يستعصى الموقف السعودى والقطرى المتشدد تجاه الحرب الدائرة فى سوريا على الفهم ، مالم نستصحب التأريخ فى قراءتنا لهذا الموقف ، وافضل قراءة للتأريخ العربى والاسلامى ، نجدها بجلاء عند الباحث العلاّمة حسين مروة فى سفره العظيم (النزعات المادية فى الفلسفة العربية الاسلامية - الجاهلية - نشأة وصدر الاسلام) طبعة الفارابى 2008 المجلد الاول ص 225 حيث اورد ما يلى :
(فى الوضع الجغرافى لشبه الجزيرة العربية يستوقفنا خلاف لدى الجغرافيين العرب الاوائل فى تعيين حدودها الشمالية قبل الاسلام ، كما يفهم من ياقوت ، ولكن الهمدانى - وهو من مؤلفى القرن الرابع الهجرى اى انه متقدم على ياقوت - يقرر ان مجرى الفرات الأسفل حدها الشمالى الشرقى ، وشواطىء فلسطين على البحر الابيض المتوسط حدها الشمالى الغربى . غير ان بلياييف ، من المؤلفين المحدثين ، رغم شكه فى صحة تحديد الهمذانى ، لا يشك فى ان بادية الشام كانت فى ما قبل الاسلام جزءا من شبه الجزيرة ، وان الحدود السياسية بين الامبراطوريتين : الفارسية والبيزنطية ، فى القرنين الخامس والسادس ، كانت مرسومة على نحو يبقى الصحراء السورية (بادية الشام) فى حوزة سكانها الاصليين : العرب .
ولدى ابن حوقل ما يؤيد هذا الرأى . وربما نجد ايضا لدى ابن خلدون تأييدا للرأى نفسه كما نفهم من قوله : (.... وفى ما بين بحر فارس والقلزم جزيرة العرب كأنها داخلة من البر فى البحر ، يحيط بها البحر الحبشى من الجنوب ، وبحر القلزم من الغرب ، وبحر فارس من الشرق ، فيما تفضى الى العراق فى ما بين الشام والبصرة على الف وخمسمائة ميل بينهما) .ولا خلاف - بالبداهة - على الحدود الاخرى لشبه الجزيرة ، فهى محددة طبيعيا بالبحار الثلاثة المعروفة (المحيط الهندى او البحر العربى حنوبا ، والخليج العربى- الفارسى شرقا ، والبحر الاحمر "القلزم قديما" غربا . انتهى )
والمعروف ان حذب البحث الحاكم فى سوريا يعتبر اى عربى مواطنا سوريا لا يطالب بتأشيرة دخول ولا بشروط الاقامة المطبقة على الاجانب ، وفيما يبدو ان المدن التى تشكل بادية الشام فى راهننا ، كانت قد اكتظت طوال سنوات ما قبل الحرب بجاليات كبيرة من المملكة والامارة ، وهى التى تكبدت اكبر اعداد من الضحايا وافدح الاضرار منذ اندلاع العنف فى ايامه الاولى ، ومن هنا نشأ الموقف المتشدد لكل من السعودية وقطر من النظام السورى .
ويبدو ان موقف المملكة والامارة لم يأت نتيجة لما حلّ ببادية الشام من ضحايا وخراب ، وانما جاء ايضا خوفا لخروج هذه البادية من تأريخ وجغرافية الجزيرة العربية فى ظل التمدد الايرانى الذى ايقظ فى روع المنطقة والعالم ، خروج شبح الامبراطورية الفارسية القادم بقوة الى مضاربه القديمة وما تلاها ، ومن هنا وعلى ضوء الخريطة المشار اليها فى بحث حسين مروة ، يمكننا ان نحد تفسيرا للموقف السعودى والقطرى من الصراع الدائر فى سوريا وكذلك موقف ممثلى الامبراطورية البيزنطية المتجسّدة فى بعض الكتل الغربية ، وموقف ايران التى شكل غيابها عن حراكات الحل فشلا زريعا لكل المساعى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق