كل وجوه الفوضى تجمعّت فى مصر الآن ، وأخذت تخط فى شوارعها معنى جديدا لغياب الأمن ، اضرابات الشرطة المصرية ووقفاتها الاحتجاجية دعوة مفتوحة لزلزلة الشارع المصرى ، فمعلوم انه حينما تتشتت القوة تنتشر البلبلة ، وحدهم الاخوان المسلمون ومناصروهم كامنون خلف هذا المشهد المؤلم كأنهم يعرفون حدود منتهاه او يعرفون ان فى منتهاه قبضتهم الاخيرة الطويلة على ارض مصر ، او ربما يعرفون مواقيت قيامته الكبرى القادمة من خلف حرائقه وفوضاه ، فأتخذوا لأنفسهم استراحة محارب استعدادا لأيام ، الله وحده يعلم ويلاتها .
من يصنع الفوضى الآن فى مصر ؟ سؤال يمكن الاجابة عليه بنظرة خاطفة ، الاخوان وتيار الاسلام السياسى ، جبهة الانقاذ ، احذاب الموالاة ، التراس الاهلى والتراس المصرى وكذا التراس قادم فى الطريق ، ولكن حين تعيد النظر كرة وكرتين يتراءى لك كل هذا الحشد المحاط بالفوضى ، مجرد خيوط تمسك بها يد ماهرة مدربة وتدرى الى اين تقود مصر ، المعرفة الظاهرة من لعبة الخيوط هذه ، ان مصر الآن فى حالة تمزق ، وهذه الحالة ضربت بقوة هويتها الحضارية التى عرفها الناس على مدى قرنين من الزمان ، والتحوّل الذى يريده الاسلاميون بمختلف الوان طيفهم لهذه الهوية ، يصطدم بشدة مع تأريخ طويل انتج ما انتج من نخب سياسية واقتصادية وعسكرية ودينية تستطيع ان ترى تأثيرها فى الحياة المصرية بدءا من سعر العملة وانتهاءا بسعر ساندوتش الفول ، هذه النخب وبكل هذا التأثير لن تستطيع قوة الاسلاميين تخطيها لتصيغ هوية مصر وفقا لمشروعها الاسلامى ، واليد الماهرة المدربة تعلم ذلك واكثر ، ولكنها تعلم علم اليقين ان حالة التمزق والفوضى هى افضل آلية تتيح السيطرة على محيط دولة التأثير ، ومصر الكبيرة بنخبها الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية ، هى الدولة المؤثرة على العالم العربى والاسلامى ، والخشية ان تظل غارقة فى الفوضى الى المدى الذى يتيح السيطرة على محيطها بالكامل .
يبدو لى ان من يصنع الفوضى الان فى مصر لا يستهدف مصر فى الوقت الحاضر ، انما الهدف الاكبر هو محيطها الاقرب الملتهب جنوبا وشرقا وغربا ، ومحيطها الابعد الذى يلوّح لها بين الفينة والاخرى بعصا الظمأ الطويل ، فهل تستيقظ مصر من حلم السلطة ونشوته الكاذبة ام تستغرق فى فوضاه لتجد نفسها حين تصحو غريبة ديار وغريبة اهل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق