الاثنين، 15 أغسطس 2011

من اجل شمال متماسك


                  من بين كل العناصر التى تحدد الانسجام الثقافى لمجموعة ما ، اذا استثنيت اللغة والدين ، يبدو عنصر القانون والممارسة الادارية وملكية الاراضى ، من اكثر العناصر اثارة للصراعات والنزاعات القاتلة ، وما تراكم على هذه الاصعدة من قضايا نتيجة لسياسة التمكين التى اتبعتها حكومات الاسلاميين على مدى عقدين من الزمان ، تشكل اكبر التهديدات لوحدة وتماسك وانسجام الشمال ، بما فى ذلك الشمال المفترض فى مخيلة الاسلاميين والمعرّف ب(مثلث حمدى) .

                    فعلى صعيد القانون ، فأن الجدل حول القوانين لم يتوقف يوما منذ استقلال السودان ، وزاد حدة عقب قوانين سبتمبر 1983 التى توطدت دعائمها بعد الثلاثين من يونيو 1989 ، والجدل الدائر حولها لم يتوقف على دائرة حقوق غير المسلمين وانما امتد الى داخل دائرة المسلمين انفسهم ، وكشفت اختلافاتهم الفقهية والاجتهادية قدرا من التباين لا ادرى كيف يمكن الوصول معه مستقبلا الى صيغ قانونية اسلامية تحظى بالقبول والرضا من كافة مسلمى السودان ، وحكومات الانقاذ المتعاقبة ادرى بما خلّفته القوانين التى حكمت بها من قضايا عالقة ، فأولى التحديات التى تواجه وحدة وتماسك الشمال هى كيفية الاتفاق على قوانين تحظى بالرضا والقبول لغالبية اهل الشمال وتصفية القضايا العالقة وما انتجته من غبن .

                    اما على صعيد الممارسة الادارية التى عاشتها مؤسسات الدولة ، فتكفى قضية المفصولين تعبيرا عن فظاعة الانتهاكات التى الحقتها هذه الممارسة بتأريخ الاداء بهذه المؤسسات ، والذى اتسم فى غالبه ومنذ تأسيسها فى مطلع القرن العشرين بالكفاءة والنزاهة والجودة ، والوقوف بحزم فى مواجهة السياسات التى تسعى لأستغلاله خدمة لأغراض اخرى غير التى انشىء من اجلها ، ويكفى وقوفه عاجزا عن تنفيذ توجيهات وقرارات اعلى سلطة تنفيذية وهو رئيس الجمهورية ، سواء تلك المتعلقة بالمفصولين او بالجبايات او بغيرها ، دليلا على فساد الممارسة الادارية ، وهذا يعنى ان اى تشكيل حكومى مهما استوفت عناصره اعلى معايير الكفاءة والنزاهة والجودة ومهما جاء ممثلا لأوسع قطاعات الشعب السودانى ، فأن عطاءه سيصطدم بعقبة جهاز ادارى فى حاجة الى مراجعة دقيقة ومنصفة ، وهذا هو المهدد الثانى لوحدة وتماسك الشمال .

                   اما ملكية الاراضى ، فهى حربنا القادمة التى ستمتد السنتها تلقائيا مستنفرة كل بيت ، فأذا ارجأنا النزع الذى ظلّت تمارسه بعض سلطات الاراضى لملكيات صدّقت عليها سلطات حكومية مخوّلة قانونا وقامت بمنحها لآخرين ، فأذا ارجأنا هذا الجانب ، فأن مشاريع الخطط الاسكانية التى نفذّت خلال الفترة الماضية ، وما صاحبها من تجاوزات قادت البعض الى السجون والبعض الى الهروب ، فأن الخريطة السكانية التى افرزتها ، تدعونا الى اخذ النبؤات التى تناولت وطننا لدى بعض شعوب القارة كأرض للميعاد مأخذا جديّا قبل ان يصير وطننا كما تناولته نبؤآت اخرى ارضا للأجداد ، هذا فى الجانب المعلوم لدى السلطات والمثبت فى وثائق رسمية ، اما ما خفى فهو اعظم ويحتاج لجهد ابناء هذا الوطن قبل جهاته الرسمية حتى لا يصحوا يوما ويجدوا انفسهم غرباء فى بلادهم ، ولأن الأرض هى الوطن فأنها اكبر التحديات ، وتقتضى ان تحظى بمراجعات دقيقة وشاملة وبأصدار قانون واضح وغاية فى الحزم والحسم مع المتعاملين فى الاراضى والمتلاعبين فيها ، .

                  ثمة قضية اخرى تتعلق بالوجود الاجنبى المتعدد الاوجه والمسارب والذى اخذ يتعاظم فى الآونة الاخيرة بأعداد تدعو للريبة بأن يدا خفية ترتب لعمليات توطين ناعمة ، وان هذا الوجود يتخذ فى احد وجوهه شكل هجرات متنافسة اخشى ان تثير على ارضنا رياح الهوتو والتوتسى ، فالسجل المدنى اصبح ضرورتنا القصوى للحفاظ على هويتنا وامننا وسلامنا وعلى اراضينا وعلى فرص تعليم وعمل وعلاج لأبنائنا ويجب ان يسهم كل السودانيين فى انجازه بالدقة والتدقيق والمتابعة اللصيقة لأجراءاته .

                   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...