
وفى ظل الثورات التى تشهدها منطقتنا ونزاعاتها المتفجرة وصراعاتها السياسية المحتدمة اضافة لما نعانيه من مشكلات اقتصادية مزمنة وبطالة متصاعدة يوما بعد يوم ، يبدو الجوع سيّد المشهد القادم ، وفى قولنا المأثور الذى نحفظه عن ظهر قلب ( لو كان الجوع رجلا لقتلته ) و ( الجوع كافر ) فهى تعابير تشى انه خصم لا يموت ولا يردعه دين او تمنعه اخلاق من قتل ضحاياه والذين عادة ما يكونوا بالآلاف ، بل يكفى حضوره للفتك بهم ، وحضوره عادة توفره الظروف التى يشهدها عالمنا الآن وتجذبه بقوة ظروف منطقتنا على وجه الخصوص ، فأذا كانت مجموعة العشرين تسعى الآن للتصدى لأرتفاع اسعار الغذاء لمنع حضوره ، فأن سعيها سيظل محكوما بموازنات يهمها ان اى اجراء فى هذا الشأن يجب ألا يؤثر على وضعها كمجموعة تقف على قمة الدول الغنية التى لا تسمح اقتصادياتها بوجود ثغرة يتسلل منها الجوع ليهدد حياتها حتى وان شكلّت موازناتها هنا ثغرة كبيرة ينفذ منها الجوع الى بلدان كبلادنا وبالتالى فأن خطره المرتقب امر يعنينا فى المقام الاول .
فأذا كانت قدرتنا عاجزة عن تغيير الظروف التى اشعلت فتيلة النزاعات والصراعات السياسية المحتدمة ،فالقدرة على سد المنافذ التى يتسلل منها الجوع متوفرة ولا تحوّج السلطات سوى اجراءات بسيطة يقف على رأسها التحرك الفورى للسيطرة على اسواق السلع الاولية التى تشكل اساس حياة المواطنين كالخبز والخضروات واللحوم والزيوت والسكر والوقود ، فهذه السلع تبدو فى ظل الظروف المحيطة بنا الآن اشبه بليلة القدر لأباطرة السوق السوداء - البوابة العريضة التى يدخل منها الجوع متقدلا فى حياتنا - وبالضرورة تقتضى هذه السيطرة اختيار كوادر امينة ونزيهة لا تخشى فى الله لومة لائم ومتجردة من اى انتماءات من شأنها ان توظف هذه السيطرة لمصالحها ، وان تخضع العملية برمتها لرقابة صارمة رسمية وشعبية حماية لها من الاستغلال .
الجوع خصم قاتل ، لا يجدى معه سلاح ولا تصده مليشيا ، فقط تدحره ارادة حرة نزيهة وشفافة ورحيمة بشعبها ، واول وآخر دعواها ( رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق اهله من الثمرات ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق