجة لخطل السياسات التى انتجتها تلك الشروط مضافا اليها عوامل الطبيعة ، ونتيجة للحرب ، تم التقنين لهذا الحشر داخل المدن من قبل الامم المتحدة بأنشاء مفوضية النازحين ، والتى نادت بألزام الحكومات حول العالم بحق النازحين فى سكن مخطط داخل المناطق التى استقروا فيها عشوائيا ، وهى دعوة حق اريد بها باطل ، فمعظم الحكومات التى عانت من هذه المشكلة ، عاجزة عن الايفاء بأحتياجات سكان المدن القائمة قبلا وفقا لمعايير الكرامة الانسانية ، فما بالك بما فعلته الاستجابة لهذه المقررات الاممية التى حفّزت الآخرين الصابرين على كفاف يومهم بالنزوح للحاق بالحصول على سكن بالمدن ، لم تنه معه معاناتهم بل واجهوا معانات جديدة تطلبت منهم جهودا كبيرة للتأقلم معها خاصة مع نمط الحياة الجديدة فى المدن .

                        يقلقنى الآن ان يكون ثلث سكان هذا الوطن وربما اكثر متمركزون داخل العاصمة ، ومعظم باقى الثلثين داخل المدن الكبيرة بالاقاليم او الولايات ، وباقى مساحات هذا الوطن تركت لمصير مجهول ، وما يقلق هنا ان اقوى الحكومات قدرة على الفعل لا تستطيع ان تلتفت لتلبية حاجات مواطنيها الى ابعد من حدود المدن ، فالحكومة ومواطنيها اصبحوا محصورين داخل هذه المدن ، وما تبقى من ارض الوطن عرضة لأستثمار اجنبى لا استبعد انه متى وضع يده عليها سيمنعنا حتى المرور عبرها ، لنصبح نحن وحكوماتنا مساجينا داخل مدن بالكاد تكفى حاجاتنا لحياة كريمة .

                         

                          

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...