الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

فى ذكرى ثورة اكتوبر

                       يبدأ بص مواصلات بيت المال رحلته من شرق ميدان سوق ( ام سويقة ) ثم يدلف على شارع السيد على الميرغنى مرورا بمنزل السيد اسماعيل الازهرى ليعبر الشارع المحازي لمسجد الامين الضرير مرورا بمنزل الاميرالاى عبد الله خليل والى المحطة الوسطى امدرمان ، وفى الميدان الصغير امام سوق الجلود حيث قام عليه حاليا قسم شرطة سوق امدرمان كان يوجد موقف بصات ودنوباوى وموقف بصات مدينة الثورة بلونها البمبى وخط سيرها الدائرى الذى يشمل شارع النص وشارع الوادى ، هذه المنطقة كانت مسار حركتنا اليومية من والى مدرسة بيت المال الابتدائية قبل انتفالنا الى مدارس الثورة وهنا شهدنا ثورة الامدرمانيين فى اكتوبر 1964 ولعدة سنوات لاحقة كنت اعتقد ان الثورة بدأت هنا وانتهت هنا وان مشاركتنا فيها والتى لم تتعد تنبيه المتظاهرين الى اماكن تواجد قوات الشرطة او تضليل رجال الشرطة الذين كانوا يلاحقون متظاهرين بعينهم او بجمع الحجارة فى اكوام متفرقة على الطرقات او بهتافاتنا التى بالكاد يسمعها من هم بجوارنا هى التى قادت فى النهاية الى انتصار الثورة .


                      ومن طرائف تلك الايام كنا نعتقد ان المتظاهرين الذين يرتدون البناطلين والقمصان هم فى الحقيقة طلاب جامعة الخرطوم وقادة هذه المظاهرات وفورا تأخذنا لمشهدهم حالة من الانبهار والاعجاب والحماسة تدفعنا بمتابعتهم واعيننا على مكامن الشرطة فى تلك الازقة الضيقة بحى بيت المال و حى عبد الله خليل الى ان يلتئم شملهم مع مظاهرة جمّعت اطرافها من جديد بعد ان فرّقتها الشرطة لتبدأ هتافات مدوية ملؤها العزم والاصرار ، ولا زلت اذكر مشاركة اعداد من الاخوة الجنوبيين فى تلك المظاهرات ومشاركتنا معهم خطأ ترديد الهتاف ( قسما قسما لن ننهار ) حيث كنا نردده سويا ( قسما قسما ليل ونهار )فقد كان فهمنا لهذا الهتاف ان المظاهرات مستمرة ليلا ونهارا وقد كانت كذلك .
                     اما فى مدينة الثورة فقد اخذت الحماسة اعدادا كبيرة ممن كانوا فى عمرنا آنذاك وشكلنا مظاهرة ضخمة اختارت طريقا وسط الحارة الخامسة مسارا لها ومن طرائف تلك المظاهرة ان عددا من ( الحبوبات ) والامهات كن بصحبتها بعد ان عجزن من اقناع الاولاد بعدم المشاركة وكان وجودهن فيها اشبه بخط دفاع آمن اما المشهد الذى اهتزت له مدينة الثورة بأجمعها فقد كان ذلك الموكب المهيب الذى شاركت فيه حتى اشجار النيم بأفرعها التى حملها المشيعون لجثمان الشهيد عوض التاجر بسوق امدرمان ووالد كل من احمد ولاعب الهلال السابق مامون فقد احتشدت جماهير غفيرة هادرة بالحارة الرابعة لحمل الجثمان من منزله الذى صار بعد ذلك اليوم علما كمنزل آل سليمان كشة و آل عبد الفضيل الماظ و آل النور عنقرة وغيرهم من اعلام الحى متوجهة الى المقابر فى مظاهرة لم نشهد مثيلها من قبل .
                    ومن غرائب الصدف ان يكون من ضمن سكان هذا الحى الرقيب الحاج آدم السائق الخاص للفريق ابراهيم عبود رئيس الجمهورية وقد حكى لى فى سنوات لاحقة انه وفى اثناء عودته بالرئيس عبود من القيادة العامة الى القصر الجمهورى بشارع الجامعة تسآل الرئيس عن سبب تظاهرات طلاب الجامعة والتى كانت فى ذلك الوقت فى بداياتها فرد عليه الحاج آدم بأدبه المعهود وتهذيبه العالى وهدوئه المميز بأن الطلاب لا يريدون حكمه وكان رد الرئيس عبود ( وتاعبين نفسهم ليه برانا بنخليها ليهم ) او كلام فى هذا المعنى .
                   مهما كانت مآلات هذه الثورة وتداعياتها التى دفعت لاحقا اكثر المتحمسين لها من بسطاء السودانيين القيام بزفة  الرئيس عبود عند حضوره  لسوق الخرطوم فى احد الايام بعد تركه الحكم بالهتاف المشهور (ضيعناك وضعنا معاك ) فستظل هذه الثورة معلما بارزا فى تاريخ الشعب السودانى العظيم ورسالة قوية خالدة لكل اجياله بأن ارادة الشعب لا تقهر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...