الخميس، 16 سبتمبر 2010

وداعا ايها الجنوب وداعا ايها الشمال

                   على من يشفق المرء ..على الجنوب ام على الشمال بعد ان اكتملت الآن المرحلة الاولى المفضية الى الانفصال مطلع العام القادم والمتمثلة فى اكتمال تأسيس مفوضية الاستفتاء؟ فكل منهما ينتظره ذات الخطر المهدد لأراضيه ولحياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فقضية الحدود بين الشمال والجنوب والتى غطت بالدماء فى بدايات طرحها ارض (ابيىّ) الله وحده يعلم مآلاتها فى بقية اراضى خط 1956 ومع ذلك يبدو هذا النزاع اخف وطأة من مآلات ما يمكن ان يقود اليه النزاع حول مثلث حلايب ونتوء وادى حلفا فى الشمال مع الشقيقة مصر تماما مثلما يمكن ان يقود اليه النزاع حول مثلث ليمى فى الجنوب مع الشقيقة كينيا وما يمكن ان يقود اليه النزاع حول اراضى الحدود مع يوغندا وافريقيا الوسطى والكنغو المطابق لنزاعات منتظرة على اراضى حدودنا مع اثيوبيا واريتريا وتشاد اذا بقيت دارفور داخل حدود الشمال .
                    كيف تنهض الحياة السياسية فى الجنوب مع طغيان سلطة القبيلة ومع المخاوف الواردة فى الدعاوى التأريخية حول الهيمنة العرقية والاستئثار بالسلطة والثروة والتى رفعتها اجزاء كبيرة فى الجنوب عقب اتفاقية اديس ابابا فى 1972 وافضت فى خاتمتها الى القرار الجمهورى رقم (1) الذى قضى بتقسيم الجنوب الى ثلاثة اقاليم واشعل الحرب بين الشمال والجنوب من جديد؟ ترى كيف تكون تداعيات هذه القضية فى ظل جنوب مستقل؟ بل كيف يكون شكل الحياة السياسية فى الشمال فى ظل قبضة الاسلاميين على السلطة واستئثارهم بالثروة؟ هل سيتحول الى جمهورية اسلامية متصادمة مع بعضها الاسلامى المختلف فى اجتهاداته الدينية ؟هل سيقود الدين الى تقسيم الشمال مثلما يقود الآن لفصل الجنوب ؟ ومنذ متى كان الدين  مدعاة لتقليص الارض وقد امتد بالمسلمين فى ازهى عصورهم الى معظم اراضى العالم القديم ؟ كيف يتخطى الشمال والجنوب حاجز العرق والدين فى غياب الوحدة التى حفظت التوازن بينهما ردحا طويلا من الزمن ؟ كيف يحل الشمال مشكلة السلطة ؟ هل يعيد التأريخ نفسه ونواجه ذات المعضلة التى واجهت غردون باشا الذى تعذر عليه ملء فراغ السلطة المتوقع حدوثه عند اخلاء السودان بين احقية ورثة مكونات السلطة قبل الغزو التركى فى 1821 واحقية القوى الجديدة التى قادها الامام المهدى ؟ هل سيحتاج الشمال الى مهدى جديد ؟ تبدو صورة ما سيكون عليه الوضع فى  الشمال منذرة بمخاطر كبيرة لا تقل فى خطورتها على ما سيكون عليه الوضع فى الجنوب .
                   هل ستستمر حياتنا الاجتماعية كما هى عليه ام ثمة تشكيل جديد لمجتمعاتنا فى انتظارنا ؟ وعلى اى المعايير سيتم هذا التشكيل ؟ اهى معايير قبلية من شأنها ان تستدعى مشيخات الماضى وترمى بثقلها على صراع السلطة ام معايير الثروة التى تفحّشت فى تمركزها لدى البعض  بالقدر الذى تجاوز حد التساؤل الى حدود الحقد ؟ بل كيف ستبدو  صورة المجتمعات فى الجنوب فى ظل الانفصال ؟ تزدحم الآفاق بصور مرعبة تبدو الوحدة معها جنة فى الارض.
                   لا يستطيع المرء ان يمضى اكثر من ذلك فى هذا الدهليز المظلم الذى لا تلوح فى آخره  اى نقطة ضوء ولكن للتأريخ على الواقفين خلف الانفصال فى الشمال او الجنوب ان يدركوا ان كل امانيهم التى بنوها على الانفصال ما هى الا بروقا ليست خلبا ولكنها ممطرة نيرانا سيزيدها البترول الذى فتح شهية الكثيرين هنا وهناك وفى الجوار وحول العالم وقادهم الى فكرة الانفصال سيزيدها اوارا سيستنزف كل مياهنا العذبة المهددة الآن بأكثر من مشروع. 
                   يا حكماء السودان فى جنوبه وشماله اتحدو هو اقرب للنجاة.
                
                  
                   
                  
                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...