السبت، 24 مارس 2012

قتلى تولوز


                  نظرية المؤامرة شاء من شاء وابى من ابى قائمة فى كثير من الاحداث التى مسرحها العالم العربى والاسلامى والاحداث التى مسرحها العالم الغربى وشخوصها عرب ومسلمون ، وحادث (تولوز) ليس استثناءا رغم محاولة الاعلام المكشوفة لربطه (بالقاعدة) والارهاب خدمة لأجندة سياسية تبدو ملامحها بائنة فى الاتفاق الاخير بين حكومة ساركوزى وامريكا حول التعاون فى الحرب على الارهاب ، وبائنة فى مواقفها من القضية الفلسطينية والتكلفة التى ترتبت عليها فى التوترات التى شابت علاقاتها مع اسرائيل وآثارها على صعيد المكاسب السياسية فى الداخل الفرنسى ، وبائنة فى مواقفها من قضية الهجرة التى تبدو فى جدول اعمال ساركوزى اولوية قصوى ، وتكفى حالة ترحيل الغجر دليلا سافرا على قدر الكراهية التى تحملها حكومة ساركوزى تجاه المهاجرين سواء أكانوا من القدامى الذين اكتسبوا الجنسية الفرنسية ويشكل المغرب العربى قاعدتهم الكبرى  او الجدد على اختلاف مللهم ، وبائنة فى الخاتمة الدرامية التى افضت الى قتل محمد مراح الفرنسى المنحدر من اصل مغاربى والمنفّذ لعملية القتل البشعة التى طالت الابرياء من اطفال وفتيان المدرسة اليهودية بتولوز لتموت مع مقتله التفاصيل التى خططت لهذا الحادث المأساوى وفتحت لنظرية المؤامرة طريقا سالكة للعقل العربى والاسلامى .

                  ولكن ليس هذا ما يهمنى فى هذا الحادث المأساوى بقدر ما يهمنى هذا التمييز الممنهج ضد العرب والمسلمين الذى فضح اخلاق الحكومة الفرنسية من خلال هذا الحادث ، فقد شهد العالم خلال السنوات القريبة الفائتة حربها ضد الحجاب كأحد مظاهر الهوية الاسلامية وكيف استخدمت فيها كل سلطات الدولة السياسية والتشريعية والتنفذية لحظره فى الاماكن العامة تحت زريعة ضرورات الاندماج فى المجتمع الفرنسى تارة وتحت زريعة حماية الفضاء العام الفرنسى تارة اخرى ونفاجأ مع هذا الحادث بوجود مدرسة تبدو اكثر قوة من الحجاب فى تعبيرها عن مظهر من مظاهر الهوية الدينية ضاربة بذلك كل الزرائع التى ساقتها الحكومة الفرنسية فى حربها على الحجاب ، ومع تأييدى القاطع لحق البشر فى التعبير عن هوياتهم سواء بالحجاب او بتعاليم اليهودية الا ان هذا التمييز يبدو لى القاتل الحقيقى لأولئك الأبرياء ، فقد حوّل موطن محمد مراح داخل فرنسا الى فلسطين جديدة فماذا تنتظرون منه ؟ خالص العزاء لأسر الضحايا ولأسرة القاتل القتيل فجميعهم ضحايا لفجور السياسة .

                  كان لابد من عودة للكتابة فالخطر الذى لاح فى افق هذا الحادث يبدو الصمت معه جريمة نكراء ، فالبشر أتخذوا ثانية قرابينا لآلهة جديدة تدعى مصالح السياسة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...