الأربعاء، 13 مارس 2013

حريق الزيت القادم


                     انابيب البترول فى السودان وجنوب السودان فى هذه الاثناء تشبه امعاء كثير من ابناء شعبيهما ، خاوية وتتلهف متى يبدأ ملؤها ، واللهفة ليست قاصرة على الجوعى هنا وهناك ، فثمة لهفة اخرى اكثر تشعبا واشد خطرا دفعت الرئيس الراحل جعفر نميرى حينما نجحت شركة شيفرون فى اكتشاف البترول بوقف كافة عملياتها بعد ان اكتشف حجم اللهفة المخيف الذى صعد متوثبا ومتلفحا بكل ما يستطيع من اجل نصيبه فى حصص الذهب الاسود القادم ، واكتشف قلة حيلته فى مواجهة تلك اللهفة المخيفة ، فلا عذر لرئيس يجرى من تحت يديه زيت النفط دولارات امام مطالب شعبه .

                     مخاوف الرئيس الراحل نميرى مع النفط صارت واقعا ماثلا امامنا الآن فى فصل الجنوب وفى النزاعات المسلحة شرقا وشمالا وغربا وجنوبا جديدا ، وتبدو اكثر مظاهرها قبحا ودمامة متجسدة فى طبقة جديدة منعزلة تماما عن المكونات العامة لمشاعر الشعب كما يتجلى ذلك فى مسكنها الذى يتفوق بعضه على مساكن اثرياء دول الخليج من حيث الجمال والحداثة والذى اختارت له مدنا خاصة لا استبعد ان تتمنطق قريبا بأسوار عالية بعد ان تمنطقت مساكنها بأحدث اجهزة الرقابة والتأمين المدعومة بحراسات خاصة ، هذا المظهر الخائف والمنعزل عن بقية مكونات الشعب لايشى بان ثمة خيانة وطنية قد تمت فى حق الشعب فحسب وانما يشى كذلك بتمزيق بنية العلاقات التاريخية والاجتماعية والثقافية التى ربطت عامة الناس فى السودان بأثريائهم ، هذا المظهر وحده يدعو ان ينتبه من بيدهم الامر الى ان علاقة باطلة جرت بسلاسة بين المال والسلطة ، بين طلاب الثراء والسلطة ، وهى العلاقة التى ظلت مستنكرة على مر التأريخ منذ عهد افلاطون وحتى عهد سقوط انظمة مصر وليبيا وتونس لما انتجته من دمار اقتصادى واجتماعى وثقافى لا زالت هذه البلدان تعانى منه .

                      هذه الطبقة المنعزلة اجتماعيا والمترابطة بقوة بين السلطة والسوق والتى ارتوت من انابيب النفط وما انتجته انابيب النفط فى الفترة الماضية ولم تشبع بعد ، تبدو الخطر الاكبر على حقوق الناس فى هذا البلد ، والخطر الاكبر على حاضر هذا الوطن ومستقبله ، وما لم تغل يدها القابضة على مفاصل رئيسة فى الدولة ، فأن الخشية ان يصبح المال القادم عبر خط الانابيب ما هو الا زيت الحريق القادم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...