الخميس، 2 مايو 2013

عمال السودان المساكين


                         فى الركن الشمالى الشرقى من المحطة الوسطى امدرمان وعلى طول الشارع المتفرع من شارع المهاتما غاندى (شارع الدكاترة) من الجنوب الى الشمال شرق جامع امدرمان الكبير، يصطف جلوسا عشرات العمال من مختلف المهن بما فيهم اولئك الذين لا يملكون من المهارات سوى عضلات لاقيمة لها اذا لم تسعفها وجبة فطور فى الصباح الباكر ، كل منهم يضع ادوات عمله الدالة على مهنته امامه فى انتظار فرج يسوقه اليه فراج الكروب ، عمر هذا المشهد اكثر من نصف قرن ، بينما الوجوه والاشخاص ظلت متجددة باستمرار بأستثناء بعض قليل من حراسه القدامى الذين بلغوا خريف العمر ولم تعد ذاكرتهم تدرك شيئا فى خريطة هذه المدينة التى اخذت غيلان الاسمنت المتطاولة الى عنان السماء تغير فى ملامحها بسرعة اربكت هؤلاء الحراس القدامى الذين تقتضيهم حاجتهم الى الحضور اليومى لهذا المكان الذى شهد حريق العمر لأستلام ما تجود به ادواتهم من عائدات ايجارها المتواضعة ، هذه الادوات التى لازمتهم بأخلاص حياة الضنك الطويلة ولم ينقطع عطاؤها بعد .

                         يوم امس الموافق اول مايو ، او يوم عيد العمال ، وفى الوقت الذى ازدحمت فيه شوارع عواصم عديدة فى العالم شرقا وغربا بحشود العمال المتمسكة والمطالبة بحقوقها ، كانت هذه المجموعة التى اتخذت هذا الركن من المحطة الوسطى امدرمان مقرها الدائم ، مهمومة بحصولها على عمل يأتيها من احد الداخلين الى السوق او الخارجين منه ، ولا يعنيها اول مايو فى شىء وربما لم تسمع به يوما ، لا شىء هنا يدل على ان ثقافة حقوقية او ثقافة مهتمة بقضايا العدالة الاجتماعية قد غشيت هذا المكان ، لا علم لا منشور او حتى قميص احمر ضلّ طريقه صدفة الى احد هذه الاجساد المنهكة ، او دندنة كنا نسمعها آخر الليل فى بعض احياء امدرمان تردد فى اسم قاسم امين ، من يصدق ان هذه المجموعات العمالية كانت فى عشرينات القرن الماضى منضوية تحت جناح جمعيات تحررية نشطة ؟!

                        اين اختفت حركة الوعى التى شكّل هؤلاء العمال يوما احد اعمدتها الرئيسة ؟ّ! هل عقمت تلك الحركة عن انجاب قيادات جدد فى ظل هذا النسل المتزايد من العمال ؟!

                         عمال السودان المساكين تسلّق على اكتافهم من تسلّق وحبس قضاياهم وقياداتهم داخل فيلل وقصور وبيوت عالية الظل ، فلم تعد لديهم حاجة لعيد أول مايو ، حاجتهم الآن تلبيها ايام ما قبل عيد الفطر وعيد الاضحى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

اسرار الخلاص

                    الأسئلة لا تستطيع ان تغطى مجاهيل هذى المخاضة ، لا جدوى من سؤال او اجابة فى حضرة ذاكرة محتلة بالعشق ، ذاكرة كل نوافذها...